موقف المرأة من رجال الدين



محمد علي محيي الدين
2007 / 9 / 14


لعل بعض الأفكار الشعبية يمكن إعطائها بعداً فلسفياً معيناً حيث ناقش الفكر الشعبي مسألة الحياة والموت والجنة والنار من خلال رؤيته الدينية، أو من خلال أفكاره البسيطة التي تعطي في مجموعها فكراً فلسفياً عالجه الفلاسفة في نظرياتهم وأفكارهم.
لذلك نجد بعض الومضات الموحية بالتمرد على القوى الغيبية التي تسير الكون من وراء ستار،فالريفي رغم جهله المطبق وعدم حصوله على التعليم الا انه يتمرد بعض الأحيان ويطرح رؤاه الرافضة للأجحاف والظلم النازل من السماء،ولا يستكين لهذه الآرادات التي يسوءه تصرفها بمقدرات الناس دون الأستناد لأسس مبدئية معلومة،فالقسمة التي نرمي عليها كل ما يصيبنا في الحياة يراها الريفي قسمة ضيزى لا تتسم بالعدالة والنزاهة،ولا تستند لمعايير واسس صحيحة،فهي تصرفات عشوائية لا ضابط لها سوى رغبات لقوى غير منظورة تتلاعب بالمصائر،فهو يحاول الأنقلاب عليها بما يطرحه من تصورات عن عقم الألتجاء لهذه القوى التي لا يجد لها حضور متميز في واقعه المعاش،او دور في تغيير مسارت حياته نحو الأحسن،لذلك يحاول التمرد عليها والصاق شتى النعوت بها ،وتحميلها كل ما يعانيه في حياته،تبعا للمفاهيم المغروسة في داخله بأن الأنسان مسير،وان هناك قوى كبرى هي التي ترسم له المسار الذي تريد.
والمرأة بما عانت من ظلم وأحجاف نتيجة النظرة المتردية للمجتمع إليها،والتعامل معها وفق مفاهيم وعادات بالية،تتعكز على فكر ديني ممزوج بعادات جاهلية،في ظل تأييد وتشجيع من رجال الدين،الذين وجدوا في المرأة كائنا من الدرجة الثانية،بل عاملوه معاملة الحيوان،بما أوجدوا من روايات باطلة عن السلف الصالح،وتعاملهم غير الإنساني مع نسائهم،لذلك ترى الريفي يعتمد على موروثة القبلي ،والتأييد ألمصلحي لرجل الدين الذي يخشى الخروج على المسلمات العشائرية والقبلية،حتى إذا تعارضت مع الإسلام،لذلك نظرت المرأة إلى رجل الدين نظر الخراف إلى شفار الجازر،ووجدت فيه الطرف الثاني في الإجحاف الذي تعانيه لتوافقه مع آراء ذويها الخارجة عن جوهر الدين.
فهذه تعتقد أن النار التي يخيف الله بها عباده ، هي جنة في الشتاء بما تبعثه من دفءٍ وتخاطب ما يسمى برجل الدين (المؤمن) بأن النار التي تصورها للناس كالسيف المشهر على الرقاب ما هي ألا جنة فدعني أكن لها حطباً ، إذا كان من أحب قريباً مني ، فهي تشكك بما قاله لها ذلك الدجال بأن الحب من الرذائل التي يعاقب الله عليها ، وتتمنى أن تكون حطباً لتلك النار التي يحرق الله بها المحبين .
النار جنة الشـته يالـمومن الجذاب
خلوني الها حطب بس يمي الكه احباب
وعقد النكاح من الأمور الدينية التي أولاها المشرع الاهتمام اللازم ، ووضع الأسس المتينة لهذه الرابطة المهمة وجعل لها شروطاً لا يمكن الخروج عنها، ويجب فيها الإيجاب والقبول من الطرفين المتعاقدين (الزوج –والزوجة) . ولكن الريف العراقي لا يلتزم بهذه الأمور ، فرأي الفتاة لا قيمـة لـه وموافقة ذويها هي التي تحدد ذلك ، فإذا وافق الأهل فذلك الفيصل في الموضوع ، وكثيراً ما تتزوج الفتاة على كره لذلك الزواج ، وأن ذلك الزواج على الرغم من تحريمه في الإسلام هو العرف السائد في الأرياف. فالإكراه من المحرمات الشرعية التي لا يمكن لأحد تجاهلها ، لذلك نلاحظ أن النساء قد وجهن شواظ غضبهن الى (المؤمن) أو رجل الدين المخول بعقد النكاح واتهمنه بشتى التهم التي تكفي واحدة منها لإخراجه من حظيرة الإسلام . وهو في نظرهن خارج عن الإسلام وليس كما يدعيه من حرص على أتباع أفكاره وتعاليمه والالتزام بنواهيه لذلك كانت صورة هذا الرجل ممجوجة في عيون العشاق ينظرون إليه كجلاد لا هم له ألا إزهاق النفوس البريئة .
تقول هذه العاشقة:-
لا تملج المغصوب ميل يمـومن
نتواكف أنه وياك عد الله يومن
فهي تشكوه إلى الله لأنه أقدم على هذه الجناية الفظيعة وربطها بذلك الرباط المقدس وهو يعلم أنها غير راضية بذلك ، ولكن لابد لها أن تقف معه يوم القيامة لتحاسبه على ما اقترفته يداه أمام الله وهو خير الحاكمين .
وعاشق أخر يصرخ صرخة مكلوم أضر به هذا العمل الدنيء ويصم ذلك الرجل بأنه ليس رجل دين حقيقي ولكن مدعٍ دجال لا هم له سوى أن يقبض ثمن جريمته الشنعاء فقد أجرى العقد رغم علمه أنها أجبرت على هذا الزواج .
مومن جذب يا ناس هـذا الملجها
كـالت نعم بالخوف جبروها أهلها
وأخر يصفه بالمحتال الذي تلبس بلباس الدين وأقدم على جريمته البشعة ، ولم يتدانى ليسألها عن قبولها من عدمه وأنهار أمام رنين النقود .
يلمومن العـيار بيش أمـلجتها
ترضين ما ترضين هلـبت شرتها
وأخرى تصف أهلها ذوي اللحى البيضاء بأنهم كالصابئة في لحاهم فهم بعيدون عن الإسلام الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، فالإسلام لا يجيز لهم التفريق بين العشاق
يهل اللحايه البيض جن صبه كلكم
بتكم تريد افلان هلبت عرفتم
وأخرى تخاطب الله جل جلاله المتربع على عرشه في سمائه ، وتتوسل إليه بدموعها ، أن يكون عادلاً في حكمه ، جميلاً في عطفه ، واسعاً في رحمته ، باراً في رعاية عباده ، وأن يمن عليها بمن تحب :
أخذله دمع العين وأصعد للأزرك
لو ينعل الشيطان لو يقسم الحك
وهذه تتوجه إلى الله سبحانه وتعالى حاسرة عن رأسها ، كاشفة لصدرها ،عند غروب الشمس الذي يستجاب فيه الدعاء ، وتقضى الحاجات وتفتح السماء أبوابها لسماع أصوات المظلومين ، ودعوات المحتاجين وتطلب منه أن يزرع الرحمة في قلوب ذويها للموافقة على زواجها ممن تحب :
جيتك دلع بسكوت وأنخاك الغروب
تهديـلـي الشياب وتلين الكلوب
ولا تملك الأخرى حيال ما تعانيه ألا الالتجاء إلى الأئمة في إحقاق الحق ، وتحقيق الأماني ، ونيل المطالب ، فتتوجه إلى أبي الفضل العباس ، وتجعله المدافع عنها، المنافح دونها ، للحصول على حقوقها المشروعة ، وتجعله في مواجهة والدتها التي لا توافق على زواجها بمن تريد وتدعوه أن يجعلها مشلولة لا تستطيع القيام.
حطيت أنه العباس يمـه جبيلـج
أمكرمه وتزحفين مـحد يشيلچ
وأخرى تكسر الرحى في حضرة الأمام العباس… الرحى التي كانت سلوتها في استذكار الأحبة ومناجاة أطيافهم ، والتغني بهم دون رقيب، وتشكو الظلم الذي تواجهه من والدة زوجها الذي أجبرت على الزواج به :
وبگبة العباس لكسر الـرحـه
وشجيله ضيم الصار من عمتي وكحـه