الختان



نادية المفتى
2007 / 6 / 29

الختان أنواع، فهو ليس جسديا فقط، بل نفسيا أيضا، و المقصود به هو إنتزاع قطعة ما من الإنسان، من جسده أو هويته، و يجرى على كل من الرجل و المرأة على حد سواء
فالختان الذى يتساوى فيه الجنسين هو الختان "الوطنى الشرقى"، و ذلك يتم بمحاولة إستئصال غدد "الحرية" و "التفكير المستقل" و " الإعتزاز بالنفس" من عقول بنى الشرق، و فى 90% من الحالات تنجح العملية. و هذه العملية تجرى فى الغرب كذلك و لكن دون المساس بالبند الأخير، فبينما يتم إجراء عملية الإستئصال فى الغرب بسلاسة و تحت تأثير "بنج" الميديا و إغراق الشباب فى الإدمان بشتى أنواعه، مخدرات أو جنس أو أصولية مسيحية، يتم إجراء تلك العملية لدينا لمن لم ينجح معه كل ماسبق، بدون بنج، بالهروات، عن طريق طاقم أطباء "الأمن المركزى" اللذين تسبقهم سمعتهم فى جميع بلاد العالم. فهنا "كلنا فى الختان شرق"
اما بالنسبة للمرأة، فلفتت نظرى حقيقة غاية فى الغرابة لم أتنبه لها من قبل، فالكثيرون فى بلادنا العربية يريدون من المرأة (و لن أقول الفتاة، فهذا التمييز الفج بين الأنثى قبل و بعد البكارة يثير لدى الغثيان) أن تكون جسدا لم يمس بعقل "حرباء"، بمعنى أن تفهم و تعى فى أمور الجنس و الحياة دون أن تصرح بذلك و دون أن يمسسها بشر، و لاحظت أن هذه الأعراض تظهر على المرأة التى تنقصها الشجاعة لتسبح ضد التيار و تواجه المجتمع المنافق بمشاعرها كأنثى و كإنسانة حرة قبل أى شىء، و ذلك من شدة تجريم التفرد و كذلك الحب كممارسة فعلية بل و حتى كرغبة فى العشق العاطفى و الجسدى من الطبيعى أن يتحلى بها أى إنسان سوى، فتنشأ من ذلك شخصية سوداوية تحقق النموذج الذى ينطبق عليه مقولة "جبروت إمرأة". فأى ثقافة تلك التى تمنع الشباب من الحب؟ إلى الآن، لو ألقينا نظرة على جميع المسلسلات التليفزيونية، و لتكن المصرية، لأنها أكثر تحررا من المسلسلات الخليجية مثلا، سنجد أنه تحل بمنزل ما كارثة كأنما توفى لهم عزيز إذا ما "ضبطت" الإبنة فى يوم ما مع شاب فى مكان غير مقاعد الدراسة بالجامعة! ألا يعد هذا نفاقا من العيار الثقيل؟ لا أدعى كما يدعى البعض أن ظاهرة الزواج العرفى قد تفشت بين الشباب و الفتيات، فهذا مما لا أعلمه، و لم أحصل على إحصائية بهذا الصدد سواء بالنفى أو الإيجاب، مع إنى لست ضد هذا النوع من الزواج فى شىء طالما لا يعطل الشباب عن مسيرتهم العلمية، و لكن ما أقصده هو، أليس من النفاق الشديد ان نظل نعامل النساء معاملة الأثير الذى لا يتجسد إلا بعقد زواج؟ عندما أرى بعض الأفلام العربية التى تتعامل مع العلاقات الجنسية للرجال خارج إطار الزواج، مهما كانت مقززة، كأن يجتمع عدد من الرجال لمواقعة بغى على التوالى، أو عندما يخون عدد من الرجال زوجاتهم، فهذه الأفلام تتعامل مع هذه المواضيع على أنها حكايات "فكاهية" و "مسلية"! اما عندما تكون الخائنة إمرأة، حتى لو كانت تعانى الأمرين من زوجها، فالفيلم يتعامل مع الموقف على أنه "مليودراما فاقعة" و لو كانت تهمة الزوجة مجرد أنها تواجدت فى الزمان الخاطىء فى المكان الخاطىء! أليس هذا ختانا نفسيا للمرأة عندما تجبر أن تتعامل مع أنوثتها و شبابها و الجنس فى حياتها "كالنعامة" بينما يتعامل الرجل معه "كالطاووس" و بمباركة المجتمع كله! اليس ختانا أن تقتصر صفات "كالشهامة" و "النخوة" و "القوة" و "الشجاعة" و كل صفات الشخصية القوية على الرجال بينما إذا وصفت إمرأة ما بأنها "قوية" أو "قادرة" فهذا يعنى فى العرف السائد أنها متجبرة و متسلطة و قاسية و مفترية! لماذا توصف المرأة بالضعف و هى التى تتحمل ألام حمل و مخاض و ولادة لا يقوى على تحملها الرجال! و مع ذلك، ليس هناك حاجة إلى أن ننكر تفوق الرجال على النساء عموما فى القوة الجسدية، و إن إضمحل هذا الفارق لدرجة ملحوظة فى عصر الجيم و الأيروبكس و الكاراتيه، حتى أصبحت مسألة التفوق فى القوة البدنية هذه من الفوارق الفردية لا النوعية، فتفوقت الكثيرات من النساء على الكثير من الرجال فى القوة البدنية. ما أقصده أن العالم الآن أصبحت القوة فيه للعقل و الذكاء و إضمحلت أهمية القوة البدنية بالنسبة لهذين العنصرين، و عندما تأتى الأمور للذكاء و المنطق، فليس هناك تميز لنوع ما على الآخر، المسألة ليست أكثر من تنشأة صحيحة و قدرة مكتسبة على إستخدام كل المهارات و الملكات التى يتمتع بها كل فرد، إمرأة كانت أو رجلا. يجب على النساء أن يرفضن لبس برقع النفاق الذى يجبرهن المجتمع على إرتدائه، فطالما أنها لا تفرض إختياراتها على أحد و لا يفرض أحدا ما إختياراته عليها، لترتدى الحجاب من تشاء و لترتدى المايوه من تشاء دون أن ترجم أيا منهما بالحجارة، من رجال لا يستطيعون تخيل العالم دون "حيطة مايلة" من النساء يفرغوا فيهن إحباطاتهم و عقدهم، أو نساء أكسل من أن يواجهن مجتمعاتهن بشجاعة، فآثرن أن يقبعن فى ظل رجال كهؤلاء.