اليوم العالمي للمرأة فرصة لسماع صرخات النساء

أسبوعية المشعل المغربية

2007 / 3 / 8

يشكل الثامن مارس من كل عام محطة سنوية للوقوف على حصيلة المكتسبات على امتدادا سنة كاملة من الحضور الفاعل والنضال المتواصل للمرأة داخل المنابر المجتمعية للشعوب عبر أنحاء العالم، حيث ترتفع الحناجر النسائية عبر المنابر الكونية تردد الشعارات إما بالتنديد ضد القرارات الحكومية أو بالتأييد للتقدم اللائي أحرزنه في المجالات الحقوقية، إلا أن هذه الطقوس الاحتفالية سواء بالتأييد أو بالاحتجاج تبقى مناسبة مهمة للوقوف على الانجازات النسائية ومناسبة مواتية لقياس حجم المجهودات التي بدلتها النساء في التأكيد على مطالبهن المشروعة والدفع في اتجاه رفع الضرر والحيف المضروب عليهن بمختلف بقاع العالم، ويمكن اعتبار اليوم العالمي للمرأة مناسبة لإسماع صوت النساء وفرصة لتوحيد كلمتهن وإبراز مواطن القوة التي تحركهن للمطالبة بحقوقهن السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والإنسانية عموما، خاصة وان فئات واسعة من النساء على امتداد مساحة الكرة الأرضية تعشن تحت سياط العنف والضرب والاغتصاب والتشويه والاعتداءات المختلفة الأشكال والأنواع النفسي منها والجسدي.
وكأخواتها على المستوى الدولي تحتفل المرأة المغربية بهذا اليوم العالمي، لكن على طريقتها المغربية في التعبير عن قضاياها ومشاغلها الوطنية، إلا أن المؤشرات المتوفرة تؤكد أن يوم 8 مارس 2007 سيكون يوما ساخنا ستعيش على إيقاعه مدينة الرباط أجواء الاحتجاج النسائي، حيث التنديد بالقوانين الانتخابية من طرف الحركات النسائية المغربية من خلال وقفة احتجاجية أمام البرلمان ـ وكل احتجاج وانتم بخير ـ.

تحتفل النساء عبر العالم بيومهن العالمي للمرأة (8 مارس من كل عام) إلا أن طقوس الاحتفال وأجواءه تختلف من بلد لآخر، حسب الاحترام الذي يكنه أفراد كل مجتمع لنسائه، ودرجة التزام الدول ومدى احترامها لحقوق النساء ضمن القوانين المسطرة والأعراف المتوافق حولها، وقدرتها على تطويع قوانينها لملائمة المواثيق الدولية والمعاهدات المبرمة بخصوص تمتيع المرأة بحقوقها الوطنية والإنسانية، وتبقى مناسبة (8 مارس) محطة سنوية تقدم خلالها حصيلة العمل النسائي عبر العالم ومدى تقدمها في تحقيق مكاسب جديدة لفائدتهن، ويتم التعاطي مع هذه المناسبة حسب الظروف السياسية التي تحكم البلاد المحتفية بهذه المناسبة، إلا أن غالبية الاحتفالات النسائية بهذه المناسبة على الصعيد الدولي، تتم على شكل احتجاجات نسائية حول أوضاعهن السياسية والحقوقية والاجتماعية وغيرها.. كما تبقى هذه المحطة مناسبة سانحة للوقوف على وضعية النساء عبر العالم ومستوى التقدم الذي أحرزنه لتعزيز مكاسبهن المشروعة ومطالبهن الجوهرية، وإذا ما تفحصنا الأوراق النسائية عبر المعمور، يتضح التفاوت الكبير الحاصل بين الدول في مستوى احترامها لحقوق المرأة، وينكشف البون الشاسع لدرجات الاحترام المسجلة في الدول الديمقراطية وتلك التي قطعت أشواطا مهمة في الممارسة الديمقراطية والتي لا زالت تتلمس الطريق نحو الديمقراطية، حيث تسجل درجات انخفاض ملحوظة للغاية في دول الشرق الأوسط والخليج ودول شمال إفريقيا، ويمكن التوصل من خلال المعلومات المرصودة في هذا الجانب إلى أن العنف ضد المرأة عبر العالم أضحى يشكل فضيحة عالمية، حيث تفيد الإحصائيات الدولية أن واحدة من ثلاث نساء في العالم ـ أي مليار امرأة ـ تتعرض للعنف الخطير والمؤثر على حياتها، كما تؤكد ذات المصادر أن ملايين النساء تتعرضن باستمرار للاغتصاب والضرب والأذى سواء داخل البلدان التي تعيش حالات الحرب أو في منازلهن داخل الدول الأخرى، كما يتم على امتداد السنة تشويه الأعضاء التناسلية لمليوني فتاة عبر الكرة الأرضية، كما تقتل أخريات على أيدي عائلاتهن باسم الشرف، إضافة إلى أن نساءا يتم حرقهن في بلدان أخرى في حال عدم قدرتهن على تأمين المهر.ويمكن الاعتراف بأن النساء تتعرضن للضرب حتى في أكثر الدول ثراء وتطورا، مما يعكس نماذج كثيرة لصورة واحدة تتكرر عبر أرجاء العالم، تختلف زوايا التقاطها فقط، ففي الولايات المتحدة الأمريكية البلد الذي يتبجح بالديمقراطية حتى النخاع تتعرض فيه للاعتداء امرأة على رأس كل خمس عشرة ثانية.
يحدث هذا الفعل في حق النساء على امتداد مساحة العالم، لأن الحكومات في معظم البقاع تغض الطرف وتسمح لمرتكبي هذه الأفعال بالإفلات من العقاب، ويمكن التصريح في هذا الباب بأن تسع وسبعون دولة، منها معظم دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ليست لديها قوانين تتعلق بالعنف العائلي، كما لا تتوفر 127 دولة على قوانين تتعلق بالتحرش الجنسي ضد النساء، وهناك 16 دولة فقط تتمتع بقوانين تشير مباشرة إلى الاعتداء الجنسي، ليس بينها أي دولة شرق أوسطية أو شمال إفريقية، وحتى في حال وجود هذه القوانين تتقاعس الشرطة والقضاء عن تطبيقها على الوجه المطلوب.
ويمارس العنف ضد المرأة لأن القوانين والسياسات الممارسة تتسم بالتمييز ضد النساء على مجموعة من المستويات، السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية وتخلق أجواءا يسهل في ظلها قمع النساء والاعتداء عليهن، وتفيد مصادر دولية أن لدى ما لا يقل عن 54 دولة في العالم منها دول شمال إفريقيا، قوانين تتسم بالتحيز الفعلي ضد المرأة، وعلى الرغم من مصادقة عدد من الدول على اتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة إلا أنها تبدي تحفظات حولها لدرجة أبطلت مفهومها وأثرها، كما أن اقتصاد العولمة بنفخه لأرقام الفقراء عبر العالم فإن نسبا عالية من هذا الرقم تسجل في صفوف النساء، مما يجعلهن الأكثر عرضة للعنف والأقل قدرة على الإفلات منه، كما أن هذا العنف يحدث داخل المجتمعات الكونية لأن هذه المجتمعات تسمح بذلك، في غياب إرادة قوية لدى مكونات هذه المجتمعات للتصدي لهذه الأشكال التي تقض مضجع النساء، وتهدد يومياتهم على امتداد الكرة الأرضية، لأن عدم التعرض للعنف ليس امتيازا، إنما هو حق إنساني عالمي، يجب توفيره بجميع الإمكانات المادية والمعنوية المتوفرة، ويحق لجميع نساء العالم ألا يتعرضن للعنف سواء الممارس من طرف الدولة أو بواسطة الأفراد أو الجهات غير التابعة لها، كما يبقى لزاما على الحكومات بموجب القانون الدولي التمسك بهذا الحق والاجتهاد لأجل إقراره على الوجه الصحيح، ولا