صورة المرأة في الفكر العربي نحو توسيع قيم التحرر - يتبع

لمسلم رشيد

2006 / 12 / 11

يعتبر موضوع صورة المرأة في الفكر وفي المجتمع من الموضوعات التي لا يمكن تشخيصها في مختلف أبعادها دون استحضار المكون الثقافي، فقد أصبح من المعروف اليوم في البحث الأنثربولوجي والسوسيولوجي وتاريخ الافكار أن ظهور اللغة وتبلور المنتوج الثقافي في المجتمعات البشرية يعدان من بين العوامل الصانعة والمؤثرة في مختلف الظواهر الاجتماعية• بهذه الافكار أضاء المفكر المغربي الدكتور كمال عبد اللطيف مؤلفه الجديد صورة المرأة في الفكر العربي نحو توسيع قيم التحرر الصادر عن منشورات زاوية للفن والثقافة 2006 الذي حاول فيه أن يصور مجموعة من المعطيات النظرية التي وقفت عند إشكالية المرأة في علاقاتها بالنهضة العربية والحداثة والتنمية والتقدم• في هذه الدراسة المنهجية الغنية بالأطروحات والمفاهيم والنصوص المستوحاة من مراجع فكرية وفلسفية ساهمت في إغناء المكتبة العربية مواكبة لعوامل الاصلاح والنهضة، وبلورة فكر عقلاني تنويري ساهم في جعل الفكر والكتابة السياسية المعاصرة تزخر بآراء ومواقف داعية للتحرر والعقلانية والحداثة• فالفكر، حاول طرح قضايا المرأة في الفكر العربي المعاصر• من الناحية التحقيقية، والمرجعية وأسئلة التغيير••• فالصورة النمطية السائدة اليوم في عالمنا عن المرأة تعد محصلة موضوعية لتاريخ من التدبير الاجتماعي والسياسي والثقافي المعبر عن أشكال من الصراع وأنماط من كيفيات تدبيره داخل المجتمع ص17• فمسألة التحقيب تطرح من خلال إدراك الفارق الى المأسسة ومفارقاتها• وهذا ما حاول الاستاذ كمال رصده من خلال عناوين كبرى: هي لحظة إدراك الفارق• ثم لحظة وعي التحول وأخيرا لحظة وعي أهمية المأسسة• ـ فاللحظة الأولى لحظة إدراك كل النصوص التي عكست في فكرنا المعاصر، كيفية تمثل النخب للفوارق القائمة بين أحوال المرأة في عالمنا وأحوالنا في العالم المتقدم••• واللحظة الثانية تمثل الوعي بالتغير ولزومه كما تبلور في كتابات المصلحين الذين سعوا للدفاع عن ضرورة تغير أوضاع المرأة العربية• ونقرأ في عنوان اللحظة الثالثة التي مانزال نعيش في أطوارها أوضاع المأسسة التي منحت موضوع المرأة صورة التغير الحاصلة فيها بفعل الهزات العنيفة التي لحقت مجتمعنا العربي في العقود الاخيرة من القرن الماضي• إن هذه اللحظات التاريخية والنظرية التي ذكرها مفكرنا تطرح مجموعة من الإشكالات تؤطر صورة المرأة في الفكر العربي• وبأفكاره التحليلية استحضرنا مواقف وكتابات نهضوية إصلاحية تقدمية ساهمت عبر أزمنة مختلفة في بلورة مفاهيم تنويرية تهم الانسان وخاصة المرأة باعتبارها تمثل المجتمع وعنصر فعال لاستمرار الوجود• فإدراك الفارق تمثل بأهمية كبرى في التربية والتعليم وتقدم نصوص كل من الطهطاوي وخير الدين التونسي مظاهر التمدن والتقدم المؤسس لمشروع الاصلاح والنهوض، بينما لحظة وعي التحول والتغير في الكتابات العربية حول المرأة في معالجة أهم قضاياها الإشكالية، حيث تبلور خطاب مباشر كان يحمل هدف التحرر والانعتاق أثارته نصوص قاسم أمين، وزكته مواقف محمد عبده ولطفي السيد• فلقد تميزت نصوص قاسم أمين بوضوحها ومنهجيتها الجديدة في مقاربة قضايا المجتمع العربي• وهذه السمات لم تميز نصوصه وحدها• بل كانت عنوانا للغة إصلاحية جديدة ناشئة في الفكر العربي المعاصر: ص34• بالإضافة لنصوص طه حسين وسلامة موسى وغيرهم••• أما لحظة وعي المأسسة، نحو ثقافة إجرائية فقد فسره الباحث بأنه حركية متدرجة وبطيئة في مجال تلبية بعض المطالب النسائية، وخاصة في باب القوانين المنظمة للأسرة والقوانين التي تتيح للنساء المشاركة في الحياة السياسية، إلا أن هذه الحركة لا تعادل درجة الضغط الموجهة ضد النساء في كثير من أبواب الحياة داخل المجتمع• إن التشخيص الذي قدمه المفكر المغربي حاول أن يحيط بمعركة تحرير المرأة في فكرنا وفي واقعنا، وفي حضور المرأة في الحياة السياسية والثقافية، فالمجتمعات العربية ـ والمغرب على الخصوص عرفت تحولات سياسية وثقافية واجتماعية• كان لحضور المرأة دور أساسي في بلورة مشاريع الاصلاح والتحرر• فكيف نفسر عوامل التحديث التي مست المرأة في حضورها في المرافق العمومية وتدبير الشأن العمومي• والاعلام وعالم الفن والسينما••• وانتربولوجية ونفسية للإحاطة بكل المعطيات النظرية والسلوكية والواقعية التي تجعل من المرأة عنصر فاعل ومنفصل في المجتمع• عكس الخطابات التقليدية التي تقصي العقل والتحرر والتنمية• وهذا ما حاول إبرازه المفكر في المحور الثاني من كتابه المعنون بنهوض المرأة العربية وسؤال الداخل والخارج من خلال تشخيص إشكالي الداخل والخارج وصورة الذات في مرآة الآخر• ذلك ان حضور الآخر في الوجدان والمخيلة، وحضوره في الواقع••• مسائل تاريخية معروفة في تاريخ الانسانية المتواصل، وغالبا ما ننسى هذا المبدأ في غمرة لحظات الصراع، وخاصة في المنعطفات التاريخية التي يبلغ فيها الصراع تأججه ودرجاته القصوى، فيتم اللجوء الى أساليب متطورة في تكريس أوضاع محددة، ومحاصرة بدائلها الممكنة والمحتملة ص70• فصورة المرأة في مرآة الذات تشكل درجة من درجات وعي النخب لسؤال النهضة الاجتماعية في عالمنا• والمرأة في عنوان هذا المحور لا تعبر فقط عن الانعكاس، بل إنها تضيف إليه الارضية التي لا تكتفي بتقديم الصورة والفعل المنعكسين، بل تعمل في الآن نفسه على تكيف المنعكس مع مقتضيات لحظة في التاريخ مثقلة بأعباء التقليد وقيود التاريخ• لينتقل المفكر من مسألة الانبهار الى وعي الذات نحو توسيع كونية التحرر النسائي في العالم باستحضار تجارب عالمية والمتمثلة في نشوء بعض المدارس النسائية في بعض الاقطار العربية التي تكلفت بإنشائه دول استعمارية، وتكلفت به أحيانا الإرساليات المسيحية• وانطلاق الدعم في تحرر النساء وتعميم شعاراته على المستوى الاعلامي• بغض النظر عن الوصف القيمي للحركات النسائية العربية بكونها حركات متعولمة وتابعة، هذا الوصف لا يستوعب في نظر المؤلف المنحى الإيجابي والتاريخي لهذه الحركات، ولا ينتبه للطابع النقدي والروح الكونية التاوية وراء خطاباتها ومشاريعها في العمل• لهذا السبب يصبح الصراع مضاعفا ومركبا بحكم أنه يستند الى سجلين معروفين متناقضين، سجل مسجون في لغة الماضي المنمط والمندمج بصورة لاتاريخية• وسجل المستقبل المفتوح على إعادة بناء الذات في ضوء مكاسب الازمة المعاصرة••• وبين السجلين يقول الاستاذ بوجود مسافة نظرية وتاريخية لا يمكن ان تتقلص أو تختفي إلا بالعمل الشامل والمتواصل من أجل مجتمعات أكثر تكافؤا وأكثر عدلا• •



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة