هل أنا ضد الرجل ؟



باسنت موسى
2008 / 1 / 19

وصلني على بريدي الإليكتروني الأيام الماضية عدد لا بأس به من الرسائل التي تتهمني بأنني فتاة مريضة نفسياً وأحتاج للعلاج وذلك لأنني وفق منظور هؤلاء الراسلين الذكور في أغلب الأحوال، لا أعمل إلا على تشوية صورة الرجل واتهامه بالنرجسية والتخلف والرجعية وذلك في سبيل إعلاء قيمي التي وصفت من خلال هؤلاء الراسلين بأنها قيم انحرافيه تدفع بالمرأة للحرية غير الواعية أو المسئولة.
حقيقةً انزعجت بعض الشيء من قسوة عبارات تلك الرسائل، ليس لأن تلك القسوة موجهه لشخصي وإنما لأنها تؤكد أن رسالتي في كثير من الموضوعات التي تناولت من خلالها قضايا نسائية كانت صادمة للبعض، وتلك الصدمة لم تدفع بالمختلفين معي للتفكير بالرد المنطقي عليّ لذلك أكتفوا بالهجوم من خلال اتهامات كوني مريضة نفسياً أو منحرفة أخلاقياً وذلك السلوك يؤكد عدد من النقاط السيئة منها أن قدرتنا على تقبل الأطروحات المختلفة غير موجود لذلك من السهل علينا توجيه الاتهامات في عبارات بذائيه متدينة وهذا مؤشر خطير برأيي، فالذي أعتاد أن يسب ويلعن ويتهم المختلف معه بأصعب وأقذر التهم لو تمكن يوماً من قتله لإخماد صوته المختلف لفعل دون أدنى شعور بالخطأ، أي أننا لو لم نتعلم كيف نختلف ونتحارب فكرياً سيعود مجتمعنا سنوات للخلف وستكون حوادث وسلوكيات التصفيات الدموية والنفسية للشخصيات التي تمتلك رؤية مغايرة للسائد بين الأغلبية الغير واعية في كثير من الأحيان أمر طبيعي وعادي لذلك ستهجر مجتمعاتنا العقول المفكرة وسيعيشوا بالخارج وربما يعودوا وهم شاعرين بالخوف من قسوة الانتقام من تيارات الظلام والأمثلة من حاضرنا كثيرة في هذا الإطار فهناك نوال السعداوي وسيد القمني وأحمد صبحي منصور وغيرهم كثيرين.
من الهام أن أشير أنني لست ضد الرجل لكونه رجل ولا أملك رؤية مشوهة نفسياً له،،، فلم أنشأ بأسرة يحكمها رجل يحتقرني كأبنة أو يحتقر والدتي، بل كان رحمه الله أكثر رجل يدفعني للقراءة والخوض في الموضوعات الشائكة دون خوف وذلك لم يكن من قبله كلاماً فقط بل كان سلوكاً حيث منحني مساحة حرية كبيرة جداً بعد وفاته أدركت مدى اتساعها خاصة وأن والدتي تحمل تحفظات كثيرة على تلك المساحة كما أن صديقاتي وحتى العاملين بالمجال الصحفي ليس لدى كثيرات منهم القدرة أو حتى الشجاعة على مطالبة أهلهم برفع القيود التي رفعت من على عاتقي أنا منذ سنوات بعيدة جداً، حتى الآن في حاضري وعلاقتي مع الرجل كحبيب وصديق وزميل لا اعرف التعميم واخذ موقف مضاد من كل الرجال لكون رجل أساء التواصل معي وفق وضعه بحياتي، فأنا أدرك جيداً أن كل فرد هو حالة خاصة وليس معنى أنه سيء أو جيد أن كل بني جنسه كذلك والتعميم بأن كل الرجال جيدين أو سيئين أمر غير سليم من الناحية النفسية لمطلق ذلك التعميم وغير مقبول منطقياً لأن البشر ليسوا نسخ متشابهة حتى لو تشاركوا في أي انتماء جنسي أو عِرقي وما إلى ذلك من انتماءات.
كثيراً عندما تتحدث امرأة أمام مجموعة من الرجال عن حقوق المرأة في مجتمعات الذكورة ومجتمعنا المصري نموذج لذلك، تجد ابتسامة بلهاء ترتسم على وجه بعض من الرجال الحاضرين ثم يطرح أحدهم سؤاله التهكمي المعتاد في سخرية لا تعفي من حوله وخاصة الواعيين منهم من اتهامه بالغباء، حيث تجده يقول: المرأة تنقصها حقوق هذا وهم كبير أظنني كرجل سأطالب بأن أنال نصف حقوقها التي تحصل هى عليها الآن؟
الإجابة على السؤال قد تحتاج لأن يطلع هذا الرجل ومن هم على شاكلته على الأبحاث الاجتماعية التي ترصد الانتهاكات البشعة في حق المرأة التي قدر لها العيش في مجتمعات تعشق الرجال وتمنحهم كل وسائل التعالي الأجوف، كما أنه يحتاج لأن يستخدم عقله في تحليل ما سيقرأ من تلك الأبحاث وأكرر يحتاج عقله وليس ذكوريته ليفهم، ليس معنى هذا بأنني لن أجيب على هذا السؤال الذي يردده كثير من الرجال في بلاهة أحسدهم حقيقة عليها.
لو قلنا أن الرجل إنسان والمرأة أيضاً إنسان فهذا يعنى أنهم يحظون بذات الحقوق وعليهم ذات الواجبات في كل مناحي الحياة، هذا غير متحقق برأيي وبرأي كثيرين ممن يظنون مثلي أن للمرأة حقوق ضائعة، وانطلاقاً من هذا ودون حصر سنعدد في نقاط بسيطة بعض مما نراه انتهاك للتساوي الإنساني المفترض للرجل والمرأة في مجتمعات الذكورة.
** قبول الأخطاء ليس بذات الدرجة من التسامح وخاصة في مجال الجسد والعاطفة، فالرجل عندما يبحث عن علاقة خارج إطار الزواج سواء هو متزوج أو غير ذلك ينظر لسلوكه هذا على أنه نزوة عاطفية أو خطأ دافعه امرأة غير منسقة ومهندمة هو متزوجاً بها، وهذا معناه أننا نسامحه بل ونبحث له في حالة كونه متزوج عن الأسباب التي دفعته لهذا الخطأ. لو وقعت امرأة أو فتاة في ذات الخطأ يكون الأمر مختلف حيث يحق لكامل أفراد عائلتها أن يقتصوا لشرفهم الذي أهدرته تلك العاهرة وليست الخاطئة كما يطلقون عليها وبالطبع في هذا الوضع لا مجال لأن نبحث في الأسباب التي دفعت تلك المرأة للوقوع في هذا الخطأ وذلك ليس لأننا لا نجيد البحث وإنما لأننا نمتلك عقل تمييزي مقيت يقبل البعض بأخطائهم ولا يقبل البعض الأخر بل يهدف دوماً لقهرهم وقتلهم دفاعاً عن معاني أكبر بكثير من أن يحيوها جسد امرأة.
** عندما يرتبط إنسان بأخر مساوي له تماماً في الإنسانية فحتماً ستكون هناك شراكة متساوية في كل مهام هذا الارتباط بدءاً من أصغرها وحتى أكبرها وأصعبها ، الواقع يقول عكس ذلك حيث نجد دوماً الكثير من الرجال يبنون حياتهم ونجاحهم على انزواء شريكتهم في الحياة، والعجيب في الأمر أن شابات اليوم سعداء بهذا الانزواء لتوفير الجو العائلي الملائم لنجاح الرجل دون أن يسألن أنفسهن هل المنزل وجدرانه ومجموعة الأطفال أبنائي يستوعبون كل طاقتي بالحياة؟ وهل الله خلقني لكي يكون دوري محدود لهذا الحد؟
وهذا العرف السائد القائل بأن الرجل يحتاج للنجاح والتحقق خارج المنزل والمرأة تحتاج للتحقق داخل المنزل فقط يفسر لنا قلة عدد المشاركات في العمل العام على كافة مستوياته وندرة المتميزات بوضوح في مجالات العمل المختلفة، حيث تفضل كثيرات ألا تدفع ثمن نجاحها العملي بفقدانها للتحقق الزوجي والأسري.
هنا أنا لا أريد أن تنجح المرأة بالعمل وتهمل أن يكون لها أسرة وزوج وأطفال وإنما فقط أدعو شريكها لأن يتشارك حقيقة معها في الحياة ولا يكون أناني مردداً على مسامعها أعملي وانجحي كما تشائين المهم ألا تقصري في واجباتك الأسرية، لماذا يريد منها تحقيق الكمال بمفردها لماذا لا يساعدها على الوصول للكمال به ومن خلاله؟ أتعرفون لماذا لأنه ينظر لها على كونها شريك غير متساوي في القيمة وبالتالي يمكنه أن يتخطى حقوقها للحصول على حقوقه.
** ما يحدث في الشارع من تحرش جنسي لفظي وجسدي، وأفعال رجالية خادشة كأن يسير رجل بارزاً عورته وهؤلاء أصبح عددهم ليس بقليل وفي كل الأماكن وكل الأعمار،تلك السلوكيات يقابلها على الجانب النسائي خوف وقلق شديد واتجاه نحو التقوقع في الأنوثة وكيفية الحفاظ على معالمها من الرجل الوحش المفترس الذي لن يرحمها لو وقعت في نطاق قدرته على الانتهاك... ما معنى هذا السلوك على كل جانب؟ برأيي هذا معناه أن الرجل فقد احترامه للمرأة والمرأة فقدت الثقة فيه كإنسان وأصبح تراه كحيوان مفترس لا يمكنه التحكم في غرائزه ، ووضع كهذا ونظرة كتلك تأكيد على أن الطرفين لا يفهمان معنى كونهما شركاء إنسانية أوجدتهم متساويين.
** عندما تتعرض فئة اجتماعية لانتهاك ما اجتماعي يمكن من خلال صحوة فكرية لأبناء هذا المجتمع أن تزول أسباب هذا الانتهاك لكن عندما يتم تغطية هذا الانتهاك بغطاء ديني تكون المواجهة أصعب ما يكون بين التيار الذي يرغب في أن تعيش كل الفئات بسلام والأخر الذي يدعم عيش البعض في غبن وضعف.
المرأة اليوم تسلب حقوقها بغطاء ديني متطرف يراه المجتمع أنه غير متطرف بل مقبول واعتيادي لأن مفرداته تناسب عاداته البائدة لذلك لا عجب من أن نجد تشجيع اجتماعي كبير للزي الذي يشبه التابوت ولكنه من القماش وتريديه المصريات الشابات الآن تحت دعوى تنفيذ أوامر دينية، وهذا الزى لا يقتصر دوره على مجرد زى بل أنه يرسم للفتاة معاني كثيرة بشكل خاطيء ومحدود كالعفة والجسد على سبيل المثال كما أنه يجعل نطاق احتكاكها بالعالم خارج تابوتها القماشي محكوم بالكثير من المحذورات التي تعيقها على تحقيق تفاعل واسع وراقي لبنائها الإنساني.
ذلك بعض صغير جداً من كل أعرف جزء منه ويؤكد لي يومياً أنني أحيا كأنثى بمجتمع ينظر لي ولبنات جنسي كنصف إنسان لكنني لن أتراجع وأتمنى ألا تتراجع باقي رفيقاتي عن إثبات حقوقنا الإنسانية التي منحها لنا الله وسلبها مننا بعد تحت دعاوى كثيرة منها تنفيذ أوامره والله من أوامرهم لقهرنا كنساء بريء فهو العدل كله ولن يحابى الرجل على حساب المرأة فكلانا صنعة يديه.