العنف ضد المرأة بين التشخيص والمواجهه



فاطمه قاسم
2008 / 3 / 18

كما هو واضح من واقع الحال , فان العنف الذي يمارس ضد المرأة , أصبح ظاهرة عالمية , تخطت حدود القارات كما تخطت حدود الأجناس , والثقافات , والطبقات الاجتماعية , حيث لا يوجد فيها شكل من أشكال العنف ضد المرأة , سواء اتخذ هذا العنف طابع النظر إليها بصفتها كائن إنساني أدنى , أو اقل مرتبة , أو اقل حقوقا !
أو اتخذ هذا العنف طابع الإيذاء الروحي والنفسي والعقلي المباشر, أو وصل إلى أشكال الإيذاء الجسدي المباشر الذي يمارس على شكل استغلال جنسي, أو تحرش أو اغتصاب, أو حتى القتل على خلفية الشرف
وبرغم اختلاف الأديان في الكثير من التطبيقات الاجتماعية , ولكننا نرى درجة عاليه من التطابق بينها في بعض القضايا التي تخص المرأة مثل رفض الإجهاض أو تخفيف العقوبات المتعلقة بالجرائم المتعلقة بالجرائم ضد النساء على خلفية الشرف , أو بعض الحقوق الأخرى , مثل حقوق المرأة الزوجة , وحقوق الميراث , ولكن الأديان جميعها تظل ارحم بالمرات كثيرا من بعض العادات والتقاليد الاجتماعية التي تدعي أنها تستند في تطبيقاتها إلى الشرائع السماوية , فهذه العادات والتقاليد التي ارتبطت في أساسها بمصالح الرجال تنفذ أحكامها ضد المرأة خارج حدود القواعد الشرعية وحتى خارج حدود القوانين الوضعية الحديثة .
والقضية المثيرة للدهشة:
انه رغم تطور المجتمعات الانسانيه المعاصرة بدرجة عاليه على مستوى الأنماط الاجتماعية ,والقوانين المنظمة لهذه الأنماط الاجتماعية ,وكذا التطور الصناعي والتكنولوجي وتقنيات الاتصال المبهرة , وجود المرأة في قلب كل ذلك , ومضاعفة حجم مشاركتها في انجازات النصر , ووصولها إلى أعلى مراتب صنع القرار من خلال الأدوار التي تلعبها في موقع رئاسة العديد من الحكومات , أو شغل مناصب هامة في الدول الحديثة , إلا أن العنف الذي يمارس ضدها يتطور هو الأخر , ويأخذ أشكالا جديدة ربما لم تكن معروفه في القرون الماضية , الأمر الذي يجعلنا موضوعيا نعيش في غمار معركة طاحنه على صعيد حقوق النساء , وعلى صعيد مواجهه العنف الذي تتعرض له النساء بصفتهن نساء .
من خلال زاوية النظر هذه:
تبدو المهمات التي يجب أن تقوم بها المجتمعات الإنسانية لمواجهه العنف ضد النساء مهمات صعبة جدا , وتحتاج أيضا إلى شجاعة النساء أنفسهن وانخراطهن بأشكال منظمة , وطوعية , في الدفاع عن أنفسهن .
وفي هذا السياق :
أود أن الفت الانتباه إلى مسألة جوهرية تتعلق بالنساء في بلادي فلسطين , وفي العديد من البلاد العربية والإسلامية التي عشت فيها أو تابعت فيها أوضاع المرأة عن قرب , وهذه الملاحظة هي أن المرأة تعتبر المشارك الأبرز في أشكال الديمقراطية المباحة والمتاحة في هذه البلدان , والمتمثلة في الانتخابات التي تتشكل بموجبها قواعد النظم السياسية والحكومات , فقد سجلت العقود الأخيرة زيادة ملفتة للنظر في مشاركة النساء عن الرجال !
والمدهش هنا والذي يحتاج للتوقف هو:
كيف تكون المرأة هي المشارك الأكبر والحاصل من وراء هذه المشاركة على حقوق اقل ؟
هذا سؤال بالغ الأهمية, وهو يشير إلى أن المرأة تملك من خلال نشاطاتها ما تستطيع أن تغير من خلاله اتجاه الأحداث واتجاه المعطيات الاجتماعية سواء على الصعيد القانوني أو على صعيد الممارسة الاجتماعية.
كيف تلعب المرأة هذا الدور السياسي في الأحزاب السياسية, وفي المنظمات الأهلية, وفي هياكل المجتمع الأخرى ثم تظل القوانين على حالها ؟
وكيف تظل العادات والتقاليد على حالها ؟
ويظل العنف يمارس ضد المرأة كما لو أن صعودها إلى موقع رئيسه وزراء أو رئيسة جامعة, أو قاضية, أو بقيه المواقع المهمة الأخرى لا تعني شيئا على الإطلاق.
هناك إذا خلل جوهري يتمثل في ضعف انتماء المرأة لذاتها وجنسها , وطموحها الذي من خلاله تريد أن تواجه هذا العنف والتميز السلبي .
وأكثر من ذلك :
فان المرأة في العقود القليلة الماضية أصبحت حاضرة بقوة في صميم الثورات البرتقالية ثورات الاحتجاج الكبرى التي رأيناها في المساحات الرئيسية للعديد من عواصم الانظمه الشمولية , وهي ثورات احتجاجية تمتاز بقدر كبير من المهارة التنظيمية وقدرة التحمل ,
فكيف تنفض هذه الثورات الاحتجاجية وتعود المرأة إلى ممارسات العنف ضدها كما لو أن شيئا لم يحدث.
اعرف أن الرجال يقولون عند الحديث عن حقوق المرأة , والعنف الذي يمارس ضدها , كلاما أكثر من الأفعال , ولكن وراء هذا لموقف السلبي الذي يتخذه غالبيه الرجال , ثنائية في التفكير , وتاريخ طويل من الممارسات السلبية , وثقافة , وعادات , وتقاليد , اتخذت في مراحل طويلة شكل المقدس , وبالتالي فان المرأة نفسها هي التي يتوجب عليها أن تكسر هذه الدوائر , وان تثبت أنها جديرة بحقوقها التي تطالب بها وان تكف عن انتخاب جلاديها. فلدينا قوانين يجب تعديلها, ولدينا ثقافة يجب تحديثها ولدينا مسلمات اجتماعية يجب إعادة فحصها بمعايير جديدة.
واعتقد أن المرأة في الزمن المعاصر ورغم الظلم الواقع عليها , لكنها تملك من وسائل العصر , ومن قوة الانجاز ما يستطيع أن يجعلها تقوم بنجاح بإسقاط العديد من هياكل لظلم وأولها هيكل العنف الذي يمارس ضد النساء .