ما ورائيات الحجاب 1 - 2 - 3 - 4



حياة الياقوت
2003 / 11 / 7

ما ورائيات الحجاب (1):  حدِّث العاقل بما لا يُعْقَل، فان صدّقك فلا عقل له !


مقولات مكرورة:
1- " الأمر بالحجاب كان موجها لزوجات الرسول صلى الله عليه و سلم"
2- " الحجاب المقصود هو تغطية الجيب، تغطية الشعر كانت عرفا لدى العرب"
3- " الحجاب فرض للتميز بين الحرة و الأمة، و هو أمر غير موجود حاليا، وداعا للحجاب اذا!"
4- "يا ستي، الحجاب حجاب الروح، دعونا نتنفس!"

 ألم يُشبع الموضوع مناقشة ؟ أم أن وراء الأكمة ما ورائها؟ في قضية "الحجاب" يبدو أن وراء الأكمة أمورا لا أمرا واحدا. بيد أن الأمر الأثبت و الأكثر ظهورا هو المشكلة في الاستدلال العقلي لدي البعض. أنها مشكلة في قراءة النص الديني قراءة منطقية سليمة، فتطل القراءة المزاجية برأسها و معها قصقصة النصوص بسبب التحرق شوقا للوصول إلى فرضية معينة وإن كان الثمن لي عنق النص. هنا تستحيل القراءة السلمية إلى قراءة كليمة. الم يكن أول أمر لنا "اقرأ"؟ هلا أحسنّا القراءة.

و إفلاتا من زئبقية المصطلحات، استخدم هنا كلمة "حجاب" كمرادف لزي المرأة المسلمة، فلا اعني بها الحجاب الوارد في الآية " فاسألوهن من وراء حجاب" و هو أمر خاص بنساء النبي، و لا أعني ما يغطى الوجه به – على تعدد أسمائه -  ، و لا اعني به أيضا " الايشارب" الذي يوضع على الرأس. هو مصطلح عام لمفهوم عن طريقة اللباس و التصرف معا في آن لدى المرأة المسلمة.

1- " الأمر بالحجاب كان موجها لزوجات الرسول صلى الله عليه و سلم"

يا للهول! و هل كانت أسماء رضي الله عنها زوجة للرسول صلى الله عليه و سلم حينما أمرها بان لا يظهر منها " إلا هذا و هذان" في إشارة إلى الوجه و الكفين. يبدو أن هنالك خطأ معلوماتيا misinformation. أو أن هنالك من يعتقد أن الُسنة ليس من مصادر التشريع الإسلامي. ثم ماذا عن  النص القرآني العام في سورتي النور و الأحزاب حيث الخطاب: " وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ" ، " وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ" و هو أمر عام للمؤمنات لم يتم تخصيصه بفئة منهن.

و لاولئك المشككين بالسنة النبوية:  غريب؟ الم تصل إلينا المعلقات السبع مسَّلمة لا شِيَةَ فيها تقريبا، فسميت معلقات لأنها تعلق في الصدور و ليس لأنها تعلق على أستار الكعبة كما يقترح البعض فالعرب أمة أمية شفاهية تميل للاكتساب السمعي ،و التدوين لم يكن ذا قيمة لديها قبل مجيء الإسلام. ما المشكلة أيضا أن تعلق السنة في الصدور طالما أننا نتحدث عن أناس عاشوا ثقافة شفهية فابتدعوا مقدرة على الحفظ تتناسب و ثقافتهم بعكسنا نحن. أضف إلى ذلك وسائل التخريج و التحقيق البحثيين في قبول الحديث أو رفضه. والحماسة و الإمعان في التحقق من مصدره خشية تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم. تأخر التدوين ليس حجة للطعن في هذا الحديث أو غيره.
 أما كون الحديث أحادي الإسناد فلا يدحضه، فراوية الحديث هي السيدة عائشة، الحميراء التي أخذنا منها شطر ديننا. العبرة في التحقيق في مجال الأحاديث هي عدلية الراوي. المعيار كيفي نوعي، لا كمي بأي حال كان.

