الخلع دراسات تحليلية 1-2



باسنت موسى
2008 / 1 / 13

على الرغم من أن العقود الأخيرة في مصر شهدت تعديل عدد من القوانين فإن أياً منها لم ينال الأهتمام الواسع الذي حظيت به تعديلات قانون إجراءات الأحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000، فقد أثار هذا القانون وما زال جدلاً شديداً في مختلف الأوساط، وقد تركز هذا الجدل تقريباً على المادة التي تنظم حق الزوجة في مخالعة زوجها حتى أن التعديلات صارت تعرف في وسائل الاعلام والصحافة بقانون الخلع، ومن خلال حلقتين سنتناول الخلع كقانون بمزيد من الدقة والرصد عن قرب له لمزيد من الفهم لأبعاد هذا القانون.

هناك ورقة بحثية للأستاذة ماريز تادرس تحت عنوان " قانون الخلع في الصحافة المصرية" ناقشت من خلالها عدد من النقاط التي تتعلق بالكيفية التي تعاملت من خلالها الصحافة المصرية مع الخلع كقانون محلله الدوافع التي تقف وراء تلك الكيفية المتهكمة في كثير من الأحوال حيث تقول:

قانون إجراءات التقاضي للأحوال الشخصية والشهير بقانون الخلع حظى بتغطية صحفية كبيرة ومركزة على الرغم من اختلال ماهية وتوجهات تلك التغطية إلا أنه تم تصوير القانون على أنه سيغير تماماً المجتمع المصري كله وليس فقط مصير الأسرة المصرية.

تقييم مساحة التغطية لموضوع الخلع من خلال تحليل المواد الصحفية المنشورة من منتصف أبريل عام 1999 حتى منتصف أبريل 2001 وتم الحصول عليها مما نشر في الصحف والمجلات الصحفية من مقالات رأي أو معالجات صحفية، وذلك من خلال ثلاث نقاط أساسية.

أولاً: طبيعة الخطاب الخاص بقضية الخلع:

قليلة هي القوانين التي أثارت هذا الكم من الجدل والخلاف في الصحافة، لكن وكما ترى الحركات النسائية أن الأمور الشخصية هي أيضاً قضايا سياسية وبالفعل فأن قانون الأحوال الشخصية يعكس الكثير من الأيديولوجيات السياسية لكن وعلى الرغم من تعدد وتنوع المواقف السياسية نحو هذا الموضوع إلا أن الخطاب الذي تم اعتناقه كان خطاباً واحداً وهو الخطاب الديني الذي يركز على مدى انسجام وتناغم الخلع كقانون مع أحكام الشريعة الإسلامية بل أنه تم استخدام هذا الخطاب الديني في أحيان كثيرة للتمويه والتعمية عن البرامج السياسية التي ترفض الخلع تحت دوافع اجتماعية أو ثقافية، والجهات الرسمية الحكومية هي أول من قاد تلك الحملات الصحفية لتقديم القانون إلى المجتمع من خلال التركيز على مدى توافقه مع التعاليم الدينية وأحكام الشريعة.

فمثلاً في الصفحة الأولى لجريدة الأهرام 14-12-1999 صرح السيد محمد حسني مبارك رئيس الجمهورية موضحاً أن الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية وما جاء به الشرع وما يتفق مع صحيح الدين هو الأساس في قانون الأحوال الشخصية مع ضرورة الالتزام بمفردات وأحكام الشريعة في معالجة المتغيرات والظواهر التي طرأت على المجتمع.

وحتى رفض الصحف المعارضة للقانون جاء من منطلق أرضية دينية أيضاً حيث أن سبب الرفض جاء لأن القانون يتعارض مع التعاليم الإسلامية ومع احتدام حده النقاش في الصحف تحول كل فرد إلى خبير في القضايا الإسلامية وبالتالي كثر حديث الأفراد وأصبحت نواياهم وأغراضهم هى المحافظة على الدين من أي انحراف، وأصبح الفقهاء والقيادات الدينية والمحامون المتخصصون في الفقة هم المصادر الرئيسية للصحفيين في التحقيقات وحتى في مقالات الرأي.

على الرغم من استخدام الحكومة للدين لإضفاء الشرعية على القانون إلا أن ذلك قد أحدث ردود فعل عكسية لهذه الحملة الرسمية فكما قامت الجهات الرسمية بتفسير النصوص والأحكام بما يؤكد ويساند تطبيق القانون فقد قامت بعض الصحف الأخرى بالاجتهاد في تقديم تفسير آخر لنفس النصوص للوصول إلى نتائج مختلفة مما أدى إلى أن الصحف الرسمية التي كانت المدافع الأول عن القانون إلى نشر وجهات النظر التي ترى أن القانون يمنح المرأة حرية أكبر بكثير من مساحة الحرية التي منحتها الشريعة للمرأة وعلى سبيل المثال المقال الذي كتبه محمود مهران أستاذ الشريعة 15 يناير 2000 وذكر فيه أن الخلع يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية ما لم يتم إشراطه بإذن وموافقة الزوج، وهناك مقال آخر كتبه سمير فاضل حيث اقترح من خلاله أيضاً أنه لا يجب أن يتم منح الزوجة حق الخلع ما لم تستطع أن تبرهن على أنها قد تعرضت إلى الأذى والضرر.

الخلافات بين علماء مجمع الأزهر حول مدى اتفاق الخلع كقانون مع أحكام الشريعة الإسلامية أضعف فكرة أن القانون تمت إجازته بعد موافقه الأزهر وتلك النقطة تحديداً حازت على مساحات كبيرة من المعالجات الصحفية في صحف كالأسبوع والأحرار والشعب والوفد حيث قمت هذه الصحف جميعاً بنشر البيان الذي أصدرته جبهة علماء الأزهر ضد القانون بتاريخ 7-1-2000.

أوضحت صحف المعارضة على أهمية بل وشرط الحصول على موافقة الزوج قبل التطليق وأن على المرأة الراغبة في الخلع أن تقدم أسباب وجيهة لذلك مثل تعرضها للأذى والضرر وأنه يجب عدم منح الخلع بسهولة كلما أرادت وطلبته الزوجة ووجوب أن يترك الحكم بالخلع للسلطة التقديرية للقاضي مرتكزين على براهين تتلخص في أن الخلع كان يمارس قديماً في أوقات مختلفة وذلك حينما كانت النساء أقل اندفاعاً وأكثر حكمة.

لقد تم غض النظر عن الأبعاد غير الدينية للقانون والتقليل من شأنها، وغالباً لم يتم طرح أي شيء عن خطاب المواطنة أو الحقوق المتساوية حسب الدستور بل أنه وعند ظهور أي من هذه القضايا والأبعاد فقد وظفت لخدمة برامج المعارضين، فعلى سبيل المثال فقد اقترح مقال نشر في جريدة الأهرام 2 فبراير 2000 أن رفض الزوج للحق في الاستئناف ضد الخلع لا يمثل انتهاكاً للشريعة ولكنه أيضاً انتهاك للدستور الذي يعطي الجميع الحق في الاستئناف.

وكما حدث وتم استخدام شعار الدفاع عن الدستور والمواطنة في إطار مهاجمة القانون فقد تم أيضاً الرجوع إلى قضية حقوق الإنسان لنفس الغرض فخطاب الحقوق كان متغيباً باستثناء عندما كان يتم استخدامه لخدمة البرنامج المحافظ، وعلى سبيل المثال فقد قالت جريدة الوفد 29- 1-2000 بأن تطبيق الخلع هو انتهاك لحقوق الإنسان حيث أنه يمثل تدخلاً في الإدارة الخاصة للأسرة، كما أنه يتحدى سلطة وسيطرة الرجل على أسرته.

أي أنه وبصفة عامة كان من النادر في الغالب أن تتناول المقابلات الصحفية جوانب خطاب حقوق المرأة أو المساواة أو تحرير المرأة حيث كان الحديث دائماً باسم الأسرة، وبالطبع كان لتلك القاعدة في التناول بعض الاستثناءات لكن ماهو واضح أن الخلع تم تناوله من وجهات نظر ذكورية تؤيد سيادة الذكور.

ثانياً: أسباب رفض الخلع في الصحافة:

- التفسير التآمري:

سيطر الفكر التآمري على كثير من المعالجات الصحفية المتعلقة بقضية الخلع، حيث كان التركيز على هوية الذين يقفون خلف القانون، وقد أشار الكاتب فهمي هويدي إلى أن هناك تساؤلات عديدة تثار حول طبيعة وهوية الجهة التي قامت بمهمة البدء في مناقشات إصدار القانون، والمقاصد المرجوة من وراء ذلك -الأهرام 26-1-2000.

نادت أيضاً كل من جريدة الشعب والأحرار والوفد بدرجة أقل منهم أن ما يحدث هو مؤامرة غربية صهيونية لهدم الأسرة المسلمة بل وقد أكدت جريدة الشعب بتاريخ 21-1-200 أنها علمت أن هناك قوى خارجية تفرض المشروع ولديها القوة والقدرة لفرضه.

كما حاول البعض الربط بين القانون وبين ما يعتبرونه مؤامرات خارجية غربية تهدف لفرض قيم ورؤى الغرب عن تحرير المرأة في المجتمع المصري وهذا يعني أن القانون بوجهة نظرهم هو الثمرة الناتجة عن تحالف الحركات النسوية الغربية مع الحركات النسوية المصرية.

- عدم الاحتياج للقانون الجديد:

السبب الثاني والذي تم عرضه لمقاومة الخلع هو أنه لا توجد حالياً أي مشاكل اجتماعية مرتبطة بتطبيق القانون الساري للأحوال الشخصية وخاصة بالنسبة للسواد الأعظم من السكان وبالتالي لا يوجد داع لإصدار قانون جديد مع ضرورة الأخذ في الاعتبار وفق ذلك الرأي أنه لا يجب أن نأخذ الحالات الفردية كحجة لتعديل أوضاع مستقرة لا تمثل شكوى جماعية على المستوى العام.

- عاطفية المرأة وعدم نضجها:

تكرر كثيراً في التغطية الصحفية لقضية الخلع أنه لا يجب منح الثقة للمرأة في ممارسة الحق في الخلع وذلك لأنها كائن عاطفي، وفي لحظة الغضب قد تتخذ المرأة هذا القرار وتندم عليه بعد ذلك.

تلك العواطف النسائية الهشة والضعيفة تجعل كل امرأة تميل إلى سوء استخدام الحق في الخلع مما سيؤدي إلى تحطيم الأسرة كنتيجة طبيعية.

- الخلع وتفكك الأسرة المصرية:

تم رفض الخلع على أساس أنه سيؤدي إلى تحطيم الأسرة المصرية، ففي حين أن الصحف المصرية الرسمية قد ركزت على فوائد القانون وكيف أنه سيكون مصدر حماية للأسرة والمجتمع، هذا في حين أن باقي الصحف أوضحت أن الخلع سيؤدي حتماً إلى زيادة حالات الطلاق وأن عدداً يبلغ مليوناً ونصف المليون امرأة سيتقدمن للحصول على الخلع فور صدور القانون.

- الخلع والرأي العام:

بينما أوضحت الكثير من المعالجات الإخبارية التي تمت عقب الموافقة النهائية على القانون والمنشورة في جريدة الأهرام أن القانون قد أعد وصدر بطريقة ديموقراطية كاملة شاركت فيها القوى الشعبية المختلفة، ونقلت عن لسان رئيس الوزراء أن نواب مجلس الشعب قد أدخلوا تعديلات تعكس نبض الشارع المصري فإن الجرائد المعارضة قد أكدت على أن القانون قد صدر على غير ما يراه الشارع المصري.

ثالثاً: دوافع توجهات الصحف السلبية نحو قانون الخلع:

- سيادة القيم الذكورية:

سيادة القيم الذكورية في المجتمع هي السبب الأول ولعله الأكثر أهمية في أسباب رفض هذا القانون من قبل بعض الصحف، وتنحاز هذه القيم الذكورية غالباً ضد المرأة وتهدف للعودة بها إلى الخلف كثيراً، حتى هؤلاء الذين دافعوا عن القانون فقد كانوا حريصين على الحديث عن حقوق الأسرة وليس حقوق المرأة.

- تأثير التوجهات الحزبية على موقف الجريدة

يمكن تفسير المعالجات الإعلامية غير الموضوعية إلى أن كل صحيفة إنما تعكس أيديولوجيات الحزب الذي تصدر عنه، فجريدة الأهرام كانت تعكس موقف الحكومة وبالتالي حرصت على طرح الجوانب الإيجابية في القانون ومدى توافقه مع أحكام الشريعة، وبالنسبة للحملة التي نظمتها جريدة الوفد ضد قانون الخلع فلم يكن سراً الموقف المعارض من القانون الذي يتخذه القيادي الوفدي ياسين سراج الدين، وبالنسبة للشعب والأحرار فقد كانت تدفعهم وبوضوح الأيديولوجيات الإسلامية الراديكالية المحافظة جداً والمعارضة للقانون وكثيراً ما كانت تشتبك مع الحكومة.

- نقص الوعي بالظروف الاجتماعية:

هناك نقص في الوعي وعدم معرفة البعض من الكتاب والصحفيين بالحقائق الاجتماعية التي تعيشها المرأة المصرية وأسرتها اليوم، لذا انتشرت فكرة أنه ليس هناك مشكلات تبرر إصدار هذا القانون الجديد.

- غياب وجهه النظر المدافعة عن حقوق المرأة:

الصوت الإعلامي المدافع عن المرأة ضعيف بل وأنه غائب خاصة وأنه لم يبرز أي دور للمنظمات النسائية والمدافعين عن حقوق المرأة ضد الردود الدفاعية ورسوم الكاريكاتير التي قللت من قيمة المرأة وأحطت من شأنها.