مقاربة حول دور المراة في المصالحة الوطنية



كامل الدلفي
2007 / 7 / 29

كتبت مقاربة في العام الماضي بعنوان (الأعلام والدور الوطني في تفعيل مشروع المصالحة ) نشرت في جريدة الصباح ومواقع ألكترونية كالحوار المتمدن وأصدقاء الديمقراطية أوردت فيها تعريفا للمصالحة الوطنية أو وصفا بنيويا لها مفاده أن المصالحة مشروع أجرائي وفعالية تنفيذية اقتضتها حتمية التطورات والتغيرات التي ظهرت في الساحة العراقية في المرحلة القائمة وما قبلها ولاشك أنها تتطلب مناخات مناسبة للتطبيق وآليات وأدوات عمل حقيقة فضلا عن أوراق عمل واضحة وجداول دقيقة ، فالمصالحة أمكانية عيانية ومركب وجداني يأخذ بعدا أستراتيجيا أكثر مما هو بعدا تكتيكيا ، لذا من الأهمية بمكان التنويه على ضرورة التوازن في طرق التعريف والتقارب من ذلك المفهوم الذي يعني في نهاية المطاف (( الوحدة الوطنية )) . (1)
فما هو المتحقق من جوانب التعريف الواردة للمفهوم منذ أطلاق المبادرة إلى الآن ؟ قد تجيبنا الوقائع بانكسار ، فالعنف الذي أرادت المصالحة أن تعالجه أصبح أعلى وتيرة والحكومة التي أطلقت المبادرة تكاد أن تكون في مهب الريح ، كانت المبادرة فرصة جيدة وسانحة لجعل مكونات العمل السياسي أن تلجأ إلى الحلول السلمية لمشاكلها المتفاقمة بدلا من استخدام وسائل العنف المتبادل بينها.
بذل المجتمع العراقي الذي يمثل قاعدة التلقي للإسقاطات العنيفة التي يفرزها الهرم السياسي الأعلى ،جهودا متواصلة باتجاه تحقيق المصالحة سيما مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الأهلية ، دون أن تفرز في طريقها عقدا ذاتية ممانعة ، لأن المجتمع العام والمجتمع المدني لم تنطو سريرتهما على عقدة مشابهة للتي تنطوي عليها سريرة الهرم السياسي والتي تجلت بعدم الاعتراف بالأخطاء وعدم الاعتراف بالأخر (الشريك السياسي)من ناحية ثانية ، والاستمرار بالإذعان للإملاء الخارجي (إقليميا – ودوليا)من ناحية ثالثة ، الأمر الذي جعل مشروع المصالحة لم يتقدم في مسعاه وتحقيق أهدافه في تطويق الأزمة القائمة ...
وبذلك بقى الرهان مفتوحا للمجاميع الكتلوية كالمنظمات النسوية والشبابية ومؤسسات المجتمع المدني أن تأخذ نصيبها في المساهمة في انتاج حل نهائي للوضع الراهن ، لأن تطورات الأمور باتت تتحدى بنيتها الأساسية وتهدد سلامة نسيجها ، فالمرأة وكما هو معلوم تشكل الركن الأساس في البناء الأسري وبذلك تلعب دورا متميزا في صناعة الاستقرار المجتمعي ، فمناقشة هذا الدور بالإضافة للأهمية التي يمتاز بها ينطوي على تعقيد شائك وطبيعة مثيرة للإشكالات ، وأن حيويته تمنع من السكوت عنه أو وضعه في خانة المؤجلات فحين نمارس مناقشة علمية لدور المرأة في المصالحة الوطنية ، من الضروري أن لا نأخذ ذلك بشكل فوقي ونسترسل بتأشير قائمة الينبغي واليجب مثل أي طباخ كلاسيكي تحضر في مخيلته أبدا المواد التي تنتج مرقا طيبا من السمن إلى التوابل إلى عصير الطماطم إلى لحم الضأن ، ونخرج متصالحين من الدرجة الأولى ولكن لسويعة واحدة بعد أي لقاء ، أن الإخفاق في حصاد النتائج الايجابية يأتي من قصورنا في الربط بين العلة والمعلول وبين النتائج والأسباب ،أن المرأة عنصر فاعل في أنتاج مصالحة حقيقية ولكن هل تقدر المرآة في أن تنتج مصالحة فعلية وهي في مثل هذه الظروف والمناخات التقليدية التي تحيط بها ، أنها تعيش في مجتمع ذكوري صرف ، وتحت هيمنة ذكر لازال يتمتع بصفات الطاووس ، لا بل هو الطاووس بعينه . فمن دون تفكيك منظومة العلائق المحيطة بالمرأة جسدا وروحا ستكون المرأة غير مهيأة للمساهمة بأي مشروع وطني رغم صغره ناهيك عن أنتاج مصالحة وطنية، أن من المهم جدا أن نتطرق إلى الوضع الواقعي الذي تعيشه المرأة العراقية ، والى مشروعها النهضوي الذي لازال يراوح في بداياته التي ظهرت منذ مائتي عام تقريبا ، مازالت المرأة عند عتبة المطالبة بالتحرر والمساواة ولم تصل إلى مطلب المشاركة الفعالة في إدارة الدولة والمجتمع فالعبودية المتوارثة في أشكال مختلفة ، قوانين وأحكام وعادات وتقاليد وفتاوى وأعراف ونزوات تمثل تنينا يحيط بإرادة المرأة ويلتهم قوة نهضتها وتطلعاتها ، يقول نصر حامد أبو زيد((أن القوانين والأحكام المحددة لوضع المرأة ومكانتها تكشف أكثر من غيرها عن مدى تحقق (حقوق الإنسان)في المجتمع المعني وهذا هو المؤشر الأكثر صدقا لتحديد مدى تقدم المجتمع)) . (2)
فالمرأة تشكل القاعدة الأساسية لاستقرار المجتمع وبناء وحدته ، ومن دون تفعيل دورها وفق ميزان وجودها الإنساني وطبقا لمعايير معاصرة :(التقليدية بحسب ماكس فيبر هي كل ما يمت بصلة إلى عصر ما قبل التصنيع والدولة القومية) .
والتي تقف كمعوقات ذكورية في طريق المشروع النهضوي للمرأة العراقية ، يبقى الحديث عن الاستقرار والوحدة الوطنية والنهضة الحضارية والديمقراطية مجرد ضرب من الخيال من دون أن يتقدم مشروع النهضة النسوية بخطواته إلى الأمام . ولكن ذلك صعبا فالمجتمع العراقي كغيره من المجتمعات الشرق أوسطية عربية وإسلامية يخضع لحاكمية ثقافة الذكر والتي ما فتأت تغذي السلوك ألذكوري ومنظوماته المتعددة منذ(6000) ألاف عاما ، من انهيار عصر الأمومة وتحول المرأة إلى جزء من الملكية الخاصة للرجل . ولم تخرج سلوكيات مباينة لهذه الثقافة في التقارب من موضوع المرآة إلا ما ندر ما جعل هذه الصفة مستمرة في البنية الاجتماعية وطبعت بخصائصها أنواع العلاقات الاجتماعية بين النوعين في الجنس الإنساني ،والتي امتازت بالتبعية المؤبدة للمرأة ، والتي منعت المرأة من أن تلعب دورا فاعلا في الوسط العام ، فحتى المجتمع الرأسمالي لم يخلص من وراثة هذه العبودية بل جسد تبعية المرأة والتفوق ألذكوري بشكل واسع في مجالات العمل والتعليم وتجارة الرقيق الأبيض وتحويل المرأة أداة ترويحية فائقة وأن واحدة من أشد ابتكارات الرأسمالية العبودية للمرأة هي صناعة الأعلام الإباحي .
فإذا كانت المرأة قد وقعت تحت رحمة النقاب والتخفي الشرقي من ناحية فأنها تقع تحت رحمة العري والإباحية عند ضفاف الحداثة الرأسمالية ، أنهما وجهان لعملة الرق الموحدة التي أنتجها مصرف الذكور من جلد الأنوثة التاريخي .
أن تحرر المرأة ومساواتها بالرجل ومساهمتها بصناعة القرار وإدارة الدولة والمجتمع هي مثابات ومفاصل متتالية ، هي هندسة المشروع النهضوي النسوي ولكن ذلك ليس بمعزل عن مشروع التحديث المجتمعي العام . فاللحظة التي نعيشها رغم تعقيداتها تمنحنا فرصة لإعادة النظر والبدء بمحاولة تقييم المشروع النهضوي العام في المنطقة ، الذي رأى النور في أولى خطواته بداية القرن التاسع عشر الميلادي ، آذ ما أخذنا بحسب الكثير من المؤرخين والكتاب، حملة نابليون على مصر وتجربة محمد علي في الحكم وكتابات رواد النهضة الطهطاوي والكواكبي والأفغاني ومحمد عبده على أنها عوامل ساهمت جديا في تشكيل الوعي الأساسي الحديث لفكر المنطقة ، وقد نضيف إلى ذلك كتابات الملا صدر الشيرازي ومساهماته في تأسيس النهضة وذلك بحسب ما يعتقده مفكرنا الجليل ( شيخنا الولي ) هادي العلوي .
أن الحراك المشار أليه أسفر في خط مباشر لأن يكون سببا لظهور حركات أصلاحية دينية وتنويرية ونهضوية في المنطقة وظهرت مفاهيم ومصطلحات إلى الوجود والتداول لم يسبق أن يتم تداولها مثل المواطنة والمساواة والحريات العامة والحريات الفردية وقضايا حرية المرأة ، تقول الدكتورة هالة مصطفى ( رئيسة تحرير مجلة الديمقراطية في مصر ) :( لقد كانت هذه الإنجازات جزءا لا يتجزأ من المشروع الفكري والإصلاحي لتحديث الدولة والمجتمع معا وبالتالي فمن الصعب معالجة أي قضية من هذه القضايا بمعزل عن القضايا الأخرى فالنهوض بقضية المرآة سيظل مرتبطا بالنهوض بمشروع التحديث ككل ) . (3)
فالفصل بين مستويات المشروع النهضوي العام يعود بالضرر التام عليها جميعا ، ونفس الشئ عند الاهتمام بجانب واحد على حساب الأخريات فمعركة الحقوق غير قابلة للتجزأة ، وإذا كان من يسعى في تقليديته راهنا قد ركب موجة أو موضة الدفاع عن حرية المرأة استجابة أو خضوعا لأملاءات خارجية لديمومة الحكم ، فأنه لأريب لا يتوانى في نفس الوقت عن أحداث خروقات مستمرة لحقوق الإنسان الأخرى ، فلا ينبغي للمرأة تصديق الخدعة الواضحة وفي ذلك تقول الكاتبة والمناضلة الأردنية توجان فيصل :(( ما نشهده من اندفاع الأنظمة العربية لتعديل قوانين متعلقة بالمرأة بحماس يصل إلى حد التهور الذي كثيرا ما أفقد التعديلات المطروحة الدعم الشعبي أو حتى المردود الايجابي عند التطبيق ( مثال قوانين الكوتا في البرلمان والخلع والشرف ) لا يؤشر على نقلة نوعية في الحكومات باتجاه حقوق الإنسان لا لأن هذه أيضا تأتي بأملاءات خارجية بل لأنها تتزامن مع خروقات لحقوق إنسانية مواطنية أهم وأخطر وتقدم بديلا عن تلك الحقوق أو اجتزاء لها أو للتغطية عن انتهاكات أفظع )) . (4)
ذلك يحدث في دول المنطقة كافة والعراق يصح عليه المثال بوضوح أشد ، فبينما يزدهر خطاب الديمقراطية ألشفاهي وتزهو الكتل السياسية بتحقيق الكوتا النسوية في البرلمان بالمقابل يزخر الواقع اليومي بانتهاكات واضحة لحقوق الإنسان والمرأة على وجه الخصوص وحقوق التعبير عن الرأي وحرية الصحافة بفعل ممارسات سياسية حكومية وأهلية تشاطرها قوات الاحتلال في خروقات قل نظيرها في العالم ، وصلت إلى مجازر وحشية وقمع يومي وقصف مستمر للأهالي دون أن يحرك أحد ساكنا ، وفي التطبيق الأخر للمثال فعلى الرغم من التمثيل النسوي في البرلمان وفق نظام الكوتا الذي فاق جميع العهود الماضية ، لكن ذلك يمثل امتداد لذهنية ذكورية صرفة ، فأننا نجد أن البرلمانيات الجالسات في قبة البرلمان العراقي يخضعن خضوعا تاما لأيدولوجيا القائمة وتوجيهات قادتها السياسيين حتى وأن كان ذلك بالضد من توجهات وتطلعات المرأة ومشاريعها النهضوية وذلك واضح تماما في قضية القانون (137) أيام مجلس الحكم ، والموقف النسائي البرلماني إزاء المادة (41) من دستور (2005) التي تهم أن تحل بدلا من قانون (88) لسنة (1959) القريب من أنصاف المرآة في الأحوال الشخصية ، وكذلك انعدام التضامن مع زميلة برلمانية (ميسون الدملوجي) دافعت عن قيم الديمقراطية في جلسة للبرلمان فردها رئيس البرلمان مهددا بضرب من يعود لمثل ذلك بالأحذية ، إذا ما نظرنا إلى عدد النساء في برلمان العراق فأنهن يشكلن كتلة كبيرة قد تأتي بعد كتلة الائتلاف ولكن أن الكوتا مثلت مطلبا خارجيا بحتا تم تنفيذه بتقليدية عالية فظهر التمثيل النسوي البرلماني ،صياغة كمالية ولعبة ديكور بحتة .
لوان الأمر كان محصورا في الإطار المحلي لما احتاجت الحكومات المحلية لمثل هذه المحنة ولكن التدخل الخارجي يفرض اشتراطاته التي تناسب منافعه تقول توجان فيصل :( وبقدر ما تعلو شعارات أشراك المرأة وتقويتها في العواصم العربية تتصاعد ممارسات أضعاف الأمة عن طريق نهب مواردها المالية وقتل مواردها المعنوية المتمثلة بألانسان ) . (5)
أن خطابنا السياسي لاينفك لحظة عن تمجيد الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني ، ولكن الواقع يشهد سحب البساط مرة واحدة والى الأبد من تحت أقدام المجتمع في عملية تمرير قانون النفط في العراق الذي ينظم نهبا مبرمجا لثروات العراق النفطية لصالح الشركات العالمية ، نستنتج بشكل لا يقبل الشك .
وحدة المصير في مفردات المشروع النهضوي ولا توجد نهضة وحرية للمرأة بمعزل عن نهضة المجتمع وبالعكس ( فالحقوق أمر لا يتجزأ والتاريخ هو قصة حرب الإنسان من أجل حقوقه وكل من ينتهك هذه الحقوق هو الخصم ، يتساوى في هذه الصفة المحتل والحكومات والمشرعون الفاسدون ) . (6)


من البديهيات التي لا تحتاج إلى دليل أن العنف ينعكس بكثافة سلبية على وضع المرأة ، بل تكاد أن تحصد نفس الرقم في عداد الضحايا مع الرجل ، ألا أن الانعكاس الأخطر هو الترمل ذلكم المشكل القديم الجديد الذي أذاقته إياها حروب النظام الغابر الطويلة ، والذي يحتاج إلى وقفة جدية عالمية في العلاج وبحسب تقارير صدرت عن منظمة حقوق المرأة في العراق أن هنالك (300)ألف أرملة في بغداد وحدها إلى جانب ثمانية ملايين أرملة في أنحاء العراق ، وهذا يعني أن نسبة الأرامل تشكل (35%) من سكان العراق و (65%) من عدد النساء في العراق و (80%) من عدد المتزوجات . (7)
ما العمل ..؟ هل ينبغي دفع المرأة إلى مشاريع النهضة دون الوقوف عند مشاكلها البنيوية ووضع العلاجات الحقيقية ، كيف أذا علمنا أن سلسلة المشاكل لا تكاد أن تنقطع وكل واحدة منها تنخر بلدا ، فمثلا أن الفقر وتدني مستويات المعيشة في الآسرة العراقية دفع تجار الجنس والرقيق الأبيض وبمساعدة قوى محلية إلى توجية أنظارها إلى العراق لاستغلال وضع المرأة من نواحي العوز والترمل واليتم ، فكشف تقرير صادر عن منظمة دولية ( تقوم جماعات باستغلال الفقر وحالات العوز والتطلع إلى أرباح هائلة عبر تهريب الفتيات العراقيات إلى الخليج ومن ثم إجبارهن بعد ذلك على العمل في الفنادق والملاهي ) . (8)
أوكما تقول صحيفة ألگارديان البريطانية في عددها ليوم الثلاثاء 24-10-2006 في تقرير مثير بأن المدن السورية تشهد نفس الموقف في استغلال الفتيات العراقيات . وقالت الشبكة الاتحادية الإقليمية للأنباء ( أيرين ) التابعة لمنظمة الأمم المتحدة في تقرير يوم 26-10-2006 أن (3500) فتاة عراقية سجلن كمفقودات في العراق يشتبه في أنهن يخضعن لأبتزاز واستغلال جنسي في أماكن مختلفة من منطقة الشرق الأوسط .. أن الوقوف الجدي عند المعضلات الحقيقية التي تتكلم عنها التقارير بألارقام الدقيقة وجعلها جزءا أساسيا من نضالنا السياسي والمدني وحده الذي يستعيد قدرتنا على تجاوز ألازمة المتفاقمة ويبعث فينا روحا حرة قابلة للتسامح والتصالح في آن واحد .
فالأرامل في عدد لا يحتكم عليه أي مجتمع أخر ، والترمل صفة للدلالة على الحرب والدمار والخسائر والهضم والذلة والاندحار ، فليس في باب أولى أن نتناسى نتائج سلوكنا ألذكوري الكارثية ، إذا ما علمنا ان المرأة أثبتت طهارة نوعية في عدم الاشتراك في جرائمنا الرجولية الوقحة فلا أحد يشير إلى أن المرأة قد ساهمت في جرائم النهب المنظم للثروات العامة ( الحواسم ) بعد سقوط النظام الغابر في نيسان (2003) وما تلاه ، ثم لا أحد أيضا يشير إلى مساهمة المرأة في أعمال العنف والإرهاب والاختطاف ذلكم ما يؤيد على حكمة المرأة التاريخية التي اكتسبتها في سيطرتها المجتمعية مدة ثمانيين قرنا أبان العصر الأمومي ، ورغم الإطاحة بها وظهور التسلط ألذكوري لمدة ستين قرنا الاأنها احتفظت بسلوكيتها الرؤوم في أنشاء التجمعات الأسرية التي أظهرت أول التجمعات البشرية فصعودا ، ذلك ما يثبت تفوقها الأخلاقي ( السلوكي ) والبيولوجي على العكس مما يتصيد مثقفو السلطة الذكورية وأقطاب البطريركية في أثبات نواقص النوع الأنثوي بيولوجيا دون أن يدركوا أن التركيب البيولوجي للمرأة هو عامل يقف لصالحها في المقارنة ، إذ أن طبيعة المرأة منحتها صفة الإنجاب الذي أوجب عليها ملاحقة المولود بالرعاية والحضانة الأمر الذي هيأ غرس الحس الأسري الجماعي ونشوء التجمعات البشرية الأولية حسب رابطة الأمومة لتتشكل نواتات النظم الأسرية والمجتمعات المتكاملة لاحقا .
أن المصالحة التي نروم من ورائها تحقيق السلم الأهلي وقواعد البناء الديمقراطي لأريب أنها بحاجة إلى مجموعة آليات متينة كالحوار الموضوعي ونبذ العنف والتطرف والطائفية ومعالجة الانفلات الأمني وإيقاف مهزلة المحاصصة والأيمان بالخيارات الديمقراطية والوطنية وإذكاء رغبة التصالح وتعميم ثقافة المسامحة والعفو وإطفاء نزعة الثأر والأيمان القاطع بالعدل والمساواة والتوسع في بناء دور العلم والجامعات والمدارس وتأسيس قواعد رصينة لمناهج علمية مواكبة للطفرات العلمية الحاصلة في العالم ولكن دون أن ننسى أن قطاع المرأة تتضاعف في أوساطه مكامن الخلل ففي الجانب العلمي نرى وحسب التقارير أن أكثر من (12) ألف طالبة جامعية قد هجرت مقاعد الدراسة بسبب تدهور الوضع الأمني ، وأن أكثر من مليون حدث هجروا الدراسة الابتدائية أكثر من نصفهم من الإناث ، وإذا كانت الفتيات في الوسط والجنوب تغادر مقاعد الدراسة فأن الفتاة العراقية في كردستان تغادر الحياة انتحارا فقد كشفت وزارة الصحة في إقليم كردستان عن ارتفاع حالات الانتحار بين النساء لأسباب اجتماعية ، مبينة أن الأشهر الخمسة من بداية العام (2007) شهدت أكثر من (740) حالة انتحار بحرق النفس وأن أعمار معظمهن تتراوح بين (15 – 25) سنة .
وتذكر الوزارة أنه للفترة من (1991 - لغاية 2007) وقعت (4195) محاولة انتحار من النساء في المحافظات الكردية الثلاث توفى على أثرها (2680) منهن بإحراق النفس . (9)
وأن كردستان تشهد عنفا متزايد ضد المرأة فقد أوضحت السيدة (بخشان زنگنة) مسؤولة لجنة حقوق المرأة في البرلمان الكردستاني بأن البرلمان في إقليم كوردستان صادق على مقترح باستدعاء خمسة وزراء في حكومة الإقليم إلى البرلمان وتوجيه أسئلة لهم حول تصاعد وتيرة العنف ضد المرآة في كوردستان . (10)
لكن ذلك لايعني أن كوردستان متميزة في ارتفاع معدلات العنف وخلو الوسط والجنوب من ذلك بل العكس قد يكون صحيحا ألا أن قوة ونضال العمل النسوي في برلمان إقليم كوردستان أستطاع أن يوفر الأدلة عن تلك النشاطات الموجهة ضد المرأة ، بينما نجد الكتلة النسوية في برلمان المركز خاضعة بالتمام إلى أداراة وأيدلوجيا القوائم والأحزاب والتيارات التي تنتمي إليها ، والتي تشارك ذاتها في فعاليات عنف ضد المرأة ، حتى أن مفارز قوات الاحتلال وبعض الأجهزة الأمنية تتعمد اعتقال المرأة للضغط عليها بسبب موقف أحد من عائلتها ، زوج أو أبن أو أخ وتشير التقارير الصادرة من منظمات مختلفة إلى الاعتداءات الجنسية الدائمة التي تمارسها قوات الاحتلال وبعض أجهزة الأمن مع السجينات العراقيات .
أن المصالحة تعني لدينا الوحدة الوطنية ، فليس هناك من تحقيق لذلك الهدف دون الوقوف الصادق عند مشاكل المرأة التي أتينا على بعضها ولذلك نقترح :

1. في الجانب الاقتصادي :
تسيير الدراسات والمشاريع التي تؤمن استقلالا اقتصاديا ملموسا للمرأة وخلق برامج تشغيل للمرأة وإطلاق المشاريع الممولة لها وجعلها تمثل المؤسسات الاقتصادية الفردية وتوسيع دائرة ملكية المرأة .
2. في الجانب الاجتماعي :
إدامة قوانين الأحوال الشخصية التي تضمن العدالة والمساواة بين النوعين وإلغاء معركة المادة (41) الذكورية ، وتدعيم مؤسسات المجتمع المدني ورفع مستوى تمثيل المرأة فيها ، ودعم المؤسسات النسوية .
3. في الجانب السياسي :
تدعيم دور المرأة في الحقل السياسي وتيسير وصولها إلى مواقع القرار السياسي
والإداري والمدني وبخاصة في المجالس البلدية .
4. الاهتمام الخاص بوضع البرامج المتطورة لانتشال المرأة الريفية من واقعها المتردي والبائس .
5. معالجة السلبيات التي تعرض لها موضوعنا بعلمية وتخطيط ، وخاصة الأرامل والتعليم والوضع الصحي .
6. التصدي لظاهرة العنف الموجه ضد المرأة . وتفـعـيل بنـود المعاهدات الدولية بصــدد
ذلك والموقعة من قبل العراق غالبا .
هوامش


(1) كامل الدلفي ... الأعلام والدور الوطني في تفعيل مشروع المصالحة . الحوار المتمدن 26-10-2006
(2) نصر حامد أبو زيد دوائر الخوف قراءة في خطاب المرأة ص283
(3) المرأة والتحديث د.هالة مصطفى موقع أفكار مجلة فكرية الكترونية ص1
(4) توجان فيصل هل تصبح المرأة العربية حصان طروادة موقع المعرفة الالكتروني ص2
(5) توجان فيصل - نفس المصدر
(6) توجان فيصل - نفس المصدر
(7) ارتفاع خطر في عدد أرامل العراق الجديد أخبار الشرق 4-7-2007
(8) تقرير دولي فتيات عراقيات يبعن إلى دول مجاورة للعمل في الملاهي الليلية موقع أخبار الشرق
السبت 28-10-2007
(9) دراسات متخصصة حول المرأة في الوطن العربي موقع أمان الالكتروني في 3-7-2007
(10) العنف ضد المرأة 3-7-2007 موقع أمان