التعصب ضد المرأة



سحر مهدي الياسري
2007 / 10 / 11

التعصب ضد المرأة – القسم الاول
رغم كل التقدم العلمي والتطور في مجال العلوم التطبيقية والذي أسهم من تخفيف الالام الجسدية للانسان وتسهيل وتقليل صعوبات حياته , الأ أننا في علاقتنا الانسانية نتعامل بطريقة العصر الحجري ,فلا زال كثيرون منا أفرادا وجماعات لانستطيع قبول الاخر وما زلنا نشعر بالعداء لمن يختلف عنا فنخاف من هذا الاختلاف سواء أكان أساسه اللون أو الجنس أو الدين, ومن أقدم أنواع التعصب هو ضد المرأة التي مازالت منذ القدم تعانى أشكالا من التعصب والتمييز ضدها بشكل فج أحيانا وبشكل مستتر أحيانا أخرى.
وكلمة تعصب مشتق في اللغة العربية من العصبة أي جماعة الذكور أما في اللغة الانكليزية فقد عرفت كلمة(Prejudice ) بأنها الحكم المسبق على الامور أو على الشيء أو على الشخص والجماعة.فأصبح التعريف يعني تكوين حكم ما قبل فحص الحقائق والاعتبارات المتعلقة به, وكما يعرف التعصب بأنه حكم غير ناضج يتسم بالانفعالية دون أساس يستند أليه,قد يكون الحكم إيجابيا أو سلبيا, والحكم السلبي قد يعبر عن نوع من العداء يشوب العلاقات الشخصية يوجه الى جماعة بأكملها أو الى بعض أفراد هذه الجماعة ويحقق ذلك نوع من الاشباع لدى من يصدر الحكم ,كما ينبع التعصب أحيانا من الانسياق الاعمى للاعراف والتقاليد والمناخ السائد في المجتمع . ويترجم هذا التعصب بأشكال مختلفة ودرجات متفاوتة فالبعض يتحدث فقط عن مشاعره, بينما البعض يتجنب التواجد في مكان واحد مع من يتعصبون ضدهم ويتعمد البعض أستخدام السلطة التي يملكونها لحرمان الاخرين من مزايا معينة, ويصل التعصب أحيانا حد أرتكاب أعمال عنيفة ولعل حروب الابادة تمثل أقصى حالات التعصب .
أن النظام الابوي الذي هو أساس المجتمعات الحديثة هو أساس التعصب ضد المرأة ,أذ يفرض سلطة الذكور على الاناث والاطفال داخل الاسرة , وتساند جميع التنظيمات المجتمع الانتاجية والسياسية والثقافية و التشريعية هذه السلطة فتصبغ كل العلاقات الاجتماعية وبالتالي شخصية الافراد . وتكمن جذور النظام الابوي في التنظيم الاسري والدور الانجابي للمرأة ولو لم توجد الاسرة الابوية لاصبح النظام الابوي مجرد تسلط تقاومه النساء الان واللاتي يشكلن نصف المجتمع عشن تاريخيا في خضوع وأستسلام.
مع بداية الالفية الثالثة كانت عوامل التغيير قد ظهرت ضد النظام الابوي تعكسه اربعة عوامل هامة اولها أزدياد عمالة المرأة وما صاحبه من أزدياد فرص التعليم , والعامل الثاني هو التقدم التكنلوجي في عالم الطب والبايولوجي مما سمح بالتحكم في الحمل وأنجاب الاطفال , والعامل الثالث قيام الحركات النسوية ونشاطها المتزايد , والعامل الاخير هو أنتشار أفكار العولمةوالتواصل بين أصوات النساء وتبادل خبراتهن وسهولة ألتقائهن في أنحاء العالم والاقاليم, وبالرغم من عولمة الحركة النسائية إلا أنه لايزال هناك اختلافات بين بين الحركات النسائية في بلدان العالم ففي أوربا وكندا وأمريكا واستراليا على سبيل المثال تظهر الحركات التي تؤيد الجنسية المثلية كجزء من نهوض المرأة في حين توجد حركات اخرى تركز على المساواة والتمكين والعمل والسياسة والتشريع , أما دول العالم الثالث فالامر مختلف ومعقد إذ تتميز الحركات النسائية كنشاط للصفوة والنخبة من النساء وأن ضخمت وسائل الاعلام دورهن بشكل يفوق عددهن , ولعل ما يميز الامر في هذه البلدان هو ظهور جمعيات على مستوى القاعدة كثيرة العدد تهتم بقضية المرأة . وكل هذه العوامل شكلت تحديا للنظام الابوي بزيادة وعي المرأة بحقوقها الانسانية وشعورها بالمساواة الانسانية مع الرجل وأمتلاكها لحريتها في اختيار حياتها وهذا التغيير في حقيقته يشبه الثورة التي ظلت مستمرة اجيالا واجيال وهي تصل الى جذور المجتمع ومن الصعب عدم الاعتراف بهذه التغييرات أو الارتداد عنها وهذا لايعني انتهاء التعصب ضد النساء أو ضد الاطفال .فبينما بدت بعض مظاهر الانصاف للمرأة خاصة من خلال التشريعات والدساتير ,بينما الان تستطيع المرأة أغتنام فرص العمل نتيجة لما وصلت أليه من تعليم إلا أن حوادث العنف زادت وأنتشرت في المجتمعات , ربما نتيجة لشعور الرجل بالانتقاص من نفوذه وسلطته مما أثار غضبع وثورته ,لذا فأن تحرير المرأة وألغاء التعصب ضدها لن يكون دون مقاومة من الرجل ولن تتحقق دون ثمن تدفعه الاسر . الصراع الذي ينشأ بين الجنسين نتيجة لما يحدث من تغيير في منظومة القيم المجتمعية فإن نهوض المرأة قد أصبح ملموسا في العالم كله وله بلاشك نتائجه وأثره في المسيرة التاريخية وفي التجربة الانسانية وعلى الاخص توزيع القوى والنفوذ وتشكيل شخصية المواطن . يعتقد الكثيرون أن هناك أزمة تواجه الاسرة داخل النظام الابوي وأن نموذج الاسرة التقليدي المبني على سيادة سلطة وسيادة الرجل يواجه الكثير من التحديات ,ومنها تفكك الاسر بسبب الطلاق أو الانفصال بين الزوجين كدليل على عدم الرضا عن الاستمرار الابدي للعلاقة الزوجية . وكثيرا ما يؤدي الزواج الثاني للرجل والمرأة الى نوع من الخلل في علاقة السيطرة بين الاب والاطفال , ومن مظاهر التحدي وتفكك الاسر زيادة عدد النساء اللاتي يعلن أسرا"زيادة كبيرة في كثير من دول العالم , ومن مظاهر الازمة التي تعتري النموذج التقليدي للاسرة الابوية تأخير سن الزواج وأتجاه كثير من النساء الى تأخير سن الانجاب أو الحد من عدد الاطفال أو عدم الانجاب أو الحد من عدد الاطفال أو عدم الانجاب كليا.
المحامية سحر الياسري