كردستان تأكل نساءها



هوشنك بروكا
2007 / 12 / 9

على صعيد كردستان الدولة(بعد توحد "دولتي" هولير والسليمانية في 21.01.2006)، المرأة مشاركة ب3 حقائب وزارية(من أصل 42) في كردستان الحكومة، وب28 مقعداً(من أصل 111) في كردستان البرلمان. وهي مشاركة يمكن وصفها بالمقبولة لا بل بالجيدة إلى حدٍّ بعيد، مقارنةً مع خارطة المشاركة النسوية في حكومات وبرلمانات الكثير من الدول الإقليمية، سواء العربية منها، أو الإسلامية.
ولكن، هل مشاركة النساء الكردستانيات هذه، تشكل علامةً فارقةً، لحيازتها لبعض السلطة، ولبعض الفوق، ولبعض القرار(سناً، وتشريعاً، وتنفيذاً)، أم أنّ تلك المشاركة، لا تتعدى كونها أكثر من "ديكور أنثوي"، لتجميل(وتنعيم) صورة كردستان الرجل، وكردستان العرف والتقليد، وكردستان العشيرة من الألف إلى الياء؟

أنّ الأرقام والوقائع القادمة من كردستان، لا تبشر بأيّ حيرٍ في هذا المنحى. فهي لا تكشف فقط عن رجولية كردستان وذكورية القرار الفوق فيها، وبالتالي اللامساواة الفظيعة والكارثية بين "كردستان الرجل" و"كردستان المرأة"، وإنما هي تشير أيضاً، إلى فداحة المظلومية التي تتعرض لها المرأة الكردستانية، حيث عقلها يتبع لعقل الرجل، ولسانها يتبع للسانه، وجسدها يتبع لجسده، وملكها يتبع لملكه، وصلاتها تتبع لصلاته، وقانونها يتبع لقانونه...الخ.

وليس من المبالغة القول، بأن الغالبية العظمى من نسبة النساء الكردستانيات المشاركات في مؤسسات الفوق الكردي(برلمان +حكومة)، هن مجرد موظفات "مؤنثات"، "معينات"، وتابعات(أو متبوعات)، لرجالٍ لهم نفوذ سلطوي، حزبي أو عشائري، أو عائلي، قريب من مراكز القرار الفصل في "كردستان الحكم"، و"حيتانها" المتمثلة في "ثوار" الحزبين الرئيسيين الحاكمين الديمقراطي والإتحاد، الكردستانيين.
ففي كردستان، حيث لا ملك خارج ملك الحزبين وشيوخهما، هناك وراء كل إمرأة مسؤولة/كبيرة و"معظّمة"(مديرة، أو رئيسة قسم، أو برلمانية، أو وزيرة) رجل مسؤول/كبير و"معظّم".

فعلى الرغم من أنّ برلمان كردستان العراق قد أوقف في اغسطس (آب) 2002 ، العمل بثلاث مواد من قانون العقوبات العراقي الصادر عام 1969، واهمها القانون الخاص
بالقتل بدافع غسل العار او ما يعرف ب"جرائم الشرف"، رغم هذا الحظر التشريعي على العمل بهكذا "مواد عشائرية"، فإنّ جرائم رجال كردستان(بمن فيهم البعض من رجال الفوق) "الأشراف النشامة"، بحق نسائها "الخارجات" على "الشرف" ، بحجة النيل ل"شرفهم"، ول"شرف" الدين، والطائفة، والعشيرة، قائمةٌ على قدمٍ وساق.

فبالأمس القريب جداً(07.04.07) "قامت مجموعة من شباب بعشيقة وبحزاني بقتل فتاة اسمها دعاء، بحجة غسل العار، بعد ان قام شخص بخطفها...كذا"( PUKmedia /أكرم درويش، 08.04.07)، علماً أن عملية القتل "الشريف" هذه، قد تمت بطريقة فظيعة تتقزز لها الأبدان، على مرأى ومسمع قوات الشرطة "الشريفة"، حيث الفتاة الإيزيدية مع الشاب المسلم، على ما يبدو، كانا في ذمتها، وذمة تحقيقاتها واستجواباتها، فضلاً عن ذمة "شرف" قوانينها. فكان نصيب الفتاة القتل بالرجم "الشريف"، على أيدي وحوش آدمية، أقل ما يمكن أن يُقال فيهم، هو أنهم لا يعيشون خارج المكان البشري فحسب وإنما يعيشون خارج الزمان الآدمي أيضاً، أما نصيب خاطفها الشاب/ الرجل "الشريف"، فكان(حسب أعراف كردستان التي اختُزلت إلى رجل ٍفحسب) الهروب "الشريف" إلى الملاذ "الشريف". وهو الخبر الذي أكدته، ذات الجهة الإعلامية الكردستانية المشار إليها، أعلاه، بقولها: "وبعدها قامت المجموعة بقتل الفتاة, وهناك انباء عن هروب الشاب الى مكان مجهول"(كما يحدث دائماً).

وفي مذكرةٍ لها، مرفوعة إلى رئيس إقليم كردستان، ورئاسة برلمان وحكومة كردستانه، تقول منظمة "Stop FGM in Kurdistan " العالمية ، في إشارةٍ منها إلى ظاهرة ختان النساء، كأخطر وأعنف ظاهرة، يُمارس العنف الجسدي والنفسي عبرها، ضد الطبيعة التي خُلقت المرأة عليها: "للأسف حسب المتابعة والإحصائيات التي حصلنا عليها، ظهرت بأن ظاهرة الختان للبنات، ما زالت قائمة وبشكلٍ كبير ولحد الآن وفي الكثير من مناطق كردستان، حيث وصلت الإحصائيات الرئيسية إلى 60% من البنات والنساء اللواتي تعرضن إلى هذا النوع من العنف...والسبب الرئيسي من وراء ختان النساء، حسب الإعتقاد الشائع بينهم، هو أنه تم فرضها من قبل الديانة الإسلامية ويدعون بأنه "سنة"، وأيضاً أنه عادة وتقليد اجتماعي لاغير" http://www.stopfgmkurdistan.org/ar/index.htm )
واشتكت جيمن رشيد المسؤولة في منظمة وادي، وهي منظمة المانية تعني بحقوق المرأة، ولها فرع في اربيل احدى محافظات الاقليم الكردي في شمال العراق من وجود عدد من الانتهاكات، مثل اعطاء الحق للعوائل في قتل النساء تحت ذريعة الشرف، اضافة الي حرمان الفتيات من حق الاستمرار بالتعليم وخاصة للمراحل المتقدمة، ومنع الفتيات من حق اختيار الزوج وغير ذلك .
واضافت رشيد ان بحثا ميدانيا اجرته المنظمة شمل 124 قرية من القرى التابعة لمحافظات اربيل وكركوك والسليمانية اظهر أن 3188 امرأة من مجموع 3981 امرأة تم اللقاء بهن قد تعرضن لعمليات الختان. وحسب إحصائيةٍ أخرى للمنظمة ذاتها، تبين أن 2403 إمرأة من مجموع 3665 استجوِبن في 116 قرية بمناطق متفرقة من إقليم كردستان، كن مختتنات(وادي نت: 23.11.07).
وتقول احصائيات تابعة لوزارة الصحة، نشرت بداية العام الحالي ان مثل هذه الانتهاكات ومشاكل اجتماعية اخرى تدفع بالنساء في اقليم كردستان الذي تسكنه ما يقارب ثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة(مجموع سكان كردستان العراق حسب بعض الإحصائيات الرسمية يبلغ 5،5 نسمة) الى الانتحار عن طريق حرق انفسهن او باستخدام اسلحة شخصية . وتضيف الاحصائيات ان 1711 امرأة في محافظة اربيل لوحدها حاولن الانتحار بهذه الطريقة العام الماضي، وان العديد منهن انتحرن عن طريق استخدام اسلحة شخصية(watan.com & wadinet.de، 20.06.06: http://www.wadinet.de/wadiev/presse/spiegel/20-06-06_watan.htm )

قبل أيام، وتزامناً مع اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، والذي يصادف 25.11.07، كشف وزير حقوق الإنسان في إقليم كردستان، "عن حرق 97 امرأة في محافظات إقليم كردستان الثلاث خلال الأشهر الأربعة الماضية فضلا عن مقتل 27 من النساء للمدة نفسها، مبينا أنه لا يستطيع الإقرار بأن العنف ضد المرأة قد تراجع، فيما قالت ناشطة نسوية إن العنف ضد المرأة انتقل إلى المدن بعد أن كان مقتصرا على القرى"(أصوات العراق، 26.11.07).

وحسب تقارير رسمية سابقة، صادرة عن وزارة الصحة في الإقليم الكردي، فإن 1,95 إمرأة تُقتل أو تقتل نفسها في كردستان يومياً(تقرير آذار 2006).

هذا فيما يتعلق بالإحصائيات الرسمية، أما الحقيقة فمن المؤكد أنها سوف تكون أكبر وأفدح من ذلك بكثير، لا سيما وأنها تتعلق بمجتمعٍ لايزال يُحكم ويُساد، بقانون الحزب والقبيلة، قبل أيّ قانونٍ آخر.

والسؤال الذي يطرح نفسه بنفسه، ههنا، على ولاة كردستان من الحزبين الحاكمَين، ويحتاج إلى أكثر من جوابٍ، هو : ما الجدوى من كردستانٍ ومالعقل فيها، وما إعراب البرلمان والقضاء مع حكومةٍ معينةٍ ومقررةٍ سلفاً فيها، وهي تأكل بشراهةٍ رجولية "ممتازة" نساءها اللواتي يشكلن أكثر من نصفها؟
ما العقل في زرع البرلمان والحكومة الكرديين، ببرلمانياتٍ ووزيرات "مؤنثات" كرديات لا يقررن، إلا إذا قررّ الرجل، ولا يحكمن إلا بحكم الرجل، ولا يُحتكمن إلا إلى حكم وعقل الرجل؟ هل لأنهن "ناقصات عقلٍ، وناقصات حكمٍ، وناقصات دين"؟
ما الفائدة من "قوانين مدنية"، وبرلمان ومجلس وزراء "مدنييَن"، طالما رجالاته يحكمون نساءهم، قبل غيرهم، بقانون "الدين والقبيلة"، أولاً وآخراً.

من يتتبع أخبار "رجال" الإقليم الكردي(الحكام وأنصاف الحكام وأرباعهم)، في الصحف والفضائيات و"الهوائيات"، سوف يُخال له، أن هؤلاء لا نساء لهم، وكأنهم يعيشون جلّ أو كل "حياتهم الوطنية"، من دونهن.
زيارات، مؤتمرات، كونفرانسات، لقاءات، ومآدب رسمية وغير رسمية، خالية أو شبه خالية من نساء القصور الكردية المسؤولة والحاكمة، وكأن الحكم ورجاله في كردستان لا يجتمعون بالنساء؛ ولا يجلسون إليهن؛ ولا يتمتعون بالدنيا ولا يغنون لوطنياتهم معهن؛ ولايزورون قصور الآخرين برفقتهن؛ ولا يتقاسمون "كعكة" وطنهم الكردي وما لهم وما عليهم، فيه، وإياهن...إلخ.

لا شك، جميلٌ هو أن تتساوى حقوق "كردستان المرأة" مع "كردستان الرجل"، وجميل هو، أن يتحدث "ديمقراطيو" و"أحرار" كردستان "الحرة"، الجدد، عن حقوق المرآة "العالية"، في ظل كردستانهم "العالية" وحكمهم "العالي"، ولكن الأكيد، هو أن هذه المساواة لن تكون في كردستان العشيرة الراهنة والحزب الراهن(كما تقول المظلوميات اليومية المرتكبة بحق المرأة)، حيث الرجل والمرأة، في ظل قوانينها "الهوائية"، خطان متوازيان، لا يلتقيان، مهما امتدا، إلا بإذن العشيرة وشيوخها.
في كردستان القانون الذي من ورق، والوزارات التي من ورق، والمنظمات النسائية التي من ورق، لا يمكن الحديث إلا عن "حقوقٍ" لا نساء فيها، هي من الورق إلى الورق.

وإذا كانت مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة، فإن مسافة الألف قانون تبدأ ب"قانون".
فهل ستخطو كردستان "الرجال" خطوتها الأولى إلى أول القانون؟
هل سيخطو "رجال كردستان" الجالسين على قوانينها، خطواتهم الأولى نحو إحقاق الحقوق الأولية لنسائهن؟