ما الضرر؟ فلنسلم جدلا أن الخطاب كان حصريا لزوجات النبي. فإذا كان الرسول صلى الله عليه و سلم قدوة لنا رغم حالة النبوة و العصمة التي وهبه الله إياها، فماذا يمنع أن تكون زوجاته قدوات لنا؟ خاصة مع كونهن بشريات مثلنا لم تنلهن عصمة. يفترض بالقدوة أن تكون Paragon  أعلى من المستوى العادي للفرد، قمة لا يصلها أحد، ففلسفة القدوة محاكاة و تمثل لا مضاهاة. نعم، هن لسن كأي من النساء ، و هو خطاب توجيهي بتوخي الحذر لان هنالك من يريد الكيد للإسلام بواسطتهن، و ليس نصا "تفويقيا" إعلائيا و إن احتمل ذلك كتفسير ثانوي لا رئيسي. هل نسينا أن )النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً) (الأحزاب:6). أمومة أزواجه لا تعني فقط حرمة زواج المؤمنين بهن من بعده، بل تمتد لتشمل احترامهن و الإقتداء بهن كم لو كن أمهات حقيقيات. فضلا على أن الواو تعطف العبارة الثانية على الأولى " النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ" و كذلك زوجاته اللائي هن أمهات المؤمنين لهن مقام الإقتداء.
 و إذا استخدمنا منطق كونهن لسن كأي من النساء كتعلة لعدم الإقتداء، فلنستخدم أيضا " و انك لعلى خلق عظيم" و " أدبني ربي فأحسن تأديبي" كذريعة لعدم التأسي بأخلاق الرسول صلى الله عليه و سلم. فهو حظي بالتأديب من ربه، أما نحن فلا.

الظريف أن المعارضين للحجاب و المتذرعين بعدم حجية السنة، لا يعارضون ارتداء المرأة لغطاء الرأس إثناء الصلاة و هو أمر جاء بحديث نبوي. استنساب واضح و فاضح. أليس كذلك؟ يرتدي  الجندي عند تكريمه زيه العسكري و إن لم يكن في وضع الخدمة العسكرية، و كذلك المرأة  - و إن كانت في كنف بينتها – ترتدي زيها " الرسمي" المأمورة به، ترتديه خمس مرات في اليوم لتقابل ربها، فيمنحا وسام الطاعة.


2- " الحجاب المقصود هو تغطية الجيب، تغطية الشعر كانت عرفا لدى العرب"

ألم نتفق ان نحسن القراءة؟ هيا نقرأ اذا:

(وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور:31)

)يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الأحزاب: 59)

هل لو انزل الله آية يقول فيها يا أيها المؤمنات غطين رؤوسكن أ هنا فقط يكون الحجاب شاملا لتغطية الرأس؟ مع قليل من المنطق و كثير من القراءة التاريخية التحليلية في فلسفة اللباس نجد أنه لو أن الله تعالى قال ذلك لوجدت المؤمنين و المؤمنات جميعا قد ارتدوا ! كيف لا ؟ لو نزلت هكذا آية لقالوا لا يقول هذا اله عليم بصير خبير ، يقوله شخص جاهل يعيش في الطرف الآخر من العالم لا يعلم ان النساء سلفا يغطين رؤوسهن لا حياء و لا تحشما من عرب الجاهلية ، انسينا أنهم طافوا دون ثياب حول الكعبة؟ انه الحتم البيئي. انه أمر و ليس فضل.

انظر حولك، بدو سيناء، الطوارق، أو أي بيئة صحراوية ، كلهم – رجالا و نساء- يغطون رؤوسهم.
 هذه هي المعادلة بكيمياء المنطق: شمس اكسترا سوبر محرقة  + عمل يدوي مضن في بيوت شبه مكشوفة للشمس  = ضربة شمس مفجعة.
 وبالتالي التي لن تغطي رأسها أما فقدت عقلها و إما تنوي الانتحار. فظهر غطاء الرأس الذي كانت المرأة تلفه على رأسها و تسدله على ظهرها ، و الذي بسببه فقدت المرأة الجزء الأعظم من مقدرتها على الإغراء، فابتدعت كشف منطقة الرقبة و الجيب كبديل كونها مناطق لا يؤدي كشفها للشمس إلى أضرار صحية تؤدي إلى الوفاة و تحمل في ذات الوقت إغراء نسبيا. و بالتالي الشعر هو الأكثر فتنة لأنه هو ما يهب " الطلة"، و إظهار النحر و الجيب حل توفيقي بديل بسبب اشتراطات البيئة.

و بالتالي الآية الكريمة تقر بالأمر الواقع  في اللباس: الخمار و هو  نوع من اغطية الرأس لدي النسوة، فأمرت بإبقائه و فوق ذلك تغطية الجيب به. فالآية لم تقل و ليغطين جيوبهن ، بل قالت "وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ".  فضلا على أن الآيات تضيف على ذلك  شروطا أخرى مثل إدناء اللباس و تطويله ( حيث من عادة النساء و الرجال على حد سواء في البيئة الصحراوية تقصيره قليلا منعا للاتساخ و يقال " أدنى الستر" أي أرخاه) ، و عدم الضرب بالرجل و هي كناية يمكن توسيعها لتشمل أي أسلوب يستخدم للفت النظر ، و عدم الخضوع بالقول.

الآن، هل يعقل أن يأمر الله تعالى المرأة بأن تغطي الجيب و تكشف ما هو أكثر فتنة: الشعر أو " الطلة" بالتعبير العامي! هل يعقل أن يطلب منها إلا تلفت النظر إلى فتنتها و يسمح لها في ذات الآن بإظهارها! و هل يعقل أن يتعارض حديث إسناده حسن - لا يجيز كشف إلا الوجه و الكفين – يتعارض مع نص قراني؟ حدث العاقل بما لا يُعْقَل فان صدقك فلا عقل له!
هذا الفهم لا سبيل له سوى "جمع النصوص" الدينية بكاملها من القران  السنة المتصلة بالقضية موضوع الفتوى، إما الابتسار فأبو الأخطار. " اعدلوا هو أقرب للتقوى"

 

3- " الحجاب فرض للتميز بين الحرة و الأمة، و هو أمر غير موجود حاليا، فلا داع للحجاب"

هذه فرضية لا نص قطعي الدلالة ، صحيح الإسناد يدل عليها أولا، و المنطق السليم يعارضها ثانيا. فلو كان الله تعالى يريد التفرقة بين الأمة و الحرة منعا لإيذاء الحرة و حفاظا عليها، هل يكلف الحرة بالأعباء و يشق عليها أم يكلف الأمة ؟ لو كان الأمر كذلك  فببساطة لأمر الله تعالى الإماء أن يلبسن لونا أو زيا يميزهن. أما " ذلك ادني أن يعرفن فلا يؤذين" (النور) فهو بيان لأحد فوائد الحجاب الإضافية value-added benift  بالتعبير الاقتصادي ، و هو إبعاد الأعين الساغبة عنها. و لو كان لموضوع الإماء دخل، لذكر ذلك صراحة، " و ما كان ربك نسيا".

أول سورة النور جاذب للعقول " سورة أنزلناها و فرضناها". أ ولم ينزل الله تعالى جميع سور القران و فرضها كلها؟ هذه احدة دلائل الإعجاز التنبؤي في القران الكريم. فالله تعالى علم انه في عصر من العصور هناك من سيأتي و  يهرف بما لا يعرف، فكانت البداية ملجمة ملزمة. فالسورة لا منسوخ فيها و لا مؤقت.

4- "يا ستي، الحجاب حجاب الروح، دعونا نتنفس!"

حقا؟ و بنفس المنطق لا داع للصلاة و الصيام، الإيمان إيمان الروح.  أ رأيت؟  الأفعال ابلغ من الأقوال. البرهان العملي في كل الأديان دليل التصديق.و البرهنة  العملية هذة علاقة بين العبد و ربه، ليس لأحد "الحق" بدس انفه فيها، لكن من "واجب" كل من يعلم أن يخبر من لا يعلم أن الله طلب برهانا على إيماننا لا لنريه الناس نفاقا ، بل لنريه لله حبا و إيمانا ، و لنشهره إعلانا و انتصار لله.
 الدين – أي دين – خيار حر لكن صعب. نعم فلنتنفس، لكن فلنتأكد أن زفيرنا لن يحرق الاجتهاد و الفتوى."أجرأكم على الفتيا أجرأكم على النار".

*********************

ما ورائيات الحجاب (2) الحجاب الاجتماعي: من عبد ربه إلى عبد جده

المقدمات:
"فلانة المتحجبة رقم واحد: لسانها سليط كالسيف.لا تسلني عن اخلاقها؟ الشيطان الرجيم يأخذ لديها دروسا خصوصية "
" فلانة المتحجبة رقم اثنين: لا تنقصها الصفاقة. يمكنك سماع ضحكتها و ان كنت على بعد مائة سنة  ضوئية"
"فلانة المتحجبة رقم ثلاثة:  تفاهتها و قلة عقلها كفيلة بان تلصق حاجبيك بأعلى جبينك تعجبا"

النتيجة:
أ ترون ، نحن أفضل حالا من دون الحجاب.

أتمنى ألا تكون النماذج الثلاثة غمزا أو لمزا فنحن منهيون عنه، و إنما أوردته من باب التنميط البحثي بغرض البحث لا العبث.
السؤال، المقدمات الثلاث و نتيجتهما تبدو في غاية المنطقية اذا لم نصخ السمع و نعمل العقل كما ينبغي. من قال أن سوء التطبيق تعلة لترك المبدأ الجيد. الإسلام حجة علينا و لسنا حجة على الإسلام.

المنطقي اذا ان هذة الأنماط –وفرت او عدمت – تمثل نفسها و ان بدت انها تمثل الاسلام. السؤال الملّح: لم تظهر هذة الانماط؟. و السؤال الأكثر الحاحا، الا توجد انماط اخرى معارضة لها. يقينا بلى، اذا لماذا التركيز عليها دون سواها، و لم التذرع بها؟ أمر مؤسف.

نعم، إنه يبدو كثيرا كالحجاب – ظاهريا – و لكنه باطنيا "حجاب اجتماعي". هو "ايشارب" أو قطعة قماش لا تلبس لوجه الله تعالى، انما لوجه المجتمع. انه حجاب  له وجه واحد لا يعوز غيره، هدفه و جزائه رضا المجتمع. و كما ان هنالك "فتوى اجتماعية" تعلن لوجه المجتمع لا لوجه الله تعالى ، و كما ان هنالك "صلاة اجتماعية" للوجاهة ، لا لوجه الخالق، فماذا يمنع الداء من التكاثر فنحصل عليه: حجاب اجتماعي، يفرضه "المسدس الاجتماعي" المصوب على رؤوس الكثيرات، بان المرأة شر و من "حبائل الشيطان" و اخرجت آدم من الجنة و عليها ان تتخفى لا طاعة لله و نتيجة فهم لفلسفة الحجاب، و انما لان " عاداتنا و تقاليدنا" تنص على ذلك، و اذا نص الدين على ذلك فخير و بركة و ان تعارض فالالوية لما قله جد جد جد جد بعضنا. هنا نجد ان عبد الله تحول الى عبد المجتمع، و عبد ربه ، الى عبد جده. و و عبد البديع الى عبد التقاليد.

علماء النفس لا يختلفون ان المجبور على أمر لا يفهمه ، سيحاول الفكاك منه و ان لم يفلح فلن يتوان -لا شعوريا على الاقل -  في عمل كل ما من شانه تدمير هذا الامر و تشويه صورته، الغريب في معظم الاحيان نجد المقهور يدافع عن سبب قهره، و هذا منطقي فلو كان بامكانه نقده لكان بامكانه بسهوله التخلص منه. ان الخوف، انها العصا. كل مفروض بغيض، لانه انتقاص من الارادة الانسانية التي على اساسها كلفنا الله تعالى و على اساسها نختار الطريق اما ميمنة او ميسرة.

