قول في المراة ج1



حميد الحريزي
2007 / 11 / 20


في الكثير من المناظرات بين أنصار حقوق المرأة والداعين لمساواتها مع الرجل وبين من يدعون إن المرأة دون الرجل في القول والفعل والأدب والفن دون الأخذ بنظر الاعتبار الظروف لاجتماعية التي يعيش في كنفها الرجل والمرأة وكما هو بين من يحيى حياة العبودية ومن يحيى حياة السيادة والتسلط والأمر والنهي وتيسر له كل طرق وسبل ووسائل وفرص العلم والعمل.
رغم كل ذلك نذكر على شكل حلقات نماذج من إعلام ونواتج النساء في مختلف العصور العربية والإسلامية ولا نقول العالم وفي مختلف مجالات الحياة كالفن والأدب والخطابة والفراسة والحكمة والقيادة والشجاعة... الخ نأمل إن تكون شاهدا برفض الكثير من التخريجات حول نقص المرأة وضعفها كمخلوق دون قدرة وقابلية الرجل من الناحية البايلوجية مما يستدعي قيمومة الرجال على النساء وحجب الكثير من المناصب والمهن عن المرأة وفي ابسطها حق المرأة في قيادة السيارة وغيرها وحق تسلم منصب القضاء أو إمامة الجماعة أو الفتوى وقد وصل الأمر بالبعض إن المرأة لاتليق إلا لفراش الزوجية وتربية الأطفال وكما ذكر عبد الله العفيفي في مقدمة كتابه ( المرأة العربية في جاهليتها وإسلامها ) ( هي المرأة التي انحسرت عن غيوث الأرض وليوث الحمى وتكشفت عن حر الخضال وعز الخلال وتعالت عن منازع الوهن ونوازع الفتن وضربت الحجة البالغة على إن المرأة إذا احترمت لا تقصر عن مدى الرجل في مضاء الرأي وذكاء القلب وسنا العمل وابتناء العظائم )
ولقد ربع النبي صلى الله عليه وسلم لرؤية الروح الأمين أول عهده به وملكه الفزع منه فلم يجد – وهو صفي الله وصفوته من خلقه – من يسرى روعه ويشد قلبه إلا زوجه خديجة إذ تقول له (( كلا والله لا يخز بك الله أبدا أن تحمل الكل وتكسب المعدوم ويقين على نوائب الدهر )) ذلك قول المرأة التي أزرت نبي الله ووسنه بمالها وقلبها وفرحين عنه مواطن محدقة مطبقة أو احتملت دونه خطوبا حجة فوادح وكان قولها أنقذ في نشر دين الله من ألف سيف تتخطى في سبيل الله )
وهي التي قال بها بونابرت ( إن المرأة التي تهز المهد بيمينها تهز العالم بيسراها )
( وقد بلغ خيال العربي من السمو بالمرأة إن يجعل الملائكة أشباها لها ونظائر فقال (هم بنات الله وصفياته.... تعالى الله من يقولون علوا كبيرا )
وقد ملكت المرأة قلب الرجل العربي وليه فلم يبدأ بموضوع أو قصيدة إلا ابتداءها بمديح المرأة ووصفها والتغني بها ولنا في قول شعراء العرب أمثلة كثيرة في هذا المجال ( حتى لقد بكى مهلهل بن ربيعة كلينا أخاه وهو محرق الكبد موصول الكمد فبدأ بذكرها ويصف دارها قبل إن يذكر أخاه وذلك حيث يقول :-

الدار قفز عفاها بعد ساكنها بالريح بعد ارتحال الحي عافيها
دار لموضوعة الكشوف فرعيه كالشمس حين يداف الضوء باديها
كليب لاخير في الدنيا ومن طها إذا أنت حكمها فيمن يخليها

وقد كان الرجل العربي يطير فرحا ويختال فخرا عندما تمدحه المرأة وتشيد بقوته أو كرمه وفي مثل ذلك قال الشاعر قيس:-
إنا محبوك ياسلمى فحبينا وان سقيت كرام الناس فاسقينا
وان دعوت إلى جلى ومكرمة يوما سراة كرام الناس فادعينا

وان قصة كسرى ابرويز ملك الفرس والنعمان معروفه للجميع وتوضح مدى عزة العري وعدم تفريطه ببناته مهما كانت المغريات والمخاطر .
وقد كان العرب يكنون احتراما كبيرا للمرأة ويجلون ويعلون مقامها على مقام الرجل إن لم تكن تساوي في القدر والمكانة .
حيث يذكر عفيفي ( ففي العهد الذي كانت المرأة الرومانية تدين فيه بالعبادة للرجل وكانت تعبده من دون الله ألها قهارا كانت أختها العربية في الذروة السنام من الحرية والمساواة لها ما للرجل وعليها وما عليه وليس امثل بذلك ولا أدل عليه من قولهم فيما سار من أمثالهم :- ( إن النساء شقائق الأقوام ) والأقوام هنا الرجال حيث قال الشاعر :- وما أدرى ولست أخال ادرى أقوم آل حصن أم نساء
وقد عقدت فتاة من العرب أمانا لرجل فلم يستطع ملك العرب وجبارها أن ينقضه أو يبلغ منه )
ويروي ( إن سيبعه إليه عبد شمس بن عبد مناف كانت زوجا لمسعود بن مالك الثقفي فلما عصفت حرب الفجار الأكبر- بين كنانة وقيس – كانت سيادة الأولين لحرب بني أميه لابن أخيها , وقيادة الآخرين لمسعود زوجها . وكان مسعود قد ضرب لها خباء وراء جنده, فدخل عليها فأبصر الدموع تجول بين خديها فقال ما يبكيك ؟ قالت: ابكي لما عسى أن يصيب قومي.
فقال لها : من دخل خباءك من قريش فهو امن . فأخذت تصل به قطعا حتى يسمع الجمع العديد من قومها فلما انكشفت قيس وغلب على أمره مسعود قال لها ابن أخيها امن تمسك بإطناب خباءك فهو امن , ومن دار حول خباءك فهو امن , فلم يبقى قيسي إلا اعتصم بها , ودار حول خباءها ) ص30 ج1
نكتفي بهذا القدر الآن ولنا عودة أخرى لنقول كم يبدو صعاليك عصرنا وأشباه الرجال من الجهلة والجبناء وهم يتعرضون للنساء في الشوارع العامة والأزقة ويحكمون بالرجم والقتل والازدراء والسب وهتك الستر لا لإحقاق فضيلة أو عدالة شرع بل لمرض في نفوسهم وغاية فاسدة في عقولهم وقد ناصبوا العدل والمروءة والإنصاف والمدنية والشرعة وشرط الإنسانية وتراث الآباء والأجداد في مثل هذه الممارسات الإجرامية ضد النساء في اغلب مدن العراق مما لم يكن يحدث حتى في أكثر عهود العراق ظلامية وفوضى فكيف يحدث مثل هذا في القرن الواحد والعشرين في عصر الحرية والديمقراطية والتقدم.

*من كتاب المرأة العربية في جاهليتها وإسلامها- تأليف عبد الله عفيفي- 1932