النساء والعولمة الليبرالية



عبد السلام أديب
2003 / 9 / 27

 

إذا كان الرجال والنساء يشتركون حاليا في التعرض للآثار السلبية للعولمة الليبرالية وما تقوم عليه من حرية شاملة وسرعة انتقال رؤوس الأموال تتيح للمساهمين نقل توظيفاتهم بسهولة نحو الأسهم الأكثر مردودية. وتجعل الشركات الكبرى تبحث عم المردودية بكافة السبل، فإن النساء يتعرضن لآثار سلبية أكبر وأخطر، وفيما يلي بعضا من هذه الآثار:
في ظل العولمة الليبرالية التي أصبحت تتميز بالانفتاح والحرية المطلقة أمام تنقل رؤوس الأموال وقدرة المساهمين على نقل توظيفاتهم بسهولة نحو الأسهم ذات المردودية الأكبر، وتحول الشركات دولية النشاط الى البحث عن تحقيق المردودية بكافة السبل، واعادة توطين الأنشطة الاقتصادية التي تستخدم الأيدي العاملة بكثافة في الأماكن التي تتميز برخص الأيدي العاملة، نجد أن مواطني مختلف الشعوب رجالا ونساء يتعرضون للآثار السلبية المترتبة عنها مما يؤدي الى تدهور أوضاعهم الاجتماعية بكافة المقاييس. وتتعرض وضعية النساء على الخصوص لتأثيرات سلبية أكبر وأخطر. وفيما يلي لمحة عن أهم الآثار السلبية التي تتعرض لها النساء:
أولا: الآثار الناجمة عن اعادة توطين الأنشطة المستخدمة للأيدي العاملة المكثفة:
إن اعادة توطين الأنشطة المستخدمة للأيدي العاملة الكثيفة في الدول التي تتميز برخص الأيدي العاملة والذي تباشره الشركات متعددة الجنسيات، كان من شأنه احداث آثار سلبية على النساء سواء في دول الشمال أو في دول الجنوب:
- فدول الشمال عرفت تسريحات كبيرة للأيدي العاملة في الصناعات التي تم العمل على اعادة توطينها كصناعات النسيج ولعب الأطفال والتعدين والبواخر ... وبدون شك أن هذه الصناعات تشغل أيدي عاملة نسوية على نطاق واسع.
وقد أدت التسريحات المكثفة وتزايد الطلب على العمل أمام تراجع عرضه الى انتشار العمل التافه، ومساومة الشركات للعمال على أجور زهيدة. وقد كانت النساء أول ضحايا هذا الاتجاه، ففي فرنسا تشكل النساء 45 % من الأيدي العاملة النشيطة و51 % من العاطلين و 31,2 % من النساء يشتغلن في أعمال مؤقتة مقابل 3,2 % من الرجال (تشكل النساء 80 % من العاملين المؤقتين وهناك 3,2 مليون عامل وعاملة فقير، منهم 80 % من النساء.
- أما في دول الجنوب التي تستوطن فيها هذه الصناعات فتعرف نموا غير مسبوق في اتجاه تشغيل الأيدي العاملة النسائية لكن بأجور زهيدة وفي أعمال تافهة وخطيرة، ولا توفر فيها كافة الحقوق. وقد لوحظ في هذا الاطار أن المناطق الحرة حيث تكثر مثل هذه الصناعات، تشغيل ما بين 60 % الى 80 %  من النساء وفي الغالب فإن أجور النساء أقل من أجور الرجال.
ثانيا: آثار الخوصصة الشاملة للمرافق العمومية:
تعمل الشركات المتعددة الجنسية عبر المؤسسات المالية الدولية على الضغط على الحكومات لخوصصة مهام المرافق العمومية، والدفع الى اعتماد الأرثودوكسية الاقتصادية في الشمال وبرامج التقويم الهيكلي لصندوق النقد الدولي في الجنوب، ويقود كل هذا الى تخفيض اعتمادات الميزانية الاجتماعية. ويجعل هذا التخفيض من النساء أكبر ضحاياه على عدة مستويات:
- تراجع مناصب الشغل في المرافق العمومية يعني تراجع أكبر في تشغيل النساء.
- تراجع الاعتمادات المخصصة لقطاع الصحة يؤدي الى تزايد وفيات النساء عند الولادة، وتراجع العناية الصحية بالنساء. تؤكد بعض الاحصائيات على أن نسبة وفيات النساء عند الولادة هو 610 إمرأة في كل مائة ألف امرأة وهو معدل يفوق بكثير المتوسط العالمي الذي هو 307.
