في الدولة العلمانية اللا دينية واللا قومية ودور المرأة في التصدي لقوى الاسلام السياسي



عصام شكري
2008 / 3 / 6

خيال ابراهيم: حول استراتيجية الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي التي تم اقرارها في المؤتمر للاول للحزب في عام 2006. في ذلك القرار تم تبني قرار الحزب المؤرخ في العام 2005 حول السيناريو الاسود واستراتيجية الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي من اجل خلاص جماهير العراق كاملا وفي ذلك القرار يشار الى نقطة مثيرة للاهتمام وهي ما يلي:" البرجوازية عاجزة تماماً عن تأسيس دولة علمانية غير قومية وغير دينية ومجتمع مدني في العراق". سؤالي الاول هو حول هذه الفقرة. هل ان العلمانية اليوم باتت مهمة اشتراكية؟ نحن نسمع اراء من بعض الاصوات المدعية بالشيوعية تصف المطالبة بالعلمانية او المجتمع المدني بانها مطالبات برجوازية ليبرالية. ما قولك عن تلك الاراء وكيف تناقشونها؟

عصام شكـــري: المطالبة بالعلمانية ليست مطالبة ليبرالية للطبقة البرجوازية. ان القوى المدعية بالشيوعية و التي تتهم المطالبة بالعلمانية بانها مطالبة ليبرالية تنتمي في الواقع الى جناح الشيوعية البرجوازية. السبب برأيي انها تريد من هذا النقد اسداء خدمة لقوى الاسلام السياسي. انها تهاجم من يطالب بالعلمانية وفصل الدين عن الدولة واعتبار الدين شأن شخصي وابعاده عن المجتمع المدني على انه ليبرالي. في حين ان تلك القوى لا تنبس بكلمة حول حركة الاسلام السياسي والدين والبربرية الدينية. برأيي ان رأيها هذا تغطية لموقفها الرجعي ككل من حركة الاسلام السياسي. تلك القوى تحاول ان تضرب أي قوة شيوعية او يسارية (وتحديدا قوى الشيوعية العمالية)، وتحاول ان تبين ان نضال تلك القوى ضد الاسلام السياسي من اجل احلال العلمانية والتمدن ومساواة المرأة هو مطالبة ليبرالية من اجل افشالها. انهم يغطون بموقفهم هذا على موقفهم المساوم والمعتذر للاسلام السياسي وللرجعية والقوميين والعشائريين ويعتبرون ان تحقيق العلمانية في المجتمع غير ضروري وبالتالي فهي مهمة البرجوازية وليس مهمة الطبقة العاملة. من هذا الباب اوجه نقدي لتلك القوى ولا اعتبرها عمالية بل برجوازية. ان الشيوعية العمالية كفصيل اشتراكي داخل الطبقة العاملة يضع المطالبة بالعلمانية كميدان اساسي ومهم من ميادين النضال الطبقي للطبقة العاملة اليوم. راية العلمانية اليوم ليست في يد البرجوازية كما قبل 200 سنة بل اصبحت في يد الاشتراكيين والطبقة العاملة؛ انها علاوة على ذلك مطلب جماهيري وانساني واسع وتحديدا مطلب عموم جماهير العراق والمنطقة بل وعلى صعيد العالم. على الشيوعيين والاشتراكيين التصدي لهذه المهمة. اليوم البرجوازية ليست فقط عاجزة عن تحقيق العلمانية وفصل الدين عن الدولة بل انها هي نفسها اصبحت طبقة رجعية بالكامل لانها تتخندق مع قوى الدين.

خيال ابراهيم: كيف برأيك ان البرجوازية عاجزة عن تحقيق الدولة العلمانية. الجميع يعرف ان العلمانية أي فصل الدين عن الدولة هو مطلب برجوازي قديم وقد حققته تلك الطبقة في اوربا وامريكا وان مطالب الشيوعيين هي تحقيق الاشتراكية والنظام الاشتراكي. كيف تجعلون من العلمانية ميدانا للنضال الاشتراكي؟.

عصام شكـــري: ان قولنا بان البرجوازية عاجزة تثبته نظرة سريعة على الواقع المحلي والعالمي. لناخذ القوى الحاكمة اليوم في العراق: المالكي او علاوي او الجلبي او الالوسي او اي قوة سياسية اخرى. اسأل: ماهو موقف أي من تلك القوى بخصوص اقامة دولة علمانية في العراق؟ دولة علمانية بمعنى الدولة اللا دينية واللا قومية. لننبته الى ان الدولة العلمانية يجب الا تكون قومية ايضا. نحن نقول في استراتيجيتنا: دولة لا دينية ولا قومية بمعنى تنتهج المواطنة كمعيار والمساواة بين البشر على الاسس الحقوقية وبالتالي تؤسس لمجتمع مدني. اسأل : من من هذه القوى البرجوازية الحاكمة او المعارضة ( استثني المعممين بالطبع!) علماني اليوم؟. ولكني لنسأل عن القوى المعرفة بالعلمانية : لناخذ الحزب الشيوعي العراقي الذي يجلس على مقاعد شيعية!!. هل يطالب بالعلمانية؟ اين؟ أي من تلك القوى علمانية؟!. ليس ثمة قوة من تلك تطالب بفصل الدين عن الدولة. البرجوازية اذن باتت عاجزة عن تحقيق العلمانية. اما على الصعيد العالمي، فلنسأل عن مواقف جورج بوش وتوني بلير من الاسلام السياسي ومن الدين داخل مجتمعاتهم. توني بلير يقول ان الاسلام دين عظيم وعلينا التعلم منه!!. اما جورج بوش ففي ليلة قصف بغداد في نيسان 2003 قال جائني المسيح او ”الرب“ وقال لي امنحك صلاحية الهجوم على العراق لانقاذ جماهيره!!. أي برجوازية علمانية ؟!. البرجوازية كلها صارت دينية ورجعية ومعادية للعلمانية والتمدن. العلمانية تعني فصل الدين عن الدولة. اعتقد بان جورج بوش ومقتدى الصدر ونوري المالكي وتوني بلير وكوردن براون ( بالرغم من موقفه الاخير من تصريحات رئيس اساقفة كانتربري ) وكل القوى البرجوازية بيمينها ويسارها غير علمانية وعاجزة عن تحقيق العلمانية وكما قلت اصبحت في خندق الدين. لا استعمل كلمة "عاجزة" هنا بمعنى العجز العسكري. نحن نعرف ان البرجوازية مسلحة لاسنانها وهي تمتلك احدث انواع الاسلحة ووسائل التدمير. وقبل ايام سألتيني عن مليون قتيل عراقي او تجاوز حد المليون قتيل بعد 4 سنوات من الاحتلال الامريكي. مليون قتيل مدني عراقي !!. البرجوازية بالتاكيد ليست عاجزة عن القتل والاجرام. وهي ليست عاجزة عن اختراع واستعمال الاسلحة النووية والبايولوجية والكيماوية وتدمير العالم عشرات المرات بهذه الاسلحة. الا اني اعني بالعجز هو فشلها في ايجاد حلول لمعضلات ومشاكل المجتمع. انظري الى العراق: لقد دمروا البلد وهو ينزف والجماهير تموت والقوى الاسلامية والقومية عاجزة عن ايجاد أي حل لاي مشكلة: لا تعليم ولا صحة ولا امان ولا خدمات عامة ولا وضع المرأة. انهم عاجزين تماما عن ايجاد الحل لمعضلات الناس. أي متابع ولو بشكل سطحي للانتخابات الامريكية سيدرك مقدار نقمة وحقد الشعب الامريكي على الطبقة البرجوازية التي تخنقه بدعوى الدفاع عن حرية وديمقراطية ومصالح امريكا وتقوم بكل هذه الاعمال الوحشية والبربرية التي اصبح المواطن الامريكي يخجل بسببها من الادعاء بانه امريكي. هنالك امثلة لناس شرفاء في امريكا يريدون ايقاف الحرب ويطالبون بعدالة اجتماعية وارجاع الثروات الطائلة التي تصرف على الحروب لاولادهم وصحتهم وتعليمهم ولخدماتهم. بهذا المعنى نقول ان البرجوازية عاجزة عن تقديم الحلول.

خيال ابراهيم: يصف قرار الحزب بان مهمة تحقيق الدولة العلمانية اللا دينية واللاقومية في العراق هي مهمة اليســار والحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي. ماهو شكل الحكومة العلمانية هذا؟. اقصد بكلمة الشكل المحتوى السياسي والاجتماعي للحكومة العلمانية التي تسعون لتحقيقها؟.

عصام شكـــري: المحتوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي للدولة العلمانية هو الحكومة الاشتراكية. ان تأسيس الجمهورية الاشتراكية هو الشكل المادي للدولة العلمانية. نحن نعرف عند القيام بانقلاب او ثورة او انتفاضة او استيلاء بشكل ما على السلطة فان ذلك يتم تحديداً من خلال الاستيلاء على اجهزة الدولة. ان الدولة هي التي تصبح علمانية. الدولة تسن في قوانينها وتشريعاتها فصل الدين عن الدولة وعن التربية وعن التعليم وعن المساواة الكاملة للمرأة بالرجل. الدين يطرد من كل اجهزة الدولة؛ لا يمول ولا يعطى راتب او دعم لاي شيخ او امام او ملله. لا يسمح بانشاء الجوامع والمساجد والحسينييات والمدارس الدينية على نفقة الدولة مطلقا. وفي الدستور تزال فقرة "ألعراق بلد اسلامي" وتزال فقرة "العراق بلد عربي". في الجمهورية الاشتراكية العراق بلد للجميع. بهذا المعنى نقول في الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي وبظل مقولتنا بان البرجوازية عاجزة، فانه يضع الطبقة العاملة والاشتراكيين بمثابة القوة الوحيدة القادرة على تحقيق الدولة العلمانية . لن نجد اليوم الا الطبقة العاملة ، و طليعتها الاشتراكية تداعي بفصل الدين عن الدولة ولا يوجد أي فصيل سواء يميني او يساري داخل الصف البرجوازي يدافع عن الحكومة العلمانية؛ بمعنى طرد الدين من حياة الناس وجعله شأنا شخصيا فرديا وبالتالي تأسيس مجتمع مدني قائم على المواطنة.

خيال ابراهيم: يقول قرار الحزب حول السيناريو الاسود واستراتيجية الحزب من اجل خلاص جماهير العراق بانه " يجب فضح الديمقراطية الغربية والاسلام السياسي والبعث والحركة القومية العربية والكردية، تبيان الخط والوجه المشترك لهذه القوى وتعلقهما بمعسكر رجعي متخندق ضد الجماهير الشعبية في العراق". كيف تضعون الديمقراطية الغربية والاسلام السياسي في معسكر واحد؟ هل ذلك متعلق بقولكم ان البرجوازية اصبحت اليوم وبشكل أممي طبقة رجعية معادية للتمدن؟ وماهو الخندق المقابل لمعسكر البرجوازية الرجعية هذه؟

عصام شكـــري: كما قلت اعتبر جورج بوش ومقتدى الصدر وحركته نفس الشئ. أي مواطن سيقول لك انهما نفس الشئ: نفس المحتوى الرجعي او وجهان لعملة واحدة؛ اجرام وقتل وسفك دماء وانعدام امان ورجعية وميكافيللية من اجل تحقيق غاياتهم ولو مات مئآت الالاف من البشر. ان جرائم قتل مليون انسان في العراق والتي سببتها الحرب هي جريمة مشتركة لهذين الطرفين معا. مالفرق بالنسبة للناس؟ مالفرق للناس بين جورج بوش وتوني بلير من جهة ومقتدى الصدر واسامة بن لادن والزرقاوي وجند السماء وعبد العزيز الحكيم وغيرهم من هؤلاء الخارجين من الكهوف؟!. نحن نقول ان البرجوازية بجناحيها العالمي والمحلي، اليميني واليساري اصبحت كلها رجعية ومتخندقة في خندق واحد معادي للجماهير. وهذا يفسر قولي السابق ان البرجوازية عاجزة عن ايجاد حلول. الاسلام السياسي عاجز عن ايجاد حل لشوق المواطنين في العراق للعيش في مجتمع مدني وعلماني. جورج بوش عاجز عن ايجاد حل للمواطنين في العراق من خلال دعمه لاقذر القوى الاسلامية والدينية والقومية والطائفية والمذهبية والعشائرية. في الحالتين هنا الدمار والقتل وانعدام الامان وتراجع الصحة والتعليم وحقوق المرأة، بل وقتل الاطفال في الشوارع بينما نسبة النساء الفاقدات لازواجهن ترتفع باظطراد. كل تلك جرائم تقوم بها البرجوازية بطرفيها الغربي والمحلي الاسلامي الرجعي سواء في العراق او خارج العراق. في فلسطين مثلا يوجد نفس الوضع: هناك اسرائيل وحماس. أي مواطن فلسطيني سيقول ان الطرفين مجرم وكلاهما يقتلون الابرياء وبلا رحمة. ان الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي على رأس القوى الداعية لدولة علمانية بامكانها ان تؤسس لمجتمع مدني لا يقوم على اساس الدين والطائفة والقومية والعشيرة والعرق والاثنية والتمييز بين البشر ونحن نناضل لتاسيس هكذا الدولة.

خيال ابراهيم: تركزون على اهمية لعب النساء لدورهن في الوقوف بوجه الاسلام السياسي حيث تقولون بان يجب تعبئة قوى الجماهير وبخاصة النساء بوجه الاسلام السياسي والقوانين والبدائل سواء التي تريد القوى الاسلامية فرضها على المجتمع. لم النساء تحديدا ضد الاسلام السياسي؟ كيف تربط ذلك مع الموجة الاجرامية والارهابية الفظيعة ضد نساء البصرة وبقية مدن العراق مثلا؟

عصام شكــري: نحن نعطي دورا مهما للنساء في التصدي للاسلام السياسي. نظرة على اولويات حركة الاسلام السياسي ترينا السبب. ان اكثر اولويات الاسلام السياسي هو قمع حرية النساء. اول المهمات التي يقوم به الملله او الشيخ الاسلامي عندما يستلم امر منطقة ما في الجنوب او في المناطق التي تحتلها عصابات القاعدة هو الامر بتحجيب النساء ولفلفتهن بالسواد. لماذا؟. ان قمع المرأة شعار حركة الاسلام السياسي وسلاح تلك الحركة من اجل التسيد واثبات الوجود داخل المجتمع. في المقابل، يجب على النساء كسر هذا السلاح ورميه بوجه الاسلام السياسي. يجب على المرأة ان تنهض وتعبئ قواها بوجه الاسلام السياسي. ان المرأة هي اكثر الشرائح المحرومة في المجتمع ولكن ليس فقط من قبل الاسلام السياسي، بل من قبل النظام الرجولي الرجعي السائد في المنطقة ككل. تعاني من القمع والحرمان والاظطهاد المزدوج؛ داخل البيت من اظطهاد الاب او الزوج او الاخ او الابن او أي ذكر داخل العائلة ( بعض الفتيات بعمر العشرينات يعانين من عنجهية وتسلط واعتداء اخوتهن الصغار من الذكور)!. هذه النظرة الدونية للمراة سببها وسبب ترسخها هو حركة الاسلام السياسي المعاصر وحركة القومية العربية والكردية والعشائرية اليوم، لذا فان من الاهمية بمكان ان تقف المرأة وتعبئ قواها وتتحول الى قوة اجتماعية ونضالية مهمة بوجه حركة الاسلام السياسي وتوقفها عند حدها وترجعها الى الحاشية. ان مطالبة المرأة بالحرية والمساواة الكاملة بالرجل وجه من اوجه النضال ضد حركة الاسلام السياسي القائمة على كراهية وعبودية المرأة.

خيال ابراهيم: دون الدخول الى ميدان الاهمية السياسية لوجود حزب الطبقة العاملة ولكي لا نخرج عن الموضوع وهي مهمات الشيوعية العمالية والعلمانية. ما هي برأيك ميادين الصراع الطبقية الاخرى للعمال و للاشتراكيين والعلمانيين والتحرريين والمساواتيين ما عدا العلمانية؟

عصام شكـــري: نحن نعتبر ان الاشتراكية هي حل للجماهير وليست شعارا نظريا. ان الاشتراكية بنظرنا تستطيع الاجابة وتقديم الحلول للمجتمع. ومن هنا نرفع شعارنا "" الاشتراكية الان "" بمعنى ان للاشتراكية الحل الواقعي ""اليوم"". ليس فقط على صعيد تنظيم الثورة الاجتماعية للطبقة العاملة، او المديات الاكثر بعدا لانهاض االطبقة العاملة وتحويل المجتمع تحويلا ثوريا ولكن ايضا في المهمات الانية والمطلبية الراهنة. مثلا فصل الدين عن الدولة؛ فان من مصلحة العامل والمرأة وعموم الجماهير ان تقول لا اريد الدين في حياتي ولا اريد الشيخ او الملله يفرضوا علي ما افعل او كيف البس ومع من اتحدث. العلمانية ومساواة المرأة بالرجل وحرية الشباب و تشكيل المنظمات العمالية المستقلة ورفع درجة تحركها المطلبي الراديكالي والثوري بوجه رأس المال كلها ميادين مختلفة لنضال الطبقة العاملة ضد الطبقة البرجوازية. نحن نناضل لتصعيد حركة الجماهير في جميع هذه الميادين .

لقاء تلفزيون سيكولار مع عصام شكـــــري ( تم اعداده ليلائم النشر - حلقة يوم 25 شباط 2008)