هنا يحدث التناقص، فالحجاب له وجهان: و جه شكلي و وجه سلوكي و كلاهما ينبع من ايمان و فهم للفلسفة التي تقف وراء الامر الالهي. في الحجاب الاجتماعي يبرز الشق الاول و يغيب الثاني و هنا الكارثة. فليس بعد العين أين. الناس يصدقون ما يرون، seeing is believing و في معظم الأحيان لا نملك فرصة ثانية لنعطي انطباعا أوليا. من هنا ينشأ الارتباط اللاشعوري المسبب لدي الكثيرين ان الانماط الثلاثة هي انماط سليمة ممثلة لحقيقة الحجاب. هذة الصورة هي ما دفعت بعض النسوة في الستينات في الكويت لحرق العباءة، ليس معارضة للدين، بل لانهن احسسن ان هذا اللباس رمز للتخلف، و هو امر يلبس لاجل عيني العرف، فاين مصدر حجيته، اين قداسته و فلسفته المفحمة التي تمنعهن من حرقه؟ انذاك لم يرين سوى العرف المقيت. ارايتم كم هو ضار هذا النوع من الحجاب.

والحجاب المفروض ب "مسدس المجتمع"  لن يختلف عنه الحجاب المفروض ب"مسدس القانون". هل نسينا قول الله تعالى )وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس:99) )لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:256). و بالتالي هل يجوز ان يفرض قانون يجبر الناس على الصلاة أو الصيام؟ قطعا لا. و حتى لو تم ذلك، سنجد جيوشا من المصلين و الصائمين الناقمين على دين الله. الثابت في الأمر انهم لن يؤجروا على صلاتهم إذا صلوها طاعة للقانون لوحده، أ و ليست الأعمال بالنيات؟. الحل البديل هو القيادة بالقدوة leadership by example اما القيادة بالعصا فلا تولد سوى النقمة و الحقد.
فلسفة الجنة جميلة جدا و تتلخص في كلمة واحدة: "المشيئة". الله أعطانا الاختيار و "المشيئة" النسبية في الدنيا: إما الطريق القويم أو الطريق السقيم. و جزاؤنا في الجنة أن لنا ما "نشاء"، فالجزاء من جنس العمل. )نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) (فصلت:31) فلنعط الناس الفرصة ليعملوا مشيئتهم في أمر الله، فيثبهم الله عليها من جنسها.


ما الحل اذا، هل على اولئك النسوة ان يخلعنه و ننهي الموضوع؟
لا يدحض هذة الصور السلبية سوى اعداد مكافئة او فائقة لاعداد صاحبات الانماط الثلاثة. و عدا ذلك ستظل الصورة هي هي. عندها صاحبات الانماط الثلاث لن يملكن سوى الاعجاب بالمناذج الصحيحة ،و التفكير على الأقل في الامر و البحث عن فلسفته. و عندما نبحث في فلسلفة الأمر نقتنع فنملك الارادة و اذا ملكناها داوينا القمع، و نبت في قلوبنا و عقولنا القمح.  جبل الجليد لا يكسره معول صغير واحد، بل ضوء الشمس على مدى الصيف. اهلا بالدفء.

****************** 

ما ورائيات الحجاب(3): حجاب الرجال: العدل لا المماثلة

فلانة: "يا للظلم! نحن نتلفع بأمتار من القماش، و هم يسيرون كما يشتهون. أين حقوق الإنسان، هذا يسمى تمييزا جنسيا!"
فلان: " أين العدل؟ النسوة يكسبن أطنانا من الثواب بارتدائهن الحجاب، و نحن لا شيء البتة"

للوهلة الأولى، يبدو منطقيا جدا. لكن، بعد التفكير، ليس تماما. و بعد التفكير العميق، ليس منطقيا أبدا. قليل من
إعمال العقل يشفي الأمر برمته.

المسالة ببساطة، اختلاف الخلقة و الشكل يتطلب اختلافا في بعض الأوامر. فالأصل هو العدالة لا التماثل      justice not equity  و المطالبة بالمماثلة لا تدل على شيء سوى ضيق الأفق.فيقال العدل بين الأبناء مأمور به، أما التسوية فلا، فكيف نسوى بين أبن رضيع و آخر بلغ الرشد، أو ابن معتل و آخر صحيح. و يسرى هذا المنطق على كل الأحكام،  فالحكم يعتمد على خصائص المنفذ و يتغير وفقا له.