- تراجع الاعتمادات المخصصة للمدارس وتزايد ظاهرة المدارس الحرة ، ويؤدي هذا التحول الى الاحتفاظ بالبنات في البيوت، اضافة الى العناية بالأطفال غير المتمدرسين يعهد دائما الى النساء.
ثالثا: تزايد النشاطات غير المشروعة:
تعرف ظاهرة العولمة الليبرالية تزايد الحرية في الأسواق المالية ونمو الجنات الجبائية، وقد ترافق مع ذلك اتساع الأنشطة غير المشروعة كتهريب النساء وصناعة الجنس وتعميم محلات الماكدونالد التي تعمم نمط جديد من التغذية، وتسويق المنتجات البديلة المحولة جينيا، ونشير الى أنه تتم سنويا عملية تهريب 500000 امرأة نحو أوروبا للعمل في ميدان البغاء.
رابعا: تفاقم ظاهرة الفقر:
لم تترافق العولمة الليبرالية بأي تراجع في مستوى الفقر الذي تفاقم على العكس من ذلك، فهناك 1,2 مليار من الاشخاص يعيشون بأقل من دولار واحد، ف 70 % منهم يعدون من النساء والبنات. كما أن هناك 900 مليون من الأشخاص الأميون يعتبر الثلثين منهم من النساء والبنات.
خامسا: التمييز بين الجنسين:
لازال هناك الكثير من مظاهر عدم المساواة والتمييز بين الرجال والنساء، فالثلث فقط من النساء يحصلن على أجور مقابل الثلثين من الرجال.
هناك مليار من الأشخاص من الأميين في العالم وحوالي 70 % من بينهم من النساء. وفي العديد من جهات العالم، لا تتلقى النساء العناية الصحية اللازمة. هناك على الأقل مليون من النساء يموتون كل سنة عند الولادة أو بسبب الحمل. العنف في مواجهة النساء على المستوى الجسدي أو الاجتماعي أو السكولوجي.
وفي جميع الدول هناك حيف مهني كبير في مجال الولوج الى الوظائف والمهن وكيفية التطور في الحياة المهنية مع كل ما يتضمن ذلك من عدم المساواة في الدخل.
في دول الجنوب، بينما تضمن النساء 80 % من الزراعات المعيشية نجدهم نادرا ما يمتلكون الأرض التي يحرثونها.
لازال النساء يقومون بأغلبية المهام المرتبطة بالمسؤوليات العائلية أو ذات المصلحة العامة لتعليم الأطفال، وتهيء الأكل، ومساعدة الأشخاص الصغار والكبار والمعوقين.
وهكذا ففي آسيا الجنوبية (الهند والبانغلاديش والنيبال)، فالنساء تضمن من 20 الى 30 ساعة اسبوعيا من المهام العائلية غير مدفوعة الأجر أكثر من الرجال. وفي اليابان يصل هذا الوقت الى تسع مرات أكثر.
هناك دراسة فرنسية حديثة (INSU99) توزيع العمل العائلي) تبين أن الوضعية ليست أيدا مختلفة نظرا لأن النساء تتحملن ثلثي العمل الأسروي (تخصص النساء خمس ساعات يوميا لهذه المهام مقابل ساعتين ونصف يخصصها الرجال).
التوزيع غير المتكافئ للمهام الأسروية يعتبر أيضا عاملا يكرس التمييز: فهي تؤثر في تعليم البنات الصغار، ويرغم النساء على الانسحاب من سوق العمل، ويدفع ببعض النساء الى العمل أكثر من 70 ساعة في الأسبوع.
سادسا: ثمن العولمة:
يقدم النساء في الغالب كالطرف الرابح في العولمة الليبرالية: صحيح أن توسيع الأسواق والامكانيات الجديدة للتشغيل تفتح للنساء فرص جديدة، تعيد النظر بطبيعة الحال بشكل محدود، في الدور التقليدي والمراقبة الأبوية. فالدخول المكثف للنساء في سوق العمل غير المؤهلين، خصوصا في جنوب شرق آسيا وفي أمريكا الوسطى، كما أن تزايد المناطق الحرة أتاح للنساء شغلا وإذن استقلالا ماليا وان كان مؤقتا.
لكن من جهة أخرى، تفاهة العمل، وتقلص الحماية الاجتماعية، وتهميش الشرائح الأكثر هشاشة هي أيضا نتيجة لهذه العولمة الليبرالية التي تثقل على الخصوص على النساء، وهي تنضاف وتفسر في جزء كبير منها بالتمييز الذي يتعرضن له تقليديا. النساء هن على الخصوص سهلة التأثر (هشة) عندما تكن وحيدات للعناية بالعائلة والتي هي حالة امرأة من بين