هل الإيزيدية دينٌ اسمه رجل ؟!



هوشنك بروكا
2007 / 12 / 17

كتابٌ/عتابٌ مفتوحٌ،
إلى المجلس الروحاني الإيزيدي،
وتوابعه من "الدكاكين التشريعية"
والرجال "المشرعَنين"

هذه الأيام، الإيزيديون في الداخل الجنوبي من كردستان(لالش وتوابعها) قائمون على قدمٍ وساق. فهم يحضّرون لمسودة أول قانونٍ رسميٍّ، قابلٍ للتداول والإعتماد في دوائر الدولة ومؤسساتها القضائية، خاصٍ بالأحوال الشخصية، لسليلي الديانة الإيزيدية، في عموم العراق الكردي(وربما العراق العربي، لاحقاً).
هذا القانون، الواقف على أبواب الصك، والمصادقة عليه، من أعلى مؤسسة تشريعية في الإقليم الكردي(البرلمان)، سيكون الأول من نوعه، في تاريخ هذه الديانة.

آخر الأخبار الواردة، اليوم(09.12.07) من باعدرة وخانك وشاريا(مراكز اجتماعات الرجال الإيزيديين)، تقول أن "أغلبية المجتمعين قد اقترحوا وربما اتفقوا على أنه ليس للمرأة الإيزيدية حق في التركة والإرث، إلا بموجب وصية".
هكذا اقترح الرجال الإيزيديون التشريعيون (أو اتفقوا) على إخراج نصف الدين(المرأة) من "شرع الله"، الذي يجب ألاّ يعلوه شرعٌ(لا أرضي ولا سماوي)، في عدالته وحكمه!!!

فهل لأن الإيزيدية دينٌ اسمه رجل، فحسب؟
هل لأن الإيزيدية، هي دينٌ ملكٌ، وصكٌ "إلهيٌّ"، "منزّلٌ"، للرجال فقط؟
هل لأن للرجال الإيزيديين حق في "ركوب" الدين، دون أن يكون للإيزيديات، ذات الحق، في ذات الدين، وذات الله، وذات الركوب؟
هل لأن الحكم، وتفصيل الشرع في الدين، هي "وظائف إلهية"، محصورة بالرجال فقط، دون النساء؟
هل لأن الله، إيزيدياً، أراد للرجال أن يكونوا "قوّامين على النساء"، كما جاء في نصٍ من نصوص الله، عربياً(القرآن)؟
هل لأن نصيب الرجال في الله ودينه، وفقاً ل"وصفات إلهية أكيدة"، هو أكبر وأكثر وأوسع من نصيب النساء فيهما؟
هل لأن الإرتكاب، إلهياً، هو في الإيزيدية أيضاً، "حقٌ أكيدٌ" للرجال "المؤكدين" من دون النساء؟
هل لأن النساء، إيزيدياً أيضاً، هن "ناقصات عقل ودين" كما تقول الأدبيات الإسلامية؟
هل لأن للرجال دينهم وللنساء دين؟
هل لأن للرجال الإيزيديين حقٌ في "الفوق" من الله، فيما لا يحق لنسائهم خلا تحته؟
أم أن وراء الإجتماعات، وشيوخها، وقوانينها "الرجولية"، وأكمتها ما وراءها؟

شخصياً، أنا لا أرى أية حاجة، الآن، في هذا الزمان المفتوح، المتقدم والمتحضر جداً، إلى سن أو صك قوانين، لا في الأحوال الشخصية، ولا في الأحوال الخارج شخصية، تستند إلى نصوصٍ تسبح في هالة من القدسية التي لا يجوز المساس بها، هي أصبحت أصلاً، تاريخاً أو شبيهاً به فحسب، أو "ماضيا مقدساً"، يمكن إعرابه، بإعتباره خبراً لكان وأخواتها الماضيات المتقادمات.

كل قوانين المجتمعات العَلمانية، المتمدنة، الراهنة، والتي تفصل بين "دولة الله" ودول البشر،
تقول: كل المواطنين، متساوون أمام القانون...الكل، هو من أجل الكل...لا شرع يعلو على شرع القانون المدني، الوضعي، الأرضي...لله دولته وللبشر دولهم... في دول البشر المدنية، الوضعية، الكل متساوون أمام القانون فيما لهم(حقوق متساوية)، وفيما عليهم(واجبات متساوية).

ولا أدري كيف سيصادق برلمان كردستان(المدني المفترض)، على هكذا قانونٍ "مدنيٍّ" خاصٍّ بالأحوال الشخصية، لا شخصية للمرأة، ولا اعتراف بحقوقها المتساوية مع حقوق الرجل فيه، في وقتٍ لا يجوز له، كبرلمان "متحضر"(حسبما يُروّج له)، أن يفرّق أو يميّز فيه، بين الرجل والمرأة، وأن يسقط المساواة المفترضة بينهما، كما جاء في المادتين 18 & 21 من دستور كردستان(المادة 18: المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو اللون أو اللغة أو المنشأ الاجتماعي أو الدين أو المذهب أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي أو الانتماء السياسي والفكري.
المادة21: تتمتع المرأة بالمساواة مع الرجل ويمنع التمييز ضدها وتكفل حكومة الاقليم تمتعها بجميع الحقوق المدنية والسياسية المنصوص عليها في هذا الدستور وفي العهود والمواثيق الدولية المصادق عليها من قبل دولة العراق وعليها إزالة كل ما يعتبر عقبة تحول دون المساواة في الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية).

فأية حقوقٍ وأية مساواةٍ مع الرجل، سيضمنها دستور كردستان وبرلمانه، للمرأة الإيزيدية(هنا مثالاً)، حين يسقط "الرجال الإيزيديين" حق الإرث عنها؟
ثم كيف سيرفض دستور كردستان "التمييز بسبب الجنس أو العرق أو اللون أو اللغة أو المنشأ الاجتماعي أو الدين أو المذهب أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي أو الانتماء السياسي والفكري"، في ظل "قانون مدني" آخر متوازٍ، "يميّز"(إيزيدياً هنا) بين الرجل والمرآة، أو الذكر والأنثى، تمييزاً أكيداً ومبيناً؟

أما مشكلة "المشرّعين" الإيزيديين، "المشرعنين" الجدد، فيبدو أنهم يريدون ل"قانونٍ" كهذا "اللاقانون" الخارج عن حق نصف المجتمع ونصف الدين، أن يكون، ليس لأن الدين والله هكذا أرادا له ان يكون، فكان، بقدر ما هم أنفسهم يريدون(ربما لغايةٍ في نفس "يعقوبهم") لهكذا "قانونٍ"، خارجٍ على كلّ القانون(أرضياً وسماوياً)، أن يحدث و يُصك ويكون.
فهم، على مايبدو، ينتقون من الدين والله، ما يتناسب و"رجال" الدين وشيوخه و"القوّامين" عليه، فقط، دون نسائه.

ففي أحد الأسفار(الأقوال) القادمة من ثقافة الذاكرة الإيزيدية، ورد في سفر/ قول "الشيخ السراني" ما ترجمته:

حذاري لا تحرمَن النساء من نصيبهن
لا تحرمهن من قسمتهن فيما تركه الأقربون
احفظوا لهن ورثتهن

وإذا المنية وافت الرّب المعيل
فليس للإبن كل الحق في كل التركة
للبنت والزوجة حقٌ فيما تُرك، فأوصيكم بهن
للبنت بعض التركة، وللزوجة بعضٌ منها
أما للإبن، فالبعض الثالث الباقي من بركات الله

الإبن والإبنة والزوجة سواءٌ بسواء
للكل نصيبه في الرغبة بالحياة المستقيمة
وطيب العيش والسرور والنعمى

الشيخ والبير والعارف
في هاته الصورة، وضعوا الوصية للخلف
والسرّاني، هكذا شفاهاً، نقلها
(للمزيد من الإطلاع على هذا السفر، بلغته الأصلية/الكردية، يُنظر د. خليل جندي: به رن ز ئه ده بى دينى ئيزديان /صفحات من الادب الديني الايزيدي، مجلد 2 ، ص602ـ603 مطبعة سبيريز، دهوك، 2004)

المعروف في الأدب الديني الإيزيدي، هو ان المختصين، لم يفرّقوا فيه، بين "أدبٍ صحيح" وأدبٍ ضعيف" أو "أدبٍ محكم" و"أدبٍ متشابه"، على غرار ما هو في الدين الإسلامي مثلاً، حيث هناك "سنة أو أحاديث صحيحة" وأخرى "ضعيفة"، وكذا "أيات محكمات" وأخرى "متشابهات".

في الإيزيدية، يعتبر كل ما جاء في ثقافة الذاكرة "المقدسة"، أدباً إيزيدياً "مقدساً"، يُعمل ويؤخذ به، ك"وصايا مقدسة"، على المستوى العبادوي، بإعتباره "علماً" دينياً خالصاً، منذ أيام الشيخ الإيزيدي الأكبر شيخادي(1070ـ1160).

والسفر المشار إليه آنفاً، "يشرّع"، بوضوحٍ لا لبس فيه، ويؤسس، دينياً أو تشريعاتياً، لحق المرأة الإيزيدية الكامل، في الميراث وكل ما يتركه الولدان والأقربون، سواءً بسواء، مع الرجل.

فلماذا يقفز الرجال الإيزيديون "المشرعَنون"، هكذا "إصطفائياً"، بدينهم، فوق دين نسائهم؟
لماذا لا يتخذون من السفر السابق، مثلاً، الفصيح في عدالته، والمنصوص على المساواة الكاملة والأكيدة، بين دين الرجال ودين نسائهم، مصدراً أساساً، أو بعض مصدرٍ، لصك تشريعاتهم، "المصطفاة"، والخارجة على كل قانون مدنيٍّ حديثٍ، وكذا على كل العدل الوضعي كما الإلهي، على حدٍّ سواء؟

أما تاريخياً، فبالرغم من عدم وجود نصوصٍ إيزيديةٍ صريحةٍ، تفصل في شئون "الملك الإيزيدي" (الإمارة مثلاً)، وافتقاد التاريخ الإيزيدي "المقدس"، إلى نصوصٍ قوية، تؤسس ل"شرعية" الملك "المقدس"(لا للرجل ولا للمرأة) فيها، بالرغم من ذلك، فإن التاريخ الإيزيدي القريب، على مستوى المُلك، يخبرنا كيف تبوأت المرأة الإيزيدية(سواءً بسواء، مع الرجل)، رأس المُلك، إيزيدياً، ورأس الحكمة، في قيادة دفة الإمارة(أعلى سلطة إيزيدية دينية ودنيوية)، في تاريخين منفصلين، وعلى امتداد أكثر من عقدين من الزمان الأميري الحريري.

ميان خاتون، إسمٌ غني عن التعريف، في تاريخ المُلك الإيزيدي.
هي بنت عبدي بك بن علي بك بن حسن بك بن جول بك، وزوجة ابن عمها، الأمير الإيزيدي المعروف علي بك بن حسين بك، والتي تسلمت بعد اغتياله سنة 1913 مقاليد سلطة الأمارة، وأدارت شئونها، فعلياً، ك"خليفةٍ" فعليةٍ له، نظراً لصغر سن إبنهما الخليفة الحقيقي سعيد بك الذي كان يبلغ، تاريخئذٍ، من العمر 12 عاماً.
وعلى الرغم من محاولة بعض الرجال المتنفذين في داخل العائلة الأميرية(سيدو بك & اسماعيل بك) وخارجها(كبير وجهاء شنكال حمو شرو) النيل من ملك "الأميرة" ونفوذها السلطوي، إلا أن كلهم فشلوا فشلاً ذريعاً، فيما نجحت الخاتونة الإيزيدية، واستطاعت بذكائها الحاد وحنكتها الأميرية، أن توصل الإمارة تحت قيادتها إلى يدي إبنها سعيد بك.
وبعد وفاة هذا الأخير(الأمير السابق) في أواخر تموز من سنة 1944، تولت الأميرة ميان خاتون الجدة، شئون إدارة الإمارة، للمرة الثانية من جديد، واختارت حفيداً لها، وهو "تحسين بك"(الأمير الراهن لعموم الإيزيديين قاطبةً) ذي الثلاثة عشر ربيعاً، أميراً "قادماً" على الإيزيديين. وهو الأمر الذي "شرّع" للأمير الصغير آنذاك، تولي دفة الإمارة لاحقاً، وذلك مباشرةً بعد وفاة جدته، في أحد أيام الشتاء من سنة 1956.
(للمزيد من التفاصيل، حول تاريخ وشخصية الأميرة الفولاذية ميان خاتون، يُنظر: عيدو بابا شيخ: ميان خاتون والسلطة، مجلة روز(صادرة عن مركز الإيزيدية خارج الوطن/ألمانيا)، عدد 4&5، 1998، ص79ـ83).

والحال، فلا النصوص الإيزيدية، تحرم نصف الدين المتمثل بالمرأة، من حقوقٍ "شرّعها" وأوصى بها الله العادل، في "كتبه العادلة"، ولا تاريخ المُلك الإيزيدي، متمثلاً بأعلى سلطة في رأس الإمارة، منع(أو يمنع) على الأنثى الإيزيدية، حق الملك والورثة، مع الذكر سواءً بسواء.

لا شك، هناك في الإيزيدية، كما في كل دين، نصوص "رجعية"، و"متخلفة"، لا تتماشى وشرائع الله "الحديث" و"المتجدد"، بإستمرار. ولكن الإصلاح هو قدر الإنسان، مثلما هو قدر الله نفسه، حسبما يخبرنا تاريخهما.

الإصلاح الديني الذي حدث في أوائل القرن السادس عشر الميلادي، وبدأ مع أفكار مؤسس المذهب البروتستانتي، المصلح الديني الألماني الشهير مارتن لوثر(1483ـ1546)، هو الذي أنقذ المسيحية من السقوط الذريع، ومن ظلمات القرون الوسطى، و "ديكتاتورية الكنيسة"، و"بابويتها المتعجرفة"، و"محاكم تفتيش"ها، و"صكوك غفران"ها، وإلى سوى ذلك من مخلفات "الدين الرجعي"، المحكوم بعصي "ظلال الله" على الأرض، الرجعيين.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، العهد الجديد، أي الكتاب المقدس الراهن للمسيحية، هو عبارة عن أربعة أناجيل(إنجيل متى، إنجيل مرقص، إنجيل لوقا، إنجيل يوحنا). والمعلوم هو، أن عدد الأناجيل كان يربو إلى ستة عشر إنجيلاً. فالعهد الجديد الحالي،"المشذّب"، و"المصطفاة"، قد أثبت أرينيوس أناجيله الأربعة عام 209م، وذلك قبل الإعلان عنها، رسمياً، في مجمع نيقية سنة 325م، لترتقي إلى درجة الألوهية، بإعتبارها كلاماً مقدساً.

إذن، تاريخ الدين/ كل الدين وكل الله، يخبرنا، أن الدين الذي لا يتغير، ينقرض. والله الذي لا يتجدد، يموت.

ولكن الغريب، وفي هذا الزمان المفتوح، على الحريات المفتوحة، والدين المفتوح، والله المفتوح، والعبادات المفتوحة، لا بل والأنكى، أن يطلع علينا المجلس الروحاني الإيزيدي، ببيانٍ، يطلب فيه من "رؤساء عشائره" و"مخاتيره"، و"مثقفيه"، "الإستفتاء" على قانون "مدني"، بخصوص حصة الأنثى في الميراث"!!!
والأسئلة التي تطرح نفسها بنفسها، بقوة، ههنا، هي:
متى كانت "القوانين المدنية"، وقوانين "الأحوال الشخصية"، من اختصاص شيوخٍ و رؤساء عشائر، لا يفكون الحرف وأخوانه؟
لماذا لا يُعطى الخبز للخباز وإن أكل نصفه، كما يُقال؟
أيّ "قانونٍ مدنيٍّ"، هو ذا الذي ينتظره "المجلس الروحاني"، من "رؤساء أميين" 100%؟
أيّ برلمانٍ "مدنيٍّ"، يمكن له، أن يصادق على هكذا قانونٍ خارجٍ على العقل، أقل ما يمكن أن يقال فيه، أنه "رجعي" 100%؟
إلى متى ستظل "دساتيرنا المدنية" حبراً "مدنياً"، على ورق وللورق؟
إلى متى سيصنع قوانيننا "رجال" غير مناسبين، في الزمان الغلط والمكان الغلط؟
وإلى متى سيركب ، شيوخ الأحزاب، وشيوخ القبائل، وشيوخ الأديان، أوطاناً وأدياناً وقوانين "مدنية"،مفروغة من نصفها، ولا نساء فيها؟

كفى احتكاراً لله وكفى تحقيراً لدينه!
فالله في كل الدين، أكبر، من أن يفتي بحكمه، بضع رجالٍ أو شيوخٍ أميين، تخرجوا من دكاكين أمية، لا يذكرون الله، إلا في كونه، "ذكراً" كبيراً.


*إشارة: أرسل هذا الكتاب، مفتوحاً، إلى ما يسمى ب"المجلس الروحاني الأعلى"، عبر موقع "بحزاني" المهتم بشئون الأقليات، في التاسع من ديسمبر/ كانون الأول الجاري.