المرأة في عرف المجتمع



نرين طلعت حاج محمود
2003 / 11 / 13

هل يمكن أن تسعى المرأة لنيل حقوقها و تعمل من أجل تحقيق مساواتها مع الرجل في ميادين الحياة إذا لم تتوفر لديها ثقة  و قناعة بأنها مساوية له  حقا ؟
تُنشىء المفاهيم الاجتماعية الفتاة الصغيرة على فكرة أساسية , أنَّ الأنوثة هي الخضوع و الطاعة للذكور و أنَّ شأن المرأة أقل من شأن الرجل و تحدد للأم المكانة الثانية  في بيتها و تُهيىء الطفلة الصغيرة على أنَّ  واجباتها خدمة الذكور في العائلة و أنَّ العمل  الوحيد الذي يمكن للمرأة تحقيقه  أن تكون زوجة و تحت جناح رجل و ليس زوجة بالمفهوم العصري للزواج الأُحادي الحضاري إنما أقرب لمفهوم المرأة المُعالة و بالتالي فدورها الخدمة و الطاعة و إنجاب الأبناء الذكور لزوجها حيث تنظر هذه المرأة بسبب التشوه الذي أصاب  أُمومتها-  تنظر -إلى أبناءها الذين خرجوا من رحمها باعتبارهم أبناء الزوج  أولا .
و المرأة  الغير مطيعة هي متمردة و هي أفعى يجب ضربها على رأسها كلما رفعت رأسها.
و الفتاة قطعة زجاج يمكن لأي كان أن يخدشها و يكسرها .
و  ليلى  يجب أن تطيع أمها طاعة عمياء و تسير في الطريق الذي حددته لها بدقة فلا تساعد العصافير الجريحة في الطريق و لا تكلم الغزلان و الأرانب  لأن الذئب ( الرجل ) سوف يلتهمها ( يغتصبها )  و بالتالي تفقد حياتها ( عذريتها )  إن هي حاولت الاستمتاع  بجمال الطريق و اكتشافه و التعرف على كائناته أكثر من اهتمامها بالوصول للهدف النهائي المحدد لها مسبقا و هو الوصول لجدتها لتكرار صيغتها  تماما .
و الفتيات الصغيرات يُحَبِّبن بأنفسهن  لحكمة إلهية بكونهن غير مرغوبات و بالتالي   يلجئن لتحبيب أنفسهن  لضعف موقفهن في الحياة  و في العائلة  مقارنة بإخوتهن الذكور  , و لكن لو أنهن نسين أنفسهن فإن الحرمان العاطفي سيكون جزائهن و كي تحصلن على العاطفة  يجب عليهن الرضوخ و الإقرار بمكانتهن الأقل بالنسبة للذكور و ذلك بطاعتهن لهم .
فهل المرأة حين ستسعى لنيل حقوقها و العمل لتحقيق المساواة هي متوازنة و مؤمنة بأعماقها بأنها مساوية للرجل  في ظل هذه التربية و بالنظر للحالات النادرة التي تتلقى فيها الفتاة تربية لا تقوم على التمييز و لا تزعزع شعورها الطبيعي بالمساواة ,  و هذه حالات لا  تُتاح إلا في بعض العائلات حيث يكون الأب  غالبا هو من يحمل مفاهيم مختلفة عن مفاهيم محيطه , أو لدى بعض  الأقليات الدينية او الأقليات  الإثنية القادمة من خارج المنطقة العربية , و الأب بهذه الحالة سوف يخاطر كثيرا بمنح ابنته الثقة و الحرية لأن المجتمع لن يتعاطى معها بنفس الطريقة و سوف تجد أنَّ المرأة التي تُقر بأنها أدنى سوف تنجح أكثر    في    الحياة  العملية و الزوجية لأنها  تلجأ لسلاح الضعفاء , النفاق و الكذب و هو الأسلوب الأفضل و الأنجع بهذا المجتمع .
و لماذا تكون المرأة مساوية للرجل بنظر المجتمع إذا كانت القوانين في الدول العربية لا تساوي بين  المرأة و الرجل  فَتَعرُّض الإبنة لظروف  زواج سيء  و طلاق عسير بعد أن تتخلى عن كل حقوقها  للحصول عليه ,  هذا كاف لإقناع الأسرة  بالمثل الشعبي ( همّ البنات للممات ) .
و لماذا سينظر المجتمع نظرة مساواة و يفرح بقدوم الأنثى فرحه بقدوم الذكر في  مجتمعات يغيب فيها دور المؤسسات العامة التي تصون حقوق الأفراد  , و حيث صيانة الحقوق  مسؤولية الفرد , و الأسرة الكثيرة الذكور مرهوبة الجانب و أسرة من الإناث مهضومة الحقوق حتى بالنسبة لأبسط الأمور كالعلاقة مع الجيران .
و حين تعمل امرأة على صيانة حقوقها لن تلجأ  إلى المؤسسات العامة المشلولة بل تلجأ إلى العائلة و بالتالي هي مضطرة لقبول وصاية العائلة عليها  أو  تلجأ لطرف آخر  و هذا  يعني أن تدفع  مقابلا  عن  ذلك ,أو -- و هو الأفضل--- أن تتنازل عن هذه الحقوق لتحفظ كرامتها و استقلالها .
حسنا و في مجال العمل هل ستُثبت المرأة جدارة وكفاءة تجعل المجتمع يقتنع بأن المرأة ليست ناقصة عقل و أنها أهل لتحمل المسؤولية ؟
طبعا ليس بالجديد على البلدان النامية القول  بأن أي تحقيق وظيفي في معظم  مجالات  العمل ( و لا نقول كلها )
قائم على المحسوبية و لا علاقة له بالكفاءة و القدرة و لا يتم على أساس تقييم معايير  الأداء و لا يتم اختيار احد لمنصب على أساس التوصيف الوظيفي أو أي  من هذه الخزعبلات  من مفاهيم  علم الإدراة الحديث .
و المحسوبية هي احتساب شخص على شخص آخر و في الواقع تعني ان أُقدم لك خدمة كي تُقدم لي خدمة و  أي ترقي وظيفي أو ترفيع أو حتى أتفه دورة تدريبية لرفع مستوى الأداء  تحتاج للمحسوبية و ماذا ستقدم المرأة كي تتقدم وظيفيا , إما أن تقدم عنها عائلتها إذا كانت من أصحاب الصلات و النفوذ و حسب مستوى المردود الخارجي للمنصب المطلوب أو  تقدم هي بنفسها في حال عدم  تمتع الأسرة بهذا النفوذ و ماذا ستقدم امرأة في مجتمع مهووس بجسد المرأة , و بعض الأحيان   إذا  حققت المرأة صعودا جيدا و تحقيقا ذو عائد فان الأسرة تتجاهل كيف تم ذلك لان هذا التحقيق كاف لإسكات الجميع .
فكيف نريد للمجتمع أن يعتبر  المرأة  مساوية للرجل في مجتمع  يخلط ما بين قيمة الإنسان و تحقيقه الحياتي   و هل ستعتقد المرأة أنها فعلا مساوية له في مثل هذه التربية و غياب دور المؤسسات و سيادة المحسوبية في ظل أوضاع لا تحقق المساواة بين الأفراد   و الحقوق فيه  لا تُنال إلا  بالقوة , و الحقيقة لا تقال كاملة .
و تتحول الإبنة  إلى عبء و مصدر للقلق و المتاعب بينما الابن  في الواقع هو من يحقق القوة و الحماية  و الاطمئنان  للأسرة. 
تتلقى الفتاة كل هذه الجرعات في التربية المنزلية و تتلقى ما هو أسوء في المدرسة حيث القصص الخرافية ذات الرموز الجنسية تتداول بين الفتيات فتزيد هذه القصص من جهلها و شعورها بضعفها  و مفاهيمها  الخاطئة   تجاه الحياة و أما في دروس التربية الدينية فتتعلم أنها عورة و يُعزز  فيها الشعور  بالذنب على أخطاء لم تقترفها و شعور بضآلة قيمة المرأة التي ستكونها مستقبلا   و عدم محبة الله لها لأن اغلب أهل جهنم من النساء كما يقال لها و أسوء النتائج ستصيب الفتاة التي تتعاطى بكل صدق و جدية مع كل ما تسمعه . و تُلقن بأن الزينة هذا الميل الفطري الطبيعي فيها هو تبرج و كفر و تتعلم كيف تقمع ميولها الطبيعية و الغريزية و تستعملها فقط من أجل تحقيق المنافع و الغايات و المآرب دون ان يكون له علاقة بشعور إنساني عميق .
و أما ما تقدمه لها الفضائيات العربية أو شلة حسب الله الممتدة من المحيط للخليج فإما صورة مكررة لتلك التي تمنحها العائلة العربية الشعبية عن المرأة  الأفعى أو المرأة المطيعة بجمودها و غياب الأسئلة من رأسها و هناك الصورة الأخرى التي تقدمها برامج تعتقد بأنها برامج  حضارية و التي تقدم صورة أشبه بمس صيف و مس شتاء و مس كذا و كذا ,, فتعتقد  الفتاة المراهقة أن هذه هي الفتاة أو  المرأة الأمثل و هي صورة  امرأة  بلا طعم و لا  لون و لا  رائحة و لا ملامح شخصية  واضحة و تتعلم الفتاة التكلم مثلها و المشي مثلها و التحرك مثلها فتزيد الحصار على عفويتها و تلقائيتها إن لم تكن هذه العفوية قد انتهت تماما .و تعيد رسم نفسها على تلك الصورة .
و حين يرى المجتمع المرأة في ميادين العمل و الوظائف و خصوصا المرأة التي حققت منصبا ما ليكُّون مفاهيمه حول  المرأة الناجحة على صعيد العمل فإنه غالبا    سيكرر  المثل الشائع ( الله لا يحكم امرأة على أُمة ) .حيث  يجني المجتمع نتائج تربيته التمييزية  بين الإناث و الذكور في هذه المرأة التي تتصف بنزعاتها العدوانية الظاهرة بسبب  شعور عميق بالدونية تجاه الرجال تعبر عنه  بكراهية و  أذية للنساء لمجرد كونهن نساء و يذكرنها بشعورها هذا و تمنح المجتمع صورة عن المرأة  الناجحة و كأنها بالضرورة صورة امرأة مشوهه تطغى عليها  نزعة التنافس المرضي و التسلط و هي  بهذا التسلط تخفف من ألمها نتيجة التربية الخاطئة و هي امرأة عاجزة عن اكتشاف انوثتها أو يرى تلك المرأة الناصلة  اللون ( و التعبير هنا لبيير داكو ) المُلغِية لعفويتَّها و تلقائيتها تماما و ليس فيها شيء طبيعي أو حيوي و هي امرأة رسمت نفسها حسب نماذج محددة و مقطوعة عن عمقها و ذات أنوثة مشوهة .
و إذا تابعنا الأفلام و المسلسلات  فإن المرأة العربية هي  المنافقة أو الراقصة أو الجشعة و لن تكون امرأة صالحة إلا   إذا احتملت خيانة الزوج و حماقة الابن و ظلم الجار و جور المدير و استبداد  الأب كي تفوز بالنهاية السعيدة حين سيندم كل هؤلاء على تصرفاتهم فجأة و يعودوا إلى رشدهم  , أما الرجل فهو المغلوب على أمره مع المرأة أما في الأفلام الأمريكية و هي الأكثر سيطرة  فالرجل  فان دام الخارق و  ستالون الناجح دوما و هي أشبه بصورة الإله الشاب المحارب لدى القبائل الرعوية.
ألم يحن الوقت كي تدرك المؤسسات التعليمية ضرورة إدراج  مواد جديدة  في مناهجها بدل المواد الكثيرة التي تصدع الرأس و تحشو الدماغ  مواد  تقدم بعض المعارف الإنسانية و المفاهيم الحديثة عن  الأخلاق و تُعرف  الفتيات و الصبيان  بأنفسهن أكثر و تدرك منها  الفتاة ما معنى امرأة و تدرك منابع قوتها و تتعرف إلى تاريخها  و كذلك الرجل ,  فقد يتعلم هؤلاء الناشئة أنَّ الفتاة الصغيرة ودودة نعم ,و تحبِّب بنفسها  و تلك حكمة إلهية رائعة نعم , و لكن  ليس  لأنها تشعر  غريزيا بأنها  أقل  قيمة و موقفها  اضعف  من  موقف   أخيها و   تربيتها   حسنة  و   ثواب و إنما  لأن هذه  الفتاة الصغيرة هي أُم أولا و أم  ثانيا و أُم ثالثا  و أُم منذ يوم ولدت سواء أنجبت أو لم تنجب  أُم و تتعاطى مع كل حياتها بدافع الأُمومة و هي ودودة مع أبيها لأنها في أعماقها هي أُم أبيها و أُم أخيها و أُم  لكل ما حولها و لذلك فإن المرأة هي الحياة لأن الحياة هي أُم جميع كائناتها و بهذا الشعور و الحدس تتعاطى مع نشاطها و على المجتمع صيانة هذا الشعور و عدم تشويهه و عدم المساس من تلقائيتها فيحولها لكائن شرس عدواني مغتاب مفصول عن أهم مصادر قوَّتِه,  كائن بلا لون و لا طعم و لا رائحة ,و كي تتعلم  الفتاة الصغيرة  ان ليس على ليلى الخشية  من الطريق  بل عليها السير فيه و  العمل بما يمليه عليها شعورها الأمومي العميق  فتساعد  العصافير و تكلم الأرانب بل و تفتح سلة الطعام و تأكل و تطعم أصدقاءها و تهدي السلة لمن ينتفع بها  من الكائنات و هي ان لم تفعل ذلك فكيف ستُميز الرجل الذئب  الذي ينوي التهامها و الرجل الثعلب الذي يريد خداعها و الرجل الدولفين الودود و المحب الذي يقدم المساعدة دون مقابل و يمضي  و الرجل الحصان النبيل , و كيف ستكون أما و الأُم هي الحياة و هي محجوبة عن هذه الحياة لا تتعرف حرارة الشمس و لا برودة الصقيع  و كيف ستنقل المعرفة الغريزية التي لا تنتقل بالكلمات بل بالأحاسيس  إلى أبنائها و تخبرهم عن كل هذه الكائنات و هي تعتقد أن كل هذه الكائنات شريرة و تريد التهامها .