يمكن استخدام أية عادات أو تقاليد أو ثقافة، ولا أي قانون أو سياسة تحرم النساء من حقهن الإنساني الطبيعي، وليس هناك أي شيء يمكنه تبرير ممارسة العنف ضد المرأة. كما تسجل بعض المؤشرات الدولية أن تأخر المرأة في الانخراط في الشأن العام جاء لأسباب مختلفة تنطلق من محور أساسي يرتبط بهيمنة الثقافة الذكورية على العديد من المجتمعات الكونية، إضافة إلى القناعات الشعبية السائدة بخصوص ضعف المرأة، لكن هذا لا يعني أنها لم تسع لتحقيق هذا الانخراط الفعلي والفاعل في ولوج مستويات الشأن العام والدليل أنها خاضت نضالات عديدة ومتنوعة لازالت منقوشة على ظهر التاريخ، نظمتها حركات نسائية سعت لما يجب أن يكون من شراكة ومساواة حقيقية مع الرجل على جميع المستويات الحياتية، مؤكدة على أنه بما أن هناك جوانب لا يمكن أن تقوم بها النساء هناك في المقابل جوانب لا يمكن أن يقوم بها الرجل وأن المساواة عبارة عن شراكة بين الرجل والمرأة لتدبير الحياة بينهما.
ويمكن التأكيد على أن القضايا النسائية كما هو معروف داخل جميع الأوساط ترتبط ارتباطا عضويا بالواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يحكم البلدان، وهذا الوضع يرهن الرجل والمرأة على حد سواء في خانة واحدة لأن الوقائع في ظل هذه الظروف أثبتت أن انعدام العدل وانهيار السلم والتغييرات الاقتصادية تصيب كل كائن بشري مهما كان جنسه أو حجمه إن طفلا، أو كهلا، أنثى أو ذكرا، إلا أن نتائجها في غالب الأحيان تكون أكثر تأثيرا على المرأة وأشد ظلما منها على الرجل، ويمكن الاستدلال في هذا الركن بالتأثيرات التي خلفها نظام العولمة وما ترتب عنه من فتح للأسواق الدولية وخوصصة المؤسسات وتدليل القنوات أمام الأسواق العالمية الجديدة، من تقليص فرص العمل وارتفاع معدلات الفقر، ومؤشرات أخرى سلبية ساهمت في تغليب منطق السوق على المرتكزات الأساسية لتوسيع ثقافة حقوق الإنسان (الحرية، العدل، المساواة)، مما حول المرأة من موضوع إلى (ذات) وخصها للقيام بالأدوار الحريمية التي تستغل الجانب الأنثوي في المرأة لتسويق المنتوجات عبر إبراز مفاتنها في لوحات الإشهار.. وغيرها، ومع ذلك فإن كل التطورات الحضارية، في ظل النجاحات البارزة التي حققتها المرأة في مختلف المجالات العلمية والسياسية والعملية عبر أرجاء العالم، إلا أنها لا زالت تتعرض للتمييز والعنف من الدول والمجتمعات والأصول...
داخل هذه الأجواء العالمية المحطة من كرامة المرأة في العديد من جوانبها على مستوى العديد من الدول، تميز المغرب بتقدمه في مجال احترام حقوق المرأة مقارنة مع العديد من الأمم تملك قدرات هائلة إن على المستوى السياسي أو الاقتصادي، ويمكن تسجيل الخطوات الإيجابية التي قطعها المغرب في هذا المجال، كإقراره للإصلاحات القانونية الخاصة بتعديل القانون الجنائي وتضمينه لقوانين جديدة تهم النساء كتجريم التحرش الجنسي ومدونة الشغل، إضافة إلى الإصلاح الذي عرفته مدونة الأسرة والتي سجلت ثورة على المستوى العربي بإقرارها لقوانين تعزز رصيد دور المرأة في الحياة الأسرية وترفع هامتها بالقدر التي تستحقه وبما لا يتضارب والتعاليم الإسلامية السمحة، وقد تم مؤخرا إصلاح القوانين المتعلقة بالجنسية والتي يمكن اعتبارها انتصارا جديدا للمكاسب النسائية بالمغرب، كلها إشارات حقيقية تترجم إلى حد كبير مستوى الاحترام الذي يخص به المغرب نساءه، إلا أن هذا المستوى المغربي بإيجابياته في مجال حقوق المرأة لا زال لم يرق إلى مستوى طموحات الحركات النسائية بالمغرب والتي لا زالت تطالب بالمزيد من المكاسب لأجل تحقيق المساواة المطلوبة من أهمها، دسترة التمييز الإيجابي (الكوطا) كضمانة قانونية تضمن لها تمثيلية سياسية وازنة بالمؤسسات المنتخبة بالبلاد الأمر الذي تعتبره هذه الحركات مدخلا أساسيا للتعبير عن الإرادة الفوقية للقائمين على إدارة الشأن العام المغربي في إقرار الحقوق السياسية للمرأة على الوجه المطلوب، لذلك فإن الاحتفالات النسائية بالمغرب قد تختلف إلى حد كبير عن غيرها بباقي الدول العربية، والمؤشرات تدل على أن الحركات النسائية المغربية، قد تحول أجواء هذا الاحتفال إلى طقوس احتجاجية وإلى مناسبة مواتية لارتفاع الأصوات النسائية في الساحات العمومية منددة بالقوانين الانتخابية التي اعتبرتها من جهتها تمييزية وإقصائية في حق النساء في الوصول إلى قبة البرلمان المغربي، معتبرة إياها شكلا من أشكال الحصار المضروب على المرأة من قبل الطبقة السياسية الحاكمة في البلاد في الولوج إلى البرلمان بالوجه الذي تستحقه المرأة كفاعل قوي في المجتمع المغربي وكقوة عددية داخل الكتلة الناخبة بالبلاد.

ثريا العمري/ الحركة النسائية من أجل الثلث
الحركة النسائية لازالت تناضل من أجل حقوق سياسية، اقتصادية واجتماعية فعلية

تحقق للمرأة المغربية الكثير من المكاسب في ظل العهد الجديد، هل جاءت هذه المكاسب بفعل النضالات النسائية، أم أن الأجواء السياسية التي طبعت المرحلة هي التي كانت وراءها؟

لقد تحققت مجموعة من المكاسب للمرأة المغربية في العقود الأخيرة، وفي مجالات متعددة. هده المكاسب كانت إلى عهد قريب عبارة عن مطالب ناضلت الحركة النسائية من اجلها مستعملة مختلف الوسائل من اجل تحقيقها واستحضر هنا الحملات التي خاضتها الجمعيات النسائية التي مكنت من التعديلات الأولى لمدونة الأحوال الشخصية في 1993 والتي مكنت من رفع طابع القدسية على المدونة الأمر الذي شجع على المطالبة بالمزيد من الإصلاحات. لقد اكتسبت الحركة النسائية نضجا كبيرا مكنها من أن تصبح قوة اقتراحيه قادرة على المساهمة في صياغة القوانين وإبداع الوسائل الكفيلة بتحقيقها واستشهد هنا بالتجربة الرائدة المتمثلة في ربيع المساواة والدي شكل تأثيرا فعليا بفتح نقاش وطني حول تعديل مدونة الأسرة.
إن نضال الحركة النسائية من اجل تغيير أوضاع المرأة المغربية لا ينفصل عن الانفتاح الذي طبع الأجواء السياسية ووجود إرادة سياسية حاملة لمشروع مجتمعي يحاول الاستجابة لتطلعات مكونات المجتمع المدني وضمنها الحركة النسائية ومحاولة ترسيخ الممارسة الديمقراطية.

ما هي ابرز هذه المكاسب وأقواها في نظركم؟

ابرز المكاسب تبقى بدون شك الإصلاحات القانونية الخاصة بتعديل القانون الجنائي وتضمينه لقوانين جديدة تهم المرأة كتجريم التحرش الجنسي، ومدونة الشغل . أما بالنسبة لأقوى هده المكاسب فيمكننا التأكيد على اصلاحين أساسين: الأول يخص الإصلاح الذي عرفته مدونة الأسرة لأنه لم يقتصر على تعديل القوانين بل تمت إعادة النظر في المبادئ التي تستند عليها، بحيث نصت على مبدأ المساواة بين الزوجين، وأعادت الاعتبار للمرأة المغربية بحذف العبارات التي كانت تسيء إليها وتمس بكرامتها، وجعل الأسرة المغربية محورها الأساسي بالتنصيص على بعض حقوق الطفل. ويمكن اعتباران أهمية هدا الإصلاح تكمن في التأثير على سلوكات وعقلية المغاربة نساءا ورجالا .
أما الإصلاح الثاني فيتعلق بقانون الجنسية الذي سيساهم، بدون شك، على رفع الحيف عن مجموعة من المغاربة ذكورا وإناثا، والحد من المعاناة التي طال أمدها بالنسبة للعديد من الأسر، وتمكين النساء المغربيات من ممارسة مواطنتهن. انه فعلا انتصار جديد للأسرة المغربية

ما هي التطلعات التي تطمح لتحقيقها المرأة المغربية في ظلال مغرب اليوم؟

تحقيق مكاسب لفائدة المرأة المغربية يطرح ضرورة تعزيزها والحرص على تطبيقها حتى نستفيد منها كنساء، لكنها ليست نهاية الطريق فالحركة النسائية لازالت تناضل من اجل حقوق اقتصادية واجتماعية فعلية للنساء وضرورة حث الحكومة والجماعات المحلية على تحمل مسؤوليتها للقضاء على الأمية ومظاهر الفقر والتشرد، وإقرار مبدأ تكافؤ الفرص. والرفع من تمثيلية النساء في الحقل السياسي وبالتالي إقرار مواطنة كاملة وفعلية للمرأة المغربية.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة