تجريم الختان في السودان.. بين التشريع القانوني والمنع الفعلي

روزا فهمي

2020 / 5 / 27

أخيرًا وبعد عقود من نضال النسويات في السودان، بالإضافة إلى جهود منظمات المجتمع المدني والجمعيات غير الحكومية، ستُضاف مادةٌ جديدة إلى القانون الجنائي السوداني تجرِّم ختان الإناث لأول مرة في البلد الذي عانت أكثر من 87% من نسائه وفتياته من هذه الممارسة، وفقًا لدراسات أجرتها منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة.

حصلت هذه المادة الجديدة على رقم 141 دون أن تتضح رسميًا تفاصيل عقوبة هذه الجريمة، ولكن ذكرت بعض المصادر الإعلامية المحلية أن العقوبة من المحتمل أن تتضمَّن السجن لمدة لا تتجاوز ثلاث سنوات فضلًا عن غرامة.

ورغم أن التشريع لا يزال بحاجةٍ إلى موافقة مجلس السيادة حتى يصبح ساري التنفيذ، تُعَد هذه الخطوة مكتسبًا مهمًا من مكتسبات الثورة السودانية التي بدأت في ديسمبر 2018 وأطاحت عمر البشير في 11 أبريل 2019.

لقد شهدت الثورة السودانية دورًا بارزًا للمرأة منذ اليوم الأول، حيث كانت المرأة السودانية في الصفوف الأولى للحراك، مما أثار حفيظة النظام السوداني السابق الذي شنَّ حملة اعتقالات بالجملة واعتدى على أخريات بالضربِ بالعصي وتعمَّد إهانة باقي المتظاهرات.

لا يمكننا أيضًا أن نغفل نضال حقوقيات ونسويات السودان في آخر ثلاثين عامًا للوصول لهذا التشريع، ولكن لولا الموجة الثورية التي اجتاحت البلاد وأثبتت فيها المرأة السودانية أنها جزءٌ لا يتجزأ من المجتمع ودعامة أساسية للثورة كان من الممكن أن لا يرى هذا التشريع النور لسنوات أخرى.

وفي الآونة الأخيرة قدَّم بحثٌ أعدَّته منظمة إيكوالتي ناو (Equality Now) البريطانية، بالتعاون مع الشبكة الأوروبية والشبكة الأمريكية للقضاء على الختان، إحصائياتٍ مهمة عن مدى انتشار هذه الممارسة في 92 دولة، وأنها ليست حكرًا فقط على بعض الدول العربية والإفريقية. يعزِّز هذا البحث فكرة أن تلك الممارسة ليست بالضرورة مرتبطةً بدينٍ معين أو ثقافةٍ بعينها، بل هي مرتبطة بعدم المساواة بين الجنسين، والنظام الأبوي السائد الذي يسعى للسيطرة على المرأة وجسدها.

وكما أشرنا إلى أن التشريع لا يزال بحاجةٍ إلى موافقة مجلس السيادة السوداني، فإنه حتى إذا أُقِر بالفعل، لن يتغيَّر الوضع بين ليلة وضحاها، إذ ستحتاج الجموع الثورية وفي مقدمتهم النساء إلى دفع عجلة التغيير والضغط على جميع مؤسسات الدولة لفرض القانون وعقاب المخالفين، حيث أن الرضا بالتشريع فقط سيحطِّم أمل حدوث أي تغيير جذري في المجتمع السوداني ضد الذكورية والسلطة الأبوية.

وكمثال للقوانين التي لا تمثل إلا حبرًا على ورق قانون تجريم الختان في مصر رقم 242 الذي شُرِّع عام 2008، إذ جرَّم القانون المصري ختان الإناث وفرض عقوبة السجن من خمس إلى سبع سنوات لكل من قام بختان لأنثى، والسجن المُشدَّد إذا نشأت عن هذا الفعل عاهة مستديمة أو أفضى إلى الموت، ولكن مع هذا نجد أن الإحصائيات في مصر تؤكِّد عدم تفعيل وفرض هذا القانون بجدية، فلا تزال مصر تحتل المركز الرابع عالميًا والثالث على مستوى الدول العربية بنسبة 91% في انتشار هذه الممارسة.

ورغم مجهودات مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية في التوعية وملاحقة المخالفين للقانون، يبقى الوضع على ما هو عليه إن لم تدعمهم إرادةٌ شعبية لتجريم الختان ومنعه فعليًا. نحن بحاجةٍ ضرورية لحركةٍ نسوية قوية لمواجهة الجرائم الجنسية الواقعة على النساء، سواء بحجة الشرف أو الآداب العامة أو الهيمنة على أجسادهن. وسيكون هدف الحركة الأساسي هو مواجهة القمع والظلم القابع على النساء من وراء سنواتٍ من السلطة الأبوية والذكورية.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة