عائدات للنضال من اجل الخبز



ميخال شفارتس
2008 / 3 / 4

نكرس يوم المرأة العالمي هذا العام لابراز التراجع في الوضع الاجتماعي والاقتصادي للنساء اللواتي يعشن في هوامش المجتمع الاسرائيلي، بضمنهم العربيات، الشرقيات، المهاجرات، المعيلات الوحيدات، عاملات النظافة، العاملات بعقود شخصية، النادلات، وحتى المعلمات والمحاضرات. في السنوات الاخيرة، "تبتلع" الهوامش بنهم المزيد من النساء اللواتي يزددن فقرا، وتتسع الفجوة بينهن وبين الاقلية المتخمة الغنية.

هذا العام هو للنساء اللواتي يبذلن جلّ طاقاتهن في المطاردة اليومية وراء الرغيف، وراء مصدر الزرق والقليل من الاستقرار. الكثيرات يضطررن للارتزاق من وظائف جزئية، او مؤقتة، يعشن دوامة لا تنتهي من الفصل والتوظيف، يتنقلن بين شركات القوى البشرية التي تتغذى من عرقهن. الحد الادنى للاجور تحول الى حد اقصى لا يرتفع، بينما الاسعار في ارتفاع مستمر، والدعم الحكومي للبضائع في هبوط، ومعها تتقلص مخصصات التأمين الوطني. عام بعد عام يبتعد حلم الاستقرار الاقتصادي وراحة البال، ويتحول الفقر الى ضيف دائم.

الحكومة ترى هذا الوضع، ولكنها لا تحرك ساكنا لتغييره. واذا كان هناك موضوع يحظى باجماع في هذه الدولة، فهو الاقتصاد النيوليبرالي الذي يخدم الاغنياء ويتجاهل الباقين، والذي يربط بين اولمرت، بيرس، نتانياهو وستانلي فيشر. بدل الاهتمام بمصير الفقراء تفضل الحكومة اتهامهم بفقرهم. مؤسسات المال العالمية تحب الحكومات التي تفصل عمالها، تخصخص منشآتها، وتقلص نفقاتها في مجالات الرفاه للمواطنين، مثل التعليم، الصحة، السكن. كذلك المستثمرون الكبار يحبون الحكومات التي تبعث النساء للعمل لدى المقاولين الفرعيين، فهذا في نظرهم يدل على ان الحكومة جادة في خدمة ارباحهم.

اولمرت (وكذلك براك، نتانياهو وفيشر)، لا يعتقد انه ملزّم بتوفير اماكن عمل لنا، بالعكس. كل ما يهمه هو عدم اختراق الميزانية. عندما يعطي موافقته لاستيراد المزيد من العمال الاجانب الفقراء وعديمي الحقوق، والذين يضطرون بسبب فقر بلادهم للعمل بظروف استغلال لا تصدق، انما يعطي بذلك دعما حكوميا غير مباشر للمزارعين الكبار، لشركات القوى البشرية، وشركات البناء الكبرى وغيرها، ويقطع بذلك الطريق امام امكانية العمال والعاملات المحليين ايجاد عمل بظروف واجور ملائمة.

فرعا الزراعة ومساعدة العجزة أُغلقا امام العاملات المحليات. بدل توفير اماكن عمل ورزق كريم، يُرسلن الى خطة ويسكونسين المذلة، او يُعَدن الى بيوتهن، في وضع تم فيه تقليص مخصصات البطالة وضمان الدخل بعشرات النسب المئوية. ولم نذكر بعد اغلاق مصانع النسيج التي وفرت في الماضي مصدر رزق لآلاف النساء، وتم نقلها للاردن، مصر والصين بحثا عن الايدي العاملة الارخص. في العالم كله تقوم الحكومة بدعم فرع الزراعة، التعليم والصحة، الا في اسرائيل والولايات المتحدة.

كل النساء اللواتي وجدن انفسهن في الهوامش يتضررن من هذه السياسة، ولكن الضرر الواقع على النساء العربيات هو اكبر بكثير. فالمجتمع العربي كان متعلقا تماما بما يسمى "الاقتصاد القديم"، سواء الزراعة والنسيج والبناء. وهذه فروع لم تعد مغرية بالنسبة للحكومة، لذا اما انها اغلقتها او انها استوردت لها ايدي عاملة اجنبية. ما العجب اذن ان 17% فقط من النساء العربيات يعملن؟ وما العجب ان اكثر من نصف العائلات العربية تعيش تحت خط الفقر، وان اثنين من كل ثلاثة اولاد عرب فقيران.

لا يحدث هذا في بلد نائية، بل هنا والآن، في يافا، في كفر قرع، جسر الزرقاء، كفر مندا وكل قرى النقب. مشاركة النساء العربيات في قوة العمل كانت دائمة منخفضة، بسبب شح فرص العمل في الوسط العربي، انعدام البنية التحتية، المواصلات، المناطق الصناعية، روضات الاطفال، هذا علاوة على مصادرة الدولة لمعظم الاراضي العربية، وكذلك بسبب العادات والتقاليد التي لا تزال تمنع خروج المرأة العربية للعمل. ولكن النسبة اليوم قلت عما كانت عليه، لان الكثيرات من اللواتي اعتدن العمل يضطررن للبقاء في البيت دون مصدر دخل، ولا شيء يقترحونه على اولادهن سوى الفقر والمستقبل الغامض.

الفقر والانغلاق الاضطراري المفروضان على النساء العربيات يؤديان الى احباط عميق، يقويان التيارات المحافظة المتطرفة، مما يبعد النساء عن القيم الايجابية والتقدمية في الحضارة الغربية، بما في ذلك خروج المرأة للعمل، المساواة والحقوق. نفس الفقر والاحباط اللذان قادا لاندلاع انتفاضة اكتوبر 2000 في المواقع الاكثر فقرا في الوسط العربي في اسرائيل، لم يختفيا، بل تكرسا وتعمقا.

وتعترف الحكومة بان عمل النساء يمكن ان يخلّص العرب من دائرة الفقر، ولكنها تدعي ان التقاليد العربية هي التي تمنع خروج النساء العربيات للعمل. صحيح ان المجتمع العربي محافظ، ولكن الارقام تثبت انه في المدن المختلطة حيث اماكن العمل متوفرة بكثرة، لا تقل نسبة النساء العربيات العاملات عن نسبة العاملات من الاصل اليهودي الشرقي (33%). بمعنى اذا توفر العمل باجور كريمة، فستوجد الايادي العاملة التي تقوم به.

وليس هذا فحسب. تجربة فتح اماكن العمل التي تخوضها جمعية معًا النقابية تثبت ان المواقع التي فيها امكانية للعمل مقابل اجر كريم حسب القانون، تشهد اقبالا من النساء على العمل. غير ان سياسة الحكومة تضع العراقيل امامهن. بعد موجة الصقيع التي ضربت فرع الزراعة، تم فصل العديد من العاملات المنظمات في جمعية معا من المزارع المختلفة، بينما تم الابقاء على العمال الاجانب. كما تجاهلت الحكومة مطلب الجمعية تعويض العاملات عن خسارة مصدر رزقهن، بينما عوّضت المزارعين.

النساء العربيات اللواتي انضممن الى جمعية معا، رفضن الحكم عليهن بالاقامة في البيت والبقاء فقيرات. رغم كل الصعوبات ورغم العمل الجسدي الموسمي والمؤقت، الا انهن مصرات على الخروج من البيت وكسب خبزهن بعرق الجبين. انهن عازمات على التعاون مع جمعية معا في النضال من اجل سياسة اقتصادية مختلفة، وطرح مطالبهن في شوارع تل ابيب في الثامن من آذار، للعام الثاني على التوالي. بعض هؤلاء تلقين تأهيلا نقابيا في دورة خاصة نظمتها جمعية معا، بهدف تحويلهن الى قوة فعالة في بناء النقابة على اساس من التضامن النسائي والطبقي. بعضهن ايضا تحولن الى عضوات فعالات في "منتدى معًا النسائي" الذي يناضل من اجل رفع مكانة المرأة العربية في المجتمع.

هؤلاء النساء ينادين كل رجل وامرأة، من يهود وعرب، شرقيين وغربيين، محليين ومهاجرين، بان يضموا قوتهم الى مسيرة يوم المرأة من اجل قهر الفقر، واحقاق حقوق النساء العاملات، ولبناء مستقبل افضل.