جسد المرأة في القنوات الفضائية العربية

صالح سليمان عبدالعظيم
salehabdelazim@hotmail.com

2006 / 12 / 27

تنطوي المادة المقدمة من قبل القنوات الفضائية العربية على حيز ضخم من جوانب الإثارة الجنسية سواء في شكلها المستتر البسيط، أو في شكلها المباشر الفج. وفي هذا السياق يمكن القول بأن جسد المرأة يمثل الجانب الرئيسي من المادة المعروضة في العديد من هذه القنوات الفضائية بشكل عام، وفي القنوات التي ترتكز أنشطتها على الجوانب الترفيهية بشكل خاص. وهنا يتم تجريد المرأة من كينونتها وهويتها حيث تتحول إلى مجرد عامل إثارة لجذب المشاهد، وتقييده بالبرامج التي تبثها هذه القنوات.

وتقدم هذه القنوات الفضائية نموذجاً مثيراً للمرأة العربية لا يرتبط بالواقع المعيش في شيئ، حيث تُقدم بوصفها المرأة الجميلة الأنيقة، ذات الجسد المتناسق، المتحررة والمنطلقة. وهو نموذج منبت الصلة مع الواقع الفعلي الذي تعايشه المرأة العربية التي تعاني من قسوة الظروف الاجتماعية من جانب، ومن قسوة الظروف الحياتية من جانب آخر، حيث يندر أن تقدم القنوات الفضائية العربية نموذجا للمرأة الفلاحة أو للمرأة العاملة الكادحة.

يصبح وجوه الممثلات الجدد ومغنيات الفيديو كليب هو النموذج المفروض على المشاهد ليل نهار، حيث تتساوى حالة البراءة مع حالة الشهوانية، فالمهم في النهاية هو إكساب كل من البراءة والشهوانية ذلك القدر من الإثارة وإمكانية التعري مما يساعد على تسويقهما وإقبال المستهلكين عليهما. فالجسد هو مركز التجريب، بغض النظر عن ملامح الوجه سواء أكان ملائكيا أو كان شهوانيا، فلكل منهما طريقة لإستثماره وتسويقه تجاريا وجماهيريا.

ويندر أن تقدم القنوات الفضائية العربية نموذجا للمرأة العربية السمراء البشرة، حيث يتم تأطير الجمال في صورة المرأة البيضاء الشقراء ذات العيون الخضراء أو الزرقاء. وهو نموذج لم تحدده القنوات الفضائية العربية ذاتها، قدر ما حددته قواعد وأطر الجمال الغربية، التي تحدد البشرة البيضاء إطارا مرجعيا للجمال العالمي للأنثى. وتتبنى القنوات الفضائية العربية هذا النموذج الأبيض للجمال وتروج له، سواء عبر المسلسلات والأفلام، أو عبر الأغاني والفيديو كليب، أو أخيرا عبر الإعلانات التي تبثها ليل نهار وتلاحق بها المشاهد العربي أينما كان وأينما ذهب.

وفي هذا السياق، تتكامل حلقات العروض الإثارية وتأطيرها للمرأة مع الإعلانات الخاصة بها، والتي تحدد لها جوانب الجمال التي يجب أن تتحلى بها لكى يقبلها الجميع، وبشكل خاص الذكور. من هنا تتركز معظم الإعلانات علي كريمات تفتيح البشرة وتنعيمها وتبييضها، حيث يحتل وجه وجسد المرأة حيزاً ضخماً من ثقافة الإعلانات اليومية التي تعرض لها هذه القنوات الفضائية العربية. لا تقف المسألة عند هذا الحد، فمعظم الفتيات اللاتي يقمن بالإعلان عن سلعة ما هن من الممثلات أو المغنيات الجدد صغيرات السن، اللاتي يتميزن بالجمال الصارخ، الذي يصبح محط أنظار الجميع، ويدفع بالفتيات والنساء المتزوجات إلى الإقبال على اقتناء السلع المعلن عنها، وبشكل خاص تلك المرتبطة بالماكياچ والتجميل.

لا ترتبط الإعلانات الإثارية فقط بالسلع الخاصة بالتجميل، لكنها ترتبط أيضا بسلع إثارية مباشرة مثل إعلانات العطور ومزيلات العرق والملابس الداخلية للنساء وللرجال على السواء. إضافة إلى ذلك، جاءت إعلانات الفياجرا بالشكل الإثاري الفج الذي تمت به، والباحث عن الصلابة، لتكشف عن المدى الذي وصلت إليه هذه القنوات الفضائية في خلق عالم إثاري محوره الجنس والبطولات الفحولية الخاصة بالرجل.

