حديث مع العفيف الأخضر-الأصولية والفاشية استبطنتا المرأة كأم وربة منزل فقط



العفيف الأخضر
2003 / 12 / 21

* لماذا لا يرتض الأصوليون السماح للمرأة بلعب دورها في المجتمع؟
العكس هو العجب. لا معني في نظري للتنديد بعداء الأصولية للمرأة لأن التنديد لا يساعد على فهم الظاهرة والمطلوب فهم الدوافع التي تدفع الأصوليين إلى عداء المرأة عداءً مناضلاً يصل إلى تشويه جسدها أو قتلها لأنها لا ترتدي الحجاب مثلاً وشرح العواقب الوخيمة لهذا العداء الذي أدي مثلاً في المغرب إلى المزيد من تحقير المرأة في المخيال الشعبي خلال الحرب الإعلامية التي شنها الأصوليون خاصة في حزب العدالة والتنمية على المرأة من خلال التشهير بمشروع إدماج المرأة في التنمية وأخيراً تأخير صدور تنقيح المدونة حتى الآن. ولولا اللفتة الملكية الشجاعة في سبتمبر الماضي لظننا أن أعداء المرأة المتسترين بالدين قد دفنوه إلى الأبد.
فهم الدوافع وتحليل العواقب هو أفضل ما يساهم به المثقف في إيقاظ الوعي. رهاننا الأساسي هو تحديث الوعي العام وتنويره بالتحليل الموضوعي للمخاطر التي تعيق إدماج المجتمعات العربية في الحداثة العالمية كشرط شارط لتنميتها وإدماج المرأة في التنمية حتى لا يظل نصف المجتمع مشلولاً يستهلك ولا ينتج غير الأفواه اللامجدية في عالم عربي وإسلامي سلاح الدمار الشامل الأول الذي يهدده هو قنبلة الانفجار السكاني التي ‘تعتبر العامل الأول لتخلفه الاقتصادي الذي هو القاعدة الموضوعية لكل مظاهر تخلفه الأخرى بما في ذلك معاملته الهمجية للمرأة بالختان وفرض الحجاب والرجم وإقصائها من مسرح التاريخ.
 
• لماذا قلتم العكس هو العجب؟
كل شيء في مجتمعاتنا التقليدية العربية والإسلامية المتخلفة يناضل لتنمية عداء المرأة. والأصولية الإسلامية هي التعبير المكتمل لتقليدية وتخلف مجتمعاتنا فكيف ننتظر منها السماح أو حتى التسامح مع دور ما للمرأة في المجتمع الذي يهدف المشروع الأصولي إلى تعزيز طابعه البطريقي(الأبوي) بإقصاء المرأة من أي دور يمكن أن تلعبه فيه. مجتمع الأصولية الإسلامية المثالي هو الذي ‘يغيب المرأة دوراً وجسداً وصوتاً. كل شيء في المرأة عورة حتى صوتها وهذا منتهى عدائها الذي لا أعرف أن مجتمعاً في العالم المعاصر على الأقل ينافسنا فيه. وهذا قطعاً يعود إلى جملة من الأسباب المتداخلة والمعقدة لكن لا شك أن التعليم الديني الحالي المعادي للمرأة على نحو استفزازي يلعب في ذلك الدور الأول.أضف إليه الإعلام الديني الذي هو أحياناً أكثر من التعليم الديني تخلفاً وعداوة للمرأة.

* إذا كنت الأصولية ليست الوحيدة المعادية للمرأة فما هي الأسباب التي جعلت هذا العداء منتشراً خارج صفوف الأصولية؟
جميع الثقافات تقريباً تعرّف المرأة اجتماعياً لا باسمها كما تفعل عادة مع الرجل بل باسم أبيها أو زوجها، بنت فلان أو زوجه علان. أمثالنا الشعبية مليئة باحتقار المرأة."امرأة حاشاك" عبارة ليست شائعة في البوادي العربية وحسب بل وأيضاً في المدن. يقول فرويد رأي الأخ أخته بدون قضيب فاحتقرها. لأن القضيب ينقصها. فهل يكون الحديث الموضوع ولا شك باسم نبي الإسلام "المرأة ناقصة عقل ودين" والذي يفسره الفقهاء أعداء المرأة بأنها ناقصة عقل في الولاية وناقصة دين في العبادة هو أنها ناقصة قضيب في الولاية وناقصة قضيب في العبادة باعتبار الولاية والدين مجالين ذكوريين بامتياز؟ رفض الفقهاء الاعتراف لها بالحق في الولاية حتى على نفسها باستثناء فقهاء الحنفية. توجد بالطبع أسباب عدة للعداء العام للمرأة ولعداء الأصوليين الإسلاميين لها أتمني أن يخصص لها الباحثون وقتاً وجهداً لفهمها وشرح عواقبها إذ من دون تحرير نصف المجتمع من قصوره الأبدي ومن شلله في عملية الإنتاج، لا أمل في الإفلات من تخلفنا والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي المتواصل منذ قرون.