عدم فرض الحجاب على الرجل لا يعني بأي حال انه ليس هنالك قانون ملزم من اللباس مفروض عليه و يحاسب عليه كما تحاسب المرأة، و كونه مختلف فهذا منطقي لاختلاف شكل المرأة عن شكل الرجل.
فللرجل عورة من السرة إلى الركبة، و كشف ما عداها لا يشكل إغراءً – في معظم الثقافات- كما الحال عند المرأة. و وفقا لعلماء النفس، الشهوة لدى الرجل مسألة بصرية، أما عند المرأة فمسألة نفسية إدراكية. فالمرأة الجميلة تثير الشهوة، و الرجل الوسيم لا يفعل ذلك لدى المرأة – أوليا على الأقل – ما يلعب الدور الأكبر هو صفات الشخصية و الصورة العقلية المرسومة. و وفقا لذلك يكون قانون اللباس. انه الإنصاف و لا شيء غيره.

فضلا عن ذلك هنالك قوانين أخرى للباس الرجل يشترك فيها مع المرأة، فلا يحوز له التشبه بالجنس الآخر فالرسول صلى الله عليه و سلم لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، و المتشبهات من النساء بالرجال. فيحرم على الرجل لبس الحرير و الذهب مثلا. و التشبه هنا يشمل التشبه السلوكي و التشبه الشكلي كليهما معها. بالإضافة إلى النهي عن التشبه بالهيئات ذات المدلولات الدينية فقد نهى الرسول صلى الله عليه و سلم احد الصحابة عن لبس الصليب لأنه هيئة خاصة بجماعة دينية، و ارتداؤه ممنوع لأنه يبدو للرائي كإعلان للانتماء المعتقدي. و لباس الشهرة الملفت منهي عنه، و لا يقصد به اللباس مفرط الأناقة بصورة ملفته للنظر و حسب، بل قد يشمل أيضا الثياب الرثة التي ترتدى بغرض اظهرا الزهد مثلا. فأي لباس يلفت النظر بصورة فوق المعدل الطبيعي في بيئته مرفوض للرجال أو المرأة.

إذا يا اختنا فلانة، قانون اللباس يشمل جوانب متعددة منها ما هو مشترك بين الجنسين، و كون عورة الرجل اقل من عورة المرأة فهذا لا ينطوى على التمييز بل هو استجابة لواقع التكوين النفسي للجنسين.

حسنا، لماذا لا نقلب الآية؟ و نجيب على سؤال أخينا فلان في الأعلى.

أيضا للوهلة الأولى يشم الأنف المتسرع رائحة ظلم. و المسألة حلها أبسط مما يعتقد أخينا فلان. فكما أن الله تعالى فرض على الرجل صلاة الجماعة في المسجد وهو أمر غير مفروض على المرأة، فرض على المرأة شيئا ليس مفروضا على الرجل. لكل مصدر للثواب، فما كان الله ليظلم أحدا، لكننا نظلم عقولنا عندما نمعن النظر في جزء من الأحجية و نتجاهل الأجزاء الأخرى. فلانة  و فلان نالا العدل، لكن كل بطريقة تناسبه بطريقة مختلفة. إنها العدالة لا التساوي "اعدلوا هو أقرب للتقوى"

*****************

ما ورائيات الحجاب(4): جَمال الحِجاب في حَجب الجَمال

جمالي او حتى قبحي شأني الخاص. فلا شئ اكثر ظلما من ان تقيَّم و يحكم عليك من شكلك الخارجي ، فتَّقدر و تُشكر ان كنت جميلا – وفرت كفاءتك او عدمت- ، و تعاقب و تحتقر -بدلا من ان ينظر الى كفاءتك- ان لم تُمْتِع مؤهلاتك الشكلية الاعين.

العالم - تشرّقَ او تغرّبَ - اثبت و بجدارة - للاسف- على مدى التاريخ انه حكم ، و يحكم و سيحكم على المرأة من خلال شكلها . فامام المرأة اذا خياريان احدهما مر و الاخر لاذع . فاما ان تقبل راضية بمعيار الحكم الشكلي الاعوج الاهوج ، و اما ان تختبئ في قمقم، او صندوق او أي شئ آخر لئلا تهدر كرامتها .

