الفتاة العربية في دبي... مرفهة اقتصاديا لكنها عانس



أمنية طلعت
2007 / 12 / 25

ربما تهرب العديد من الفتيات تماما مثل الشباب من مجتمعها في وطنها الأم إلى دبي، في محاولة للبحث عن المال، لكن في نفس الوقت وبمجرد أن تطأ قدمها تلك الإمارة من دولة الإمارات العربية المتحدة، تكتشف أنها أمام تجربة لم تكن لتعيشها في بلدها...ألا وهي الحرية! البعد عن مراقبة الأهل والتقييم الأخلاقي لكل خطوة تخطوها والحرمان من التجارب الحياتية القوية في مقابل كمال الصورة الأنثوية الجهمة التي يفرضها مجتمعنا العربي الشرقي، يُفتح الباب أمام الفتاة العربية كي تمارس استقلالها في مجتمع كوزموبليتاني عربي جديد لا يراقب المرأة ولا يضع أمامها نقاط كمال يجب أن تستوفيها، ففي معظم البلاد العربية ورغم خروج المرأة للعمل منذ ما يزيد عن النصف القرن، إلا أننا مازلنا نتأرجح بين قيم العذرية القديمة وقيم امتلاك المرأة لاستقلالها النابع من قدرتها على الكسب والصرف على نفسها، فنجد المرأة في معظم البلاد العربية تعمل وتكسب المال لكنها لا تستطيع أن تتخذ قرارها الحر بشأن استخدام هذا المال الذي كسبته بعرقها، فتجد الفتاة ملزمة باستهلاك المال وفقا للمضامين الأخلاقية المفروضة على المجتمع. لكنها في دبي وبعيدا عن أعين الأهل ومراقبتهم الصارمة تبدأ في الانطلاق بحرية في الحياة، ربما يشوب هذا الانطلاق كثير من الخلل في البداية، وهذا يعد أمرا طبيعيا تماما مثلما يرى السجين النور لأول مرة بعد فترة احتجاز طويلة بين أربعة جدران مظلمة، فتجد الفتاة في البداية تصرف مالها على الملابس والعطور والاهتمام بمظهرها بعيدا عن الجوهر، كما تجد نفسها مالكة تماما لقرارها في أن تتعرف على الجنس الآخر بحرية وممارسة حريتها في تلك العلاقة بعيدا عن الميكروسكوب المفروض على تحركاتها في بلادها... بالطبع تقع الفتاة في كثير من الأخطاء التي تؤدي في النهاية إلى اكتشافها أن العمر جرى بها دون العثور على الرجل الذي تشاركه رحلتها في الحياة، نظرا لاختلاف وجهة نظر العربي الذي يعيش مثلها في تلك البلد، حيث يأتي لدبي لا تنقصه الحرية بقدر ما ينقصه المال، وما أن يقتصد بعض منه حتى يفكر في امرأة يتزوجها، وبالتالي لن تكون امرأة دبي هي المستهدفة فهي بالنسبة له امرأة يمضي معها بعض الوقت بدعوى الحب، لكن عند الزواج فهو يلجأ إلى موطنه حيث فتاة مازالت تعيش تحت أصفاد أخلاقيات مجتمعنا العربي الذي يغل بها أيدي وأقدام النساء، ليمضي قدما في تكريس مبادئ مجتمعنا العربي الأبوي، بشكل تلقائي ودون حتى وقفة يقيم بها الإيجابيات التي يعيدها عليه هذا المجتمع الأبوي الذي لم يعد صالحا بقوانينه حتى للرجال أنفسهم.
إن الفتاة العربية التي تعيش في دبي وبعد مضي فترة الانطلاق الأولى التي يعود لها معها الإحساس بكيانها ككائن حي مساوي للرجل في الحياة، حيث تكسب مالها مثل الرجل، وتتمكن من أن تشتري كل مستلزماتها دون انتظار فارس الأحلام بكنوزه التي سيبسطها تحت قدميها، تفيق على حقيقة مزعجة ألا وهي أنها تعيش وحدها دون أي دفئ عاطفي نحتاج إليه جميعا سواء كنا رجالا أو نساءً، هذه الحقيقة المزعجة التي تجعلها تشك في كل مكتسباتها من العيش في دبي، وتبدأ في لعن تلك البلد التي ألهتها وضيعت عمرها دون الشعور بالاستقرار العائلي الذي ننشده جميعا مهما أعطتنا الحياة، لكنها في نفس الوقت لا تستطيع أن تتخذ قرار العودة إلى بلدها، لا من أجل المال الذي تحصده حيث تعد دبي الآن من أغلى البلاد العربية بل والعالمية ولكن من أجل الحرية والاستقلال اللذان ذاقت طعمهما وتعلم جيدا أنها لن تحصل على ربعه في وطنها الأم بكل تعقيداته المفروضة على المرأة بداية من الملبس وحتى حرية الحركة.

إنها المعادلة الصعبة التي تعيشها امرأة دبي، فهي بالفعل ودون شعارات سياسية رنانة تحصل على حريتها كاملة، ولكنها في نفس الوقت تفقد أمام تلك الحرية حقها في العيش مع رجل يحبها ويكون معها الأسرة المنشودة التي هي ركيزة مجتمعاتنا في كل مكان في العالم. إن التقدم الذي تلمسه امرأة دبي وتعيشه في يومها كل لحظة، يقابله جمود فكري لدى الرجل العربي الذي يعيش في نفس المكان، فهو مازال واقعا تحت سيطرة المجتمع الأبوي الذي يفرض فكرة أن النساء متاع ومتعة للرجال، وأن هناك امرأة للتسلية وأخرى للمنزل، وفي دبي إذا لم يستمتع الرجل بالمرأة العربية فأمامه المرأة الأوربية أو الآسيوية التي تعيش وفق منظومة أخلاقية مختلفة تتيح لها حرية الحياة الجنسية والعاطفية قبل الزواج، وبالتالي إذا لم تقدم المرأة العربية تنازلها عن منظومة أخلاقيات مجتمعها صاغرة ستعيش وحيدة تماما في بلد قوامة تعداده السكاني من العزاب، وإذا تنازلت عن هذه القيم، فإن الرجل العربي الذي تبحث عنه زوجا لنفسها، وكما اعتدنا أن نسمع في الأفلام العربية القديمة سيقضي وطره منها ويمضي، بينما قد يفكر في الزواج من الأجنبية التي بدأ علاقته معها دون غشاء بكارة، ومع ذلك يغفر لها ذلك كونها تنتمي لمنظومة أخلاقية مغايرة لنا.

إن هذه الإزدواجية في المعايير لدى الرجل العربي في دبي، بل وفي كل مكان عربي آخر، تضع المرأة العربية المعاصرة وخاصة في دبي (ذلك المجتمع الجديد) بين مطرقة التمسك بحرياتها التي حصلت عليها فعلا في تلك البلد وسنديان عقلية الرجل العربي الذي تفضله دون غيره من رجال العالم زوجا لها، خاصة إذا كانت تلك العربية مسلمة لا تتمكن من الزواج من أجنبي يدين بدين آخر. وإن كنت قد لاحظت في الآونة الأخيرة، ارتباط كثير من الفتيات العربيات بأوربيين وآسيويين يعلنون إسلامهم خصيصا للزواج من الفتاة التي لا تتمكن بطبيعة الحال من ترك الإسلام، لأنها بذلك تضع نفسها تحت طائلة القانون الذي يعاقب على الخروج من الإسلام ويمنعه وفي نفس الوقت يمنعها من الزواج برجل يدين بدين آخر. إن هذا الحراك الاجتماعي في طبيعة العلاقات بين الرجل والمرأة العربية والذي يحدث في دبي، تدفع ثمنه بالكامل المرأة العربية التي تعيش في نفس المجتمع، ولا أستطيع من موقعي الآن أن أقرر إن كان هذا الحراك والتغير الاجتماعي سوف يقود إلى مكتسبات إيجابية للمرأة العربية في المستقبل تخرج من هذا البلد الحديث الذي يقع في أقصى الشرق العربي، أم أنه سيقود إلى أزمة اجتماعية حقيقية، لكني في النهاية ورغم كل الحرمان العاطفي والنفسي ومشاعر الوحدة والانعزال الذي تعاني منه امرأة دبي العربية، أؤكد أنها لن تتخلى عن ما كسبته من حرية اقتصادية ،واجتماعية بالتأكيد أهم من أي شئ آخر، إضافة إلى أن الكائنات الحية غالبا ما تجد لنفسها تصريفات في الحياة، تؤجل الانفجار أو تبعده بقدر الإمكان.