سأذكر هنا سببين بل ربما ثلاثة لعداء المرأة العام في المجتمعات العربية والذي يشترك فيه طبعاً الأصوليون الإسلاميون مع غيرهم. لست مؤرخاً لكي يبدو للوهلة الأولي أن عداء أسلافنا العرب للمرأة جنوني بدرجة نادرة في حوليات التاريخ. فقد يكونوا الوحيدين الذين مارسوا وأد البنات الذي وصفه القرآن وصفاً مؤثراً:
"وإذا المؤودة ‘سئلت بأي ذنب قتلت" (8 التكوير) يلاحظ الطبري عند تفسيره هذه الآية قائلاً:"كان أحدهم يغذو كلبه ويئد إبنته" لماذا؟ خوفاً على شرفه. وحقاً إنه لخوف جنوني أن يقتل أب وأم وأخ وليدة خوفاً من أن تمارس ذات يوم الحب مع رجل ما فيتلطخ شرف العائلة والقبيلة إلى الأبد. لعنة الشرف العربي المجنون مازالت تطارد المرأة إلى اليوم وربما إلى الغد إذا لم نستأصل بالتعليم والإعلام من رؤوس الأجيال الصاعدة هستيريا الخوف على الشرف. نشرت "إيلاف" مقالاً مهماً لأستاذة الترجمة بالجامعة التونسية رجاء بن سلامة بعنوان:"نعم من قتل دلال؟:من قتل دلال"؟ عنوان المقال المؤرق الذي كتبه عادل سالم في "أرب نيوز" عن الشاب الأردني الذي طعن أخته خمساً وستين طعنة ثم ذبحها لا لشيء إلا لأنها هربت من بيت أبيها لتتزوج الرجل الذي أحبته ورفضه أهلها. بعد أن قتلها أخوها على هذا النحو قطع رأسها عن جسدها وأخذ يجره في شوارع قريته"صراخاً بأعلى صوته أنه غسل العار وهو لا يدري أنه ارتكب جريمة بشعة ذهبت ضحيتها أخت لا تستحق هذه العقوبة لا في قانون ولا في دين" وكان يحمل في يده الأخرى كبد أخته يلوكه بأسنانه مؤكداً على غسل العار طالباً من الناس أن تنزل لتري: "تعالوا شوفوا أنا غسلت العار عشان تبطلوا تعايرونا) بينما انطلقت الزغاريد من بيت الضحية، من الأم والأخوات وكأنهم في عرس حقيقي"(إيلاف 24/11/2003) والقانون الأردني والعراقي لا يعاقبان على جرائم الشرف. وقتل النساء دفاعاً عن"الشرف الرفيع" يومي في الأردن والعراق ولبنان وفلسطين وصعيد مصر ..
يصف لنا القرآن أيضاً كراهية العرب للأنثي التي مازالت متواصلة في أحفادهم :"وإذا بشر أحدهم بالأنثي ظل وجهه مسوداً وهو كظيم" أي مغتم ومكتئب. اسم "نهاية" للفتيات شائع بين الفلسطينيين كاسم للبنت غير المرغوب فيها ..
  هذا التراث الجاهلي في عداء المرأة الذي مازال حياً وفاعلاً أضاف إليه التراث الإسلامي ما أضاف بسبب دور أم المؤمنين عائشة السياسي. فقد قادت، مع أخيها محمد بن أبي بكر، الثورة على عثمان وكانت تقول على ذمة الرواة"اقتلوا نعثلاً فقد كفر" ونعثل هو اسم للضبع أو لأحد يهود المدينة وقد أطلقته على عثمان تحقيراً له. لكن لما بويع علي، الذي كانت تكن له حقداً دفيناً لأنه أشار على النبي بتطليقها في"حديث الإفك" الشهير،رفضت بيعته وقادت جيش المطالبين بدم عثمان في"حرب الجمل". وهكذا تكون أم المؤمنين قد قتلت الأب عثمان وقاتلت الأب علي. ولا شك أن ذلك كان حافزاً على وضع ‘ركام الأحاديث المعادية للمرأة لدي الشيعة والسنة معاً. عند الشيعة أول عمل يدشن به الإمام الغائب حكمه هو إخراج عائشة من القبر وإقامة الحد عليها. هذا وحده كاف لتوضيح درجة الحقد عليها الذي أسقطه الشيعة والسنة معاً على جنس المرأةفي فقههم المعادي للمرأة.

• ما هي الأسباب الخاصة بالأصولية والتي تدفعها إلى كراهية المرأة؟
 الأصولية الإسلامية وريثة هي أيضاً للتراثين الجاهلي والإسلامي المعادين للمرأة حتى ليكاد يكون البند المركزي في المشروع الأصولي هو إقصاء المرأة من الحياة الاجتماعية وسجنها في المنزل من المهد إلى اللحد بل وحتى إقصاؤها من الحياة جملة. الأصوليون هم الوحيدون الذين يطالبون بتطبيق حد الرجم الذي لا وجود له في القرآن بل استعاره الفقهاء المسلمون المعادون للمرأة من سفر التثنية كما أثبت ذلك الصادق النيهوم في كتابه "إسلام ضد إسلام". حفيد حسن البنا ذو الجنسية السويسرية والموظف في إحدى الوزارات السويسرية كتب مقالاً في صحيفة "لومند" مطالباً بتطبيق حد الرجم فطردته الوزارة، وتوجد اليوم لجنة للدفاع عنه ضد "تعسف" الحكومة السويسرية التي انتهكت حرية الاعتقاد والتعبير والتفكير .. الأصولي الجزائري محفوظ نحناح، زعيم "حماس" صرح بأن الأصوليين "يذبحون المرأة، أما إذا كانت عضواً في حماس فإنهم يفصلون رأسها عن جسدها" ربما لأنها في نظرهم ارتكبت جريمة مزدوجة كونها امرأة وكونها عضواً في تنظيم منافس لتنظيمهم .. الأصوليون الإيرانيون رجموا في العشر سنوات الأولي من ثورتهم الإسلامية ألفين ومئتي امرأة ولم يوقفوا أو "يعلقوا"، بعبارة وكالة الأنباء الرسمية، حد الرجم إلا في فبراير 2003 بضغوط من الاتحاد الأوربي. والجدير بالتذكير أني طالبت في أكتوبر 2002 خلال مناقشتي في "الرأي والرأي الآخر" المجتمع المدني العالمي والإعلام العالمي والدبلوماسية الدولية بالتدخل في إيران لوضع حد لحد الرجم الوحشي. وبعد أيام قرر الأمير خالد بن سلطان نائب وزير الدفاع وصاحب "الحياة" منعي من الكتابة فيها لأن الأسرة السعودية اعتبرت نفسها "مقصودة" بندائي لـ"التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للدول الإسلامية".قائمة جرائم الأصولية الإسلامية ضد المرأة طويلة، يبقي المهم فهم دوافعها النفسية التي تدفعهم لا شعورياً إلى ارتكاب أفظع الجرائم ضدها وضميرهم مرتاح لأنهم طبقوا حداً شرعياً يثابون عليه ويأثمون بعدم تطبيقه كما علمهم فقه القرون الوسطي المعادي للمرأة، على رأس هذه الدوافع يوجد الجنس وخاصة الجنس المكبوت الذي يحول الأصولي إلى صاروخ موجه ضد المرأة لـ"اغتصابها" تخييلياً.العنف على الجسد خاصة إذا أسال الدم هو لا شعورياً اغتصاب رمزي.
فسر محلل نفسي هوس الأصوليين الإسلاميين بالحجاب بكون شعر المرأة يذكرهم بشعر لها في مكان آخر .. بالنسبة للأصولي كل شيء في المرأة "عورة" بما في ذلك صوتها. والعورة اسم آخر للأعضاء الجنسية. اختزال المرأة إلى عورة يفترض منطقياً سترها بالحجاب والسجن المنزلي كما تستر العورات . إقصاؤها من الحياة الاجتماعية مرادف في المخيال الأصولي لستر العورة التي لا يجوز لأحد أن يراها إلا إذا كان زوجها. في بداية التسعينات أفتى الشيخ عبد العزيز بن باز، كبير علماء السعودية،بإقامة حد الرجم كزانية على المرأة التي تخرج من منزلها إلى العمل. لأن "العورة" التي تكشف نفسها لغير زوجها تزني كما خيلت إليه مخاوفه الهاذية. تفسر السايكولوجيا أيضاً حرص الرجل على البكارة ورهاب زنا المرأة بخوفه من أن يصبح موضوعاً للمقارنة مع رجل آخر. لما فسر الطبري الآية الرابعة من سورة النور التي تعاقب بثمانين جلدة الرجل الذي يقذف زوجته بالزنا دون أن يدعم زعمه بأربعة شهود "والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون". احتج وتهكم عليها سيد الأنصار،سعد بن عبادة، فاستنجد النبي ضده بالأنصار:"يا معشر الأنصار أما تسمعون إلى ما يقول سيدكم؟" أجابوه بوصف دقيق لعقدة الخصاء عند سيدهم المسكون بخوف لا معقول من زنا زوجته يفسره ‘رهاب المقارنة مع رجل آخر:"لا تلمه يا رسول الله،قال الأنصار، إنه رجل غيور ما تزوج فينا قط إلا عذراء ولا طلق امرأة فاجترأ رجل منا أن يتزوجها". سيد الأنصار يمثل الشخصية الأصولية المسكونة برهاب المقارنة مع رجل آخر.وهل رجم المرأة الزانية الذي يطالب به حفيد حسن البنا حتى في سويسرا شيئاً آخر غير الغيرة الجنونية لمحب مغدور. ومغدور تخييلاً فضلاً عن ذلك.وهكذا نفهم لماذا استعار الفقهاء هذا الحد الفظيع الذي لا وجود له في القرآن من سفر التثنية التوراتي تسكيناً للواعج مخاوفهم وانتقاماً لشرفهم المهدور تخييلاً.ألفت انتباه القارئ إلى أنه بدون الإضاءة السايكولوجية لا يمكن فهم عالم الأصولية الذي هو عالم العصاب والذّهان بامتياز .
إخراج العلم في العالم للجنس من حيز المسكوت عنه إلى ساحة المفكر فيه، إلى ساحة النقاش وتقديم دروس التربية الجنسية للمراهقين في المؤسستين المدرسية والإعلامية أزال هذه المخاوف الجنسية اللامعقولة أو خفف من شططها عند الرجال. أما في المجتمعات العربية حيث مازال الجنس مسكوتاً عنه ومقاربته العلمية محرمة. فمازالت المرأة فريسة سائغة لمخاوف الرجال وخاصة رجال الأصولية وهواجسهم العصابية.في كتابه المهم"أقصي اليمين على أريكة التحليل النفسي" يفسر المحلل الفرنسي،ميزون نوف، رغبة رجال أقصي اليمين الغربي والأصولية الإسلامية في حجب المرأة في السجن المنزلي بأنهم"استنبطوها كأم وربة منزل فقط" وكل خروج لها على هذين الدورين"الطبيعيين" لن يكون إلا شذوذاً على قوانين الطبيعة عند أقصي اليمين وخروجاً عن صحيح الدين عند الأصوليين.يسوق المؤلف موقف حكومة فيشي، الموالية للنازية من المرأة،"فهي التي سنت"عيد الأم" الملصقات الجدارية الدعائية لهذا العيد تتحدث عن نفسها من البنت التي تلعب بدميتها والتي ‘كتب عليها"اليوم لعبتك وغداً رسالتك" إلى الأم التي تنحني لتقدم ثديها إلى رضيعها". رجال أقصي اليمين ورجال الأصولية الإسلامية يرفضون خروج المرأة عن دورها "الطبيعي" البايلوجي كأم وربة بيت. "ما هو رائع في الطبيعة وفي العناية:الإلهية،يقول هتلر،هو استحالة الصراع بين الجنسين إذا نفذ كل منهما الوظيفة التي أملتها عليه الطبيعة".
زعيم أقصي اليمين العنصري الفرنسي لوبان يردد ذات الهاجس:"وظيفة الأم هي الإنجاب وتربية النشء في منزلها بدلاً من التهالك على غزو الوظيفة العامة" منافسة للرجال. حسن البنا لم يقل شيئاً مختلفاً عن كل من هتلر ولوبان ولكن بصفاقة أكثر:" إن مهمة المرأة هي زوجها وأولادها. أما ما يريده دعاة التفرنج[=الحداثة] وأصحاب الهوى من حقوق الانتخابات والاشتغال بالمحاماة فنرد عليهم بأن الرجال وهم أكمل عقلاً من النساء لم يحسنوا أداء هذا الحق فكيف بالنساء وهن ناقصات عقل ودين"(من حديث الثلثاء) الذي كان الشيخ البنا يوجهه إلى نساء الأخوات أسبوعياً). بدوره أحدث الخميني تعليماً خاصاً بالفتيات يتمحور حول:"تعليم الخياطة والشؤون المنزلية وتقليص تعليم الرياضيات والعلوم ويحرم على الفتيات الالتحاق ببعض الكليات مثل كلية الحقوق" (الشهرية"المعرفة" لسان حركة الاتجاه الإسلامي [النهضة]التي يقودها راشد الغنوشي) "المعرفة" قدمت برنامج الخميني لتعليم الفتيات كنموذج للفتيات التونسيات اللواتي كن _ ولازلن _ عندما كتبت "المعرفة" لهن هذه النصيحة يتعلمن جنباً لجنب مع الفتيان جميع المعارف دون قيود أو محرمات ..
القاسم المشترك بين هتلر ولوبان والخميني وحسن البنا و"معرفة" راشد الغنوشي أو بين تياري أقصي اليمين الغربي والأصولية الإسلامية هو رهاب المرأة بما هي "منافسة" للرجل عند أقصي اليمين وبما هي "عورة" عند الأصولية، باسم "الطبيعة"عند أولئك وباسم الله عند هؤلاء ،اعتبارها قاصرة مدي الحياة يرسم لها الرجال دورها في الإنجاب وتدبير المنزل.ما يسميه أقصي اليمين دور المرأة :"الطبيعي" هو كما لاحظ بياربورديو، دور تاريخيي ‘فرض عليها في ظروف تاريخية محددة ويزول بزوال الظروف التي أملته.لكن لابد من ملاحظة أن عداء أقصي اليمين والأصولية للمرأة ليس عداء مفكرا فيه بل عداء لا شعوري فهم يتمنون للمرأة كل خير ويعتقدون مخلصين أن الدونية الجوهرانية التي فرضوها عليها أمر صادر عن الطبيعة أو عن الله لخيرها وخير مجتمعها. أقول هذا لأني ألاحظ غالباً أن أنصار المشروع الحداثي يتحدثون عن الأصوليين كما لو كانوا يريدون عن وعي وسابق إضمار الشر للمرأة والمجتمع. فيما هم يفكرون ويتصرفون بدوافع لا شعورية ‘عصابية أي رهابية و وسواسية أو تحت طائلة تخييلات ‘ذهانية. من دون أخذ هذه العوامل النفسية في الحسبان تبقي العوامل العقلانية من سياسة واقتصاد قاصرة في تفسير تصرفات وسلوكيات قادة الأصولية .. هذا ضروري لنتقدم في النقاش العقلاني الذي يفهم الدوافع ويوضح الرهانات بعيداً عن التأنيب والتذنيب اللامجديين.

• كيف تفسرون وجود بعض الأصوات النسائية التي تقف ضد أي تغيير لوضعية المرأة نفسها؟
السؤال ينطلق من فرضية ضمنية متفائلة تقول بأن الناس نساء ورجالاً يتصرفون حسب العقل أي حسب مصالحهم المفهومة فهماً صحيحاً.لو كان الأمر كذلك لكان المجتمع غير المجتمع والعالم غير العالم والناس غير الناس. الناس خاصة في المجتمعات التقليدية قلما يتصرفون بوحي من دماغهم المعرفي العقلاني والاستدلالي بل يتصرفون كثيراً و غالباً بوحي من دماغيهما الغريزي والانفعالي البدائيين غير الحساسين للاعتبارات المنطقية بل فقط للغرائز العدوانية والانفعالات والمخاوف اللامعقولة التي تملي على ضحاياها تصرفات كثيراً ما يعاقبون بها أنفسهم. ليست هذه حال نساء أو رجال الأصولية بل أيضاً حالة معظم الناس.
  النساء الأصوليات أو اللواتي يتعاطفن مع الخطاب الأصولي المعادي لهن والذي يعتبرهن عورة يجب سترها بحجاب كما تستر العورات ويعتبر أن وظيفتهن محصورة في الإنجاب والطهي ويعتبرهن ناقصات عقل ودين ويعاقبهن بالسجن أو الجلد إذا أسأن ارتداء الحجاب وبالرجم إذا رماهم أزواجهن بالزنا ولا صلاح لهن إلا بوصاية الرجال عليهن إلى الأبد الأبيد .. هؤلاء النسوة لا يتصرفن تحت إملاء دماغهن المعرفي بل تحت إملاء دماغيهما الغريزي والانفعالي، تحت إملاء مخاوفهن اللاعقلانية وعبوديتهن الإرادية.العبيد الذين حررهم ابرهام لنكولن رفضوا حريتهم لأنهم استنبطوا عبوديتهم والنساء اللواتي حررهن بورقيبة من استعباد الرجال لهن رفضن سنة 1956 حريتهن وصوتن ضد حزبه في الانتخابات البلدية لأنهن صدقن دعاية الرجال التي قالت لهن إن قوانين الأحوال الشخصية الجديدة"الكافرة" ستجعلهن يمتن جوعاً لأنهن لن يجدن الأزواج الذين يقبلون الزواج من امرأة لا يستطيعون تطليقها إذا لم تعجبهم وأن عدد النساء أكثر من عدد الرجال ومنع تعدد الزوجات سيحكم عليهن بالعنوسة .. أما بعد نصف قرن فلن تستطيع حكومة الانقلاب على تلك القوانين دون أن يقبلها النساء والرجال معاً.
النساء الأصوليات أو المتعاطفات استبطن عبوديتهن وتشربن دونيتهن ومازوشيتهن. السؤال هو من المسؤول عن هذا الوضع وما هو المخرج منه؟ المسؤول عنه بلا شك هو المجتمع الذكوري الأبوي أي القيم التقليدية المحقرة للمرأة التي يقصف بها التعليم والإعلام خاصة الدينيان وعي المرأة أضف إليهما التقاليد الاجتماعية البالية التي تعتبر نقد هذه القيم الاجتماعية الموروثة من فقه القرون الوسطي المعادي للمرأة فضيحة وكفراً. أما الحل فهو إصلاح قوانين الحالة الشخصية على الطريقتين التونسية والمغربية وإصلاح الإعلام والتعليم وتحديد النسل، وباختصار امتلاك النخب الحديثة لمشروع مجتمع حداثي وديمقراطي الإصلاح رائد والعقلانية منطلقه.

* لكن غالبية النخب الحاكمة تطبق الأصولية من دون أصوليين كما ذكرتم فكيف يمكن لها أن تتبنى المشروع الحداثي الديمقراطي؟
هذه النخب فريسة للجبن السياسي ولا مشروع لها غير البقاء في الحكم بأي ثمن. الأصوليون وضعوها تحت مطرقة تخويفها من تحريك الشارع ضدها إذا ما فكرت في القيام بالإصلاح المطلوب ..بإمكان أنصار المشروع الحداثي أن يضعوها على سندان ضغط القطاع الحديث من المجتمع المدني والمجتمع المدني العالمي والإعلام العالمي والدبلوماسية الدولية. لنأخذ الدرس من واقعة أن نساء إيران فشلن طوال أكثر من عقدين في إيقاف مجزرة حد الرجم ضدهن ولكن الاتحاد الأوربي أرغم الملالي الأصوليين خلال بضعة أسابيع على إيقاف هذا الحد البشع.
رغم أن أبا حنيفة أجاز للمرأة أن تكون قاضية في ما تجوز فيه شهادتها والطبري ، صاحب التفسير الشهير، أعطاها حق القضاء على قدم المساواة مع الرجل، فإن شيوخ الأزهر التقليديين مازالوا،بالتضامن مع الإخوان المسلمين، يحرمون دخول المرأة إلى القضاء بدعوى أنها"عاطفية" إذن لا تستطيع أن تكون محايدة في حكمها. بدون"قسر خارجي" سيظل على الأغلب هذا الحلف الشيطاني ضد المرأة عائقاً لدخولها إلى القضاء ودمجها في التنمية ومساواتها بالرجل في حقوق المواطنة.

• هل قبول المرأة العربية ارتداء الحجاب هو مؤشر على انتصار الفكر الأصولي؟
الفكر الأصولي هو الفقه التقليدي زائد فتاوى سفك دماء المسلمين وغير المسلمين وهو فكر لم ‘يهزم أبداً إلا في تونس. لأن التعليم والإعلام الدينيين هما اللذان يعيدان إنتاج هذا الفكر على نطاق واسع. حسب تقرير التنمية سنة 2003 العالم العربي الذي يمثل 5 % في سكان العالم لكنه لا ينتج إلا 1 % من الكتب التي ينتجها العالم لكن _ يا للفضيحة _ ينتج ثلث الكتب الدينية التي ينتجها العالم. أي أن العرب مهتمون بمستقبلهم بعد الموت وليس بمستقبلهم في الحياة. أراهن على أن نسبة عالية من هذه الكتب الدينية هي كتب أصولية. أضف إليها الآثار الهدامة لتلفزيون الجزيرة الذي يسيره القرضاوي وشبكة الإخوان المسلمين التي يقودها وفضائية "اقرأ" التي يمولها ملياردير سعودي و"العربية" السعودية. سيقول التاريخ أن يترودولارات الخليج وفضائياته هي السبب الأول في نشر الفكر والإرهاب الأصوليين. صرح مؤخراً الجنرال العماري، قائد الأركان الجزائري، قائلاً :"هزمنا الإرهاب الأصولي لكننا لم نستطع أن نهزم الأصولية" أي أن النار باقية تحت الرماد فالانتقال من الفكر الأصولي إلى الفعل الأصولي مسألة وقت. لكن الجنرال الجزائري لم يسأل نفسه لماذا لم يستطيع الجيش الجزائري هزم الفكر الأصولي؟ بكل بساطة لأنه ليس الأداة المؤهلة لإنجاز هذه المهمة. أما التعليم الجزائري القادر على هزمه فمازال تعليماً تقليدياً أصولياً. في 1994صرح جامعي جزائري لصحيفة "لومند" قائلاً
" لو وصلت جبهة الإنقاذ الإسلامية إلى الحكم لما غيرت فاصلة واحدة من برنامج التعليم". سيهزم العالم العربي المشروع الأصولي يوم يقوم بإصلاح إعلامه وتعليمه الدينيين، يوم لا يعود صغاره ‘يلقنون في دروسهم الدينية أن المرأة ناقصة عقل ودين بل إن " النساء شقائق الرجال" كما يقول الحديث وأن "المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض" كما يقول القرآن ويوم لا يعودون يدرسون أن"الإسلام فرض الحجاب على المرأة بل يدرسون"لم يفرض الإسلام الحجاب والنقاب على المرأة بل ‘فرض الحجاب والنقاب على الإسلام"كما قال جمال البنا.
هذه هي شروط الحد الأدنى لهزم الفكر الأصولي السائد منذ قرون .. منذ انتصار الحنبلية المتعصبة والنصية الظلامية على فقه الرأي والتأويل والقراءة التاريخية للنص.

• هل ستلعب الحركات النسائية العربية دورها في مواجهة المد الأصولي؟
هذا كان رهان الملك الحسن الثاني وعندما قيل له ولكن النساء الإيرانيات ساندن الخميني أجاب لقد خن بنات جنسهن. لا شك أن الواعيات من النساء لا يمكن لهن اللا يعين أن المشروع الأصولي هو من ألفه إلى يائه معاد لهن ويعاملنه على هذا الأساس. وهذا ما رأيناه في الجزائر لكن المواجهة النسائية الحقيقية للمشروع الأصولي هي تلك التي ستقع بعد استيلائه على الحكم حيث سيبدأ تطبيقه ضد النساء أولاً.
عاملان يناضلان ضد لعب النساء لدور حاسم في هزم المشروع الأصولي في طور نضاله من أجل السلطة هما سيادة الأمية والأحكام المسبقة التقليدية المعادية للمرأة بين النساء أنفسهن بفضل الإعلام والتعليم الدينيين والعامل الثاني _وهو الحاسم _ غياب أية مكاسب يمكن للمرأة أن تدافع عنها ضد الأصولية. أما بعد إستلائه على السلطة فالأمر سيختلف كما علمتنا التجربة الإيرانية. وسيكون النساء سنان رمح المقاومة الشعبية له. ومن أجل ذلك اليوم _ إذا جاء _ فليعمل العاملون.

أجري الحديث / وريغ لحسن