إمامة المرأة في الاسلام وصفها البعض بالبدعة واصر اخرون على انها تاكيد للمساواة .. هل ثمة دليل صريح على حرمة امامة المراة؟

علي الحسيني

2007 / 5 / 21

إمامة المرأة في الاسلام
وصفها البعض بالبدعة وأصر آخرون على أنها تأكيد للمساواة
هل ثمة دليل صريح على حرمة إمامة المرأة ؟.

في يوم الجمعة المصادف 18-3-2005 أمت الدكتورة امينة ودود وهي امرأة مسلمة من اصل اسيوي واستاذة للدراسات الاسلامية بجامعة فرجينيا كومونولث الامريكية أمت عددا من المصلين قارب المائة والخمسين من كلا الجنسين في كنيسة في مدينة نيويورك بعد ان رفض مسؤولو ثلاث مساجد ان تقيم الصلاة فيها تحت حراسة مشددة وقبل الصلاة رفع اذان صلاة الجمعة من قبل امراة ايضا وهي حاسرة الرأس. وقد اثارت هذه الصلاة زوبعة عاتية وجدلا صاخبا بين مؤيد ومعارض وصفها معارضوها بالبدعة التي ما انزل الله بها من سلطان معتبرين إياها فقاعة من فقاعات هذا العصر الكثيرة وانها تستهدف النيل من مكانة المرأة والاسلام ، واعرب مجمع الفقه الاسلامي(وهو معارض) التابع لمنظمة المؤتمر الاسلامي في بيان اصدره عن استنكاره واسفه مشددا على ان امامة المرأة للرجل مخالفة للشريعة الاسلامية واصفا اياها بالبدعة المضلة وان ما حصل هو مخالف للشريعة الاسلامية. ولم يخف بعضهم انها مؤامرة من صنع الكفرة اعداء الاسلام والعرب تهدف الى شق صفوف المسلمين واثارة الفتنة بينهم ودافع عنها البعض بأعتبارها تاكيدا لحق المساواة الانساني والطبيعي والديني بين الرجل والمرأة ولاذ ثالث بالصمت مفضلا الحياد بعيدا عن هذا الصخب الذي تحول الى صخب غير معرفي ولا فكري . وقد فضل كاتب السطور ان يسلط الضوء على مشروعية إمامة المرأة للرجال والنساء او عدم مشروعيتها في الدين الاسلامي وهل ثمة ادلة ونصوص تؤكد على كونها بدعة ومحدثة في الاسلام مع ان الامر ليس كذلك( هذا ما سنبينه) وعدم حدوثها على امتداد التاريخ الاسلامي لا يعني عدم مشروعيتها وان عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود وفق القاعدة الكلامية والفلسفية . سأحاول هنا قدر الامكان ان اتطرق الى هذه المسألة وملحقاتها مما له صلة بها عبر هذه الدراسة بنحو تفصيلي الى حد ما متتبعا النصوص واقوال أكابر علماء الاسلام من المذهبين الرئيسيين في الاسلام (الشيعة والسنة) حسب ما يسمح به هذا المقال . وقد أعتمدت في دراستي هذه على جملة من المصادر الرئيسة والمعتبرة والمعروفة اهم هذه المصادر التي استفدت منها في هذه الدراسة هي :
1-السرائر، العلامة الحلي 2-مختلف الشيعة ، العلامة الحلي 3-نهاية الاحكام ، العلامة الحلي 4-وسائل الشيعة ، الحر العاملي 5-رياض المسائل ، السيد علي الطباطبائي 6-غنائم الايام ، الميرزا القمي 7-مستند الشيعة ، المحقق النراقي 8-جواهر الكلام ، الشيخ حسن الجواهري 9- كتاب الام ، الامام الشافعي 10-المحلى ، ابن حزم 11-بداية المجتهد ونهاية المقتصد ، ابن رشد 12- سبل السلام ، ابن حجر العسقلاني 13-السنن الكبرى، احمد بن الحسين البيهقي 14-مسند احمد ، الامام احمد بن حنبل 15-صحيح مسلم ، مسلم النيسابوري 16-صحيح البخاري ، ابي نصر البخاري 17- تحفة الفقهاء ، علاء الدين السمرقندي 18- بحار الانوار ج18، العلامة محمد باقر المجلسي 19- جامع المدارك ، السيد الخونساري 20- عون المعبود في شرح سنن ابي داوود ، محمد شمس الحق العظيم ابادي 21- كلمة التقوى الشيخ محمد امين زين الدين ، 2- المعتبر ، المحقق الحلي 23-تذكرة الفقهاء( طبعة قم) ، العلامة الحلي 24-الاعلام ، خير الدين الزركلي 25-الحدائق الناضرة ، الشيخ يوسف البحراني 26- تاريخ مدينة دمشق ج61 ، ابن عساكر .
هذه هي اهم المؤلفات وكتب الفقه والحديث عند المذهبين التي اعتمدتها في الدراسة وسأشير اليها فقط عند المسائل الخلافية ووجهات النظر الخاصة بذاك المؤلف او هذا او ما شابه ذلك وكل ما اورده مع عدم الاشارة الى المصدر او المؤلف يعني انها من المسائل المتفق عليها وكذا الاحاديث والروايات التي سترد في الدراسة مع عدم ذكر مصدرها او الاشارة اليه يعني انها من المتفق عليها وبخلافه ستجد ثمة اشارة او احالة او الفات نظر.

تعد حادثة (نيويورك) وامامة الصلاة فيها من قبل امراة الاولى من نوعها على امتداد التاريخ الاسلامي منذ الولادة وحتى الانتشار وقلنا من نوعها لان العراق إبان ولاية الحجاج بن يوسف الثقفي شهد صلاة جماعة بإمامة إمراة من الخوارج إسمها غزالة الحرورية (نسبة الى حرور وهي قرية قرب الكوفة) وهي من الخوارج عرفت بشجاعتها وجرأتها وكان يهابها الحجاج كثيرا . هذه المرأة صلت في جامع الكوفة وخلفها سبعون (رجلا) صلوا بإمامتها وإثر هذه الصلاة ُحكم عليها بالارتداد والكفر وعدها كل من تطرق اليها خارجية كافرة مرتدة مبدعة في الاسلام ما ليس فيه ، لكن لا يذكر التاريخ ان (غزالة) قامت بالصلاة بحافز تأكيد صحة إمامة المرأة لصلاة يؤمها الرجال فقط اوالرجال والنساء وانما الذي ذكروه عنها انها كانت شجاعة لا تبالي احدا وقد نذرت ان تصلي في جامع الكوفة تحديا للرجولة انذاك . وهذا فرق كبير بينها وبين الدكتورة امينة ودود(مثلا) اذ ان الاخيرة أمت الصلاة لقناعة فكرية ولتأكيد على ان الدين الاسلامي لا يشترط الذكورة في امامة الصلاة فهي انطلقت من مرجعية فكرية بخلاف الحرورية التي كان للحماسة والتحدي دافعان اساسيان في اقامتها للصلاة . هذه الحادثة سرعت من وتيرة البحث الذي زاولته منذ مدة بحثا عن ادلة صحيحة وواضحة تشترط الذكورة في الامامة وخلصت الى ـ بعد بحث مضن ـ ان لا وجود لديل صريح وواضح حول الحرمة والاشتراط وان المسألة قد اختلف فيها الفقهاء والعلماء المسلمين الى حد التباين ، بل ان منهم من نفى وجود اية دليل على حرمتها وهذا ما سأعرضه في دراستي لمسألة إمامة المرأة في الاسلام .
ثمة شروط لابد من توفرها وتحققها في امامة الصلاة وقد اتفق اغلب فقهاء وعلماء المسلمين على اشتراطها في الامامة وقد ُقسمت هذه الشروط الى شروط عامة وخاصة ولهذا التقسيم مبرراته واسبابه كما سيتضح ادناه .
الشروط العامة:
وهي الشروط التي يجب تحققها في امامة الرجل وامامة المرأة على النساء فقط. وهي كالاتي:
1- الاسلام .
2- العقل .
3- البلوغ .
4- طهارة المولد( الا يكون ابن زنى) وهي عند البعض .
5- الختان عند البعض ايضا .
6- الحرية عند البعض (لانها من المناصب الجليلة فلا يليق بالعبد على حد قول العلامة الحلي في نهاية الاحكام ج2 ص15) .
7- العدالة وهي عند الامامية اكثر.
يتبين ان الشروط التي اتفقت جميع المذاهب على تحققها في الامام هي فقط (الاسلام والعقل والبلوغ) مع ان البعض استثنى الصبي المميز انظر( الخلاف ج1 ص553 والمبسوط في فقه الامامية ج1 ص154 وكلا الكتابين للشيخ ابي جعفر الطوسي) وبذلك يتضح ان الشرطين من الشروط العامة في الامامة المتفق عليهما هما فقط شرطي (الاسلام والعقل) .

الشروط الخاصة:
وهي التي يتطلب وجودها في بعض الحالات ويجب تحققها بالامام عند اداء صلاة الجماعة .
1- الذكورة ( وهو شرط خالفه البعض كما سنذكر ادناه)
2- القيام ( لايؤم القاعد القائم .الحديث) وهو يختص بالامام القاعد .
3- القراءة ( شرط في امامة القراء فلا يجوز ان يأتم قارئ بأمي وهو مجمع عليه) والأمي فقهيا وشرعيا كما عرفه الفقهاء هو من لا يحسن القراءة او لايحسن الفاتحة لان القراءة واجبة .
4- عدم اللحن في القراءة الواجبة . وكذا موؤف اللسان لاتصح منه الامامة .
5- السلامة من الجذام والبرص والعمى وهو شرط عند البعض
6-ان لا يكون اعرابيا بدويا . عند البعض.
7- العدالة . وهو شرط اتفق عليه غالبية علماء الشيعة وخالفهم غالبية علماء السنة معتمدين على حديث يقول ( من صحت صلاته صحت امامته (سواء كان الامام برا او فاجرا) انظر( سبل السلام ج2 ص29 لابن حجر العسقلاني وكذلك عون المعبود ج2 ص214 للعظيم ابادي).
هذه هي اهم الشروط التي ذكرها علماء وفقهاء المسلمين التي يجب تحققها وتوفرها في شخصية الامام عند الصلاة الواجبة تحديدا . وهي شروط كما تبين معظمها مختلف بها وقلما نجد شرطا قد اتفق الجميع على وجوبه واشتراطه في الامامة . وهذا يدل دلالة واضحة لا ريب فيها على كثرة النصوص المتضاربة والمتناقضة او ضعف اكثرها وعدم صحتها مما اجبر الكثير من الفقهاء على عدم وجوبها واخذ البعض منهم الاحتياط والشهرة والسيرة الشائعة في العصور الاسلامية عند متشرعة المسلمين .
وحول امامة المرأة وهو اصل موضوعنا ثمة تنوع وتضاد واختلاف في الآراء بين فقهاء وعلماء المسلمين وقليلا ما نجدهم متفقين في بعض جزئيات وتفاصيل هذه (المسألة) وهو تنوع يترك تصورا رائعا وجميلا عن تلك الفترة التي تفصح عن حرية فكرية متحضرة لا تجد فيها مكانا للتراشق بالألفاظ النابية والنعوت التكفيرية كما نخلص بعد تتبع هذا التنوع والاختلاف الى حقيقة يؤكدها الاختلاف الى ان لا وجود لادلة صحيحة وواضحة على حرمة امامة المرأة للرجال والنساء او للرجال فقط وان وجدت بعضها فهي ببساطة قد أُولت بطرق لا تخلوا من ان تكون تعسفية تفضحها مجموعة من المؤثرات البيئية والاجتماعية والثقافة الذكورية المهيمنة على فهم الكثير من النصوص التي تخص المرأة وهذه حقيقة لا اعتقد فيها جدال يستحق النظر بعمق .
ميز بعض الفقهاء المسلمين في مسألة امامة المرأة للصلاة بين الصلاة النافلة الجائزة وبين الواجبة المحرمة وحصر آخرون الجواز في صلاة الميت فقط هذا من جهة ومن جهة اخرى فرّقوا بين الواجبة اذا كان المؤتمون من الرجال (محارم) لكنهم فضلوا الاحتياط . إلا ان الجميع اتفق على جواز امامة المرأة للنساء فقط ولا يوجد بحسب تتبعي لأمهات المصادر الاسلامية من يعترض على إمامتها للنساء لكن ثمة من اختلف ايضا حول إمامتها للنساء في الفرائض وان كان هذا استثناء. من هنا جاءت ردود الافعال القوية والمستنكرة لما قامت به الدكتورة أمينة ودود لانها امت الرجال والنساء معا .
إستند من أجاز للمرأة الامامة للنساء فقط على مجموعة من الادلة والنصوص والحوادث منها: ان عائشة زوج النبي كانت تؤذن وتقيم وتؤم النساء وكذا ام سلمة كما ينقل (البيهقي في سننه ج1ص408). ويذكر البيهقي ايضا ان ام ورقة إذن لها النبي ان تؤذن وتقيم وتؤم نساء دارها .(السنن ج3 ص130) . وفي حديث عن ابي عبد الله الصادق ينقله المحقق الحلي في (المعتبر ج2ص126) انه ُسأل عن (المرأة تؤم النساء؟ فقال:لا بأس). ومما تقدم من نصوص يظهر(أولاً) انها مطلقة ولا وجود لتقييد شرعية امامتها في النوافل او صلاة الميت فقط ، بل ان ظاهرها واضح الدلالة على شموليتها وكليتها للفرائض والنوافل . بيد أن بعض الفقهاء حصر جواز امامتها للنساء في النوافل فقط منهم الشريف المرتضى وابن الجنيد كما يذكر الطوسي في المبسوط والبحراني في الحدائق الناضرة ج11ص189 ، ومن قال بهذا القول اعتمد على بعض روايات واحاديث منها: ما روي عن الصادق ( يؤمهن في النافلة فأما في المكتوبة فلا ) وكذا ( تؤم المرأة النساء ... في النافلة ولا تؤمهن في المكتوبة ) انظر المعتبر للمحقق الحلي ج2 ص427 . ومن قال بجوازها فقط على صلاة الميت ألتزم بأكثر من نص يروى عن الصادق عندما سئل عن( المرأة تؤم النساء؟ قال : لا ، إلا على الميت اذا لم يكن احد اولى منها ) ويأتي الامام الشافعي برأي يناقض ما تقدم كليا اذ انه يرى من الاستحباب (فضلا عن الجواز) ان تؤم المرأة النساء في الفرض والنافلة وهو قول انفرد به من العلماء المسلمين . وبخلافه يرى ابو حنيفة ومالك انه من المكروه لها ان تؤم في النافلة والفرض. انظر( المعتبر ج2 ص427) .
لكن يبقى (الاجماع والمشهور) هو جواز امامتها للنساء في الفرائض والنوافل وان قال البعض بكراهيتها لكنه ضمنا يقول بجوازها . و(ثانيا) ان النصوص غاية ما تدل عليه وتشير الى جواز إمامة المرأة للنساء وليست فيها اية دلالة على حرمة امامة المرأة للنساء والرجال او الرجال فقط . هذا ما يخص امامة المرأة للنساء واما امامتها للرجال او للنساء والرجال معا فهذا ما سنناقشه الآن .
استند (اجماع) العلماء والفقهاء المسلمين على اختلاف مذاهبهم في مسألة اشتراط الذكورة في الامامة على مجموعة قليلة من النصوص لا اعتقد –كما سيظهر- انها تفي بدلالتها على هذا الاشتراط . ولهذا السبب شذ البعض منهم على عدم الاشتراط او على اشتراطها في الاجنبي (غير المحرم) فقط وهذا ما سنبينه من خلال النصوص التي هي عبارة اية قرآنية واحدة وعدد عن احاديث منسوبة الى النبي ، وهي :
1- الحديث النبوي ( لا تؤم امرأة رجلا ) وهو اول الادلة واشهرها والمذكور في اغلب المصادر الاسلامية ( انظر مثلا السنن الكبرى للبيهقي ج3 ص90) وهو اقوى الاحاديث واكثرها اعتمادا لوضوح دلالته .
2-الحديث (لا تؤمن امرأة رجلا ولا فاجر مؤمنا إلا ان يقهره سلطان او يخاف سيفه او سوطه ) وهو حديث رواه الكثير منهم المرتضى في ( شرح الازهار ، الامام احمد المرتضى ج1 ص281) وهو حديث يأتي ذكره عادة في مجال الاستدلال على اشتراط العدالة في الامامة .
3-الحديث الذي رواه اغلب علماء الشيعة ( اخّروهن من حيث اخّرهن الله) انظر( تذكرة الفقهاء ج1ص89 طبعة قم) وقد اورده كل من ذكره دليلا لتعزيز حرمة امامة المراة للرجال والنساء معا .
4- الاية (الرجال قوامون على النساء) النساء 34 . أستدل بها الامام الشافعي على عدم جواز امامة النساء للرجال او الرجال والنساء في كتاب الام الجزء الاول .
هذه هي اهم النصوص واشهرها (وان كان ثمة اخرى إلا انها لا تحظى بتأيد كالذي تحظى به هذه النصوص) ذكرها العلماء للتدليل على اشتراط الذكورة في امامة المرأة للرجال والنساء معا .
الى جانب هذه الادلة الروائية ثمة دليلين آخرين هما اولا (الاجماع) على الحرمة وثانيا( ان المرأة مأمورة بالستر والحياء والامامة للرجل تقتضي خلافه) . وكما هو واضح ان ما ُذكر من أدلة على الحرمة والاشتراط يمكن مناقشته دلاليا وسنفترض (جدلا) صحة المرويات من ناحية السند .
بداية أعرض بعض الاعتراضات التي صدرت من البعض والتي تزيد من قوة احتمال عدم صحة الروايات (سنديا) المنسوبة الى النبي والنصوص وتناقض الرأي السائد في الحرمة والاشتراط . وهي اعتراضات وآراء صدرت عن الشيعة والسنة على حد سواء كما سيتضح ذلك .
أولاً- منها ما ذكره ابن حجر العسقلاني في سبل السلام والعظيم ابادي في شرحه لسنن ابي داوود : ان (ابو ثور والمزني والطبري) اجازوا اقامة المرأة على الاطلاق (نساءا ورجالا ) والرأي هو صادر عن اسماء بارزة في التاريخ الاسلامي (كما يذكر العسقلاني) وهذا مما يفصح كحد ادنى -مع قربهم الى الاسلام الاول - ان ما ذكر من احاديث تشترط الذكورة في الامامة هي مورد شك اذا لم نقل انها غير صحيحة وهو الذي يبرر رأيهم بعدم الاشتراط كما ان قولهم بالجواز لا يبقي معنى للاجماع وفرضيته القائلة بالحرمة والاشتراط .
ثانياً- يرى الشيخ حسن الجواهري في كتابه جواهر الكلام ج13 ص340 ان (لا دلالة في النصوص على اشتراط الذكورة في امامة الرجال كي يحتاج الى العلم باحرازها ، بل غايتها ما سمعت من عدم امامة المرأة ، وفرق واضح بينهما) والجواهري واحد من فضلاء واكابر علماء الشيعة الاثنى عشرية في العراق في القرن الثالث عشر الهجري فهو يرى ثمة فرق كبير بين اشتراط الذكورة في الامامة وبين القول بعدم امامة المرأة بمعنى انه يعطي لعنصري الزمان والمكان مجالا واحتمالا كبيرا في القول بعدم الصحة .
ثالثاً- ينقل خير الدين الزركلي في الاعلام ج5 في هامش ص118 ان (الشبيبية) اتباع شبيب بن يزيد جوزوا امامة المرأة للرجال والنساء معا .

يعترض البعض على رأي الشبيبية بحجة ان الشبيبية هم من الخوارج وبالتالي لا يعتد برأيهم. إلا اني اعتقد ان الشبيبية جوزوا امامة المرأة لوجود ادلة اعتمدوا فيها على الجواز بالرغم من عدم معرفتنا بتلك النصوص والادلة .
رابعاً- الشيخ محمد امين زين الدين في كتابه كلمة التقوى ج1 ص368 يرى التفصيل في مسألة امامة المرأة للرجال فهو لا يقول بحرمة امامة المرأة (للرجال اذا كانوا من المحارم) وزين الدين هو مرجع دين شيعي كبير توفي في تسعينيات القرن المنصرم . قوله بالتفصيل بين المحارم والاجانب يعني ان الادلة ليست بكافية للدلالة على الحرمة والاشتراط مما يقوي الرأي القائل بعدم الاشتراط ويشكك بصحة المرويات .
بعد عرض هذه الاراء المشككة والنافية لشرط الذكورة في الامامة . اتوقف هنا ان قليلا لمناقشة ادلة الاشتراط المذكورة اعلاه من زاوية تغاير الزاوية التي ناقش منها الفقهاء الكبار وان كنت ساستفيد قطعا من بعضها في تسجيلي للملاحظات :
الملاحظة الاولى: يتضح مما تقدم عدم وجود دليل قرآني (غير ما ذكره الشافعي وهو غريب جدا عن امامة المرأة) واحد ولو عن طريق التاويل لنص قرآني يحرم الامامة للنساء ، بل ان الكثير من الايات تدحض الاشتراط وتؤكد المساواة بين الرجل والمرأة في اغلب المجالات العبادية. وهذا يعطي احتمالا كبيرا للظروف المحاطة بتلك الروايات عند صدورها على فرض صحتها وثبوتها .
الملاحظة الثانية: ان الحديث الاول (لا تؤم امرأة رجلا) وهو اوضح الاحاديث والمعتمد الاول في الاشتراط قد ذكره البعض ومنهم ابن عساكر في تاريخه ج61 ص312 وقد جاء ضمن حديث القاه النبي من على منبره ذكر فيه الناس بالاعمال الصالحة والعبادة وترك المعاصي والابتعاد عن المحرمات . مما يعطي احتمالا ان الحديث جاء لحادثة ما وبخصوص ظاهرة محددة غير معلومة لنا . ويعزز هذا ان الحديث ليس فيه اشتراط واضح بقدر ما نهى عن امامة المرأة ويضاف ايضا ان الاطلاق في الحرمة يتعارض مع القول الذي جوز إمامتها بالمحارم من الرجال كما هو راي الشيخ امين زين الدين .
الملاحظة الثالثة: ان الحديث الثاني جاء ضمن سياق النهي عن امامة الفاجر والفاسق وهذا يؤكد أن المرأة المنهي عن إمامتها تأتي ضمن هذا السياق والا فالمرأة ليست بمنزلة الفاجر المنهي عنه حتى ياتي الرسول على ذكرها ضمن هكذا سياق .
الملاحظة الرابعة: أن الثالث من الادلة كما هو واضح ليست فيه اية دلالة على الاشتراط او الحرمة كما انه يتعارض مع روح الدين ومقاصده العليا في عدم تفرقته بين الرجل والمرأة إلا بالتقوى والاستقامة .
الملاحظة الخامسة: اما الاية التي استشهد بها الشافعي فهي ايضا خالية عن اية اشارة ولو بتأويل تعسفي على الاشتراط او الحرمة . وغريب انه ستشهد بها عالم كبير بمنزلة الامام الشافعي .
الملاحظة السادسة: لم يتفق جميع علماء الاصول والفقه والحديث على تعريف محدد وواحد للاجماع فمنهم من يرى انه هو اجماع الصحابة وآخر اجماع التابعين وثالث اجماع تابع التابعين ورابع اجماع الائمة وخامس اجماع العلماء الاوائل وسادس اجماع المتأخرين ووو...الخ وعلى جميع الاحتمالات دعوى الاجماع غير صحيحة بعد ما تبين ان ثمة اختلاف واضح ومصرح به من قبل علماء وفقهاء مسلمين قديما وحديثا ، فضلا على الاحاديث المتضاربة .
الملاحظة السابعة: القول بأن إمامة المرأة منافية لعفتها وتتضارب مع انوثتها فيه الكثير من السذاجة والتبسيط للمرأة وللشريعة الاسلامية .
ومما تقدم يتضح بجلاء وبصورة لاتقبل الشك عدم توفر ادلة صريحة وواضحة وصحيحة على الاشتراط او الحرمة ويعززها تلك الاختلافات الكثيرة (التي عرضناها) والمتناقضة في الان نفسه حول هذه المسألة. وان القول الذي يصر على الاشتراط والحرمة بدعوى عدم حدوثها في تاريخ المسلمين فهذا لا يشكل دليلا ولا مسوغا ولا يدل على الحرمة والاشتراط ( لأن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود ) على حد قول الفلاسفة .



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة