قضايا المرأة وغسل العار



سنان أحمد حقّي
2007 / 8 / 4

قضايا المرأة هي جوهر قضايا المجتمع نفسها ,ومنذ أن دخل العصر الحديث أصبح أمرا ملحا أن نجد حلاّ وعلاجا لحزمة كبيرة من المشكلات الإجتماعيّة المزمنة
ولكن الحلول السطحيّة غالبا ماكا نت تؤدي إلى نتائج تزيد من تفاقم الأمور
أن نكفّ عن ممارسة عادات غسل العار أو التعسّف بحقوق ومشكلات المرأة يتطلب وقفة طويلة للبحث عن مصير النسوة اللاتي وقعن في الخطأ ..إن أوضاعهن بعد ذلك تدفعهنّ دفعا إلى زيادة الإنحراف والمضي في الخطأ
هل فكّر أحد في كيفيّة تقبّل أي وسط اجتماعي لهنّ ؟هذا فضلا عن ذويهنّ ؟إن فرّدا أو عاملا بسيطا لا يستطيع التقدم إلى عمل أو أن يترقى إلى حتى رئيس فراشين وهو في ظل معاناة من هذا النوع
الحلول الممكنة يجب أن تترافق مع ممارسات حثيثة لاحتواء الأوضاع الناشئة، وبصراحة من من الرجال مستعد للإرتباط بنسوة على هذه الحال؟وهل يمكن أن يواصلن الحياة بشكل طبيعي دون أن يرتبطن برجال؟
ثم من يُنصف أهلهنّ وعوائلهنّ من المهانة ولا نقصد الكلام الجارح والمعاملة السيئة فحسب بل البعد عن مصاهرتهم بل والتعامل معهم كبشر من الدرجة السفلى؟
هل سيستطيع المجتمع أن يستقيم وأن تنشأ أجيال تمارس الحياة بكل ثقة عالية بالنفس؟
أم سيمتلي المجتمع بأعداد من الناس المنكسرين والمهمّشين؟
كلنا ممتلئون بغضا على هذه الظاهرة ولكن أن نقف امامها دون أن نضع الدراسات والمعالجات المستفيضة فهذا لا شك يعود بمضاعفة حجم كرة الثلج
لو كان المجتمع ينظر فقط إلى مشكلة المرأة المنحرفة على أساس محيط من التأثير يقتصر على المرأة وحدها لهان الأمر قليلا ولكن من يدفع الثمن في الغالب أخوها أو أبوها أو ابن عمها والقاعدة القانونية تقول :
الغُرمُ في الغُنم
ومن ناحية أخرى فإن مما يؤسف له أن المجتمع قامت عناصره الأخلاقيّة على مفهوم أحادي ومحدود للشرف,أي إنه ينظر إلى الشرف من منظور جنسي وحيد ولا يوضع بالإعتبار أن هناك أنواع من السلوك أخرى من شأنها أن تثلم الشرف..السرقة والقتل وقطع الطريق واختلاس المال العام والعدوان على الآمنين وترويعهم والطعن في سمعة الأخرين وممارسة تعذيب واختطاف المواطنين ،واستغلال الموقع الرسمي والحكومي للإنتقام من الخصوم،لمنافع خاصّة وشخصيّة, وغيره كثير ,هو إنما يصبّ في جوهر تعريض الشرف للضرر والثلم
الغاية من تعظيم مباديء الشرف هي أن نشيع في المجتمع الأخلاق القويمة والسلوك الفاضل وليس من ذلك أن نتقبّل السرقة أو نهب المال العام أو العدوان على الآخرين إنه وبكل بساطة أمر لا يساهم أبدا في إشاعة الأخلاق القويمة التي نتحدّث عنها
قدرٌ من الحياء ومن العاطفية المطلوبة تُرينا حجم فداحة الفضاضة وخشونة التعامل بين الناس ومدى ما تؤدي له من منازعات وأسباب للصراع والإحتراب
لو بقي أناس في المجتمع يرون في الخاطئين والذين ساقتهم الظروف للخروج عن سبيل الصلاح حصّتهم ومنشودهم لوجدنا أن المجتمع يتوفّر على قوة ذاتية مدهشة للإنعطاف إلى الخير والعطاء والفضيلة
وإننا بسببه هذا لا نستطيع أن نطرح كل يوم أفواجا من المرفوضين اجتماعيا بدوافع الإنحراف لنجد في آخر المطاف جيشا من المذمومين والمرفوضين والمهمشين والمتساقطين, هم أكثر بكثير من أولئك الذين نعتبرهم أهل الشرف والفضائل
لا بد هنا أن نتوقف! هل نحن نسير في الإتجاه الصحيح؟ وماذا بعد ذلك؟ هل ستشيع الفضائل أم ستختفي؟
في صورةٍ انطبعت في خيالي منذ زمن طويل انقض فيها شاب على شابّة جميلة عند خروج المتفرجين من صالة السينما وقبض بيده على شعرها وحزّ باليد الأخرى التي كانت تقبض بخنجر رقبتها بلحظة خاطفة وخرّت مضرّجةً بالدماء وكان شخص آخر يقف على مبعدةٍ قليلة من مسرح المشهد المرعب يهدد من يتدخل بالقتل
ماذا نصنع في مثل تلك المشاهد وتلك الظواهر وماذا عسانا نقول لذلك الشاب الذي حزّ رقبة من يمكن أن تكون أقرب الناس له ..إنه تمتّع في السجن فيما بعد بحفاوة وتقدير عاليين وقد وفّر له زملاء السجن خدمة ممتازة على أنه من أصحاب الشرف، وغسل العار شيء فيه فخر وهومما يرفع الراس
