كل المفاجآت والمفارقات تأتينا من مصر العربية ودمشق الفيحاء والمرأة فيهما الضحية



فلورنس غزلان
2007 / 11 / 16

أفتى الشيخ الفلاني ..أنكر شيوخ الأزهر إفتاء الشيخ..حذر شيوخ الأزهر من الفتنة نتيجة لهذا الإفتاء...أصدر فريق من الأخوان المسلمين تحذيرا واستنكارا لما صدر عن المفتي أو عن الأزهر...الخ
في كل يوم نلهو مع الفتاوي، نبتعد عن الحياة ونغرق في توافهها...يحاولون إبعادنا عن أهم القضايا الاجتماعية وأهم المشاكل اليومية...وإن تنادوا وتناكدوا حول قضية هامة فإنما يسعون نحو جرنا وسحبنا إلى نفق مظلم وحفرة نسقط فيها ونتوه ونحيد عن حداثة العصر وننعم في متاهة الخراب ونحصد التمزق والتششت ونتصارع فيما لا خلاص منه إلا بالقتال والتشجيع عليه.
ــ كان لمفتي مصر الفضل الأول في إطلالة الفتوى الشهيرة بمباركته لمن شرب من بول الرسول باعتبار أن جسده الظاهر والباطن طاهر ونقي!...لن أعلق...فقد قيل الكثير حول الموضوع ( الفتوى) واضطر حياله إلى إصدار الكثير من التفسيرات والتبريرات...لكنه ظل مصدر الإثارة بلا منازع...
ــ هذا الشيخ نفسه يحاضر ويفتي عكس ما يريده منه شيوخ الأزهر ومسيسي الإسلام أحياناً فيبيح اختلاط الفتيات بالشباب في قاعات الدرس الجامعي!! مما دفع صحف الأسلمة الجديدة في السياسة المصرية السائرة نحو التطور والتحديث والابتعاد عن التغريب ! وخاصة أصوات الأخوان المسلمين حين نعتوه :( ضل سعيك ...بدلا من محاربتك للانهيار الخلقي رحت تنافق الطلبة والنظام وتساعد وتحرض على الاختلاط بين الجنسين!...)..دون أن ننسى ما صدر عن أحد شيوخ الأزهر من فتوى تشيب لها الرؤوس والعقول...حين نطق الدكتور عزت عطية بشهادته في إرضاع الكبير!!...وما زالت أصداؤها تصول وتجول بين ظهرانينا، وكأن العصر سيتوقف ومسيرة الكون والحضارة وغزو الفضاء لن يتم إن لم يتقدم شيوخ الأزهر بالفصل والتفصيل بما يخص البول والرضاعة ..وتحليل أن يتحادث الشاب مع الفتاة وهم في قاعات الدرس باعتبارها مكان عام وليست خلوة غير شرعية!!!
صرح وأفتى ولا يتوانى عن إصدار الفتاوي ...يبدو أننا لم نعرف العيش ولم نفهم الحياة وكنا في ضياع بانتظار إصداراته القيمة ـــ أنه يحق ويجوز للشيعة أو لغيرهم تقبيل ضريح الحسين!! وحتى في هذه أعتقد أن الشيعة كانوا سيتوقفون عن زيارة الحسن والحسين ...لولا إفتائه وسماح جلالته وإجازته لتقبيل الضريح والتبرك به...
الأكثر مرارة ...وغير المفاجيء ..أنه يعتبر ختان الإناث ( مَكرُمة)!!!
لكنه يفيض علينا بمكرماته ولطفه وتواضعه وتنوعه...في الإفتاء...أي ينحرف قليلا يسراوياً بدرجة تتطلبها مصلحة مركز المفتي عن الأخوان المسلمين في مصر...أو عن الوهابيين وعن تصريحات وزعيق ابن باز فيخالفهم الرأي بالنسبة لمعرفة الجنين وتحديد نوعه ولا يستنكر هذا العمل بل يبيحه ...الرجل يؤمن بالعلم والتطور الحضاري ويظهر تطوره واختلافه وتقدمه على ابن باز وغيره من أئمة السعودية حيال هذه النقطة..على أقل تقدير...نشكر سعي الشيخ وتحضره..
كل هذا التقدم ، كل هذا الرقي الفكري الذي ننعم فيه ..وبعد هذا نتساءل لماذا نحن شعوب متخلفة؟ وكي لا نؤذي مشاعرنا المرهفة وكي لا نشك بهويتنا العربية الإسلامية
نقول أننا من دول العالم الثالث ..أو ( الدول النامية)...لكني أصححها فأسبق الياء قبل الميم لتأخذ مكانها المناسب في المقام المناسب ( الدول النايمة)...
هذا الأزهر الذي كان ذات يوم مكان علم ومعرفة ...تخرج منه علماء دين ورجال سياسة، لكنهم أيضا كانوا رجال فكر وتنوير ونهضة حضارية ...أخذوا على عاتقهم الوقوف بوجه الظلم والاستبداد وفي وجه اللاعدل ...وحتى في وجه علماء الدين المتخلفين...ألا يكفينا أن نعلم أنه من هذا الأزهر خرج :
محمد عبده كتلميذ لأكبر ثوار النهضة جمال الدين الأفغاني...والشيخ عبد الرازق...وأخيرا نصر حامد أبو زيد....ولو قارنا ما قاله وأفتى به وصرح محمد عبده بما يصرح به اليوم شيخ الأزهر ومفتي الجمهورية...لوجدنا أن الفرق شاسعا...وشتان بين تطور وتنور محمد عبده وشيخ مصر وجلال مفتيها...مع فارق الزمن الكبير لما يعادل القرن....وعلى سبيل المثال لا الحصر أفتى محمد عبده ب :ــ
• جواز ارتداء الملابس الأوربية.
• * ايداع الأموال بالبنوك وبفائدة.
• إباحة التصوير والتماثيل.
• إباحة تناول ما يذبحه المسيحي واليهودي.
• دعا إلى أبطال تعدد الزوجات والاكتفاء بواحدةإلا في حالة العقم.
• تخويل النساء حق الطلاق.
• جواز تولي المرأة المناصب العليا.

بعد هذا كله نجد أن محمد عبده أكثر تقدما وتطورا من شيخ اليوم ومفتي مصر العربية للقرن الواحد والعشرين...وأكثر حضارة ورقيا مما ينادي به مشايخ الأخوان المسلمين
حين يرفضون بشكل قطعي رئاسة المرأة والمسيحي، ويرفضون إلغاء تعدد الزوجات..أو إعطاء المرأة الحق في طلب الطلاق...وهاهو الشيخ الدمنهوري يعتبر مع كل ذلك مفتي مصر متغربا ومتأثرا بالثقافة الغربية لأنه درس في صغره بمدارس أعجمية!!!ويطالب بإقالته!!!...كل ما ذكرناه من تخلف إفتاء الشيخ علي جمعة ...ومع هذا يعتبرونه متغربا وتجب إقالته!. أكتفي بهذا القدر دون أن أتطرق للشيخ عبد الرازق أو لنصر حامد أبو زيد أو لغيرهم ممن كانوا رجال فكر متنور حاولوا تطوير الإسلام وتصحيح مسيرته .
بعد كل هذا السرد وحين أقرأ في وطني السوري، الذي تجتاحه موجات المشايخ المشابهة لما يفتيه السيد جمعة بل الأشد سوادا وظلامية ...فلدينا البوطي والشافعي الدمشقي...وتصنيفهم يقع في نفس المرتبة وأدنى...فهم من وقف ويقف بوجه أي محاولة أمام المناضلات لتغيير قوانين الأحوال الشخصية المجحفة في سورية....
وأصاب بلوثة غضب...أضع فيها المسؤولية برمتها على عاتق سلطة تتيح وتسعى لكسب ود هؤلاء وتمنحهم كل الكروت البيضاء ليخطبوا ويصبوا جام غضبهم على المرأة ويعتبرونها متأمركة ومتغربة!...لأنها تطالب بحقها في مسكن وحقها في جنسية لأبنائها...وحقها في حضانة طفلها حتى يبلغ سن الرشد...وحقها في قانون يحترم إنسانيتها ويعاملها بالمثل حين تقتل باسم شرف الرجل...الذي يعلق شرفه يافطة فوق جسدها ويعتبرها ملكا وعقارا مسجلا باسمه وبصك قانون الأحوال الشخصية عثملي الزمن....فلماذا نتفاجأ إذن حين نقرأ ما جرى لفتاتين بعمر الورد ...:ــ
الطالبة الجامعية في كلية الهندسة بدمشق ( ريم ) ترمى بالأسيد الحارق في منطقة مساكن برزة وهي تسير مع شقيقتها عائدة من كليتها .........مع أنها لا ترتدي الميني جيب بل البنطال...فكيف تكون الحال لو رأوا ساقيها حتى أعلى الركبة؟؟؟؟؟
ثم تتكرر الحادثة مع الطالبة ( غنى) وهي من كلية الهندسة أيضا ...ويعتدى عليها بالأسيد في المنطقة الأكثر ازدحاما وانفتاحا في باب توما ( القصاع )...وترتدي البنطال أيضا ، جرت الحادثتان في وضح النهار...ورغم احتراق الفتاتين...ونحمد الله أن الرشق لم يمس الوجوه...لكن الفتاتين لم تتقدما بشكوى لأي مركز من مراكز الأمن أو الشرطة!!!لماذا باعتقادكم؟...كان جوابهن وبالحرف( دخول الحمام مش مثل خروجه)!
وعلى ماذا سنحصل؟...وهل سيتم اعتقال الجناة؟
الأكثر إيلاما ووجعاً هو شهادات النساء ...وقد جاءت جميعها واضعة اللوم على ما ترتديه الفتيات من لباس الموضة مما يثير الغرائز لدى الرجال!!!أي نوع من الرجال في أوطاننا حين تثيرهم المرأة وهي ترتدي البنطال؟...وأي نوع من النساء تلك التي تظلم مثيلتها؟ وليس هناك أشد ظلما من المرأة لنفسها...حين تكون عدوة لبنات جنسها وعدوة لأمومتها ولذاتها!.
إنه الجوع...إنها الأخلاق التي يريد رجال الأخوان المسلمين الحفاظ عليها بالفصل بين الجنسين في الجامعات....لم يحدث الفصل حتى الآن.. وتم الهجوم حتى على المحجبات ومحاولة اغتصابهن في عز النهار في القاهرة...هذا يعني أن الحجاب أو البنطال لن يقف حائلا بين من يخطب بهم المغفلين ويعتبرون المرأة عورة وعليها البقاء في المنزل...كي نجعل من المجتمع مجتمع ذكوري بجدارة...أي أن لباس المرأة لم يحل بين المعتدي الجائع والمهووس جنسيا ، المحروم من رؤية ساق أمه المحرم عليه اللقاء بالمرأة والمعقد حتى النخاع من التحدث لامرأة.. المهزوز بشخصيته نتيجة للانغلاق والحجر والتفريق والابتعاد عن طبيعة الحياة وسمة العصر...فلو تعود هذا الشاب على الاختلاط مع المرأة في المدرسة والعمل واحترامها كإنسان بنفس مستواه وندا له يصون حقها قانون يساويها به، ويحترم كيانها وإنسانيتها دون دونية أو انحطاط ودون تملك كالعبيد حينها لن يصل به الجنون لرؤية جسدها مغلفا فما بالك لو كشفت عن ذراعيها؟ وما الفرق بين ذراعيها وذراعيه؟ ما الفرق بين بنطالها وبنطاله...إلا بما يحويه كلا منهما باختلاف في الجنس...عندما يُربى ويستمع لشيخ في المسجد يعلمه أنها أخته وأمه وابنته وجارته وصديقته وكلهن في نفس المقام من احترامه وتقديره ...ينتمي معهن لنفس الأرض والوطن وكلاهما يقدم لهذا الوطن قدراته وكفا آته من أجل أن يقوم وينهض ويتطور، دون أن يحرضه على أخته وعلى زوجته ويسقط كل نقائصه وكل إرهاصاته الشخصية وضعفه أمام نظام الاستبداد وعجزه عن نقد التردي الاقتصادي والاجتماعي فيجد في المرأة ضالته المنشودة فينفث حقده نحوها محملا لها كل هذه النقائص..
أحيلكم على جامعة دمشق ..ادخلوها وتنعموا بما ستشاهده عيونكم من أعاجيب وغرائب، هذه الجامعة التي كانت مركزا للتنوير وتربة خصبة للنقاش الحيوي تخرج الكوادر العلمية والمهنية المؤهلة ...يختلط فيها الشاب مع الفتاة بكل تآخي واحترام ومودة...كانت تعتبر أرض الجامعة أرض حرام يمنع على الأمن والشرطة دخول حرمها الجامعي ويحق للطلاب التظاهر والاعتصام داخل هذا الحرم ...وظل هذا التقليد سائداً حاله كحال دول العالم المتحضر، إلى أن غزانا حزب الوحدة والحرية والاشتراكية...فوضع على أبواب الجامعات حراس الثورة يفتشون حقائب الطالبات ويسألون عن بطاقات الجامعة وويل لمن نسي أو أضاع بطاقته...المحاسب والمراقب والمعاقب له هو ( فرع حزب البعث في الجامعة)، أي أنه يقوم مقام أي جهاز أمني ويمكن أن تصل عقوبة الطالب إلى حد الفصل المؤقت...فهذا الحزب له الباع والسلطة...ويحق لأعضائه مساومة الطالبات...يحق لأبنائه التغزل بالطالبات وطلب المواعيد ، ناهيك عن الابتزاز الخسيس لأبناء المسئولين للطالبة الجميلة وخاصة لو كانت فقيرة....وقد حدث مع أكثر من طالبة ...هذه السلطة أسوا من سلطة المشايخ المحرضين على المرأة ...وهذه السلطة هي ما يجعل من الفتاة تتقوقع داخل الجلباب والحجاب...وتبتعد عن الاختلاط بزميلها ويجعلها أكثر ارتباكا ويجعل من شخصيتها أكثر انطواء وانعزالا وانعدام ثقة بالنفس، فأي مستقبل لمثل هذا المجتمع؟ ...وما الذي ينتظرك ياوطني بعد؟ وما الذي ينتظر مستقبل المرأة في ظل سلطة الدين بمشايخه المتخلفين وسلطة البعث بأجهزته العمياء؟

باريس 15/11/2007