من الرائدات : الأديبة والشاعرة الدمشقية السيدة يسرى الأيوبي البزري ..؟



مريم نجمه
2008 / 4 / 10

جوهرة سورية .. دمشقية مخبأة في خزائن و طيات الكتب والمواقع , والثقافة الوطنية السورية الحرة , كلي فرح لإكتشافها صدفة على صفحات المواقع الرقمية الخاصة , كيف لا أفرح وهي من الصديقات العزيزات .. معروفة في الأ وساط الثقافية والسياسية الدمشقية الحرة , الغنية بالفكر والإنتاج الجميل .. ؟
إنني أعتز وأفتخر بتقديمها اليوم للقارئ الكريم على طبق من ربيع دمشق الفيحاء .. خصوصأ وأنها زوجة و رفيقة درب القائد والمربي الوطني الديمقراطي الفريق المرحوم عفيف البزري قائد الجيش السوري في العهد الجمهوري الوطني والديمقراطي ...
...إنها إبنة دمشق عاصمة الثقافة العربية الوطنية التحررية .. ونحن في عقد بدأ إزاحة ستار التعتيم والتغييب عن مثقفينا ومثقفاتنا عن المناضلين والمناضلات في كل الميادين فلنستثمر هذه الفسحة الجديدة والنافذة الإعلامية الحرّة لنضئ ونعرَف العالم على كنوزنا النسائية عملاً وثقافة وفكراً وإنتاجاً .. وهذا هو رصيدنا الذي لا يهبط ولا ينضب ولا يسرق لأنه من عرق وتجارب المرء في مسيرته اليومية عبر الزمن ..

لا بد لنا أن نتعرَف عن نشأة هذه الكاتبة وما هي المؤثرات المكانية والزمانية التي أثرت في موهبتها الفطرية....
الكاتبة في سطور كما دونتها هي في صفحة موقعها الألكتروني بعنوان سطور قليلة عني :

*....... " ولدت في دمشق في أسرة دمشقية عريقة تفاخر بعودة نسبها إلى محرَر فلسطين , البطل الأسطوري , صلاح الدين الأيوبي . ورغم اعتقادي الاّن أن الله وحده يعلم بصحة أنساب تفصلنا عنها مئات السنين , إلا أن هذه القصَة , التي تتداولها الأجيال النتعاقبة في عائلتي كان لها أثر كبير على نشأتي الأولى واعتزازي بنفسي والقيم التي اقتديت بها طوال حياتي .
ولم تمضسنوات قليلة على مولدي حتى حملنا عمل والدي التجاري إلى القدس , حيث عشت هناك طفولتي وشبابي المبكَر . وطبعت تلك الحقبة من عمري أدبي وحياتي الشخصية بطابعها الذي الذي لا يخبو حتى هذه اللحظة . وهناك في فلسطين بدأت حياتي الأدبية العامة , عندما قبلت إحدى المجلات المقدسية نشر أول قصة قصيرة لي , ولم أتجاوز حينها السابعة عشررة من عمري . وفيما بعد عندما عادت أسرتي إلى دمشق بعد نكبة 1948 بدأت بكتابة القصة القصيرة والإسكتشات التمثيلية بشكل منتظم , وكانت تذاع أسبوعياً من إذاعة دمشق , ومعظمها كانت تدور حول أحداث فلسطينية , حتى أنني كنت أدعى حينذاك بالأديبة الفلسطينية رغم انتساب عائلتي إلى دمشق .

تركت وفاة أختي التي تصغرني وصديقة شبابي وقارئتي المتحمسة صبيحة , بمرض السل جرحاً في قلبي لم يندمل قط . وبعدها بدأت بكتابة الرواية الطويلة التي وجدت فيها تعبيراً أقرب إلى نفسي حينذاك . وكانت باكورة رواياتي " بستان البرتقال " , التي تروي قصة الشعب الفلسطيني قبل الخروج عام 1948 , وهي إلى حد ما قصة حياتي في طفولتي ومطلع شبابي في فلسطين , وما شاهدت فيها من أحداث فجَرت موهبتي الأدبية في وقت مبكر , وأنجزتها في عام 1953 , ولم أجد ناشراً جريئاً حينها يأخذ على عاتقه نشر رواية لأديبة شابة غير معروفة , والمال الذي وفرته من عملي في التدريس , وحاولت استخدامه في هذا السبيل , لم يكن كافياً لطباعتها على حسابي .
حذث هذا عام 54 , وفي هذه الأثناء التقيت بالرجل الذي رافقته أربعين عاماً , وهو المقدم عفيف البزري , الذي أصبح فيما بعد الفريق عفيف البزري القائد العام للجيش السوري أثناء الحكم الديمقراطي في الخمسينات .
وكان قادماً من فرنسا بعد أن أنهى دراسته الجامعية في السوربون كمهندس طبوغافي لصالح الجيش السوري . وبعد حب توهج بسرعة وخطبة قصيرة تزوجنا , وأنفقت المال الذي كان معي على شراء الأقمشة للثياب التي خطتها بنفسي لعرسي الذي تم بعد شهر من تعارفنا . وبقيت الرواية في درجي حتى بداية السبعينات فأعدت كتابتها بنضوج أكبر , ولم تنشر إلا في أوائل التسعينات ) .