المعايير غير العادلة في تقييم المرأة بحسب مظهرها اثارت ما اثارت فلسفيا ، نقاشيا ، بل و حتى جدليا ، الا ان الطرح الاسلامي للمسالة ما فتئ - نظريا و عمليا على حد سواء - جاذبا اذا امعنا النظر و اصخنا السمع و احسنا الفهم.

فلسفة الحجاب في الاسلام هي تحرير للمرأة ، و اكسابها الحق في ان تكون منتجة و مبدعة و ذات دور كما شقيقها . و لو كان الاسلام من منادي حبس المرأة - الخيار اللاذع- لما فرض عليها الحجاب اصلا ، و ما حاجتها له طالما انها ستحتجب في قمقمها كمداً او خوفاً من الاعين الجائعة . فلسفة الحجاب اذا هي احلال للمعايير الغابنة للمرأة بمعايير عادلة تُقيّم المرأة على اساسها كانسان منتج ، متساو في الكرامة الانسانية مع الرجل و من ثم له الحق في الاحترام و في تقييم اعدل و افضل .


الحجاب ليس زياً و حسب ، بل اسلوب تعامل ، و انتقاء فذ لكل حركة و سكنة ،  ابتداءا من المشية و مرورا بمواضيع الحديث و انتهاءا حتى بنبرة الصوت ( فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) ، و هو جزء من نظرة الاسلام لدور المرأة المنتج في الكون في شراكتها مع شقيقها الانسان ، فعلم الله انها ستلقى ذوي السقيم من القلوب و ذوي السوي منها و من هنا كان عليها ان تجبر سقيمهم -امراً لا فضلاً - على احترامها . فلا يملك عندها ذوي النظرات الساغبة سوى ان ينظروا الى الفكر و الانتاجية و الابداع ، الى الانسان لا الى الجسد .

للجمال من الناحية اللغوية معنيين: معني حرفي denotation  و هو الجمال كقيمة مطلقة فلسفيا نسبية عمليا. و معني عرفي connotation  و هو الفتنة و الاغراء الجنسي. و الاختلاطات في الدلالات اللغوية أمر وارد في كل اللغات. و أبسط مثال على ذلك، وصف المرأة "القبيحة" و لكن المغرية ب" جميلة". فللكملة الواحدة معنيين و ان ادى ذلك الى مفارقة. الجمال بمعناه الأول لا تثريب عليه، و ليس أدل على ذلك من جواز كشف الوجة، فهو جميل، لكن حاشا لله ان يكون مغريا و الا لفرض الحجاب على الأطفال، و كلهم جميل. أما المعني الثاني هو ما يسعى الحجاب لحجبه، فيغدو الحجاب جميلا لحجبه الجمال الممجوج المؤدي الى ذنب، لا الجمال المحبوب المؤدي الى تسبيح الرب.

و الأمر يتضح بدراسة التوصيف القرآني للإمر، فالزينة نوعان:
1- زينة ظاهرة: و هي   الجمال " و لا يبدين زينتهن لا ماظهر منها" أي زينتهن الظاهرة المباح ظهورها و هي الجمال
2- زينة باطنة: و هي الفتنة التي لا يسمح لها بالظهور " و لا يضربن بارجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن" أي مقدرتهن المخفية على الغراء. و سميت مخفيه لانه مطوب اخفائها


ليس على اؤلئك اللائي يطمحن ان يكن حرات او قويات او منتجات ان "يخشوشن " ، و لا ايضا  ان يخرجن الى الحياة شبة عاريات. بل عليهن ان يعلمن و يفخرن بان ما فرض عليهن -كامر تعبدي حقه الطاعة- ، ليس لقمعهن – لانهن حبائل الشيطان - بل حل عملي ناجع لاعادة "انسنتهن " و متطلب مفصلي المشاركة في الدور الاستخلافي، بدلا من خيارات  المجعجعات و المجعجعين بلا طحين .