تأملات أمرأة



سُلاف رشيد
2008 / 2 / 8

كم باب من الحزن تـُـفتح للروح في كل يوم من أيام الغربة ، وكم ألم يرسي سفنه على شاطئ الروح ، وهي تحاول أن تلعن وحشتها بشمس طال وقت إشراقها ، فتبدو للعين كل صباحات الغربة زمهريراً ورياحاً جليدية وعتمة أرنو، بعين يملأ رؤياها الدمع ُ إلى وطن يبعد عني ألاف الأميال ، لعل أن يهبَ من هناك نسيمُ ، يبعثُ الدفءَ في الروح ِوالعظام ِ، ولكن من أين يأتي هذا الدفء، من القتل اليومي، من الجوع المزمن، من الحرمان المتكلس، من الضياع الدائم، من البؤس المنحوتُ على وجوه النساء والأطفال، أم من الذاكرة الممزقة . صدفة نظرت إلى التقويم المعلق على جدار المطبخ ، فعرفت اليوم هو الخميس وهو السابع من شباط ، ولا إرادياً امتد البصرُ إلى تاريخ الغد ، فتزاحمت الذاكرة بإعادة تركيب صورتي صديقتي نور وأختها إشراق ، كانت نور تتغيب عن المدرسة في الثامن من شباط ، تكرر ذلك لثلاث سنوات ، ورغم صداقتنا الحميمة أنا ونور ، إلا إنها لم تبح بشئ عن غيابها، مرة ونحن في الصف الثالث متوسط ، تخلفت أيضاً نور عن المجئ للمدرسة، رغم علمها بالامتحان الشهري لمادة الفيزياء ، وبما أن بيتهم لا يبعد كثيرا عن بيتنا ذهبت إليها ، وشعرت بحزن شديد، حينما رأيت الدموع تملأ عيني ّ نور، وبعد أن طمأنتني أن ليس هناك من شئ ٍ، عدت إلى بيتنا .
في اليوم الثاني وبينما كنت أتمشى مع نور في ساحة المدرسة ، روت لي سبب عدم مجيئها يوم امس ، قالت لي انه يوم حزين في عائلتنا ، ففي هذا اليوم وقبل أن أولد بسنتين ، كانت إختي اشراق في المرحلة الاولى من كلية الطب ، أعتقلوها ، وأعتدوا عليها ، رغم أنها لم تنتمي الى اية جهة سياسية ، فقط لكونها جميلة ، ومنذ إن أطلقوا سراحها الى اليوم هي لم تغادر البيت ، ولم تتكلم مع إي احد منا .
تذكرت إشراق وإلابتسامة الفاترة على شفتيها حين ترانا أنا واختها نور ، فأمتلات الروح بالأسى لما يجري في وطني ألأن ، تجاوزت النظر الى التقويم لان بعد ذلك اليوم ليس هناك من ابواب للفرح ، رغم تفائلي .