تمتاز هذه الأديبة الرائدة .. بغزارة الإنتاج , وتنوعه , من رواية و قصة , و ترجمات وشعر ودراسات وغيرها من فنون الأدب , بلغة أنيقة و جميلة وأسلوب السهل الممتنع , وخطاب راقي وحضاري ... لنقرأ .. في " الجذور " صفحتها الأولى :

" لقد كانت حياتي غنية بالأحداث , تلك التي عشتها في طفولتي وشبابي المبكر والتي رافقت بها زوجي . وعرفت أياماً حلوة مجيدة وأخرى بالغة الصعوبة , فما كانت أكثر سعادة مما أنا عليه في الأولى ولا أقل سعادة في الأيام الصعبة . لقد شكرت العناية الإلهية دائماُ أني عايشت في مختلف مراحل حياتبي أحداث جليلة فلم أقف منها موقف المتفرَج , بل أصبحت مادة خصبة لعملي الإبداعي . وكنت رفيقة لرجل ندر له مثيل في أخلاقه وحرصه على المبادئ التي اَمن بها وصلابته في الحق ورفضه كل مغريات الحياة من أجل أن يترك اّثاراً رائعة عليَ أن أبرزها إلى النور في حياتي بعده . ولم أعرف الوحدة إلا يوم فارقني في كانون الثاني من عام 1994 . وعزائي فيه أنه ترك لي ذكريات لن أنساها , وثروة من الكتب التي تجعله ماثلاً لعيني في كل لحظة . وأبناء وبنات هم على مثاله وهديه في الحياة ..." ..

أربعون عاماً – أحاديث نزهة صباحية – قصة الوحدة – رسائل من المنفى – سينا موريا .

صدر للأديبة يسرى الكتب التالية :
- ( نضال من جديد ) , تتحدَث فيه عن سوريا في الخمسينات من القرن الماضي وعن نكبة فلسطين .
- ( بستان البرتقال ) , عن نكبة فلسطين .
- ( الخبز والبنادق ) , لنايجل هاريس ترجمة أدبية وسياسبية , قدَم له الفريق عفيف البزري .
- ( محاضرتان ألقيتا في لقاء عمان للمؤسسات غير الحكومية في عمَان , الأردن من 3 إلى 5 تشرين الثاني 1994 .
- ( مشاركة المرأة باتخاذ القرار .
- ( المرأة في مجتمعات التوحيد ) .


رائدتنا يسرى كان لها قرابة روحية ومكانية وجغرافية مع أهل فلسطين ومحرَر القدس ( صلاح الدين الأيوبي ) فالكنية أيوبية , ومن حقها أن تتباهى وتبدع في الكلمة ولا تغفل الجذور , وتنشر أريجها لحب فلسطين كما في " بستان البرتقال " وغيرها في مجمل كتاباتها .. ... فقد غرفت من بحور قدسها وبركة زيتونها فأزهرت وأينعت بين يديها عطور الحرف والكلمات قصصاً ونثراً ومجلدات ...

لهذه الرائدة الكبيرة مؤلفات عديدة لم تنشر بعد , من أهم عناوينها في الشعر :
- رسالة أم – اللقاء , بسمة الجيوكندا – أعطني يوما اّخر - لماذا يا نبوخذ نصَر – الصنم النحاسي – روح العصر – سعادة المرأة – مختارات من شعر فيكتور هيغو – غضب الصخرة – دمية الثلج – وليد الزمن الاّتي – إغتصاب إيميتس , وغيرها ....

أما أهم رواياتها الطويلة هي : بستان البرتقال – وادي الظلال – الكرسي المسحور – بيوت بلا رجال – نيسانة – رجاء من السراب –
أبحاث مختارة في : الإيقاع الموسيقي للشعر العربي – إسرائيل من العبودية إلى الرأ سمالية – مذاهب الشرق الأوسط – المرأة عبر الزمن –
ترجمات متنوعة : لوحات رأس شمرا – مصرع زهراب – التنين – المساكين – دستيوفسكي – أوبرات خالدة – عظماء عازفي البيانو .
أما المسرحيات المختارة أهمها : شهربان – الجسر المكسور – القلب الذهبي – المسرح – المجاهد المغمور – الحب والعدل – زوجة فنان – زنوبيا – أوبرا جميلة
ويسرني أن أقطف من حديقة شعرها باقة صغيرة أقدمها للقرّاء الأعزاء بعنوان : " أعطني يوماً اّخر " ..

..... " قتل قابيل أخاه هابيل
وامتلك زوجته ومتاعه
ومنذ ذلك الحين
ما أعظم ما نمت خطايا المستكبرين
رياح الشرق أعادت ذرية هابيل إلى الحرية
ورياح الغرب العاصفة
أعادت ذرية هابيل إلى العبودية
وصلبتها كلما من موتها قامت
فانتشر رماد المسيح في الكون
شاهد على العصر المجنون ... ..."
ثم تستمر قائلة : ..."

.... عقاب البين حتى
يدمر الحضارة الأبية
ذاكرتهم التاريخية
وينهب ثرواتهم الطبيعية
ينقض على ضحاياه حتى العظام
في الأرض المحروقة ,
المسمومة بالإشعاع في الظلام
عقاب الإرهاب يبني أعشاشه
بإسم العولمة والسلام .. ..
أصدقاء يصبحون أعداء
وأعداء يصبحون أصدقاء ...
...... ثم تتساءل عما يجري في العالم ومنطقتنا بالذات ؟

كيف أكون حيادياً ؟
المحرَرون إرهابيون
والإرهابيون محرَرون ...
..... إنني اليوم أتهم
بجريمة نكراء
بأني خائن مصالح بلدي
وعلي تقوم من خصومي
حملة شعواء !!
.... حين أنظم عقد مظاهرة
لا ترضى عنها الإدارة
لأؤكد حق الإنسان أن يحلم
ويعبَر عمَا يحلم
حين أهتف :
لا للحرب , لا للنهب , لا للمغنم !
حين أستمتع بمرونة سياسي أن يستقيل
حين يواجه بالمستحيل
ورجل المبدأ والإيمان أن يحكم ....
وتنهي هذه القصيدة الطويلة ..

هل تظنون أن المتظاهرين
يدفع لهم كي يتظاهروا؟
ربما, أحياناً , وما يزال
ملايين الملايين على وجه الأرض لا يرشون ! " .

سأتابع تقديم نماذج من أدبها الثر , في مقالات وزوايا أخرى حسب ما تقتضيه المناسبة .. لتكتمل الصورة لدى القارئ العزيز ولنغرف أكثر من العلم والمعرفة , بحر الشعوب والثقافات ..

نيسانة دمشقية .. من أزهار أشجار النارنج ومساكب الياسمين رائحة ولون .. ومن زيتونة القدس جذور وثمار ,.. ومن الوطنية صفحات ومواقف . للأدب نذرت موهبتها , وللكلمة ثقافتها وللحرية والإنسان عطاؤها ..... وراحت هذه القامة الشعرية والأدبية الكبيرة تنثر إنتاجها على موقعها الرقمي الخاص , نظراً لصعوبة وظروف وتكلفة النشر في أيامنا هذه ..
فيحق لنا نحن بنات وأبناء دمشق عاصمة الثقافة العربية لهذا العام أن نحتفي بطريقتنا الخاصة – بنسائها ومثقفيها ورائداتها وكل من أعطاها زهرة من بستانه ..
الحقيقة لا تغيَب مهما طال الزمن .. والذهب لا يضيع ولا يتغير مهما أقفل عليه ..

ختاما :
هذه هي .. وجوه عاصمتنا الثقافية العريقة , المغمورة , والتي بحاجة لمن يزيح عنها الستار ويقدمها للعالم إكراماً لمدينة دمشق ومثقفيها وتاريخ أبنائها .. فهي ليست ملكاً للسلطة وأعوانها , بل ملكاً لأهلها الطيبين الشرفاء .. وللبشرية جمعاء ..

لقد عاشت رائدتنا يسرى الأيوبي البزري , أحداثاً مفصلية في تاريخ سورية المعاصر , فكتبت معايشة الحدث والتطورات بقلم حاد , وصادق ..
هنيئاً لك يا أختي العزيزة يسرى .. بما أعطيت , وما أبدعت يداك .. يفتخر بك الوطن .. والشعب .. أطال الله في عمرك .. أملنا ورجاؤنا أن تتحرر سورية من نظام الإستبداد والقمع , لنراك بخير ونرى كل الإخوة والأخوات
الأحرار .. و ليكرمك الشرفاء بما يليق من ثناء وتقدير للمبدعات والرائدات في سوريا الشعب .. سوريا الأحرار .. والتقدَم والديمقراطية ..
لنساهم إخوتي , نحن المثقفات والمثقفين في إعادة رسم ثقافة دمشق الحقيقية والثقافة السورية عامة , بعدما صادرها النظام الإستبدادي لعقود , ووسمها بثقافة السلطة ثقافة ( الخوف والقمع والفساد ) التي شوهت تاريخنا وثقافتنا وذاكرتنا الوطنية وشوهت معالم دمشق الحضارة, واختصرته في بوتقة عائلة وعشيرة وطائفة وديكتاتور , ثقافة اللون والحزب الواحد التي تمدح وتبتعد عن نبض الشارع وكتلته الشعبية الكبيرة وتوجهاتها الحرة المتعددة الألوان والثقافات ...
تحية حب وتقدير .. وأغمار ورد أقدمها لرائدتنا الموهوبة بالإبداع والعطاء الذي لا ينضب في ثراء مكتباتنا الوطنية وثقافتنا التقدمية ..
نراك بكل خير إنشاء الله يا عزيزتنا يسرى , بعد شوق في عاصمتنا الحبيبة دمشق عاصمة الثقافة والتاريخ وقاهرة الطغاة .. مهما طا ل الظلام ...!..... لاهاي / 9 / 4 / 2008