جرائم قَرَف



محمد أبوعبيد
2007 / 8 / 6

قد تلغو قلة بالقول- عساها تظل قلة- إن الموضوع مكرر, وأن ثمة قضايا أكثر أهمية لإثارة النقاش حولها. نعم مكرر وسيبقى يتكرر ما دامت تتفشى عقول ذكورية متعفنة تتساهل معها القوانين الوضعية والعادات السائدة. لا يُعقل أبداً أن تؤجل قضايا فيها أرواح تُزهَق ودماء تُهْرَق, بحجة الهمّ الوطني والسياسي,الذي تذرعت به ثلة لتبرير ما لا يُبرَر.


هي جرائم قرف بالمعنى الدقيق بل وأكثر. كل سنة تُقتل مئات الفتيات بذريعة غسل العار، ولا توجد أرقام دقيقة نظراً للتعتيم على كثير من جرائم مماثلة. حان الوقت لانتفاضة مجتمعية على القوانين المعمول بها والعادات التي تسيطر على سلوك الذكور. الجريمة جريمة, ولا يلطف من وقعِها لصقُها بعبارة "الشرف". قد تؤتي هذه الانتفاضة أكُلَها إذا تسلحت بالأصول الدينية والمنطقية، ووجدت النية الصادقة للدفاع عن العذارى اللائي يذهبن ضحية شبهات في كثير من الآونة، والقاتل يحتمي بقوانين تبقيه خلف القضبان لبضعة أشهر, أو سنوات قليلة كأقصى حد, لأنه " غسل العار" لا أكثر!!. كان الأجدى غسل العقول، وعدم استرخاص أرواح ودماء البنات.

علاوة على القوانين المتساهلة، والتي من المعيب والشائن أنها ما زالت حية ً في أروقة المحاكم، تكونت طرق التفافية لتجنب حتى الاعتقال المخفف، مثل استخدام الأحداث ليعترفوا هم بارتكابهم الجريمة نظراً لانعدام الأحكام الجنائية لمن هم دون سن الثامنة عشرة، كما حدث في إحدى القرى السورية منذ حين قريب. وللموضوعية فإن مثل هذه الحادثة تحصل في كل الدول العربية.

لا غضاضة في الجزم هنا أن الجاني لم يستهن بروح الفتاة المغدورة فقط، إنما دمر مستقبل الطفل، ونقل له عدوى تعفن العقل ووحشية السلوك. سيكبر هذا الطفل وتنمو معه النزعة الذكورية التي يحسب أنها تبيح له امتلاك ولاية تطبيق القانون بالطريقة التي يشاء وضد من يريد.

إذا كانت مسألة الشرف تجعل الأب أو الأخ أو الإبن قاتلاً ومجرماً، فلعله من الجدير التذكر أن الشرف ليس من نصيب الإناث وحدهن، للذكور أيضاً شرف. وسواء تعلق الأمر بالأنثى أو بالذكر، فليس السيف هو الذي يجب أن يسبق العذل. دينيا ً, القصاص واضح إذا إثبتت الحادثة، والجهة التي تنفذ القصاص والعقوبات أوضح من الشمس، ولم يُتْرك الأمر لأي كان حتى يصبح القاضي والجلاد يمارس ساديته الذكورية بحق من استوصى بهن الرسول، صلى الله عليه وسلم، خيراً.

كم نحن، "الشرقيين"، ننتفض لأشياء ونخمد إزاء أخرى. أوشكت التظاهرات أن تغرق شوارع المدن العربية احتجاجاً على قرار فرنسا منع الحجاب في مدارسها، وهي قضية, وإن كانت في صلب الدين, ضحاياها من غير المُدرَجين على قائمة القتل والوأد. وأقام كثيرنا الدنيا ولم يقعدها استنكاراً لرواية أو مسرحية. من نافلة التخيل أن حالنا المجتمعية ستكون أفضل وأنقى لو أن نصفا ً من تلك التظاهرات ينصف الفتيات المغدورات في بلادنا. وأن يرفع الصوت عالياً مجاهراً بالقول أرواح وحيوات الفتيات ليست هشيماً تذروه رياح الشبهات، ولا هي لعبة تعبث بها الأيادي الذكورية الآخذة بالأسباب المخففة.

هذا هو وقت اعتبار القاتل بغير حق قاتلا ً ومجرماً من دون أي اعتبار,وإلا فإننا سنجنح نحو مزيد من الغرق في مستنقعات الجاهلية حيث وأدُ البنات جزء من وحْلِها.