كاتبات في محنة



باسنت موسى
2008 / 1 / 1

أهدتني منذ أيام إحدى قريباتي كتاب يحمل عنوان " نساء في محنة " به اعترافات نسائية أو بمعنى أدق ما يشبه المذكرات التي نكتبها بكل حواسنا ونحادث بها أنفسنا ونسألها عن كل دوافع ما قمنا به من أفعال . حقيقة كنت متحمسة جدا للقراءة لان مثل هذا النوع من الكتابات يجعلني أحيا بداخل شخصيات متعددة وأعرف أنماط سلوكية مختلفة للأفراد . مؤلفة الكتاب هي الأستاذة نجلاء محفوظ رئيسة القسم الأدبي المناوب بجريدة الأهرام المصرية ، القصص أو المذكرات التي احتواها الكتاب كانت تدور في ذات السياق بطلة تعانى من مشكلات وتحادث صديقتها المقربة بكل ما يدور بنفسها وتساعدها تلك الصديقة على إيجاد حل . وعموما تلك الركاكة والثبات في سرد القصص ليست المشكلة لكن المشكلة الحقيقية والتي أعتبرها محنة كبيرة بداخلها الكاتبة إنها تسخر من عمل المرأة بل وتعتبره مصدر كل الشرور وأقصد هنا تحديدا المرأة التي تعطى لعملها بصورة كبيرة أي تجعل العمل أحد أهم مفرادات حياتها وليس الزواج فقط حيث وصفت من خلال بطلات قصصها أن ذلك النوع من النساء حتما سيتجه للانحراف الخلقي والمجتمعي .

الانحراف الخلقي لان العمل سيجلب لها المال والمال سيجعلها تتعرف على ثقافات مغايرة لثقافتنا المحافظة الأصيلة كما تقول وسيكون لها علاقات تشبع بها رغباتها البيولوجية بعيدا عن إطار الزواج مما يجعلها تساهم في الحط من قدر المرأة ، أما الانحراف المجتمعي الذي تتجه له المرأة المحبة للعمل بصورة لا تناسب اهتمامات المرأة في مجتمعاتنا يكمن في كونها لن تطيع زوجها بالصورة الكافية والتي ترضى غروره كرجل شرقي مما سيجعلها حتما تتخلف عن قطار الزواج عندما يقف في محطتها .
بداية لا أفهم أو أجد مبررا تتخذه كاتبه من المفترض إنها تعمل في مجال إبداعي من العمل كقيمة في حياتنا كأفراد بشكل عام بغض النظر عن جنسنا ، لماذا نعتقد أن العمل هو كل حياة الرجل وهو أحد المفردات المكملة لحياة المرأة ؟ لماذا نعتقد دائما أن كل حياتها كنساء يجب أن يكون الرجل والأولاد مكوناتها الأساسية والهامة حتى لو دفعنا من طموحاتنا وكياننا كنساء ثمنا غاليا ؟ لماذا نعتقد أن حصول المرأة على رجل وأبناء من هذا الرجل عزاء كافي لكل الإخفاقات الحياتية والمجتمعية التي تحياها المرأة ؟ العمل سيدة نجلاء قيمة إنسانية لابد لكل إنسان عاقل أن يتمسك بها ويجعلها من أهم أولويات حياته لان العمل يحقق لنا كأفراد سواء نفسي من خلال ما يحققه لنا من استقلالية مالية بعيدا عن سلطة أسرة أو زوج قد يسأل أحد القراء ويقول ما علاقة هذا بالسواء النفسي ؟ أقول لكم لأننا عندما نعمل ونستقل ماديا حتما ستكون قراراتنا نابعة من داخلنا وسنتعلم مع الوقت كيف نتعلم من أخطاءنا التي صنعناها بأنفسنا وهذا برأيي أهم خطوة للسواء النفسي أن نصنع حياتنا ونتقبل أخطاءنا .
الكاتبة تقول على لسان بطلاتها أن المال الوفير من العمل جعلهم يعتنقوا ثقافات مغايرة لمجتمعنا المحافظ الأصيل فيقيموا علاقات خارج إطار الزواج وحقيقة عزيزتي الكاتبة ليس المال الوفير هو الذي يدفع لمثل تلك العلاقات وإنما ثقافتنا التي تنعتيها بالمحافظة والأصيلة والتي جعلت من نظرتنا للأخر على أن دوره في حياتنا للإشباع الجنسي فقط فنعيش كل حياتنا نعانى من كبت مقيت في كل شيء يخص الاخر وجهل به حتما عندما يستقل بعض المكبوتين عن كل سلطة سيندفعوا في علاقات لاكتشاف الأخر بأي صورة كانت ، ثم أن الكاتب الإبداعي برأيي ليس مقيم للعلاقات ومدى شرعيتها بقدر ما يجعلنا نتفهم لماذا فعل هؤلاء تلك العشوائية في العلاقات ؟
ذكرت الكاتبة أيضا أن العمل يدفع إلى الانحراف المجتمعي من خلال عدم ركوب قطار الزواج عندما يقف في محطة الفتاة يا لصدمتي عندما قرأت هذا التفسير فالزواج لدينا بل ولدى بعض كاتباتنا الأخيار واجب وعرف إجتماعى له سن وقطار ومحطة ووووو حقيقة المشكلة ليست بالعمل في حد ذاته وإنما فيما يترتب عليه من استقلالية وثقه بالذات والكثير من العوامل التي لا يقبلها رجلنا الشرقي صاحب الغرور الأجوف والثقة بالذات المبنية على الفحولة فقط لذلك فهو لا يقبل بالزواج من المتعلمات بحق المستقلات لأنها ستخاطب عقله الذي محاه الزمن والغرور الذكورى عامه لو كانت القدرة على الاختيار لدى المرأة تسمى انحراف إجتماعى فهنيئا لنا بهذا الانحراف .
الجزئية الأخيرة التي أود الإشارة إليها أعزائي القراء سأكتبها نصا نقلا عن الكتاب وهى محادثة مواجهة بين بطلتين أحداهما متفرنجة والأخرى محافظة " أنا امرأة مطلقة طلبت الطلاق بإرادتي وحصلت عليه وفرضت على الجميع إحترامى – وأشارت إلى غطاء شعرها والتزمت الحجاب وأذهب إلى جميع الأماكن وأشعر بالاحترام " ذلك النص منقول حرفيا عن الكتاب والكاتبة هنا تروج صراحة للحجاب بل وجعلته مقياسا لفرض الاحترام فهل أصبحنا بهذه الدرجة من السوء نحصر كل الاحترام في قطعه قماش تدارى خصلات شعر ، نظرة سطحية غبية لأننا من الممكن أن ندارى كل جسدنا وليس شعرنا فقط ويكون عقلنا يفكر وإحساسنا يتجه نحو كل ماهو شاذ ومدمر . الخطأ ليس هو فقط ما يترك أثاره على الجسد وإنما كل ما يترك أثار لا تليق على الروح .