الحجاب رمز لعبودية المرأة وليس رمزاً للعفاف



حامد الحمداني
2007 / 12 / 13

لم يكن حلم الشعب العراقي بوجه عام ، وحلم المرأة العراقية على وجه الخصوص أن نشهد هذه الردة الرجعية الظلامية التي أعادت العراق إلى عهود التخلف الموحشة التي كانت سائدة قبل قرون في ظل المجتمع الذكوري المتسلط على رقاب المرأة التي تمثل نصف المجتمع ، والتي جرى حرمانها من كامل حقوقها كإنسان واستعبادها ، واتخاذها ملكية خاصة تلبي حاجات الرجل الجنسية ، وتنجب وتربي له الأبناء بالإضافة إلى الخدمة المنزلية.
وجاء الدين الإسلامي ليجعل من الرجال قوامون على النساء !!، وينتقص من عقل المرأة بدعوة فارغة يفندها الواقع [ النساء قاصرات عقل ودين]!! حيث نشهد تفوق المرأة علماً وثقافة على الكثير من الرجال عندما تتاح لها الفرصة للدراسة، والانخراط في العمل جنباً إلى جنب مع الرجل ، بل لقد تفوقت عليه في كثير من المجالات على الرغم من المهام المناطة بها في المنزل بدءاً من الحمل والولادة ، وتربية الأطفال ، وتهيئة الطعام ، والعناية بنظافة البيت وغيرها من الأمور الأخرى.
لقد أعطى الدين للرجل حق ضرب المرأة إن هي خالفته في أمر ما ، ومنحه حق الطلاق وحجبه عن المرأة إلا في حدود معينة ، وكثيراً ما يجبر الآباء بناتهم على الزواج عنوة برجال لا يرغبون بهم ، وتلك هي الطامة الكبرى أن تجبر المرأة على العيش في كنف رجل لا تشعر برابطة الحب والانسجام معه.
وزاد في الطين بله أن جعل شهادة الرجل بشهادة امرأتين إمعاناً في الانتقاص من حقوقها كإنسانة في الوقت الذي نشهد المرأة في العالم المتقدم تتبوأ أعلى المناصب القضائية ، وحتى في بعض الدول الإسلامية كاندونيسيا وباكستان وبنكلادش حيث تبوأت المرأة أعلى المناصب في الدولة كرئاسة الجمهورية ورئاسة الوزارة.
ولقد خاضت المرأة العراقية كفاحاً مريراً ومتواصلاً من خلال منظمة الدفاع عن حقوق المرأة وغيرها من المنظمات الأخرى في الأربعينات والخمسينات والستينات من القرن الماضي من أجل التحرر والإنعتاق من هيمنة المجتمع الذكوري الذي كان يستهجن ذهاب البنت إلى المدرسة ، ويعتبر ذلك مخالفاً للآداب العامة !! ، والتقاليد البالية التي عفا عليها الزمن ، وكان ذلك الكفاح الذي خاضته المرأة مدعوماً بحملة واسعة من قبل المثقفين والكتاب والشعراء والأدباء ، وكان في مقدمتهم الشاعران الكبيران جميل صدقي الزهاوي ، ومعروف عبد الغني الرصافي اللذين حملا بكل جرأة راية تحرر المرأة ، وخلاصها من عبودية الرجل ، ومن رمز تلك العبودية المتمثل بالحجاب البائس.
كما وقفت الأحزاب الوطنية التقدمية كالحزب الشيوعي والحزب الوطني الديمقراطي وحزب الشعب وحزب التحرر الوطني إلى جانب المرأة في كفاحها العادل من أجل التحرر والإنعتاق ، ومن أجل المساواة مع الرجل في الحقوق والواجبات .
وجاءت ثورة الرابع عشر من تموز نقلة نوعية بالنسبة للمرأة وحقوقها وحريتها ، فقد كان قانون الأحوال الشخصية الذي شرعته حكومة الثورة يمثل ثورة اجتماعية جنباً إلى جنب مع قانون الإصلاح الزراعي الذي كان يمثل بحق ثورة اجتماعية كبرى حررت 70% من الشعب العراقي من نير الإقطاعيين الذين استعبدوا الفلاحين نساءاً ورجالاً لسنوات طويلة يكدون ويكدحون طول النهار لقاء ما يسد رمقهم للبقاء على قيد الحياة ، محرومين من ابسط وسائل العيش الضرورية .
لكن قوى الظلام والفاشية ما لبثت أن تآمرت على ثورة 14 تموز واغتالتها ، وعادوا بقضية تحرر المرأة إلى الوراء من جديد ، بعد أن افرغوا قانون الأحوال الشخصية من محتواه التحرري ، ومن حقوق المرأة ، وساءت أحوال المرأة على عهد الطاغية صدام حسين من خلال ما سمي كذباً وزوراً بالحملة الإيمانية ، وهو ابعد ما يكون عن الإيمان الحقيقي، ليعود بحقوقها عشرات السنين إلى الوراء .
وجاءنا المحتلون الأمريكيون ليحررونا من طغيان نظام صدام فإذا هم يقيمون لنا نظاماً طائفياً اشد ظلاماً وأقسى ، ويسلمون السلطة للأحزاب الدينية وميليشياتها الإرهابية المسلحة التي باتت تتحكم بالشارع العراقي ، وتتدخل في حياة الإنسان صغيرها وكبيرها ، ولم يشكل هذا التدخل عدواناً على المرأة وحدها بل تعداه إلى الرجل كذلك ، فقد بات على المرأة أن تكتسي برداء العبودية البغيض ، وتنزوي في بيتها وإلا فالموت يتربص بها على أيدي حماة الدين والفضيلة المزيفين!! ، ففي البصرة وحدها قتل الإرهابيون من الميليشيات الإسلامية مؤخراً أكثر من 40 فتاة وامرأة بسبب عدم لبس الحجاب ، وأجبروا الرجال والشباب على إطالة لحالهم ، واضطر الألوف من العوائل المسيحية والصابئة إلى مغادرة المدينة هرباً من طغيان الأحزاب الإسلامية بعد أن قُتل الكثيرين منهم.
ومن المثير للغضب والاستنكار أننا لم نسمع من حكومتنا الديمقراطية !! أي رد فعل على هذه الجرائم الوحشية ، ولم نسمع باستهجان واستنكار من المراجع الدينية ، ولا تحريم لهذه الجرائم بحق المرأة بوجه خاص ، والمجتمع العراقي بوجه عام .
إن ما يجري اليوم على أرض العراق يشكل بلا أدنى شك وصمة عار في جبين المحتلين الأمريكيين وحلفائهم لما جلبوه للعراقيين والعراقيات من ويلات ومآسي لا حصر لها ، وأوصلوا الشعب العراقي إلى كارثة مفجعة ، فهم المسؤولين أولاً وآخراً عن كل ما حدث ويحدث من جرائم بحق الإنسانية من قتل وتشريد وتهجير واغتصاب وابتزاز ، وتلك هي الديمقراطية التي وعد بها الرئيس بوش العراقيين فيا لبؤس هذه الديمقراطية.
إن القوى العلمانية بكل أطيافها مدعوة اليوم للقيام بواجبها الوطني والإنساني ، والتصدي لهذا الوباء ألظلامي الفاشي من خلال خلق جبهة واسعة تظم كل الأحزاب والمنظمات والعناصر المؤمنة حقاً وصدقاً بالديمقراطية وحقوق الإنسان ، والنضال من أجل عراق ديمقراطي خالي من الأحزاب الدينية والطائفية والمليشيات الإرهابية التي تشيع الرعب والدمار والخراب في البلاد وتنشر الفساد في كل مرافق الدولة من القمة حتى القاعدة، والعمل على استتباب الأمن والسلام في ربوع البلاد ، ومطالبة المحتلين بمغادرة العراق دون رجعة ، فقد كفى الشعب العراقي ما تحمله ، وأصبح عاجزاً عن تحمل المزيد من الويلات والمصائب .