العذرية و خضوع النساء



نادية المفتي
2007 / 11 / 11

طرق التحكم بالبشر عديدة، تتراوح مابين الترغيب و الترهيب، و هيستريا عذرية المرأة قبل الزواج فى الشرق هى إحدى طرق التحكم فيها من قبل الرجل و المجتمع. جعل الرجل الشرقى ميدان الجنس حكرا عليه و تعلل بالشريعة، و لم تسأل المرأة عن رأيها فى هذا و لا ذاك، و كان من الواجب ترك مثل هذا الإختيار لها. رجال كثيرون، و الرجل الشرقى عموما، تحكمه ثقافة "mine is bigger"، و هى ثقافة يعانى منها أشد المعاناة بقدر ما يعتز بها، ثقافة تجعله إن لم يشعر مع إمرأته أنه إله شعر أمامها بالدونية، فالمرأة بالقوانين الوضعية و السماوية لا تتعدى مكانتها لديه مكانة العبيد، و هذا صحيح تماما و إن أنكره الكثيرين، و الدليل القوانين التى مازالت تطبق حتى الآن، فمن حقه ضربها بحجة تأديبها و من حقه بالشرع خيانتها ثلاث مرات بدعوى الزواج دون أن يكون لها أدنى حق فى الإعتراض على ذلك سوى بالتضحية بجهد عمرها و نضارة ذهبت فداء بيت دافىء و أولاد أعزاء و طلب الطلاق للنجاة بكرامتها، هذا هو سبيل الإعتراض الوحيد المتروك لها، و من حقه وحده الإنفصال عنها وقتما شاء كيفما شاء بكلمة يرددها كما لو كان يسبها و لو كانت هى الضحية، و من حقه ضعفها فى كل شىء و لو كانت عالمة ذرة و هو لا يفقه شيئا عن أى شىء، و من حقه حجبها بالملابس أو فى المنزل أو بالإثنين معا كما لو كانت شىء يمتلكه، حتى تبدو بعضهن كالأشباح كما لو كن شياطينا رؤيتهن سوف تعيث الفساد مع أن بعضهن آية فى الجمال، و عندما تعترض أحدهن تأتيها الإجابة "العاقلة" "المستنيرة" بأن ذلك يتم للحفاظ عليها و أن الذهب الغالى لابد من حمايته، و لكن الذهب لا يتنفس و لن يختنق مهما أحطته بالحرير و وضعته فى الخزائن، قد ظل ذهب الفراعنة مصونا لآلاف السنين و لكنه كان مدفونا فى القبور مع الموتى، و أكثر من كل ذلك مما قد قمت بذكره فى مقالات سابقة و لكنى لن أفتأ أذكر به حتى لا يغيب عن أحد مدى الظلم الواقع على المرأة الشرقية. ثم نأتى للمجتمع و عرفه، فالمرأة تعمل فى المنزل كالخادمة و لو كان لها عمل خارجى لأن كرامة الرجل الشرقى لا تسمح له بالمشاركة فى الأعمال المنزلية، و مسئوليات الأطفال من نظافة و طعام و إستذكار تقع على عاتقها وحدها فى معظم الأحوال، كرروا على مسامعنا حتى صمت أذاننا أن نعامل رجالنا كما تعامل التلميذة أستاذها بدلا من أن نسمع كونى نفسك فإن لم يقبلك أحدا ما كما أنتى، ضعيفة كنتى أم قوية، لا تحبين بذل الجهد أو عبقرية، فلا يصح أن تقبلى به، فلا يجب أن نظهر ذكائنا أو قوتنا فى مواجهاتهم حتى لا يفروا منا، و كان أكبر ضحية لهذا المبدأ الرجولى فى حالات عديدة هو الرجل نفسه عندما يفاجىء بإمرأة أخرى تماما فى منزله عن تلك التى كان يعرفها، لهذه الدرجة يشعر الكثير من الرجال الشرقيين بعدم الأمان و ضعف الثقة فى النفس، لدرجة تخوفه من المرأة الذكية القوية و يطلق عليها لقب "زعيمة" كما