أعداء المرأة



فاخر السلطان
2008 / 1 / 2

لم يدر في خلدي سوى أن اتهم أعداء المرأة في ارتكاب عملية القتل الجبانة التي تعرضت لها زعيمة حزب الشعب الباكستاني بي نظير بوتو. فرغم الكم الهائل من الأسباب السياسية التي يمكن أن تشكل مدخلا للبحث في الجريمة، إلا أنني أجد نفسي مرتاحا في اتهام شخص ينتمي إلى فكر يكره حداثة المرأة بشكل عام وبوتو على وجه الخصوص. فكما أن المجرم سعى بفعلته النكراء إلى الانتقام من أهلية المرأة لقيادة المجتمع، نجد أن نجلها حسنا فعل حينما أقسم على الانتقام لاغتيالها بالنضال من اجل تحقيق الديموقراطية، حيث قال: "كانت والدتي تقول دائما ان الديموقراطية هي أفضل انتقام". فأعداء المرأة هم أعداء الديموقراطية وأعداء الحرية والمساواة والحداثة، وهم من يخططون لفرض أجندة أصولية دينية متشددة تحث على الكراهية والتمييز في مجتمعاتنا.
وكانت بي نظير، التي كانت شخصية مؤيدة للديمقراطية والبالغة من العمر 54 عاما، قد تنبأت وصدقت النبوءة قبل أيام من اغتيالها بأنها مستهدفة، وقالت إن شخصيات لم تسمها داخل حكومة الرئيس برويز مشرف وأجهزة الاستخبارات الباكستانية ممن يتعاطفون مع المتشددين الإسلاميين ويشعرون بالتهديد من تزايد شعبيتها قبل انتخابات الثامن من يناير الحاسمة، يخططون لقتلها. غير أنها قالت أيضا إن جماعة متشددة توجد في المناطق القبلية المضطربة على طول الحدود الأفغانية الباكستانية تريد قتلها لإدانتها التطرف الإسلامي خلال كلمتها في حملتها الانتخابية الأخيرة. كما انه ليس سرا أن جهاز الاستخبارات العسكرية الباكستانية كان لديه صلات قوية مع الجماعات الإسلامية المتشددة حتى عام 2001 عندما أنهي مشرف تأييده لنظام حكم طالبان في أفغانستان. وقد يكون ذلك هو السر في نفي حركة طالبان وتنظيم القاعدة مسؤوليتهما عن عملية الاغتيال.
ولو تمعنا في حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت وبعض المسؤولين الإسرائيليين بعد عملية الاغتيال، لوجدناه كاف لأعداء المرأة وأنصار المشروع الديني المتشدد المناهض للوجود الإسرائيلي في المنطقة لتنفيذ عملية الاغتيال. فقد قال أولمرت انه كان يرى في بي نظير جسر للعلاقات مع العالم الإسلامي. ونقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" عن أولمرت قوله: "رأيت فيها شخصا يمكن أن يشكل رأس جسر للعلاقات مع ذلك الجزء من العالم الإسلامي الذي تربطنا به علاقات محدودة". وقال ان عملية الاغتيال "مأساة كبيرة"، وانه كان "حزينا جدا" لتلقي النبأ. ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن سفير إسرائيل في الأمم المتحدة داني غيلرمان الذي التقى بي نظير قبل عدة شهور قوله إنها أبلغته بأنها تبحث إمكانية إقامة علاقات دبلوماسية بين باكستان وإسرائيل في حال عودتها إلى الحكم. كما أفادت صحيفة "معاريف" أن بي نظير التي كانت تخشى على حياتها قبل أن تعود إلى باكستان، توجهت في الأسابيع الأخيرة إلى ثلاثة أجهزة استخبارات غربية، هي وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) وسكوتلنديارد البريطاني والموساد الإسرائيلي، طالبة المساعدة في الحراسة الشخصية لها. وبحسب الصحيفة الإسرائيلية فإن بي نظير عللت طلبها بأن الرئيس الباكستاني مشرف لا يسمح لها بحماية نفسها من خلال عدم السماح بوضع زجاج داكن اللون لنوافذ سياراتها أو استخدم أجهزة للكشف عن عبوات ناسفة.
إن أعداء المرأة حينما اغتالوا بي نظير إنما سعوا إلى تأكيد ضرورة استمرار هيمنة النظام الذكوري غير الحداثي على مجتمعات المنطقة، والذي من صفاته أنه يؤسس الحياة على مبدأ "الحاكم الأعلى" الرجل الذي يرتب الحياة على مبدأ التفاوت (التمييز)، الأمر الذي يدفع بالأنثى إلى الخضوع للذكر. وبسبب ذلك يكون المجتمع ذكوريا. وتلك الإيديولوجيا وأساسها "الذكر – الفارس"، لا بمعنى البطل المقدام في المعركة، بل بمعنى الذكر الذي يهاجم الأنثى منتصراً، ويدكّ حصونها قبل الوصول إليها. وتؤسس هذه الصفة لحالة عنوانها: العبودية. وتصف الفيلسوفة الألمانية حنا أرندت النظام الذكوري بأنه نظام قديم مستبد، منقطع عن زماننا الحديث الذي يقوم على الفردية الحرة المتحاورة. أي الحوار والاعتراف المتبادل وتساوي الحقوق والواجبات بين الجنسين واستبعاد مبدأ القوة والعنف.
إن أنصار الخطاب الديني ممن ينشرون التمييز والكراهية ضد المرأة إنما سعوا إلى نشر الفهم التاريخي الضيق حول حقوقها والقائل أن الدين الإسلامي طرح مشروعا متكاملا حول المرأة بما فيه حقوقها السياسية، لكنهم لم يتداركوا أن مشروعهم هذا لن يكون إلا سدا أمام مساعي تحريرها من الوصاية التاريخية. إن هذا الطرح لا يهدف إلى التقليل من أهمية تاريخية الخطاب الإسلامي أو الإهانة إلى صورته، فهو كان يمثل صورة المجتمع بثقافته واجتماعه، في حين أن الهدف هو الدعوة للتعامل بإيجابية وواقعية مع الراهن الحديث، ليس بأدواته ووسائله فحسب وإنما بمفاهيمه ونظرياته وعلومه الحديثة. فعدم قدرة المرأة على قيادة السيارة في السعودية – مثلا - هي صورة مشتركة من صور الظلم الاجتماعي ضد المرأة والمتكئ على التفسير الديني، وهو أحد تجليات الوصاية الذكورية الدينية على المرأة ومشهد من مشاهد "سجن" النساء في المجتمعات العربية والإسلامية وصورة من صور الأغلال التي كبلت يدي مطالبها الداعية إلى الحرية والمساواة بوصفها إنسانة تنتمي إلى هذا الزمان. إنّ من يدخل بيوت الأسر المسلمة سينبهر من مستوى الظلم الواقع على الكثير من البنات والنساء، وسوف يستنتج بأن حقوق المرأة السياسية هي جزء يسير من حقوقها الحياتية العامة التي تفتقدها. فالمرأة حرة تماما مثل الرجل، وذات إرادة ومسؤولية، ولا وصاية لأحد عليها، مثلما يريد ويخطط و"يجاهد" الخطاب الديني المتشدد، حيث يتحجج في تأييد موقفه هذا تارة بالفقه التاريخي الذي عفا عليه الزمن، وتارة بمبررات "المحافظة" و"العادات والتقاليد". فلقد آن الأوان لأن تقود المرأة العربية والمسلمة نفسها في مختلف المجالات بدلا من أن ترضى بأن يقودها الرجل. ومثلما رفضت المرأة الكويتية – كبداية لطريقها الطويل والشاق - أن تنقاد من خلال مجلس أمة ذكوري، فعلى المرأة المسلمة أن تهدم الطوق السياسي والاجتماعي الديني الذي يمنعها من تنفيذ طموحاتها التحررية، مثل منعها من قيادة شعوبها تحت حجة أن قيادة المرأة تؤسس للفساد، أو إجبارها على تنفيذ أوامر ذكورية بحجة المحافظة على العادات والتقاليد. وهذا الرفض والهدم لابد أن يسيرا انطلاقا من قدرة المرأة على تحقيق ذاتها ونجاح تجاربها استنادا إلى مبدأ حقوق الإنسان والمساواة بين الرجل والمرأة، ونبذا لمبدأ الوصاية الدينية المتدثرة بالعادات والتقاليد. فأخطر ما يهدد كيان المرأة وشؤونها، ومن ثم حياتها بشكل عام، هي الثقافة التي تريدها أن تكون متبوعة غير متحررة، قاصرة لا تملك الإرادة.