الآن ماهي الوسائل لوقف هذا التقليد والممارسة؟
هل يمكن الإكتفاء بدعوة الناس لنبذ ذلك ؟ سيقول لنا الشاب الذي فعل الفعل المذكور وهل أعيش ذليلا مستهجنا وسط الناس لا أحد يحترمني وكل من يلقاني يرشقني بكلامٍ هو أمضى من الخناجر؟
هل سيقتنع عندما يُستبعد عن العمل أو الوظيفة لأنه غير شريف؟ هل سيتقبّل التعامل معه وكأنه كلب أجرب لا يقبل أن يتقرب منه أحد؟
ليست المأساة هي المرأة التي اقترفت الإثم وحدها إن من سيعاني معها هم عائلة بأكملها رجالا ونساءً.
ومن الغريب أن من يرتكب مثل هذه الأفعال أو من يدبرها يُنظر له على أنه شاطر وسبع بل وبطل.
ومن النواحي الأخرى التي تخصّ المرأة نجد أن معظمهن كنّ انحدرنَ بسبب رجال من الذئاب البشرية أو ممن تعرضن للأغواء وهنّ ما زلن في سنّ مبكرة جدا من حياتهن أو في سنوات المراهقة وبغياب الموجّه بل أحيانا بسبب ثارات شخصيّة أو عائليّة مقصودة تذهب جرائها فتيات ضحيّة لأمور لا يعرفنها بل ولا يفهمن سببها
إن مجتمعنا يطرح يوميا اعدادا كبيرة جدا من هذه الأمثلة يتحتم على ابنائه أن يجدوا العلاج الناجع لها
ويخطيء من يظنّ أن الحلول تكمن في تشريعات الدولة
لا تشريعات الدولة ولا حتى بعض ميول رجال الدين وفتاواهم ستكون كافية لحل مثل هذا المرض الإجتماعي العضال
إن إشراك أكبر عدد من وجهاء المجتمع ورجال الدين والقانون وغيرهم قد يضع اللبنة الأولى ولكن لن نقف على عتبة الخلاص إلا بعد أن نسهم بالإقناع أن القضيّة شخصيّة أولا وأنها لا تنعكس على أهلها وهذا هو مفصل الحل ولكن هذا سيحتاج في مجتمع مثل مجتمعات الشرق عموما إلى وقت طويل
ونعتقد أن من سبل الحل أن لا تساهم المؤسسات الرسمية بالإستجابة للتقاليد البالية فكم من شخص لامع ومتميّز يُستبعد عن المواقع الإجتماعيّة والرسميّة بسبب كون أحد أفراد أسرته سبق أن اتهم بالإنحراف أو ماهو قريب من ذلك إن الوجاهة الإجتماعيّة لا تُثلم إلاّ بما يرتكب صاحب الشأن وليس بسبب إحدى نساء أسرته أو قبيلته
هذا هو بيت القصيد
ليس من المعقول أن نسعى وندعو إلى شجب تقاليد غسل العار ونحن أسيري نفس التقاليد في عدم تقديم ومنح أقربائهم ما يستحقون من فرص
فهل نحن فاعلون؟
إننا نعيش في محيط يتمسّك بالقيم البالية والتي عفا عليها الزمن وكانت قد خلّفت ما خلّفت من مآسي ومعايب وساهمت في تأخّر مجتمعنا عصورا ودهورا وقد آن الأوان أن نتجاوزها أولا وقبل كل شيء بحصر المشكلة بالشخص صاحب الشأن وأن لا نسقط المعايب على قطاع واسع من الأهل والأقرباء
وشيئا فشيئا سنجد أن المجتمع سيعثر في هذه المعالجة على ثروة هائلة من القدرات والطاقات
آن الأوان أن نكف عن جعل مجتمعنا مقبرة للمواهب
آن الأوان أن لا نقف حجرة كأداء امام عطاء ثرّ ومستمر بدون تهميش ولا تعويق ولا أمراض لكي تنطلق الأمة بكامل طاقاتها ومواهبها وبلا عقد
ألم يقل السيد المسيح(ع) من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها؟
أيها السيدات والسادة إن الشرف الحقيقي أن لا نعتدي وأن لا نسرق وأن لا نكذب ولا نمد أيدينا إلى المال العام
وأن نخالط الناس بخلقٍ حسن
ونكف عن الإزدواجيّة في معالجة هذا الموضوع الحساس فإما أن نسكت كالشياطين ويبقى كل شيء على ماهو عليه أو أن نبدأ بالكف عن طعن الناس بسبب انحراف بل أحيانا بالشك فقط بانحراف أحد أو إحدى أقرباء الناس لنلقي بهم إلى التهميش وزاوية الإهمال
وليعلم الجميع أن من بقي ممن لا هامش عليه لا يعدون عن أناس لم تعد لهم أهمية فقط لأن كل من له شأن فقد طاله التهميش والإهمال وإنها لعبةٌ سخيفة اتخذت من المنافسة غير الشريفة أداة للعبث الإجتماعي، آن الأوان أن نُلقي عليها ستار النهاية ليس بقرار ولكن بسلوك رسمي وشعبي
فهل نحن فاعلون؟
للأسف .. هذا هو المطلوب،على الأقل في الوقت الحاضر.

سنان أحمد حقــّي
مهندس ومنشغل بالثقافة