هروب المرأة الفراشة الى الحرية



اسماء محمد مصطفى
2008 / 4 / 6

(1) هروب الفراشة
لم تفهم لماذا وضعها في تلك الزنزانة القاتمة .. حاولت الاقتراب من النافذة لتفتحها وترى الضوء . عجزت إذ كانت السلاسل ملتفة حول يديها وقدميها . سألته :
ـ لماذا تقيدني؟
ـ لأنك لي .
ـ إفتح النوافذ ، أريد رؤية الضوء وشكل العالم .
ـ العالم رجل .
ـ العالم رحب .. وليس غرفة مظلمة .
أضافت قائلة بندم وحسرة :
ـ أردت دوماً أن اسير وراءك .. وسرت ، وها أنت توصد الآبواب على احلامي .
ـ كان عليك السير ورائي ، لأن العالم رجل .
ـ والدنيا إمراة .
ـ الدنيا تبكينا بزلازلها .
ـ والعالم يحرقنا بحروبه وتناقضاته وبراكينه .. والدمع أرّق من النار ..
ـ الدمع مالح .
ـ والنار حارقة شرسة ، تلتهم الأحلام ، لاتبقي منها حتى العظام ، أما الدمع فيغسل مرايا القلب ، أنظر الى مرآة قلبك ، ستجدها مُغبرة ، لأنك لم تسمح لدمعي بالانسياب على وجنتيك .
ـ الدمع ضعف .. والرجل قوة .
ـ الدمع اقوى الاسلحة احياناً .. لو بكيتَ على يديّ ، لآمنتُ بقوتك .. إبكِ يارجلي القوي إبكِ .
ـ تصطادين في الماء العكر ، دهاؤك ِ صنارة عتيقة متآكلة .
ـ أؤيد ذلك .
سألها بدهشة:
ـ ماذا ؟ أترفعين الراية البيضاء ؟!!
ـ لا، إنما صنارتي العتيقة لااستخدمها إلاّ حينما أحب .. لست أصرف طاقة دهائي مع رجل لايهمني .
ـ أنا لاأهمكِ!! .. لاأعني شيئاً ؟! ماذا عن حبك لي ؟
ـ الحب كالنبت يموت حين يُحرَم من الضوء والماء .
ـ أتذكرين حين كنت تقولين لي إنك فراشة تحلق على أزاهير حبي مدى العمر ؟!
ـ قبل أن تطوق جناحي بهذه السلاسل .
ـ أريدك أن تحلقي مرة أخرى في سمائي .
ـ أنا عاجزة عن التحليق بسبب الزنزانة .
حطم الرجل القيود وفتح النوافذ .. فحلقت الفراشة لكن خارج سمائه، فقد خشيت أن تنمو الأشواك ثانية في تلك الغرفة .
حلقت بعيداُ وأختفت.. وأنطلق الرجل باحثاً عن خطى الصنارة العتيقة .
(2) اساطير الخريف
في "اساطير الخريف" * ، عشق (تريستان ) البراري والأدغال ، ربما اكثر مما أحب سوزانا.
أما أنت ، فلم تعشق الهرب الى البرية ، إذ أنّ اعماقك غابة تكفي ، لالتأخذك مني ، وإنما لتأخذني مني .. لتزيح عني غلاف الوداعة وتكشف عن شراستي .. لتنزع عني اساطير الهدوء وتكشف عن المرأة النَمرَّة التي تعيش في اعماقي وتعشق ترويضك وتقليم مخالبك ..
لستُ كسوزانا ، اعجز عن الحياة في براري تريستان ، فقد عشقت الارتماء على الحشائش في غابة اعماقك ، وإلقاء نفسي في مجاهلها وأخطارها .. وحتى كوارثها ..
لم أكن لأغلق باب القلب بوجه نداء البرية ، بل أطلق روحي لصفير الريح الوحشية القادمة منك .
لم أكن لأبكي وأوراق الشجر الخريفية تتماوج عبر نافذة الليل على وجهي الندي .
لم أكن لأمنح رجلاً آخر ، دقيقة من عمر حبنا ، أو أسمح لأمرأة اخرى ان تكون النمرّة التي تريد .
لم أكن لأطلقك وحدك الى البراري ، وأنزوي خلف جدران الكوخ العتيق ، وأعود أبكي بحثاً عن خطواتك الشرسة .
فمن أجل أن تكون عاشقاً أليفاً ، لم اتردد في أن استحيل الى صدى البرية .
لم آبه بأن تمزق مخالبك أوراق الربيع في قلبي ، ولم أخشَ العجز عن تقليم أظافر البراري ، فقد عشقت أن أموت في غابتك .. أن تنمولي من مخالبك مخالب بدلاً عن الأظافر الملمعة بالطلاء الوردي .. أن اصطاد الحيوانات المفترسة بدلاً عن مداعبة البلابل ساعة التغريد .. أن افترسك في لحظة حب ، وأحبك في لحظة افتراس ..
في عذوبتي كنتُ أعشق التوحش ..
وفي توحشك كنتَ تعشق العذوبة ..
لم تكن انت تريستان ..
لم أكن أنا سوزانا ..
لكن حبنا كان .. أسطورة خريف .

هامش:
* اساطير الخريف فيلم رومانسي يغادر فيه تريستان حبيبته الوديعة سوزانا الى عشقه الأول : البراري .