حقوق المراة اليزيدية في ارث



عالية بايزيد اسماعيل
2008 / 1 / 5

أثار اقتراح المجلس الروحاني الموقر حول كيفية استحقاق المرأة اليزيدية للإرث في مسودة قانون الأحوال الشخصية المزمع تشريعه العديد من الآراء والاقتراحات المتناقضة ما بين مؤيد لحق المرأة في الإرث وبين معارض لهذا الحق وطرف ثالث استنكف الخوض في غمار هذه القضية باعتبارها قضية لا تستحق الاهتمام أمام القضايا الأخطر التي ينبغي معالجتها ومناقشتها , وكل فريق أعطى مبرراته التي تؤيد وجهة نظره والقاسم المشترك لكل تلك الاجتهادات انصبت حول محور واحد هو التمييز ضد المرأة وذلك نتيجة تراكمات تاريخية غير متساوية بين الرجال والنساء حتى إن أنصار استحقاق المرأة للإرث من المثقفين والليبراليين ـ وهم قلة ـ واجهوا مجتمعا عريضا يرفض هذه الدعوة بشدة لان القضايا التي تخص المرأة وحقوقها تصطدم دوما بمقاومة ضارية مستميتة من جانب الفئات الرجعية ومقاومة من قبل المتمسكين بالعادات .
فالمقترح الذي طرح للاستفتاء يدعو إلى استبيان الرأي العام حول آلية استحقاق المرأة للإرث هل يكون بمساواتها مع الرجل أو أن يكون لها النصف أو الربع أو حرمانها من الإرث , إن الأمر ليس بالسهولة التي طرح فيها لان التطبيقات القضائية حين اعتماد أي نسبة كانت عند توزيع الحصص الارثية سوف تختلف من حالة إلى حالة فحصة المرأة الزوجة هي غير حصة المرأة الأم وهما غير حصة البنت وحصة البنت الوحيدة هي غير حصة البنات العديدات وهؤلاء حصتهم تختلف في حالة وجود الأولاد الذكور وحصة الأخت تختلف إن كانت أخت شقيقة أو أخت لام أو أخت لأب .
فكان على اللجنة المشكلة لوضع هذا المقترح أن تأخذ هذه الحالات بالاعتبار ومن ثم طرحه للاستفتاء ليكون واضحا للجميع , إلا إن الأمر المؤسف له حقا إن غالبية الآراء اتفقت على حرمان المرأة من الإرث ومن التركة إلا بناء على وصية من قبل المورث , وهذه مسألة خطيرة لان فيه إجحاف وغبن بحق المرأة الارثية لأنها تضع استحقاقها الارثي تحت رحمة المورث إن شاء أوصى لها وان لم يشأ فلا شيء تستحقه , هذا عدا عن إن الموت قد يفاجئ المورث بغتة دون أن يتمكن من الايصاء بشيء مما يجعل حقوق المرأة في مهب الريح , و الأمر المثير للاستغراب حسب ما أوردته بعض المواقع الالكترونية إن معظم النساء قد صوتن ضد استحقاقهن الشرعي في الإرث وذلك بسبب عدم فهمهن الكامل لحقوقهن إما بسبب الجهل أو بسبب الجو الصارم الذي يعشنه , لكن هذا الجهل لا يلغي حقوقهن و لاينسف واقع مشاكلهن .
أما كان من الأجدر أن تقام ندوات توعية من قبل متخصصين بالشؤون القانونية لتوعية الناس والنساء منهن خصوصا بمضامين الحقوق الارثية ؟ وهل من واجب المنظمات المدنية والإنسانية السكوت عن هذا بحجة عجز المرأة اليزيدية عن استيعاب قضيتها وصياغة مطالبها ؟ لو اعتمدنا هذا المنطق لما تم إسقاط مشاكل المرأة وحسب بل لتم إسقاط معظم مشاكل المجتمع عموما , لان اغلب النساء لاتدرك طبيعة مشاكلها وبالتالي تعجز عن تشخيص الحلول لها بل قد ترفض أحيانا أي مقترح أو أي تغيير هو لصالحها بالذات مثلما حصل مع هذا الأمر بسبب عدم استيعابها لحقوقها , وهنا يقع على عاتق الكتاب والمثقفين والمنظمات واجب توعية النساء وتبصيرهن بحقوقهن , مع إن المشكلة تكمن أساسا في الظلم الاجتماعي للمرأة الذي لايستسيغ أن تأخذ المرأة كامل حقوقها وتنال حريتها ومساواتها مع الرجل في مجتمع متخلف وما زال متخلفا والذي يناضل في سبيل تحرره من هذا التخلف والذي لايمكن أن نقضي عليه بين ليلة وضحاها بل يستلزم إقرانها بالمرونة والخطوات التدريجية المدروسة .
إن من المبادئ الأساسية المعروفة عالميا هو المساواة في الحقوق والواجبات وانه رغم الفروقات البيولوجية بين الجنسين فان ملكات المرأة الروحانية وقدراتها الفكرية والعقلية و اللذين هما جوهر الإنسان لاتفترق عما أوتي الرجل منها إن لم تكن أفضل فكلاهما سواء في كثير من الصفات الإنسانية أما التطابق الكامل بين وظائفهما البيولوجية فليس بالضرورة هو شرطا لتكافئهما , أما تقديم الرجل على المرأة سابقا فانه كان لأسباب ودواعي اجتماعية ودينية وظروف بيئية لم يعد لها وجود في الوقت الحالي كما لا يوجد أي دليل على إن الله يفرق بين الرجل والمرأة من حيث فروض العبادة والطاعة في هذه الدنيا والثواب والعقاب في الآخرة , لكن المرأة في الحياة الدنيا لازالت تعاني الصعوبات والمعوقات بما يميزها عن الرجل , وما الاتجاه الذي يدعو إلى حرمان المرأة من حقوقها الارثية إلا دليل ومؤشر على مدى تخلف أنصاره ومدى عدائهم للمرأة , حيث إن اغلبهم يمثلون تيارات رجعية عشائرية منغلقة يريدون فرض أرائهم باسم الدين والأعراف والتقاليد على مناحي الحياة ولم لا طالما لا توجد قواعد ونصوص دينية مكتوبة يمكن الاستناد عليها لتكون مرجعا وحكما توقفهم عند الخطوط الحمر وما متداول الآن كان ولا يزال مستمد من الأعراف والتقاليد الموروثة وهي كما معروف في تبدل وتغيير مستمر فما كان متعارف عليه قبل عشرة سنين مختلف عما كان قبل مئة عام وهذا بدوره مختلف عما كان قبل مائتين سنة وهكذا هي سنة الحياة هي دائما في تبدل وتطور , لذلك فان أي مقترح يدعو إلى حرمان المرأة من الإرث ومن حقوقها الإنسانية التي كفلتها المواثيق والأعراف الدولية يعني القضاء على منجزات البشرية بخصوص حقوق المرأة ومساواتها كما انه يعني فرض العبودية والدونية المتأصلة في الأديان على المرأة وتقنين هذه العبودية بقوانين , كما يلغي هذا المقترح أية فرصة لتطور القانون والحريات والحقوق مع تطور المجتمع ويجعل النضال في هذا الاتجاه شبه مستحيل لأنها تعامل المرأة كانسان ناقص عقل ومواطن من الدرجة الثانية تحرم من المساواة , وهي لا تختلف عن مسالة وأد البنات التي كانت في الجاهلية حين كانت المولودة تدفن وهي حية صحيح إن وأد البنات لم يعد موجودا في الوقت الحاضر إلا أنها موجودة بصورة أخرى حيث يرتكب بحقها ما هو أقسى إلا وهو الوأد الروحي والفكري والاقتصادي فهم يسلبونها إرادتها واستقلاليتها بحجة القيود الاجتماعية ويجعل من المرأة تابعة بدون شخصية مستقلة تصادر إرادتها وتستباح حقوقها و يزيد من العنف ضدها الذي يجد مبرراته في العادات والتقاليد والمفاهيم الخاطئة للتربية , ويطول الكلام مما يترك الأثر البالغ على حد قول الشاعر
إن ظلم ذوي القربى اشد ضراوة من وقع الحسام المهند
إن مسودة مشروع قانون الأحوال الشخصية المزمع تشريعه لا يحقق طموحات المرأة طالما انه يسعى إلى أن يحرم المرأة فيه من حق الإرث لتنتزع شرعيا حقوقها المالية وهذا ما لا يوجد له مثيل في أي تشريع فكل الشرائع تخصص حصة ارثيه للمرأة تختلف من شريعة لأخرى فهل يراد لشريعتنا أن تنفرد بتخلفها وتحرم المرأة من الإرث ؟ وكيف يمكن الاطمئنان مستقبلا على نيل الحقوق الأسرية الأخرى بالاعتماد على هذا القانون طالما لا تعامل المرأة فيه كانسان كامل الحقوق والواجبات كما هو في القانون المدني بل كانسان ناقص الأهلية تفرض عليها الولاية وتحرمها من الإرث ناهيك عن أمور الزواج والطلاق والإرث التي لاتزال تستمد أحكامها من عقلية القرون الوسطى رغم التطور العلمي والتكنولوجي الذي كان له الأثر البالغ في إحداث تغييرات هامة على كافة مناحي الحياة وعلى موقع المرأة في العالم إلا إن المرجعيات الدينية لاتعرف معنى للحريات السياسية ولا المدنية ولا الفردية وخصوصا حقوق المرأة لان كل حقوق المرأة المعروفة جاءت مع بناء المجتمع المدني العلماني المستند على فصل الدين عن مناحي الحياة المختلفة أما فرض التقاليد والأعراف على القوانين فيعني ترسيخ مشروع دائمي للقمع ومصادرة ابسط حقوق الإنسان وخاصة حقوق المرأة ومعاداة كل ما هو عصري وتقدمي .
فالحاجة ملحة وضرورية للتصدي لمحاولات منع المرأة من حقوقها الارثية بما لايحقق طموحاتها في المساواة التامة دون التنازل أو التراجع أمام ضغط الأعراف والتقاليد الذكورية المعادية للمرأة .
ففي التشريع استماتت بعض القوى على إلغاء قانون الأحوال الشخصية الحالي المرقم 188 لسنة 1959 حيث صدر القرار المرقم 137 من مجلس الحكم الانتقالي والإصرار على تنفيذه لولا تدخل المنظمات النسوية والتيارات الليبرالية والديمقراطية والعلمانية لإلغائه لما يمثله من خطر وإجحاف بحقوق المرأة كذلك ما تم تثبيته في المادة (41 )من الدستور الذي ينص على " العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب ديانتهم أو مذاهبهم أو اختياراتهن وينظم ذلك بقانون " مما يجعل حقوق المرأة تحت رحمة اجتهادات مختلفة ومتناقضة لتكون في مهب الريح لكل ما ناضلت من اجله المرأة ولتلغي هذه المادة المضامين الديمقراطية والإنسانية الواردة في الدستور العراقي الدائم مما يجعل المشرع العراقي في حالة تناقض كبير .
لذلك في وسط عالم يضج بالأحداث والقضايا والمشاكل فإننا بحاجة إلى نرفع أصواتنا إلى المنظمات والهيئات الإنسانية لوقف تلك الذهنيات وتغيير اتجاهات الرأي العام والمطالبة بتفعيل مواد الدستور الخاص بالمساواة ورفع المفاهيم المتناقضة حول قضية المرأة وبعد فلنأمل أن يسهم الآخرون في مناقشة هذا الموضوع الحيوي والمطالبة بتطبيق مبادئ الدستور في المساواة ورفع المفاهيم المتناقضة حول قضية المرأة ونرفض بشدة اعتماد مقترح حرمان المرأة من الإرث عند صياغة قانون الأحوال الشخصية بالضد من ألاف النساء ونطالب أن يستند القانون إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يعامل الناس على أساس كونهم بشرا بغض النظر عن كونهم رجالا أو نساء وان يكون للمرأة والرجل حقوقا متساوية في التركة وان يكون التعامل مع المرأة على أنها إنسان