موسم المزايدات في سورية: الاحتفال باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة هو.. ترف!!



بسام القاضي
2007 / 12 / 26

هل استغربتم؟ طبعا لا. فنحن في سورية. حيث يتجرأ مسؤولون، بالأصح مسؤولات على التفوق على أنفسهن في البلاغة الخطابية! حيث يمكن لسيدة هي سيدة وزارة التدمير المجتمعي والبطالة أن تصرح، دون أن يرفّ لها جفن: "إننا في سورية لا نحتاج لتكريس يوم للقضاء على العنف ضد المرأة لأن حضارتنا وقيمنا ترفض هذا العنف، ولكن الترف الفكري يفرض علينا ان نرفض اي حالات مهما كانت قليلة.."!!
الترف! نعم. ولم لا! بل وترف فكري أيضا!! أليس ترفا أن نرى مئات النساء السوريات يذبحن بسكين الشرف، ثم نسمي ذلك عنفا ضدهن؟! أليس ترفا أن تضرب مئات آلاف النساء السوريات يوميا؟! وأن تشتم مئات الآلاف منهن صبحا ومساء؟! أليس ترفاً أن لا تجرؤ غالبية النساء على التجول في أغلب شوارع سورية خوفا من التحرش الجنسي الذي قد يصل حد الاغتصاب؟! أليس ترفاً أن يندر وجود مدير عام واحد في القطاعين العام والخاص لم يقم بمحاولة استغلال جنسي لحاجة موظفاته للعمل؟! أليس ترفاً مئات حالات الاعتداء الجنسي من أقارب لا يندر أن يكونوا الأب أو الأخ على طفلات صغيرات؟! أليس ترفاً ان عشرات آلاف الطفلات متشردات في الشوارع ومتسولات يتم استغلالهن من عصابات ومافيات "محمية"؟! أليس ترفاً أن نسبة لا تكاد تذكر من النساء السوريات يرثن بأي شكل من الأشكال؟! أليس ترفاً أن نرى آلاف النساء السوريات المزوجات من رجال غير سوريين، وعشرات آلاف أطفالهن محرومين من جنسية أمهاتهم؟! أليس ترفا أن الرجل يستطيع أن يطلق امرأته التي عاشت معه سنين، أو عشرات السنين، وهو جالس في "كباريه"، ويرميها في الشارع دون قرش واحد سوى نفقة تساوي ما يكفي لشراء الخبز وحده فقط لأقل من شهر واحد؟! أليس ترفاً أن النساء في الأرياف يعملن ليل نهار في حقول وبساتين آباءهن وأزواجهن وإخوتهن وأبناءهن دون أن يتملكن شيئا لا مما يعملن فيه ولا من حصيلة ما يعملنه؟! أليس ترفاً أن رجال دين معممين في منابر يساوي كل منها ما يمول مركز صحي لسنة كاملة لا يتوانى عن شتم وإهانة النساء لأنهن لا يلبسن كما يرغب؟! أليس ترفاً أن هؤلاء الرجال أنفسهم يصرخون عبر ميكروفونات الجوامع، دون من يسألهم ما الذي يفعلونه، أن ضرب المرأة هو حق "شرعي" للرجل؟!
مناهضة العنف في سورية هي ترف!! نعم. ولم لا؟ أليست السيدة ذاتها التي سبق أن صرحت بأنها تدافع عن قانون جمعيات "متشدد" لحماية الأوروبين من "الإرهاب"؟ وطبعا قانون الجمعيات المعني هو في سورية، أي أننا نحن مجرد ارهابيين محتملين، في نظرها، قد ندمر أوروبا على من فيها إذا كان لدينا قانون للجمعيات (فالقانون القائم الآن، والقانون الذي تدافع عنه السيدة الوزيرة لا اسم له سوى قانون تدمير الجمعيات!)؟ وأليست السيدة ذاتها التي صرحت، مبتسمة، أن بضعة مئات من النساء السوريات يذبحن على سكين "شرف الذكور" لا تشكل ظاهرة؟ وأليست السيدة التي صرحت قبل أسابيع قليلة أنه "لا جوع في سورية"؟! وأليست السيدة ذاتها التي تدخل على مؤتمر مخصص لتشغيل المعوقين وتطوير دمجهم بالمجتمع فلا تجد ما تفعله سوى أن "ترمي" بعشرة آلاف ليرة سورية (الليرة تنطح الليرة)؟ بل أليست السيدة ذاتها التي صرحت على منصة مكتبة الأسد الوطنية بدمشق أن المتسولين هم "منحرفون بالفطرة" دون أن تقشعر لها "فطرة"؟! وأليست أيضا السيدة التي تحل الجمعيات التي لا يعجبها ما تقوله بذريعة "المصلحة العامة"؟ والسيدة التي تحظر التعامل مع جمعيات أخرى لا تستطيع حلها؟! والسيدة التي ترفض ترخيص جمعيات أخرى لأنه "لا ضرورة لها"؟! وهذا كله ليس إلا غيضاً من فيض.. فيض توجته قبل أيام بتصريحها ذاك الذي لم يتجرأ رجل مسؤول، ولا امرأة مسؤولة على قوله لا صبحا ولا مساء، لا علنا ولا سراً، على مساحة الكرة الأرضية برمتها..
السيدة الوزيرة تعرف جيدا أن امرأة من كل أربع نساء سوريات تتعرض للضرب وفق دراسة أعدها منظمة حكومية بامتياز هي الاتحاد العام النسائي. وتعرف أن واقع العنف أكثر من ذلك بكثير. وتعرف الكثير من الدراسات التي قامت بها جهات حكومية وجمعيات ودكاترة جامعة وأفراد (فقط تصفحوا بوابة العنف ضد المرأة تصفحا سريعا).. تؤكد شيوع هذا العنف وانتشاره بكافة أشكاله ومستوياته! وتعرف أيضا (وأنها هي ذاتها، بكل المقاييس، امرأة معنفة. أي هي "ضحية من ضحايا العنف") أنها هي، الدكتورة، والوزيرة، وصاحبة اليد الطولى في وزارتها وخارج وزارتها لا "تمون" على أن تصرف قرشا واحدا من "أموال أطفالها"! بل تعرف أن القانون يسمح لزوجها بطردها من المنزل دون أن تحصل على قشة واحدة (رغم أنها تمتلك ما لا يجعلها بحاجة لقشة حتى وإن كانت قشة من ألماس)! وتعرف أنها، إن تخلت عن سيارتها الفارهة ومرافقتها، فلن تتمكن من دخول أرقى مخفر شرطة في سورية للتقدم بشكوى على شاب "قرصها" في الشارع (على أن تكون بدون سيارتها الفارهة وحرسها المدجج) دون أن ينالها ما ينالها! بل إنها تعرف عدد الطفلات اللواتي يقدن إلى سوق الدعارة على مرأة ومسمع من مؤسسات وزارتها التي لا هم لها سوى تلميع البلاط بأيدي ووجوه الطفلات المساقات قسراً إلى دعارة الأطفال! وتعرف حق المعرفة مدى شيوع سفارح القربى في مجتمعها ذاته الذي تفاخر بقيمه وتقاليده و"خلوه" من العنف..! لعل العنف بحد ذاته ترف..! من يعرف!
هي التي تعرف.. وتعرف..
ولكن معرفتها هذه لم تعن لها أن عليها أن تفعل شيئاً! بل فقط أن تتبنى الثقافة الذكورية بأبشع أشكالها وأكثرها فظاظة! وأن تمالئ "أصحاب القوة، الذكور حكماً" في الحكومة وخارجها لتحاول أن تحجب الشمس بغربال لم يبقى من خيوطه إلا بقايا خيطان! وهي الوزيرة على وزارة كان يفترض أن تنهض بالمجتمع وحركته المدنية لصالح تقدمه وانفتاحه بدلا من أن تعمل على تدميره وتمريره عبر "بطاقات حفلات الاستقبال" على طاولتها!
ولم ننته بعد.. في سورية اليوم عالم من المفاجأت لم يحلم بها بابا نويل ذاته!
الاتحاد العام النسائي الذي ظننا أنه بدأ يخرج من سباته الشتوي الذي امتد على جميع الفصول لعقود، يثبت مرة أخرى أنه ليس سوى ألعوبة تتحرك وفق ما تكون الموجة، فهو يصعّد صوته مناديا بمناهضة العنف حين يشعر أن المجتمع المدني (المدني وليس وزارة إعادة المجتمع إلى القبلية والعشائرية!) كشف الواقع المزري للمرأة السورية والذي لا يحتاج إلا لكاميرا (لا تصادر) ليصور حقيقة وضعها في الشارع والسرفيس والعمل والمشفى والحقل والحظيرة والبيت.. بل وحتى قصور هؤلاء السيدات أنفسهن! وفي اليوم التاي تصرح سيدته السيدة سعاد بكور أن العنف في سوريا غير موجود! نافية بذلك حتى نتائج الدراسة المتواضعة التي قام بها اتحادها ذاته قبل عامين فقط (دراسة ما كان لها أن تنجز ولا أن ترى النور لولا الأموال الطائلة التي تصرفها منظمات دولية لإجرائها، ويذهب جل هذه الأموال إلى "حيث يجب أن تذهب"!) وأكدت وجود كافة أشكال العنف ضد المرأة، كما قلنا أعلاه! ولكنها لم تنسى أن تحفظ خط عودة باهت بالإشارة إلى أنه "إذا" وجد عنف فهو لفظي! يبدو أن السيدة بكور نسيت الأرض التي جاءت منها! نسيت أو تناست أو لا تريد أن ترى، أو تريد أن تحافظ أيضا على كرسيها.. الله أعلم! لكنها نسيت صرخات النساء في حماه، بلد السيدة سعاد، التي يمكنها أن تسمعها إذا مرت في الحارة الضيقة والواسعة! ويمكنها أن تراها وتلمسها إذا عبرت بأقدامها، وليس بسيارات المرسيدس، في حقول ريف حماه وبساتينه! (رغم أنها، هي شخصيا، كادت الدمعة أن تطرف من عينيها في ندوة عقدت إبان انتخابات مجلس الشعب الأخيرة حين حاولت الحديث عن الواقع المزري للمرأة في بلدها كما رأته في "جولتها الانتخابية"!) ويبدو أنها لا تسمع حتى صرخات النساء اللواتي يذبحن يوميا في سورية؟ وفي إدلب وحدها، جارة حماه، جريمتين في الأسبوع الماضي وحده!
بل إن رئيسة المكتب القانوني للاتحاد، السيدة سمية غانم، استطاعت حقا أن تصرح قبل اشهر قليلة أن "جرائم الشرف" غير موجودة في سورية لأن شكوى واحدة لم تصل "اتحادها"! وأن من يثير هذ الكلام له "غايات وأهداف" غير معلنة؟!
وبين هذا وذاك، وبألم، كنا نرى أن أحد منظمي هذه الندوة هي الهيئة السورية لشؤون الأسرة (علينا من اليوم فصاعدا أن نبحث عن اسم أكثر ملاءمة لها)! وطبعا ليست هي الهيئة ذاتها التي عملت طوال سنين أربعة على كشف هذا العنف ضد المرأة، وعلى النضال (أجل: النضال) ضده. ليست هي الهيئة التي أعدت خطة خاصة لحماية المرأة من العنف ربما سنجد صفحاتها غدا في محلات السندويتش بعد أن تم تفريغ الهيئة وتدميرها وتحويلها إلى بوق آخر أنثوي ناطق باسم ثقافة الذكور في سورية! الهيئة اليوم التي تنفذ "دورها" الحقيقي كشاهد زور على وضع المرأة السورية بعد أن كانت شاهد حق!
وبين هذا وذاك، هذا هو الوقت الذي تمنع فيه ندوات لمناهضة العنف ضد المرأة، وتفتح فيه ندوات للهجوم على السيداو والجندر الذي "صعنه اليهود" حسب الشيخ محمد راتب النابلسي! هذا هو الزمن الذي يصير فيه معاداة العنف ضد المرأة "جريمة وخيانة وعمالة"، وتحقير النساء واعتبارهن جواري لدى الذكور انتصار يستحق التهليل! هذا هو الزمن الذي بدأنا نحصد فيه جديا ثمن "النفاق" الحكومي في قضايا المرأة! ثمن إعداد دراسات على الورق! أو تعديل نتائج دراسات لتتلاءم مع "التصريحات الصحفية لما وصلت إليه المرأة في سورية"! ثمن وجود سيدات ورجال يهتمون بالمزيد من إفقار وتهميش وتعنيف وحرمان المرأة أكثر مما يهتمون بالمزيد من فرص العمل! هذا هو الزمن الذي تتحمل فيه الأسرة الفقيرة ذنب فقرها لأنها لم "تسمع" ممن يركبون السيارات الفارهة فتعيش دون سجادة ودون براد ودون غسالة ودون هواتف ودون كل "التبذير وسوء الإدارة" الذي تقوم به حسب د. الدردري!
إنها لعبة الكراسي.. في زمن باتت ثقافة الذكور، "معممة" أو غير معممة، هي من يقرر من يبقى في هذا الكرسي، ومن يرحل إلى بيته..!
إنها لعبة الكراسي التي طالت.. وطال جلوس من لا يعمل إلا في التدمير عليها. لقد طال أمد تدمير وتخريب هؤلاء السيدات وأولئك السادة لمجتمعنا!
وهذا ليس من حقهن ولا من حقهم أيا كانت ذرائعهم. هذا مجتعنا يا سيدات ويا سادة. وإذا كانت سياراتكن الفارهات تمنع وصول أصوات صراخ النساء السوريات، فهنا الكثيرون والكثيرات اللواتي سيعملن ليل نهار لكي ترين دموع النساء السوريات تغطي زجاج سياراتكن! لكي تستيقظن كل صباح فترين على مراياكن دم النساء السوريات المذبوحات بسكين العار بدلا من وجوهكن! النساء المضطهدات والمذبوحات بمشاركة أيد كثيرة بينها أياديكن التي "تتستر" على هذا الواقع عبر ادعاءات لم تجرؤ امرأة مسؤولة في بلد من بلدان العالم، بضمنها الأكثر تقدما، على إطلاقها!!
هنيئا لكنّ قبولكن انتهاك انسانيتكن باسم الشريعة أو باسم السياسة أو باسم المصالح العليا أو باسم الكراسي الدوارة، أو بأي اسم آخر.. أنتم تحملون قيما ماضية ذاهبة إلى الانقراض. والمرأة السورية سوف تتقدم في نضالها من أجل حقها التام بالمساواة، حقها التام بممارسة إنسانيتها، حقها التام بالمواطنة في بلدها: سورية!