لماذا تفشل المرأة العربية في الانتخابات خارج الكوته النسائية



محمد أبو علان
2007 / 12 / 15

الكوتة النسائية في قوانين الانتخابات في المجتمعات العربية شغلت حيزاً لا بأس به من نقاشات القانونيين والسياسيين ومؤسسات المجتمع المدني النسوية منها وغير النسوية، وتباينت وجهات النظر بين معارض لها من منطلق مبدأ المساواة بين جميع أفراد المجتمع، ومنح الجميع فرص متساوية للمنافسة والوصول لمواقع التشريع ومواقع صنع القرار في مؤسسات الدولة المختلفة.
ومقابل وجهة النظر المعارضة لمبدأ الكوتة النسائية في قوانين الانتخابات العربية، هناك وجهة نظر تعتبر أن وجود الكوتة النسائية في القوانيين والأنظمة الانتخابية ضرورة أساسية لحماية المرأة وحقوقها في المجتمعات العربية الغالبة عليها صفة "الذكورية"، والمناهضة لنيل المرأة لحقوقها، والأطر والمؤسسات النسوية هي الداعم الرئيس لهذه الفكرة بالدرجة الأولى.
وأنا لا أريد الخوض في موضوع الكوتة النسائية في فوانيين الانتخابات في المجتمعات العربية من حيث منطقيتها من عدمها، ولكن أريد محاولة الإجابة بموضوعية تامة عن تساؤل دار في ذهني عقب قراءة نتائج الانتخابات التشريعية في عدد من الدول العربية وربطها بنتائج الانتخابات الفلسطينية المحلية والتشريعية كوننا جزء من هذه المجتمعات العربية التي تمتاز بظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية متشابهة إلى حد كبير.
وسؤالي هو لماذا تفشل المرأة العربية في الانتخابات في المجتمعات العربية خارج الكوته النسائية؟، ففي العامين الماضيين جرت انتخابات محلية وتشريعية في عدد من الدول العربية منها الكويت وعُمان والأردن وسبقتها لذلك فلسطين، والمعطيات الإحصائية لهذه الانتخابات من حيث عدد أصحاب حق الاقتراع وعدد المقترعين الفعليين تميل لصالح المرأة، أو توازي حجم الرجل في معظم الحالات، ولكن نتائج الانتخابات تأتي بشكل عكسي للمرأة في هذه الانتخابات، ولا نبالغ إن قلنا أن العلاقة بين عدد النساء المقترعات والفائزات هي علاقة عكسية بشكل واضح وجلي جداً.
ففي الانتخابات الكويتية الأخيرة فشلت المرأة الكويتية فشل منقطع النظير بسبب عدم وجود كوته نسائية تمنحها مقاعد مضمونة في الانتخابات ، حيث من بين (28) مرشحة في هذه الانتخابات لم تفز أية مرشحه، على الرغم أن نسبة النساء من بين أصحاب حق الاقتراع كانت حوالي 57% ، والمثير للاستغراب أكثر أن النساء الكويتيات يشاركن لأول مرّة في الانتخابات العامة، وحصلن على هذا الحق الطبيعي لهن بعد عشرات السنيين من النضال داخل المجتمع الكويتي، بمعنى آخر كن متعطشات ليمارسن هذا الحق، ولكن النتائج جاءت عكسية ومخالفة لكل التوقعات، ولم تؤثر مشاركة المرأة الكويتية على واقع المرأة هناك بشكل إيجابي، لا بل كان تأثير سلبي ومع سبق الإصرار والترصد، والنتائج على الأرض تتحدث عن نفسها.
وحال المرأة العُمانية لم يكن أفضل من مثيلتها الكويتية، فبعد أن كان المجلس النيابي العُماني يحوي بداخلة امرأتين في أعقاب انتخابات العام 2003 ، جاءت انتخابات العام 2007 لتشهد على تراجع المرأة العُمانية وتخرج صفر اليدين من الانتخابات التشريعية العُمانية، ولم تفز أيٍ من المرشحات الواحد والعشرون في هذه الانتخابات.
ولربما يعزي البعض هذا الوضع في دول الخليج العربي لتأخر نيل المرأة هناك لحقوقها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ولكن جاءت نتائج الانتخابات التشريعية الأردنية لتؤكد أن الموضوع ليس التبكير أو التأخير في عملية نيل المرأة لحقوقها هما السبب في وضع المرأة العربية هذا، بل من الواضح أن هناك مسببات أخرى أعمق وأكثر جدية، ففي الأردن ترشحن (199) امرأة من بين (885) مرشح خاضوا الانتخابات التشريعية الأردنية، والفوز كان من نصيب سبعة نساء فقط واحده منهن فازت من خارج إطار الكوتة النسائية، والست الأخريات فزن بفضل التشريعات الأردنية الواردة في قانون الانتخابات، كل هذا على الرغم من أن نسبة النساء من بين أصحاب حق الاقتراع المُسجلين في الأردن كان حوالي 52% من سجل ناخبين شمل 2,456,52 ناخب.
وفي الأراضي الفلسطينية لم يكن حال المرأة في الانتخابات التشريعية والمحلية أفضل بكثير من نظيرتها العربية، فعودة لعامين مضوا وقراءة المعطيات الإحصائية لسجل الناخبين ونتائج الانتخابات من حيث عدد المقترعين، نجد أن المرأة الفلسطينية كان لها حضور كبير في عملية التسجيل وعملية الاقتراع في الانتخابات المحلية والتي جرت على أربع مراحل بين العامين 2004 و 2005، وكذلك في الانتخابات التشريعية الثانية التي جرت في يناير 2006.
ففي المراحل الأربعة للانتخابات المحلية بلغت نسبة الاقتراع العامة حوالي 70% من بين أصحاب حق الاقتراع، وكان من بينهم حوالي 33.50% من النساء، ليس هذا فقط، ففي الكثير من الهيئات المحلية الفلسطينية فاق عدد النساء المقترعات عدد الرجال، وعلى الرغم من هذه المعطيات إلا أن المرأة لم تترجم هذه الأرقام الانتخابية لمقاعد نسويه في المجالس البلدية والقروية إلا تلك المقاعد التي سمح بها نظام الكوتة النسائية، وأولئك اللواتي نجحن من خارج الكوتة النسائية عددهن قد لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.
والصورة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية 2006 لم تكن بعيدة عن هذا الواقع الانتخابي المرير للمرأة الفلسطينية والذي يعكس جزء كبير من واقع المرأة العربية، وأكدت النتائج عدم استفادة المرأة بشكل عام والقيادات والمؤسسات النسوية بشكل خاص من التجربة الفلسطينية أو من غيرها من التجارب العربية من أجل المحاولة للنهوض بواقع المرأة العربية، وجعلها تأخذ دورها الطبيعي في قيادة المجتمع والوصول لمواقع القرار بجهودها الذاتية.
ولم تحصل المرأة الفلسطينية على غير المقاعد النيابية التي منحتها لها الكوته النسائية وفق المادة الرابعة من قانون الانتخابات العامة رقم (9) لسنة 2005م، وكان عدد النساء اللواتي خضن الانتخابات خارج الكوتة النسائية (11) امرأة فقط، ورغم هذا العدد القليل من المرشحات قياساً بحجم المرأة في المجتمع الفلسطيني لم تفز أي منهن، في الوقت التي شكلت فيه المرأة الفلسطينية ما نسبته 47.5% من مجموع المسجلين في سجل الناخبين الفلسطيني، والذي شمل على 1,392,232 ناخب، ونسبة النساء اللواتي شاركن فعلاً في الانتخابات لم تقل عن حجمهن في سجل الناخبين، حيث بلغت نسبة الاقتراع بين النساء حوالي 46% من عدد المقترعين العام.
وحجم الخلاف على الأسباب والدوافع لهذا الواقع الذي تعيشه المرأة العربية في الانتخابات والنتائج السلبية التي تحصدها أكبر بكثير من حجم النقاش والخلاف على مدى منطقية الكوتة من عدمها، واختلاف الأسباب تأتي حسب المصدر والجهة التي تتبنى هذه الأسباب، فالقطاع النسوي يحمل المجتمع العربي كافةً مسئولية الواقع الذي تعيش من حيث عدم نيلها لحقوقها وعدم شغلها المناصب العليا، وعدم تحقيق نتائج طيبه في الانتخابات، كون المجتمع العربي هو "مجتمع ذكوري" في ثقافته، ولا يفسح المجال أمام المرأة لأخذ دورها، متناسية المرأة العربية أنها تشكل نصف المجتمع إن لم تكن أكثر، مما يعني أن فاعليتها وتأثيرها في مجرى الأحداث يفترض أن يوازي تأثير الرجل إن لم يتفوق عليه، وعليها أن لا تسمح لأي كان من أن يسلبها هذا الحق في التأثير ورسم السياسات، مما يرجح عامل القصور الذاتي لدى المرأة والمؤسسات النسوية الراعية لها في تحقيق النهوض بها من هذا الواقع الذي تعيش، وإن نصرة المرأة للمرأة تكفي للنهوض بحالها، ولن تحتاج" المجتمع الذكوري" لمساندتها، ولا يستطيع منعها أحد من أخذ دورها، ولكن لجوء المرأة لتحميل المجتمع ذو "الثقافة الذكورية" مسئولية تراجعها هو بهدف عدم تحمل مسئوليتها الحقيقية في هذا الجانب ورغبةً في عدم الاعتراف بفشلها، وعدم قدرتها على تجنيد بنات جنسها من مناصرتها ودعمها، وتسعى باستمرار لاختلاق مبررات الفشل بدلاً من السعي لإيجاد حلول لهذا الواقع لتسهيل الأمر على نفسها، وإلقاء الكرة في ساحة الآخرين ظلماً وجزافاً .
فكل قوانين الانتخابات تمنح المقترعين ومن الجنسين حرية الاختيار وسريته، بالتالي لا مبرر للقول بأن الرجل يؤثر على زوجته وابنته وأخته في خيارها يوم الانتخابات ويدفعها لاختيار الرجل بدلاً من المرأة، وهذا الكلام بعيد عن المنطقية كون المرأة تدخل لوحدها لصندوق الاقتراع، ولا تحتاج لمحرم معها في هذه الخطوة، وبالتالي تكون حرة الاختيار بينها وبين ونفسها، وكون النسبة الغالبة من المقترعين هم من الفئة العمرية من 18 إلى 40، يعني أن النسبة الغالبة من المقترعين هم من المتعلمين والمثقفين والذين لديهم القدرة على تحديد خياراتهم الانتخابية بعقلانية ومنطقية بغض النظر عن جنس المرشح.
وهذا الواقع الذي تحياه المرأة العربية في موضوع الانتخابات بشكل خاص وحقوقها بشكل عام مرده لعامل آخر وهو فشل المؤسسات النسوية وقياداتها من تحديد سلم أولويات واهتمامات منطقي وواقعي تمكنها من خلق قيادة حقيقية للقطاع النسوي، قادرة على إقناع المرأة بدعم المرأة، وفي حال توفرت مثل هذه القيادات النسوية الحقيقية سيكون المجتمع برمته في صفها ويدعمها برجاله ونسائه، هذا ناهيك عن أن جزء من القيادات النسوية هي ليست قيادات نسويه حقيقية بل سيدات مجتمع يأخذهن موضوع القيادة من باب تحقيق مصالح ذاتيه في الظهور والشهرة على حساب المصالح الحقيقية للمرأة التي من المفترض أن تمثل هذه القيادات النسوية مصالحها وهمومها وتعمل على حل مشاكلها، هذا ناهيك للنقاش الخاطئ لبعض هموم ومشاكل المرأة، وكذلك الخوض في نقاش أمور وقضايا تخالف أساسيات المجتمع الذي نعيش فيه من النواحي الفكرية والعقائدية.
وإذا أردنا أن نكون أكثر صراحة ودقة قي قراءة أسباب فشل المؤسسات النسوية في أخذ دورها الحقيقي في المجتمعات العربية يمكننا القول أن السبب الحقيقي هو أنها ليست هي (المؤسسات النسوية) من يقوم بتحديد أجندة عملها ونشاطها، فالممول لهذه المؤسسات النسوية وحتى غير النسوية في العالم العربي كافةً هو من يحدد لها برامجها ومشاريعها وفق رؤيته هو وليس وفق احتياجات المجتمع الفعلية العاملة به هذه المؤسسات.
وفي نفس السياق لا يمكن لواقع المرأة في المجتمع العربي من التطور والتغير نحو الأفضل ما لم ينظر القطاع النسوي إلى مشاكله كجزء من كل، فهناك الكثير من القضايا التي يعاني منها الجنسين في المجتمع العربي ذات علاقة بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بالتالي دون تحقيق عنصر الشراكة بين المرأة والرجل لن يتغير واقع المجتمع العربي بشكله العام ولا واقع المرأة بشكله الخاص.