العولمة والمرأة في مجتمع الخدمات الجديد



ابراهيم الحيدري
2002 / 5 / 6



الحياة
(ت.م: 05 -05-2002 )
(ت.هـ: 22-02-1423 )
(جهة المصدر: )
(العدد: 14290 )
(الصفحة: 17 - ملحق تيارات )

تقول فيشتريش في كتابها الجديد المرأة المعولمة بأن العولمة تشكل عصراً جديداً ولكن ليس للنساء، لأنها تتجاهل المرأة وتعتبر الانسان رجل فقط . كما انها لا تؤثر علي الناس بشكل محايد، فهي تسحب النساء لتمتص قوة عملهن بصورة مختلفة عن الرجال، بعد ان اسندت اليهن ادواراً ومهمات مرتبطة بجنسهن بعد توسيع السوق العالمية وانتصار التجارة الحرة العابرة للحدود بسرعة فائقة، حتي ان المنظر الاستراتيجي الاميركي ادوارد لوتووك لخّصها في مصطلح واحد هو الرأسمالية التوربينية التي تبلغ فيها الخدمات والاخبار ورأس المال وقوي العمل درجة جديدة من التسارع وتنقل المواد والبضائع نصف الجاهزة وبكلفة منخفضة جداً لتغرق الاسواق الحقيقية والمفترضة عبر الكرة الارضية، وتجعل من العالم مثل قطعة شطرنج تحتل المربعات فيها شركات تنتقل من مربع الي آخر وتلعب فيها تيارات الهجرة ورأس المال وقوي العمل ادواراً مختلفة من خلال تقنيات الاتصال السريعة.
واذا كان مركز العولمة شيئاً مجردا فانها بالنسبة للنساء ليست عملية تجريدية، وانما هي ظاهرة سلبية ملموسة وحاضرة تستوعب النساء من كل الاعمار والمستويات الاجتماعية والثقافية في العمليات الاقتصادية وفي السوق العالمية. لكنها في الوقت ذاته، تهمّش النساء وترسم لهن تخطيطاً جديداً وتجرهم بقوي مغناطيسية نحو الاسواق الاستهلاكية الجديدة. واذا استخدمت النساء في انكلترا والمانيا في اعمال مركزة ودائمة في الرأسمالية الصناعية المبكرة، فان العمل انتقل منذ نهاية القرن الماضي الي البرازيل والهند وشمال افريقيا، بسبب رخص عمل النساء وليس لأصابع النساء الحاذقة في الصناعات الدقيقة، وكذلك الي مصانع لعب الاطفال ذات الاجور الرخيصة الي الحد الادني، كما في هونغ كونغ، حيث تحظي الشابات الصبورات بالورقة الرابحة في الصناعات الاستهلاكية المزدهرة اليوم، وكذلك في جنوب الصين حيث يشتغل اكثر من مليوني امرأة في معامل مشبعة بالمواد الكيماوية الخطرة وعلي مكائن قديمة واوقات عمل طويلة، حيث ترتفع نسـبة الحرائق والتسمم من دون اية حماية وضمان اجتماعي وصحي.
ان تزايد عمل النساء الرخيص ينتج بضاعة ارخص، لكنه يقضي علي الانتاج المحلي. ففي المانيا الغي 70 في المئة من معامل الملابس ولعب الاطفال، مما ادي الي فقدان الآلاف من اماكن العمل، وكذلك في دول اوروبية اخري.
ويؤكد تقرير صادر عن الامم المتحدة عام 1995 أن النمو الاقتصادي شرط ضروري، لكنه لم يحسّن اوضاع النساء. واذا استطاعت النساء ان تحصل علي اماكن عمل اكثر من السابق، الا انهن خسرن في مجال الأجر ونوعية العمل، ولم تتحسن حالة النساء الاقتصادية بالقياس الي الرجال وانما تردّت كثيراً.
ففي عصر العولمة يتحول المجتمع الي مجتمع خدمات: قطاعات الاسواق المالية، انتقال المعلومات والسياحة، بحيث تصل نسبة المشتغلين في الخدمات في الولايات المتحدة وانكلترا الي 72 في المئة من مجموعة المشتغلين، وتصل قيمة الاعمال الخدمية العابرة للقارات الي مستوي قيمة البضائع المتاجر بها. وفي الوقت الذي يتباطأ فيه الاقتصاد المادي ينمو اقتـــصاد الخدماـــت بســــرعة وتلعب فيه النساء دوراً كبيراً. ففي دول السوق الاوروبية المشتركة تصل نســـبة النســـاء العـاملات في قطاع الخدمات الي 79 في المئة في حين تصل نسبة النساء العاملات في قطاع الصناعة الي 17 في المئة وهذا الاتجاه ينخفض بالتدريج. وفي بريطانيا يعتمد سوق الخدمات علي انخفاض الاجور والمستوي الاجتماعي وعلي احلال علاقات عمل موقتة ورخيصة محل علاقات العمل الثابتة الي حد كبير. وتشير الاحصاءات الي ان ثلثي الاعمال المستخدمة في بريطانيا منذ 1993 أعمال جزئية وموقتة فيــما تشكل النساء 90 في المئة من قوي العمل الجديدة.
وتلعب القوي العاملة الرخيصة التي تأتي من خارج الحدود دوراً في تدني العمل والاجور، حيث تأتي البولنديات الي المانيا للعمل في الرعاية الصحية لقاء 01 ماركات (5 يورو) في الساعة او اكثر بقليل، في الوقت الذي تتقاضي عاملة رعاية موقتة حوالي 04 ماركاً. ومن خلال هذه المنافسة القوية تنخفض نوعية الرعاية الصحية من جهة ويرتفع الضغط علي العاملين فينخفض مستواهم العملي الفعلي.
يقوم سوق العمل الجديد علي نموذج النمر المتوثب الذي له قدرة عالية ومرونة كبيرة وغير مرتبط بنـــمط ثابت من المســتشارين الماليين. وينطبق هذا النموذج علي الشابات الديناميكيات اللواتي يغزون الاسواق. وقد اصبحن بديلاً لنموذج النمر الرجالي . فهن مستعدات للعمل في كل وقت ومكان ومتأهبات للمنافسة ويستطعن التأخر في الليل والجلوس علي الكومبيوتر من دون ملل.
في ماليزيا يعتمد العمل المكتبي علي الكومبيوتر ويلقي ازدهاراً عن طريق ادخال التقنيات الجديدة التي تستقطب النساء. ولكن من الملاحظ ان هناك فصلا واضحا بين العمل الذهني والعمل اليدوي. فالنساء يشتغلن في الاعمال التي ترتبط بالكومبيوتر والبنوك وبدالات التليفون ومكاتب الاستعلامات وشركات الطيران. وليس بين اللواتي يعملن علي الكومبيوتر في ماليزيا من تعتقد أن امامها فرصا معقولة للتقدم الوظيفي، مع ان اغلب الاعمال التي ترتبط بالكومبيوتر تقف في اسفل التراتبية المكتبية. كما ان سواستي، وهي خبيرة في عمل النساء، تؤكد ان الكومبيوتر زاد من عدد النساء في العمل المكتبي، الا انه لم يؤثر في تحقيق المساواة بل بالعكس جعل منهن حبيسات الاعمال المتدنية الاجر والروتينية غير المبدعة وغير المضمونة، حيث تبقي غالبية المبرمجين ومحللي الانظمة واصحاب القرار من الرجال.
وفي عصر العولمة ارتفعت اعداد المهاجرات من النساء الي الدول الصناعية وبصورة خاصة الفيليبينيات اللواتي وصل عددهن الي ستة ملايين وكلهن يعملن خادمات. كما تهاجر آلاف البولنديات للعمل في المانيا كمساعدات طباخة او خادمات او لأي عمل آخر.
ان الانتقال من عصر الرعاية الاجتماعية والاقتصادية الي عصر العولمة سبب انسحاب الدولة وازدياد العمل غير المأجور الذي ادي الي تفكك النسيج الاجتماعي للعائلة وولد قلقاً وردود افعال مختلفة، منها انخفاض الولادات وتزايد العنف ضد النساء، وكذلك الفوارق الاجتماعية والطبقية وانحسار الطبقة الوسطي. وبحسب الاحصاءات فان 70 في المئة من مجموع الفقراء في العالم من النساء. ويعود ذلك الي التمييز التقليدي ضد المرأة. وتزيد العولمة اليوم من حدة المخاطر وافقار النساء، بحيث يكون توفير العمل والغذاء والتعليم والرعاية الصحية ضعيفاً. والحقيقة أن العبء الكبير في العمل والكسب الضئيل منه، يظهران في العلاقة اللامتوازية للأسر التي يقوم بإعالتها النساء فقط، وهي تشكل 35 في المئة من مجموع الأسر في العالم.