دور المرأة في عراق مابعد التغيير



جمعية السراجين
2007 / 6 / 29

بدء يمكن الاعتراض ومناقشة ذلك المطلق الذي عنوانه التغيير وزمانه كما يبدو فترة مابعد سقوط بغداد في 9| 4| 2003 وهل يستوجب الاسترسال والمتابعة (تغيير) العنوان وجعله (هل من دور للمرأة في عراق مابعد التغيير؟) ليكون اقرب الى واقع الحال الراهن , ولان الاستفهام وحده من يدخلنا في دهاليز او متاهة لها ألف باب نطلب منها الإجابة حول ماالذي تغير ؟ والى أين ؟ ثم نحاول البحث والتواصل مع مشاكل العنصر الأنثوي نادر التواجد في شوارع هذه الأيام , والكثير الحضور في (سره) الغاز والنفط والبنزين بصحبة الدبة والجليكان وما لم يستطع تسريبه او إبقائه في الدار من أطفال أبناء أو أحفاد .
- هل سنتحدث عن المرأة في كل العراق ؟ لاشك إن لنساء شماله وضع مختلف , والقصد في كردستان , او كوردستان كما يحبذ كتابتها ونطقها السادة الحكام هناك ويتمنون على أحبائهم وأصدقائهم ومريدوهم ومواليهم ومحاصصيهم التمسك بحرفيتها , وهذا ليس موضوعنا الآن ولكنه تذكير بأننا أمام صورتان تستوجب مناقشتهما التفريق وتبيان درجات الاختلاف , ومن جانبنا نحن كجمعية يغلب عليها الطابع العمالي الحرفي في الوسط والجنوب يمكننا (تصور) الوضع العام للمرأة في كردستان دون الغوص والشرح عن قبل وبعد (التغيير) مع الاعتراف بصعوبة هذا المسلك ومحاولة تجاوز (التجني) أو المبالغة سلبا او إيجابا في تناول يتطلب التخصيص والحديث عن دور المرأة فقط ضمن مجتمع لاشك وانه استفاد مما حصل أثناء وبعد 9|4 لأسباب سابقة للحدث وبالتحديد منذ العام 1991 وما تلاه من فرض الحماية على شمال العراق ثم اقتطاعه وعزله بعيدا عن تأثير حكومة المركز في بغداد , ثم إطلاق المجتمع وبلا قيود ليتفاعل وتأخذ الفئات المتواجدة في الساحة دورها وتحدد ثقلها والصيغة التي ستتعامل بها مع الكتل الأخرى , ويتم اختيار العنف كعامل رئيسي في الحوار المتخلف ومحاولة فرض الإرادات الذكورية الإقطاعية فاشية التفكير , لم يكن فيها للمرأة او المثقف الواعي دور غير الخضوع والخنوع والهرب او القمع والتهميش , وتهدا الأمور بعد سنين وولادة التكتلات الإقطاعية الكبرى في كل من السليمانية واربيل متقاسمة النفوذ ربما لفترة طويلة وربما الى حين , ولكن الحديث دار بعدها عن تقدم نسبي لقضايا المرأة في السليمانية وتأخر نسبي لها في اربيل , وحتى لانذهب بعيدا فسنوات الاستقرار والهدوء في كردستان العراق قبل تغيير 9|4 جعلت مابعده تحصيل حاصل مع زيادة النفوذ والثروات والعائدات وتحكم هو اقرب في تعامله مع قضايا المرأة للعلمانية والرأي الحر . جعل النساء هنالك بعيدات عما يتعرض له أقرانهن في الوسط والجنوب من قيود مضافة يأتي دور نقاشها لاحقا , ولكن الواضح لنا ومن خلال تناولنا العمالي الإنتاجي والاقتصادي للأمور كقياس للتقدم و لا قناعة تامة وفقط بتوفر بعض الحريات الفردية للمرأة والتي لاتقترب حتما من درجة المساواة وحتى أمل الوصول اليها لاحقا , خاصة وكما يقال فالمكتوب يقرأ من عنوانه وما نراه من تصرف الفئات الحاكمة الكردية لايخرج أبدا اذا لم يرغب في التوغل أكثر في بناء وديمومة اقتصاد ريعي متخلف يعتمد على الواردات الخارجية غير المستندة او المستخلصة من إنتاج داخلي بل مايمكن استحصاله من الصناعات الاستخراجية غير المتواجدة أصلا في الإقليم والتي هي عائدات البترول حصرا إضافة للكمارك والتهريب كواردات غير منظورة ! مما يجعل (الهم ) الرئيسي لقطبي كردستان هو كركوك أو باطنها بالأصح مهما جرت محاولة تغليف الموضوع بالشعارات الوطنية او الإقليمية او القومية الكردستانية وكأن مايعقب ذلك هو الدخول في جنة الرفاهية والثراء من دون تنمية اقتصاد محلي إنتاجي زراعي وصناعي بالدرجة الأساس وخدمي وتجاري كملاحق مهمة , وما نراه من اضطرابات داخلية متفرقة يجري التعامل معها بقسوة الا نتيجة للفرز الطبقي المتعاظم بين قلة حاكمة تراكم الثروات وكثرة من الشعب يجري إنهاكها اقتصاديا وإدخالها الوظيفة ومعاش الحكومة للامساك بولائها بدل تثبيت استقلالها المادي بربطها بوسائل إنتاج سلعية صناعية وزراعية وخدمات , وهنا نتحدث عن المجموع أي المرأة والرجل , حيث ا تخسر المرأة السباق ثانية لان تحديد فرص العمل ونوعيته وربطه بالدولة الذكورية التوجه عند التعيين والاعتماد على رجالها المخلصين وما على المرأة غالبا إلا الجلوس في الدار مع المزيد من العبودية .
- وخلاصة القول وفي الإعادة إفادة إن الحرية النسبية التي يوفرها النظام السياسي الحالي لكردستان للمرأة رغم ايجابياته قياسا بأوضاع الوسط والجنوب لايمكن التواصل معها الى درجة المساواة وحتى قريب منها مادامت أكثرية النساء هن ربات بيوت او مزارعات في حقول آبائهن أو أزواجهن , او عاطلات عن العمل الإنتاجي عموما غير المرغوب به , وغير المفهوم كما يبدو لمن بيده الأمر هناك مادام أساسه السلعة ودوخة هامش إرباحها أو خسائرها , ونتمنى الاعتراف بخطئنا في هذا المجال حالما يدلنا احدهم على سلع مصنعة مكتوب على جوانبها ( made in ) كردستان او كوردستان لافرق حينذاك , تغزو أسواق الوسط والجنوب وحتى الشمال نفسه رغم الفرصة الكبيرة المتاحة لامتصاص العمالة العراقية الرخيصة نساء ورجالا وبمختلف الاختصاصات يبحثون عن جيب امن للعمل والإنتاج .
- .
- ماذا عن أحوال المرأة هنا في الوسط والجنوب ؟ نعود فيها الى تخصصنا الأصلي كعمال وحرفيين لا كعلماء اجتماع , في تناولنا لما يحدث مع عدم نسيان الربط الواجب لا الفصل التام والتنظير المستقل لواقع المرأة العراقية بعيدا عن مايدور في المجتمع العراقي ككل والاعتراف الصريح بأن النساء أكثر من يعاني خاصة في مجال التشغيل وذلك ماتناولناه في مقالات سابقة بعنوان المرأة والعمل في العراق يجري الحديث فيها عن العاملات وأوضاعهن قبل وبعد التغيير وفي القطاعات الخاصة تحديدا صناعية وزراعية , والحرية النسبية التي يوفرها لهن العمل للخروج والاختلاط وكسب الرزق , والنابعة بالدرجة الأساس من الحاجة داخل الوحدة الصغيرة التي هي العائلة في المدينة وحسب البنية والوضع الطبقي انتقالا إلى وعي ضرورة العمل واثبات الذات والاستقلالية والتطور لدى أناث الشرائح المتقدمة للبرجوازية المدينية , وليس في قرى الريف واختلاف علاقات الإنتاج وتحول العمل الزراعي إلى ضرورة ملزمة للنساء في مختلف أطوار حياتهن .
- والمطلوب هنا هو أحوال مابعد التغيير ألمديني غالبا مع موجات تشاؤم وخيبة تتعالى حاجبة الجنس الأنثوي كله ! , وكأن المطلوب هو إزالته من شكله القديم وتكوينه ومنظره الطبيعي من الشوارع والساحات ومحلات العمل والدوائر وكل ماله علاقة بالمدنية والاختلاط وإدخاله ظلمات الحجاب والنقاب والسواد من قمة الرأس الى أسفل القدمين , ليتحول التغيير الى مأساة يتم فيها فصل نصف المجتمع وحبسه بين الجدران ولفائف الأقمشة , وارجاعة الى زمن كان فيه عورة , ونقص , وتكرم , وخادمتك المرة , وما يجري يتم وسط صمت وتأييد ذكوري يعود بنا إلى الغرائز البدئية التي تجاوزتها حضارات ومجتمعات كان منها وبنسبة كبيرة المجتمع العراقي لفترة الأربعينات من القرن الماضي ولحد التسعينات والدخول في دوامة الحضر والفقر وصولا إلى مابعد التغيير وبداية النظرة الدونية للمرأة من مسئولين في اعلي مستويات القيادة السياسية ومحاولتهم إلغاء وتبديل التشريعات المدنية الساندة لحقوق المرأة والتي أقرتها ثورة 14 تموز 1958 , نزولا الى الأشباح التي تمنع المرأة من ممارسة حرف متعددة وقتل من لاتعجبهم (سيرتها الذاتية) ومن ثم بروز ناصحات ومرشدات يتولين الشرح والإفهام بالقياسات المطلوبة شرعا لارتداء الملابس و أي تصرف او حديث , كما تزامن حدث التغيير مع صعود كوادر نسوية و(مفكرات) ومنتخبات من الشعب يبررن العبودية والعودة الى الخدمة المنزلية ويتحدثن عن واجبات مضافة يفرضها الشرع والدين . تستوجب الأداء والالتزام والتطبيق قبل المطالبة والإلحاح على حقوق مدنية واجتماعية في هذه الحياة الزائلة , وتكتمل الصورة سوداوية , ان لا بديل حقيقي ومستمر ينبع من بين صفوف هذه الفئة المقهورة عموما , ومن مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية وقد يعزى ذلك وبشكل رئيسي الى الخوف والرعب المتجذر , والذي ارتفعت مدياته وسط مشاهد وحكايا التصفية الجسدية والقتل المستمر والمجاني أحيانا وليس فقط غير المبرر بل غير المفهوم لكفاءات نسوية ربما ذنبهن الشهرة والسمعة في مجال العمل ,طبيبات او مهندسات إداريات على مستوى راق يكتسبن بسهولة محبة الناس وثقتهم , وتتسبب هذه التصفيات في هجرة واسعة او اختفاء لأقرانهن مما يؤدي الى جفاف واضمحلال المجتمع المتوسط , والمثقف القادر فعلا على الخدمة والتغيير , وهنا كما يبدو بيت القصيد , ومحاولة البعض قلبه الى (تأخير) يدفع الثمن فيه ودوما الشعب العراقي نساءه ورجاله فما بالك بما يجري وسط المجتمع الفقير وطبقته العاملة
- ويبدو ان الحديث يجب أن يعود الى النساء وعن نساء البلد وأوضاعهن فلا نجد كلمات معبرة غير معاناة , قهر , اختفاء وتلاشي وسط زحام الجهل حتى لناشطات كفوءات على مستوى عالمي كالسيدة ينار محمد تطالب بالمساواة الحقيقية فلا تجد غير الترهيب والصد حتى من إعلام بلدها ! وتدور وتتعب رئيسة تحرير مستقلة كنجلاء الفضلي شهورا من اجل إضافة عدد آخر من مجلتها (الحقيقة) وعذرا ممن تبقى ولا نعرفهن من زارعات الأمل وسط مساحات اليأس والظلام . ودمى ترسم لك صورة وردية للانجازات والتقدم رغم بعض المشاكل والصعوبات ! .
- أين ذهب زمن الرائدات النابغات في كل مدخل وباب ؟ ولنرجع خمسين عام إلى الوراء .
- نازك الملائكة في الأدب والشعر
- نزيهة الدليمي وسعاد خيري في السياسة والفكر
- عفيفة اسكندر وزهور حسين في الفن والغناء
- ناهدة الرماح وزينب في المسرح والسينما
وغيرهن كثيرات يبدو إن الضرع الذي غذاهن قد جف وتحطمت البنى التحتية والمنافسة وهوامش الحرية التي أنجبتهن لنصل إلى هذا الخواء .
هل نستطيع الاختصار والتركيز وبالتالي الإجابة المباشرة على أسئلة الكتاب ؟
أي دور واضح ومستقل للمرأة في عراق ضبابي الملامح بعد التغيير والصوت الأعلى لقعقعة السلاح والعنف الذكوري وسفك الدماء ؟ كل مانستطيع اقتراحه مجاراة للحدث هو تشكيل كتائب نسائية مسلحة او ترك الباب مفتوحا لحين حديث المرأة عن نفسها .
حرية ومساواة المرأة بنشوء المجتمع المدني ربط بعيد المنال وما نراه حاليا مجتمع عسكري طائفي , امتهن التقاتل يتساوى فيه رعب المرأة والرجل .
عندما تبدأ التنمية الاقتصادية والبشرية الحقيقية في العراق يكون تحصيل حاصل هو الحديث عن دور حتمي وليس هبة للمرأة فيه , ولكننا الآن ندور ونطحن في عملية التخريب الاقتصادية والبشرية لما هو كائن وباق من ركائز الإنتاج والكفاءات والاقتصاد .
ونعتقد أخيرا ان الإجابة تمت من خلال سياق المقال عن دور القوى الطائفية والدينية ونظرتها الى عمل المرأة المنتج ومكانتها ودورها ومصيرها .