محن نساء -الكرّايات- بالمغرب

أسبوعية المشعل المغربية

2007 / 3 / 9

محن نساء "الكرّايات" بالمغرب

لعل أهم الأسباب الداعية إلى هجرة الفتيات نحو مدن كل من "الدار البيضاء، الرباط، مراكش، فاس وأكادير هو اعتقادهن بأن هذه المدن الأخطبوطية لا تفتح ذراعيها سوى للنساء اللواتي يحملن هموم أسرة بكاملها، لكن الاعتقاد شيء والواقع شيء آخر، فأغلب هؤلاء النسوة، اصطدمن بواقع مر وهن يطأن بأقدامهن المتعبة هذه المدن، منهن من استأجرت غرفة أشبه بخم الدجاج فوق السطوح، ومنهن من وجدت نفسها لعبة في يد "السماسرة"، وهناك عينة أخرى استغلت ظروف تواجدها بشقق الكراء لممارسة الدعارة، لكن ما هي دواعي هجرتهن، وما هي أشكال المعاناة التي تتوحد فيها هؤلاء النسوة، وكيف قبلن الاستقرار رغم قساوة ظروف العيش؟ أسئلة متنوعة حملتنا للتنقيب عن أجوبة لها، إلى ولوج عالم النساء "الكرّايات" بالمغرب.

زهور والتحرش الجنسي في مدينة تعج بالأشباح

قادتهن ظروف ما للاشتغال في مدينة الدار البيضاء، بعدما نزحن من مختلف مدن المغرب، لكن أغلب هؤلاء النسوة ينحدرن من البوادي (عبدة، دكالة، الشاوية، الحوز، الرحامنة..)، وهن رجال يحملن أجساد نساء كما جاء على لسان إحداهن، نظرا لتحملهن أعباء الحياة، خارج الحدود الجغرافية لأسرهن، ولعل أحياء كل من (ابن امسيك، سيدي عثمان، مولاي رشيد، الحي المحمدي، عين السبع،الولفة، عين الشق، الحي الحسني، سيدي معروف الرابع...) أكثر المناطق التي تستأجر فيهن هؤلاء (النساء ـ الفتيات) غرفا لقضاء الليل بعد يوم شاق من العمل. غير أننا في هذا الموضع توغلنا شيئا ما في حياة هؤلاء، ووقفنا أيضا على أسباب هجرتهن ومعاناتهن مع شقق الكراء، منهن من تمتهن حرفة ما ( خياطة، صناعة الأحذية، التصبير...) ومنهن من تشتغل خادمة بالنهار لتمنح جسدها ليلا للزبناء مقابل أجرة بخسة، تضمن لها الاستقرار بهذه المدينة، وفي هذا الصدد التقينا عدة فتيات هجرن الدفء الأسري، "البدوي" بحثا عن لقمة عيش تضمن لهن ولأسرهن حياة أفضل، وحالة زهور تمثل نموذجا من هذه العينة لفتيات البوادي اللواتي اضطررن كراء غرفة في أحد الأحياء الشعبية، التي أخذت معاناتها تتسع يوم بعد يوم، خصوصا أنها قضت طفولتها تحلم بأن يزرعها القدر في مدينة الدار البيضاء.
أول الأمر أعجبتها بنايتها الشاهقة وشوارعها الطويلة المضاءة بأعمدة النور، فهي لم يسبق لها أن رأتها، لذلك كانت تتوسل أمها عائشة أن تحكي لها عن هذه المدينة العجيبة التي يحكي عنها الجميع والتي لم تفلح مخيلتها في القبض على ملامحها، مدينة الدار البيضاء أو "كازا" كما كانت ترددها طيلة حديثنا معها، اسمها زهور، ويكاد هذا الاسم أن ينطبق عليها، فرغم معاناتها كنازحة من البادية إلا أن عينيها كانتا تختزنان براءة فطرية لم يتمكن عقد من الزمن أن يلتهمها، ثم إن صدرها أوشك أن يلفظ شحنة مخزونة من القهر والمعاناة، نتيجة الإرهاق الذي تجنيه كل يوم، فمنذ عشر سنوات على مجيئها إلى الدار البيضاء لم تستطع هذه الفتاة النازحة من بني مسكين أن توفر ما يمكن أن يعود عليها بالنفع، خصوصا أنها الفتاة البكر بين أفراد أسرتها ومصدر رزقهم، تقول زهور التي لم تبلغ بعد 26 سنة "كم كانت فرحتي كبيرة وأنا أحمل حقيبتي رفقة والدي، كنا آنذاك ننتظر سيارة (سي عمر) الذي وعد والدي أنه سيشغلني في إحدى المعامل بالدار البيضاء، لكن فور وصولنا إلى هذه المدينة العملاقة، أصابني الدوار، ولم أعد أفهم ما يدور حولي، لقد تغير كل شيء، حتى أن (سي عمر) أخذني كخادمة في بيته، قضيت هناك 3 سنوات إلى أن التقيت بفتاتين من (بني مسكين) وقررت أن أشتغل رفقتهما، "كانت زهور تجد صعوبة في الحكي، فتارة يحمر وجهها النحيف من شدة الخجل وتارة تفضل الصمت، وكأنها تستجمع أنفاسها لتقول المزيد، طيلة حديثنا معها كانت زهور تكلمنا وهي تنظر إلى الأسفل، وحين ترمقنا تضع راحتها اليمنى على فمها وكأنها تخفي عيبا خلقيا تخشى أن تظهره، فبعد أن طلقت مهنتها كخادمة في بيت (سي عمر) اكترت رفقة زميلتيها من بنات "الدوار" غرفة في "حي البركة" (عمالة مقاطعات مولاي رشيد سيدي عثمان) مساحتها لا تتعدى ستة أمتار، كل واحدة منهن تؤدي مبلغ 200 درهم، في حين كانت تتقاضى أسبوعيا نفس المبلغ، وقد علقت زهور على هذا المبلغ قائلة:" اشتغلت في ميدان الخياطة (الفينيسيو) كان هدفي هو ان أتعلم (السورجي والبيكوز) كي أضمن حرفة تمكنني من الاشتغال في معامل أخرى للخياطة أو شركات النسيج، كنت أتقاضى 200 درهم (800 درهم شهريا) أمنح زميلاتي 200 درهم للكراء، و200 درهم أخرى لمصاريف البيت، في حين أوفر مبلغ 300 درهم لوالدي، وما تبقى (أي 100 درهم) أصرفها على مدار الشهر، ومن حسن حظي أنني كنت أقطن بجانب المعمل، اكترينا هذه الغرفة منذ سنتين، واجهنا خلالها صعوبات كثيرة، من بينها ما كنا نتعرض له من مضايقات من طرف شباب الحي، منهم من ينادينا بـ (الكرايات) وآخرون لا يتوانوا لحظة واحدة في التحرش بنا، وذات مرة أوقفني شاب تفوح منه رائحة الخمر وسلبني كل ما أملك، خاتم من الذهب وأجرتي التي لم تستدفئ كثيرا داخل محفظتي، ورغم أن هذه الحادثة قد مر عليها أزيد من خمس سنوات إلا أن زهور شعرت بالإهانة والدونية، لتجهش أمامنا بالبكاء عند ما طرحنا عليها سؤال لماذا لم تتزوجي بعد؟ لقد وضعت ظهر يدها على جبهتها وانحنت مشخصة بصرها نحو الأسفل، لتبدو في وضعية المنهزمة جراء معركة مصيرية، معركة حياة أو موت، كان تخميني أقرب شيئا ما إلى ما باحت به زهور، نظرت إلينا واسترسلت "كاع الرجالة ولاد الحرام، كلشي بحال بحال"، حاولنا أن أنفهم ما وراء هذا الاتهام القدحي للرجال، ولما صنفتهم في خانة واحدة، لتجيبنا قائلة "قرابة سنتين، أعجب بي شاب يقطن بالحي المحمدي (اسمه عبد الله) طلب يدي للزواج وأصر أن يقابل والدي، اغتنمت فرصة نهاية الأسبوع وذهبت إلى "بني مسكين"، حيث بيت أسرتي، أخبرتهم أن شابا وسيما يمتلك سيارة أجرة طلب يدي للزواج، وأنه مصر على مقابلة والدي، لقد كادت الفرحة تخنق والدتي المصابة بالربو، ولم يتوقف والدي لحظة واحدة، عن الابتهاج الذي كان يطبع ملامح وجهه؛ في الأسبوع الموالي التقى والدي بعبد الله، وخلصا بعد حديث طويل بينهما إلى التقدم لخطبتي رفقة أسرته إلى (بني مسكين)، وبالفعل فقد تمت الخطبة رفقة أمه، لتبدأ حياتي في الانتعاش شيئا ما، فبعد معاناة 5 سنوات ظننت أنني ظفرت بزوج يمكنه أن يخلصني من عذاب الكراء والوحدة والمعاناة، إلا أن حل ذاك اليوم الذي لن أنساه أبدا، لقد قال لي عبد الله أن والدته اشترت لي دملجا من الذهب، وهي تستعجل أن آتي إليها لتلبسني إياه، كانت الفرحة تكبر في داخلي، خصوصا أنها المرة الأولى التي سأذهب فيها إلى منزلهم، كانت الساعة آنذاك حوالي الثامنة مساءا، توجهنا نحو (قسارية الحي المحمدي) واقتنيت بعض الفواكه ثم قضينا حوالي نصف ساعة بين الأزقة، حتى التقى بشاب طويل القامة، قدمني له قائلا "هاذي هي زهور مراتي" وقدمه لي أيضا "هذا يوسف خويا" تحدثنا قليلا، ثم سأله عبد الله "أش كدير الوليدة" ليجيبه بأنها خرجت رفقة ابنتها إلى إحدى الصيدليات، ثم منحه مفاتيح المنزل "لم تستطع أن تكمل حديثها، بدت في تلك اللحظة كعجوز في سن السبعين، انطوت على نفسها وأحجمت عن البوح، وكأن الأحرف تحجرت في حلقها، ماذا وقع..؟ سؤال طرحناه أكثر من خمس مرات، لكن دون جدوى، لكنها في آخر المطاف ستكشف لنا عن خدعة محبوكة أو سيناريو إن صح التعبير، كانت ضحيته هذه الفتاة، تقول زهور" بعد مرور الوقت اكتشفت أن تلك المرأة التي ادعى أنها أمه ليست سوى مأجورة، كما أن ذاك الشاب الذي قدمه على أساس أنه أخوه، هو في حقيقة الأمر صاحب الشقة، لقد اغتصبني بالقوة لأني رفضت أن أضاجعه، لكنه (ولد الحرام) اعتذر لي في ليلة الغد، وأقسم بأنه سيتزوجني خلال الشهور القادمة، "طلبت منا زهور أن نتوقف عند هذا الحد، فقد أحيينا داخلها جرحا عميقا لم يبرأ بعد، كما أنها لم تخبر والدها بما وقع، واكتفت بأنه مجرد كذاب، فهو ليس بسائق أجرة، وإنما عاطل، لقد آلمتنا قضية زهور التي ما زالت تسكن غرفة بمثابة (علبة عود الثقاب)، إنها نموذج الفتاة المهاجرة التي تجد نفسها في مدينة قيل عنها بأنها تعج بالأشباح ومصاصي الدماء، إلا أن الواقع المزري الذي يتخبط فيه أهالي البادية، عامل أساسي في تفريخ هذه الشريحة التي تشيخ يوما بعد يوم، جراء التعب والمعاناة والتحرش وكل أشكال الاستغلال.

خمس فتيات داخل غرفة أشبه بعلبة سردين

أضحت ظاهرة هجرة الفتيات من البوادي نحو المدن قصد الشغل وتحسين مستوى عيش أسرهن تؤرق المجتمع المغربي بكل مكوناته، خصوصا أن القضايا التي تتباحث فيها جمعيات المجتمع المدني المهتمة بالمرأة بالدرجة الأولى، تقف على عدة نقاط تهم مجال الحرية التي من المفروض أن تتمتع بها هؤلاء الفتيات النازحات من البادية، ولعل العنف الممارس عليهن أكثر مما قد تواجهه فتاة أخرى تقطن بالمدينة، ففي ولاية الدار البيضاء تعيش فتيات البادية ظروفا مزرية وقاهرة لما يتعرضن له بشكل يومي من مضايقات واعتداءات، حتما ستخلف آثارا نفسية في دواخلهن، خصوصا أنهن بعيدات عن جو الأسرة والأهل، همهن الوحيد العمل على توفير أجرة الكراء وقوت أسرة بكاملها تنتظر السماء أن تجود عليهم ببعض قطراتها، وكنموذج لمحن فتيات ونساء اضطررن للعيش داخل المنفى الطوعي في ولاية الدار البيضاء، التقينا بـ "عتيقة" (23 سنة) القادمة من "ولاد حريز" إلى الحي الصناعي مولاي رشيد الذي يشغل أكثر من 30 ألف عاملة، ثلثها مهاجرات، قدمن من مختلف المدن المغربية، ترددت عتيقة قبل أن تستقبلنا في غرفتها بـ "برونازيل"، وقبل أن ألج غرفتها هاته اقترحت علي أن أصطحب معي فتاتين لإضفاء جو عائلي على الزيارة، خصوصا أن صاحب العمارة يشك في مثل هذه الزيارات التي تكون فردية أو ثنائية، اعتبارا لما يمكن أن يتناسل من أسئلة وشكوك حولها؛ حوالي الساعة السابعة مساءا قصدنا غرفة عتيقة بالطابق الأول، وجدنا إلى جانبها أربع فتيات يتقاسمن معها المأكل والملبس والفراش، هن أيضا عاملات في الحي الصناعي "مولاي رشيد" الغرفة أشبه بعلبة سردين، فهي لا تتسع حتى لشخصين، فبالأحرى خمس فتيات تتسم كل واحدة منهن، بطريقة عيش مختلفة، أغرب ما في هذه الغرفة هو كونها رغم مساحتها الضيقة تضم مطبخا صغيرا في ركن من أركانها، إضافة إلى تلفاز صغير وجهاز VCD، كما أنها لا تتوفر على نافذة يمكن أن يتسلل منها الضوء والهواء، مما أدى إلى تشبع الهواء المحبوس داخل الغرفة برائحة العفن، تقول عتيقة "قرابة سنة ونصف ونحن هنا، وما ساعدنا على المكوث طويلا داخل هذه الغرفة هو ثمنها وكذا قربها من الحي الصناعي، فقد اكتريناها بـ 750 درهما، كل واحدة منا تمنح مبلغ 150 درهم" عند نهاية كل شهر، لم تمر عشر دقائق حتى أحسست بالاختناق وسط زحمة هذا الفضاء، أصبحنا ثمانية أشخاص داخل فضاء لا يتعدى ستة أمتار ونصف، خصوصا وأننا نفترش الحصير، وعن معاناتهن أجابتنا نادية القادمة من ثلاثاء سيدي بنور (28 سنة) "أنا هنا بمثابة أمهن، أقدم لهن الدعم والمواساة، كل يوم أستمع لمشكل وقعن فيه، فمثلا (تشير إلى سعيدة 16 "سنة") لم تستوعب هذه الفتاة ما يدور حولها، فقد قدمت منذ سنة وثلاثة أشهر إلى الدار البيضاء، وكانت ضحية اعتداء جنسي، لحسن الحظ لم تفقد معه شرفها، "أحست سعيدة بالخجل وأرادت أن تدافع عن نفسها قائلة بلهجة بدوية "كنت عائدة إلى هذه الغرفة بعد يوم شاق في طاكسي (كبير)، كانت الساعة آنذاك تشير إلى السادسة والنصف مساءا، وكان الظلام قد أرخى أسداله خصوصا أننا في فصل الشتاء، وفي طريقنا توقفت سيارة الأجرة إثر عطل ما في محركها، ولما خرج الجميع إلى جنبات الشارع المؤدي إلى الحي المحمدي وقفت إلى جانبهم أنتظر ما ينتظرون، واختلطت علي الأمور لأني لم أكن أعرف الشوارع وأزقة الدار البيضاء، ما أعرفه آنذاك هو نقطة البداية والنهاية فقط، بعد لحظات من الانتظار رفقة الركاب، تقدم نحوي رجل في سن والدي، وقال لي إنه لا جدوى من الانتظار، فكل سيارات الأجرة المؤدية إلى هناك مكتظة بالركاب، وطلب مني أن أرافقه، ترددت في البداية، لكنه أجابني "ما تخافيش أنت بحال بنتي صوفيا"، وفي طريقنا سألني عن مهنتي لأجيبه بأني خياطة، فاقترح علي أن أشتغل عنده بمعمله في "حي الرميلة" بعيش الشق، وطلبني أن أصطحبه، كما أنه قال لي أنه سيمنحني مبلغ 500 ردهم كل أسبوع، فرحت كثيرا لأني كنت أتقاضى آنذاك مبلغ 1000 درهم شهريا، ولما اقتربنا من مقر سكناه، اقترح علي أن يعرفني على زوجته وابنته صوفيا، ولما ولجنا المنزل "تكرفس عليا ولد الحرام لم تكن رغبتي مضاجعته، ولكن تحسين مستوى عيش أسرتي"، هنا تدخلت نادية قائلة "لم تعد سعيدة إلى المنزل مدة يوم كامل، لقد آلمني لما تعرضت له، وأقسمت أن أعثر عليه لأريه كيف يتلاعب بأجساد النساء (تنهدت)، لكل واحدة منا مشاكلها، وكل منا تتعرض لمضايقات سواء في الشارع أو داخل الشركة وحتى من طرف شباب الحي".
وعلى الرغم من كون أغلب الفتيات اللواتي التقيناهن لم يتطرقن لكيفية تعاملهن مع "السمسار" إلا أنه وجبت الإشارة إلى ضغط بعض الوسطاء خلال عملية الكراء والإيجار، على بعض الفتيات اللواتي يرين فيه المنقذ والضامن لاستقرارهن، وقد سبق أن جالست بعض "السماسرية" المتواجد مقر وكالتهم بشارع الجولان، فحديثهم كان يتمحور في مجمله حول استمتاعهم بأجساد تلك العينة من الفتيات، كل يستعرض تفصيل الكيفية التي أقنع بها الفتاة لمضاجعته مقابل تسهيل أداء فاتورة الكراء، وهنا يتضح قصور المعنيين بالأمر في تصديهم لهذه الظاهرة التي ستنجم عنها ظواهر أخرى لا محالة.

"صبانات" بالنهار وعاهرات بالليل

إذا كانت بعض النساء القادمات من البوادي قد أفلحن في الاستقرار بالبيضاء رغم معاناتهن داخل الوسط الذي يتواجدن فيه، سواء في غرف الإيجار المكتظة أو داخل فضاءات اشتغالهن ووفائهن للعهد الذي جئن لأجله (توفير المال لعائلاتهن المحرومة في البادية)، فإن هناك بالمقابل جانبا ظل شبه مغيب ومسكوت عنه، ويتعلق الأمر ببعض النساء اللواتي وجدن فرصة تواجدهن في المدينة بعيدا عن الأسرة والأهل لممارسة الدعارة، بل لا يجدن حرجا في الظهور بمظهر المومسات، وتكفي نظرة واحدة، لترسم حولهن صورة بائعات الهوى بلباسهن اللافت للنظر، وفي إطار بحثنا وتنقيبنا عن الفتيات اللواتي يعانين من ماساة شقق الكراء، قادتنا الصدفة أن جالسنا إحداهن بمقهى فرنسا بالدار البيضاء، وما شجعنا على محادثتها هي لكنتها البدوية وكذا سحنتها المميزة، اسمها بديعة (نواحي سطات)، ومن خلال حديثنا معها اكتشفنا أنها تستأجر غرفة بمعية صديقاتها بمنطقة حي الحسني قرب سوق (ولد مينة)، وتضم هذه الشقة حسب بديعة 5 غرف تستأجرهن حوالي ستة عشر فتاة كلهن قادمات من البادية، والمفارقة الغريبة أن صاحبة المنزل المكون من ثلاثة طوابق، تستأجر الطابق الأول للفتيات، في حين تسكن هي بالطابق الثاني أما الطابق الذي يعلوه فقد استأجرته على حد قول بديعة لـ "الزوافرية"، وعن سبب تواجدها في هذا الوقت المتأخر من الليل بالمقهى (منتصف الليل)، أجابتنا بديعة بأنها تنتظر زبونا (جمركي)، هاتفها قبل ساعتين وضرب لها موعدا بمقهى فرنسا، إلا أنها بجرأة غير معهودة صارحتنا بواقع مر تعيشه إلى جانب زميلاتها بتلك الشقة بالحي الحسني، تقول بديعة "الكل في الحي ينعتنا بـ "الصبانات"، فأغلبنا تشتغل "صبانة" بالنهار، وما إن يحل الليل حتى يخرجن (باش يضبرو على روسهم)، صاحبة الشقة تعرف عنا كل شيء، لكنها تستفيد من ذلك، فهي تأخذ منا عند نهاية كل شهر 4000 درهم عن الغرف الخمس"، أشعلت بديعة سجارتها ونظرت إلى ساعتها، لتطلب منا 20 درهما لتؤدي ثمن القهوة، وليست بديعة وصديقاتها من سلكن هذا الاتجاه، بل هناك عدة فتيات قادمات من البادية امتهن الدعارة، وفضلن كراء غرف ليدخلوا ويخرجوا منها وقتما يشئن دون حسيب ولا رقيب، وبعيدا عن لوم الأسرة والأهل.

كل النساء اللواتي تحدثن إلينا وفتحن لنا صدورهن للبوح والكشف عن معاناتهن مع "الكراء" والشغل يلتقين حول أمر هام، وهو أن أغلبهن يتعرضن بشكل دائم لشتى أنواع التحرش الجنسي، ورغم القصور الذي يواجه به المجتمع المدني هذه الظاهرة، خاصة الجمعيات والهيئات العاملة في المجال الحقوقي، إلا أن هناك من التفت وانتبه أيضا لضرورة إعداد برامج لمواجهة الظاهرة، وتأصيلها وجبر ضحاياها من التائهات وسط غابة من المعوقات.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة