بَعد رجال الدين ..سادة الحكم



محمد أبوعبيد
2007 / 12 / 18

في أعقاب نقاشات حادة اشتعلت مؤخراً حول ضرب الرجال زوجاتهم والعكس، ثار جدل آخر حول الفتوى التي أصدرها الشيخ محمد حسين فضل الله، والتي أجاز فيها ضرب الزوجة زوجها للدفاع عن نفسها.
رغم ردود الفعل الصارخة من قبل ثلة من رجال الدين والإفتاء التي حمل بعضها الغضب على فضل الله بسبب هذه الفتوى، إلا أن الداعية الأردني الشيخ عبد المنعم أبو زنط وافق ضمناً على ما أخبرنا به فضل الله شرط توفر جدي لنية الدفاع عن النفس وليس إيذاء الزوج .
أبو زنط يدعم حجته بأن فقهاء الإسلام سبق أن قالوا" لو أن أباً صال بسيفه لقتل ولده فمن حق الولد الدفاع عن نفسه مع انعقاد نيته على ذلك دون أن ينوي قتل أبيه أو إلحاق الأذى به". ولو صال الرجل على زوجته ضارباً ومؤذياً وخشيت على حياتها المهددة بالخطر، عندئذ يكون حق الدفاع عن النفس مشروعا ً دون انعقاد النية المسبقة بإيذاء الزوج.

كلام الشيخين، فضل الله وأبو زنط، يثلج الصدر في ضوء الفهم الخاطئ لبعض الآيات القرآنية من قبل الكثير من الرجال المسلمين، خصوصاً تلك التي تحكم العلاقة بين الرجال والنساء بمن فيهم الأزواج . بعض الرجال، مثلاً، لم تقع عيناه إلا على كلمة "واضربوهن" في الآية الكريمة التالية { .. وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً}.

صحيح أن الضرب وارد في الآية الكريمة، بيْد أن الأئمة والمفسرين أوضحوا أنه تصرف محتكم إلى شروط ، وليس مجرد خيار مثل خيارات قائمة الطعام والشراب في المطاعم، يلجأ إليه الزوج أنى شاء، وأنه ضرْب غير مبرح أبداً ولا يأتي إلا بعد استنفاد الوسائل الأخرى لردع الزوجة عن "العصيان"، مثلاً، أو تصرف "مسيء" لها ولزوجها.

لكن واقح الحال في مجتمعاتنا يبين كيف أن الرجل بممارساته العنيفة ضد زوجته، يوحي وكأن الآية الكريمة تحض على العنف ضد المرأة وهو ما لم تأت به الآية. وتثبت عشرات الحالات أن الرجل في معظم الأحيان يلجأ إلى ضرب زوجته كوسيلة أولى، وربما وحيدة، في التعامل معها ،سواء كانت على خطأ أو على صواب، ناهيك عن كلمات السب والشتم .

الآن ، وبعد الجدل الفقهي حول هذه المسألة، وإنصاف بعض رجال الدين للمرأة في مجتمعاتنا بجواز ضرب زوجها بنية الدفاع عن نفسها، ننتظر سادة الحكم في الدول العربية والإسلامية، مشرّعين ومنفذين وقضائيين ، لسنّ قوانين مشددة تعاقب كل من يمارس العنف من الرجال ضد الزوجات، والإناث بشكل عام، وكذلك العكس حيث يحدث أحياناً.

وسيكون من سمات المجتمعات الفاضلة أن يتم افتتاح مراكز شكوى تتوجه إليها الأنثى لرفع قضية ضد من يؤذيها سواء بالضرب أو الكلمة، وحتى لو كانت قضية ضد الزوج أو الأب أو الشقيق. إن قصّرت العائلة وأولياء الأمور في حماية الأنثى، هذا المخلوق الجميل ، فلا يمكن تبرير تقصير الجهات الرسمية في اتخاذ كل ما يلزم لوقف الرجل المتمادي والمؤذي عند حده، ووضعه خلف القضبان إذا اقتضى الأمر، وتوفير الحماية اللازمة للأنثى بعد ذلك . لا يمكن أن يكون المجتمع فاضلاً إن كانت تسوده " شريعة ذكورابي ".