فضاءات نسائية



مزن مرشد
2007 / 11 / 27

صناعية أو تجارية، مهندسة أم معمارية، طبيبة أم معلمة، قاضية، كاتبة، فنانة، كلها فضاءات اخترقتها المرأة السورية عبر حدود زمنية قياسية قد لا تتجاوز العقدين من الزمن أو أقل، لم يكن وجود المرأة في المصنع أو السوق أو حتى المسرح أمرا عاديا فقد كانت العورة التي يركض المجتمع لاهثا ليخبئها ويداري وجودها كأنها الجرب عينه، في بدايات المسرح اضطر الفنانون أن يلبسوا ثياب النساء ليؤدوا ادوار الام، وفي الصناعة اعتبر الصانع حرفته مندثرة ان لم يكن له ذكور تخلفه فيها، وفي التجارة لم يتجاوز دور المرأة الزبون النشط في شراء ما حلي من الاقمشة والمصنوعات، ولكنها أي المرأة أدركت مبكرا أن دورها لا بد أن يكون في اعطاء مجتمعها واسرتها الحق في ان يأخذ من طاقاتها ليتقدم ويتطور معها ومع الرجل يدا بيد وساعدا بساعد.
هل فعلا تجاوزت المرأة قوانين العشيرة والمجتمع وأصبح لها كيانها المنفصل بذاتها في مجالات ظلت حكرا على الرجال لردح من الزمن؟.
وهل استطاعت اثبات وجودها كإنسان اقتصادي بنًاء يساهم في الاقتصاد العام؟
والسؤال الاهم هل قبلها الاخرون كمديرة وصناعية وطبيبة وتجارية ليعترف المجتمع بمجمله بما تحمله هذه الانثى الجبارة من امكانيات.
مروة الايتوني رئيسة لجنة الصناعيات في غرفة صناعة دمشق تعتبر أن المرأة الآن هي وحدها تضع العراقيل أمام نفسها بتفكيرها وشخصيتها أما عندما تؤمن بقدرتها وتثق بنفسها فسوف تحقق المستحيل، وأنا اليوم لا أكتفي بلجنة للصناعيات بل افكر بالدعوة لانشاء اتحاد لسيدات الاعمال يجمع تحت لوائه سيدات غرف الصناعة والتجارة والزراعة والسياحة وأنا أعدو هؤلاء النسوة لكي نجتمع ونشكل قوة ضغط على مراكز القرار لتكون القرارات تصب في مصلحة سيدات الاعمال بشكل خاص والمرأة بشكل عام، وأرادت مروة الايتوني من خلال مجلة الاقتصاد أن تعلن عن انشائها للحاضنة الصناعية التي ستكون ممولا وموجها للسيدات الراغبات في دخول مجال الصناعة في حال توفرت لديهن الفكرة المناسبة ولم تتاح لهن فرصة التمويل المناسب، ومن الممكن أن تكون شركات مساهمة في المستقبل أما فيما يخص رفض المجتمع بشكل عام والرجل بشكل خاص للمرأة في الصناعة رأت الايتوني أن الموضوع يتعلق بالبيئة وبالصفات الفردية للشخص لأن المرأة اليوم تلقى الدعم سواء من الجهات المعنية الرسمية أو حتى من الزملاء الصناعيين ولكنها تستثني بعض العقول التي لا تزال تنادي بالحرملك.
وردا على تساؤلاتنا كانت صونيا خانجي رئيسة لجنة سيدات الاعمال التجاريات في غرفة تجارة دمشق قد أجابت بوضوح وبقيليل من الحماس لتقول : -" المرأة لا تقل شأنا عن الرجل، فقد أثبتت جدارتها وقدرتها على الادارة والنجاح والعمل والنجاح لا يفرق بين رجل وامرأة فالميراث العائلي تابعته باسم ابي وكبرته باسم عائلتي و ما أكبره في بلدي سورية أن اسم المرأة لا يتغير بعد الزواج وتبقى محافظة على اسم عائلتها، وبذلك تكون المرأة قادرة تماما على حمل لواء صناعة أجدادها وتجارتهم والمضي قدما في تطويرها، أما أن ندعي أن هناك من يقف في وجه المرأة ليعيق عملها أو نجاحها فهذا أمر لا يتماثل الا في حالات ذكورية فردية، ما تزال تفكر تنظر للمرأة على أنها ضلع قاصر، ومكانها منزلها، ولكنني أرى أن الصعوبة الحقيقية التي تواجه المرأة هي تلك الواجبات المطلوبة منها ولا تستطيع التقصير فيها بغياب مؤسسات قادرة على مساعدتها جديا في قضية تربية أطفالها-"
وتستطرد سحر نجمة أمينة سر لجنة سيدات الاعمال التجاريات لتؤكد جازمة أن المرأة أكثر دبلوماسية وأثر قدر على النجاح من الرجل مشيرة الى أن الطرق اليوم مفتوحة أمام المرأة للعمل في اي مجال من المجالات لأنها أثبتت بالدليل القاطع بأنها ند منافس للرجل أينما وجد، ومن ناحية أخرى رأت نجمة أن الرجل أيضا يتعامل مع المرأة بندية وبمنافسة ولا يغير في الموضوع شيء اختلاف الجنس فكلاهما محاربان في جبهة واحدة-".
وعليه تقول الصناعية عفاف المؤيد السيدة عفاف (صناعة الأنابيب الصحية (البلاستيكية): -" أعمل في صناعة ثقيلة ولا أجده أمرا غريبا أو مستهجنا، فأي أمر مهما كان صعبا يحتاج للخطوة الاولى، أما الحرب التي تتعرض لها المرأة فذلك تحدده الشريحة التي تتعاملين معها، واليوم فالرجل مهما كانت عقليته اعتاد على وجود المرأة في قطاعات كان يعتبرها سابقا حكرا عليه.-"
وترى الصناعية ميساء دهمان أمر العمل من زاوية أخرى فتقول: -" لا تستطيع المرأة التخلي عن المهمة الأولى والأهم في حياتها وهي دورها كأم، ولكن الأمر الأهم والذي يجب أن نقتنع به، هو أن الصعوبات التي تتعرض لها الصناعية هي نفس الصعوبات التي يتعرض لها الصناعي، لأن هذه الصعوبات لا تميز بين صناعي أو صناعية فنحن موجودون في مناخ استثماري واحد وضمن شروط عمل واحدة على الجميع، أما من يرفض عمل المرأة فهذه مشكلته ولسنا مسؤولون عما يفكر فيه الاخرون.-"
الدكتورة الكيميائية هدى جلنبو والتي سافرت بسن مبكرة الى ايطاليا لتكمل تحصيلها العلمي تجد أن جنسها لم يمنع لا أهلها ولا مجتمعها من تقبل فكرة سفرها الى الخارج، ولا تجد وجود أخيها معها هناك الا حافزا اضافيا لقرارا السفر ولكنه ليس السبب فهي كانت ستسافر وستكمل تحصيلها سواء كان أخيها معها أم لا، لأن الهدف كان أسمى مما يفكر فيه المجتمع وتؤكد جلنبو أن مجتمعها لم يتقبلها آنذاك فحسب بل بارك خطوتها وشجعها ايضا وهاي اليوم من الصناعيات المجدات المشهود لهن في السوق بكفاءة عملها.
ويبقى للرجل رأي آخر فالصناعي محمد حج محمد ( صناعات غذائية) لا يمانع ان دخلت المرأة عالم الصناعة ولكنه يفضل أن تبقى مهتمة بامومتها ومنزلها ويحبذ الوظيفة أو مجال التعليم ان ارادت العمل فالصناعة لها ناسها على حد تعبيره.
أما زياد طرابيشي فكان قدر صرح لنا أن أمور المرأة في معاملات الدولة كمستثمرة أو صناعية (أيسر) لأنها تلقى المراعاة لكونها امرأة، أما العراقيل فتوضع أمام الرجال.
وهنا ترفض ربى عبود راجحة رئيسة لجنة سيدات الاعمال في غرفة تجارة ريف دمشق ترفض أن يقسم العمل بين نسائي او ذكوري لأن العمل لا يعرف هوية من يؤديه والتجارة الرائجة أو الصناعة الناجحة لا تميز ان كان من ينتجها رجل أم امرأة وترى عبود أن المرأة وإن استفادت من المال العائلي فذلك لا يضيرها شيئا فما من رجل بدأ العمل الا بمال ابيه أو أمه أو زوجته ويباركه المجتمع وتباركه عائلته اذا نجح في ادارة هذا المال ادارة ناجحة ومثله المرأة لا بد أن تبارك خطواتها الناجحة أسوة بالرجل، أما عن الحروب التي تتعرض لها المرأة فهي ضريبة الانثى في مجتمع شرقي ما يزال يستغرب اقتحام المرأة لفضاءات جديدة.
وتصر مديرة المعهد العالي للفنون المسرحية الدكتورة حنان قصاب بأنها لا تشعر أبدا بالحرب الذكورية فتقول: -"أنا شخصيا لم ألحظ أي من هذه المعوقات أمام المرأة ، فلا شيء يمنع المهندسة المتفوقة في عملها لأن تكون مديرة مشروع، ولا المخرجة من اخراج أعمال هامة ومتميزة، و حتى الوزيرة أو السفيرة، لا أعتقد أن شيئا وقف في طريق نجاحها، فعندما يكون معيار الكفاءة متوفراً لا أظن أن هناك من يعترض على أن يكون صاحب الكفاءة امرأة لا على مستوى الرؤساء ولا على مستوى المرؤوسين لأن طبيعة الشعب السوري طرية ومهذبة، فلا أعتقد أن هناك من يرفض الأمر لأن من تعطيه امرأة، و يبقى دور المرأة نفسها بأن تطالب بحقوقها وأن تثبت مكانتها من خلال الكفاءة وأن تفرض نفسها ومهنيتها على المحيطين بها في العمل.-"
وهنا تعارضها الرأي الصناعية ميادة مريود التي تقول :-" أن تكوني امرأة، فهذا رديف طبيعي وحتمي لأن تكوني مستضعفة، وبالعامية أن يستوطى حيطك، مثلا الوكيل الذي نضع عليه آمالنا في بداية العمل بأنه من سيحمل قضية الترويج وتصريف البضاعة، يأخذ بضاعتك التي قد تكون رأسمالك كاملا، ولا تعود لك سلطة عليه، هذا الوكيل يتعامل معي على أني شخص غير قادر عليه لذلك يصدق معي بالفاتورة الأولى ليطمئنني على التعامل معه ثم ... على الدنيا السلام يأخذ البضاعة ويصبح حصولك على ثمن بضاعتك ضرب من الخيال ولا يوجد قانون يلزمه بالدفع خاصة عندما يهددك بأقاربه والانكى من ذلك أن بعضهم بمجرد أن تطالبيه بحقك، يبدأ بتشويه سمعتك عند المصنعين وبين الناس ومن الطبيعي كمجتمع شرقي الرجل صادق حتى العظم والمرأة في موضع الشك حتى لو أثبتت العكس، لذلك نسكت ونتعلم من تجربتنا، لذلك ترين أن الوكيل شريك بدون أن يكون قد ساهم لا برأس المال ولا بالجهد ويجب التعامل معه على هذا الأساس لذلك بدأت أتحمل بنفسي عناء التوزيع، أنا وبناتي نوصل بضاعتنا إلى المحلات والصيدليات بأيدينا ولا نريد هذا الوكيل الذي يفضل أن يسمى علقة وليس وكيل، أما لو كنت رجلا فلن يستطيع لا الوكيل ولا غيره استضعافي فقط لأني رجل لذلك لابد أن تكون المرأة قوية ومثابرة وترمي حروب المجتمع والاخرين خلف ظهرها وتبقى سائرة الى الامام.-"
ومن وحي تجربتها الشخصية تقول التجارية رنا عزيمة :-" الرجل والمرأة متكاملان سواء كانا زوجان أو شركاء في العمل، أو في الحياة المرأة تكمل الرجل والرجل يكمل المرأة، فزوجي الى اليوم لا يستطيع الاستغناء عني في العمل وأنا لا استطيع الاستغناء عنه، ما أردت قوله أن الحياة بشكل عام هي تكامل بين الاثنين، فلا المرأة تستطيع الاستغناء عن وجود الرجل في حياتها، ولا الرجل يستطيع العيش دون المرأة، وهذا أيضا ينطبق على العمل، على الاقل من وجهة نظري ومن تجربتنا الخاصة أنا وزوجي.-"

النقيب جميلة

هذه الفضاءات الجديدة لم تتوقف على الصناعة والتجارة فحسب بل تجاوزتها الى فضاءات ابعد ففي 23 آذار 2006 عين السيد الرئيس بشار الاسد، الدكتورة نجاح العطار نائبا ثانيا لرئيس الجمهورية للشؤون الثقافية. وبهذا تكون العطار أول امرأة عربية تصل إلى منصب نائب رئيس الجمهورية. وحددت -"الاستراتيجية الوطنية للمرأة-" هدف وصول النساء إلى 30 بالمئة من مناصب صنع القرار بحلول سنة 2005. ويضم مجلس الشعب حاليا 30 امرأة من مجموع أعضائه الـ 250. واكتسبت النساء أيضا حق الالتحاق بالقوات المسلحة إذ تعمل حاليا 414 امرأة في أجهزة الأمن والشرطة. وصرحت لنا السيدة جميلة النقيب في الجيش والقوات المسلحة بأنها لا تشعر أبدا بأنها تعمل في مجال لا يصلح الا للرجال فلماذا لا تشارك المرأة في الدفاع عن وطنها وأكدت النقيب جميلة أن تعامل زملائها ومرؤسيها معها اليوم لا يختلف على الاطلاق على تعاملهم مع نقيب ذكر فالرتبة هنا هي الفيصل والتعامل مع النقيب وليس مع المرأة التي تحمل هذه الرتبة.
أما المكان الذي بقيت المرأة محافظة فيه على مرتبة الصدارة فكان قطاع التعليم حيث شكلت النساء 27 بالمئة من قوة العمل سنة2000.ودخلت المرأة الى الطيران والقضاء والجراحة وعلى مستوى العالم وصلت المرأة الى الفضاء والى كرسي الرئاسة وتبوأت مراكز السياسة والاقتصاد والتصميم والفنون أجمعها فما علينا الا أن نقف لهذه المرأة باحترام لنجل لها كل ما حاربت من أجله محافظة على مكانة شريكها الطبيعي جنبا الى جنب لا أمامها ولا خلفها بل يسيران معا ليصلا الى الهدف الاسمى في بناء حياة كؤيمة تحترم فيها انسانيتهما قبل كل شيء.