لو كانت زعامة المرأة من الكبائر، لو حدث و طلبتها يوما ما، و يفضل عليها المرأة "ذات الألف وجه" التى تتلاعب به و تمتص دمه و تمتطيه كالدواب طوال عشرته معها و تتبع المثل المعروف "الراجل عيبه جيبه" حتى تجعله كالتور فى الساقية من أجل أن يجلب لها المال، أو التى لا تدرى من أمرها شيئا و تعتمد عليه فى كل شىء، فإذا ما قابل أمرأة قوية تعتد بنفسها بهرته حتى قرر الإرتباط بها، أضمر فى نفسه "ترويضها" بعد الزواج حتى يجعلها خادمته، فإن لم يفلح حاول تحطيمها، أو على أقل تقدير إزدادت المشاكل بينهما حتى يحدث الطلاق بينه و بين الزوجة التى فوجئت بعد الزواج بوحش متسلط لا يمت بصلة للرقيق الدمث الذى عرفته قبل الزواج، و جل ماكانت تطلبه الكلمة العذبة مع الإعتراف لها بمكانتها دون مارشات عسكرية أو مهرجانات، فقط ألا يعاملها كالحمقاء كما يحلو لرجال كثيرين معاملة النساء. و من منطلق عدم الأمان و ضعف الثقة بالنفس تأتى هيستيريا عذرية المرأة فى الشرق. من منا لا تحب أن تكون أول إمرأة و آخر إمرأة و المرأة الوحيدة فى حياة زوجها! نساء كثيرات يحببن عذرية الرجل كما يحب الرجل عذرية المرأة، تحب أن تكون الأولى فى حياة زوجها حتى لا يتذكر فى فراشها غيرها و لا تهفو نفسه لأخرى ولت أو أخرى ربما تأتى، أن يتشاركا البراءة و إنعدام الخبرة حتى لو عانوا سويا منها، و لكن بما أن الإنسان لا يولد يوم زواجه فلابد أن نتقبل وجود ماض عاطفى لأحبائنا أو شركائنا فى الحياة، فلماذا هذا الإعتقاد الأحمق عند كل رجل شرقى من أسرة "محترمة" أن أى فتاة "محترمة" يرتبط بها لابد و أن تكون ولدت يوم زواجه بها؟! أيخشى المنافسة لهذا الحد؟! هل ثقته بنفسه ضعيفة حتى يدفعه تخوفه من مقارنته برجل آخر فى الفراش لدرجة تصل إلى قتل من كان لها صلة بغيره قبل الزواج؟! ألا تتعدى مكانة المرأة فى مجتمعاتنا هذه مكانة قطعة اللحم حتى يحصر شرفها فيما بين فخذيها و يقطع فيما بينهما حتى لا يشعر ذلك الوعاء بآدميته و يظل مقفلا حتى يفتح بمعرفة الزوج؟! إلى الآن أفخر بما حدث فى قضية هند الحناوى، و لكن هل كانت تلك الأسرة الواعية ذات المستوى العلمى المرتفع لتحصل على الحكم القضائى ذاته لو لم تكن قد لجأت لل CNN؟! بصراحة أشك. و قد صدر قانون فى مصر منذ بضعة أسابيع بتحريم الختان تحريما باتا و تجريمه، و لكن هل سيمنع ذلك الأسر من ختان بناتهن؟ خصوصا مع هذه الردة الثقافية بإسم الإسلام التى تسرى سريان النار فى الهشيم فى المجتمع، بالتأكيد لا. لن تتوقف كل هذه الإيذاءات و الأفكار المتخلفة فى حق المرأة حتى يؤمن المجتمع بآدميتها، حتى اليوم الذى يكف فيه المجتمع عن النظر إلى جسدها كعورة مدفوعا بجوعه الجنسى و الكبت الذى يعانى منه و يبدأ فى النظر لعقلها و أخلاقها كمنبع لشرفها بعيدا عن إيمانها بحريتها الجنسية من عدمها، لن يتغير المجتمع إلا إذا بدأت المرأة فى المطالبة بحقوقها كإنسانة لها الحق فى فكر مختلف عما وجدت أبائها عليه.