من مظاهر الإثارة الأخرى المرتبطة بالقنوات الفضائية العربية تقديمها لتلك البرامج المستوحاة من برامج أجنبية مثل برنامج ستار أكاديمي، والذي تبرز فيه مسألة الإختلاط بين الذكور والإناث بشكل عادى كما لو كان جزءا لا يتجزأ من البنية الاجتماعية والقيمية العربية، بما يفضي في النهاية إلى خلق حالة من التشوش القيمي بين المشاهدين، لا يعرفون عندها ما هو الواقعي وما هو الخيالي فيما تقدمه هذه القنوات الفضائية.

ويمثل العرى اتجاهاً عاماً تتنافس القنوات الفضائية العربية على إبرازه سواء من خلال ملابس المذيعات الخاصة بهذه القنوات، أو من خلال الأغاني التي تقدمها، وبشكل خاص أغاني الفيديو كليب. اللافت للنظر هنا أن بعض القنوات تعين المذيعات ليس على أساس درايتهن وخبرتهن وثقافتهن، لكن على أساس جمالهن وأنوثتهن التي لا تخطأها العين. ويذكر في هذا السياق أن إحدى القنوات الترفيهية قامت بتعيين عدد من عارضات الأزياء وملكات الجمال السابقات لتقديم برامجها، حيث يبدو العرى سمة عامة وشائعة بين مذيعات هذه القنوات الفضائية الجديدة، بشكل قل أن نجد له نظيراً في القنوات الفضائية الأجنبية الأقدم عمراً والأكثر تحرراً.

لا تقف مسألة العروض الإثارية على إظهار مفاتن الجسد، وعلى مساحة العرى التي تزداد اتساعاً يوماً بعد يوم، لكنها تتعدى ذلك إلى مستوى الإثارة اللفظية التي تظهر من خلال أسلوب المذيعات في التقديم، الأمر الذي يبرز دلال المذيعة وأنوثتها ورقتها، وفي أحيان كثيرة خلاعتها، بشكل واضح وصريح. وتتعدى مسألة الإثارة اللفظية هذا المستوى إلى إقحام بعض الكلمات المثيرة مثل الجنس وشرف البنت والقبلات والأحضان على معظم برامج هذه القنوات. ولا يرتبط هذا الإقحام برغبة حقيقية في المناقشة الجادة لكنه يرتبط بالاستعراض وخلق حالة من الافتعال الليبرالي والتنويري.

تبلغ قمة الإثارة الخاصة بالقنوات الفضائية العربية في هذا الكم الضخم من إنتاج الفيديو كليب، الذي يطرح مئات الآلاف من الأغنيات سنويا، بشكل يصعب معه حتى معرفة أسماء المطربين والمطربات وتذكر أشكالهم وأشكالهن. مع الفيديو كليب تصل حالة الإثارة الخاصة بالقنوات الفضائية العربية إلى مستويات غير مسبوقة، حيث يتوحد رأس المال مع الإنتاج مع التسويق مع أهداف العولمة، بغض النظر عن الجوانب السلبية الناجمة، من أجل تسليع الجسد وإثارة العواطف وتوحيد الأذواق.

ومما لا شك فيه أن هناك العديد من الجوانب السلبية لهذه الحالة الإثارية التي تطلقها القنوات الفضائية العربية؛ فأولاً تؤثر مشاهدة هذه القنوات على الأطفال وتطلق لديهم حالة من التطلع والرغبة في التعرف على ما يشاهدونه، مما يثير عواطفهم الجنسية ويدخلهم في عوالم جديد قبل الأوان. كما أن إطلاق هذه الحالة الإثارية عبر القنوات الفضائية، وفي ظل الظروف الاقتصادية التي تعيق الكثير من الشباب العربي اليوم عن الزواج، يشيع حالة من السعار الجنسي بين أرجاء المجتمع. إضافة إلى ذلك، أثرت مشاهدة القنوات الفضائية، وهذا الكم الضخم من المغنيات الجدد على العلاقات الأسرية فيما بين الرجل وزوجته. ففي ظل المتابعة اليومية لهذا النوع من الفتيات لا بد أن يقع الكثير من الرجال ضحية المقارنة المستمرة والظالمة بين زوجاتهن وبين هؤلاء الفتيات الصغيرات من المغنيات الجدد الأمر الذي يقوض دعائم الترابط والتواصل الأسريين.

وتؤثر المادة الإثارية التي تبثها القنوات الفضائية العربية ليل نهار بشكل كبير على بنية القيم العربية. فالعربي يراوح بين عالمين أولهما عالمه التقليدي القائم على صيانة جسد المرأة وحمايتها، والآخر هو عالم القنوات الفضائية القائم على الدعوات الماجنة التي تحض على التحرر الجسدي وإطلاق الغرائز وانفلاتها. وما بين العالم الأول والثاني تتشوه بنية القيم، ليجد المواطن العربي نفسه إما مدفوعاًَ للإنغماس في العالم الشهواني الذي تحض عليه هذه القنوات الفضائية، وإما مدفوعاً إلى التمترس خلف الدعوات الأصولية الدينية الداعية للحفاظ على القيم والعادات والتقاليد.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة