من ذات الهمة إلى إسراء عبد الفتاح ...المرأة العربية تُبعَث من جديد



أمنية طلعت
2008 / 4 / 11

في العقود الأخيرة شهدت المنطقة العربية دعوات ترتدي عباءة الإسلام تدعو إلى عودة المرأة إلى بيتها حيث أن دورها الذي خلقها الله من أجله هو أن تكون زوجة صالحة واماً فقط لا غير، تنتقل من فراش الزوج إلى المطبخ ومن المطبخ إلى خدمة أطفالها. تلك الدعوات التي تروج لنفسها بإكساب المرأة صفة الضعف ونقص العقل والدين وأنها درة يجب أن تكون مكنونة وجوهرة يجب أن تصان...وبالطبع الرجل هو الذي سيصون تلك الجوهرة وهو الذي سيمتلكها.
على مر التاريخ واجهت المرأة مثل تلك الدعاوي التي كانت تتخذ من التعسف والعنف وسيلة لتحقيقها حينا وأحيانا أخرى تستخدم اللين والكلام المعسول الذي ينطوي على سم مدسوس في قلبه. تستجيب المرأة أحيانا وأحيانا ترضخ عند انعدام الحيلة، لكنها تعود لتثور من جديد وتعيد بعث ذاتها كقوة جبارة كاسحة لا يمكن لأحد أن يحدها أو يكبلها بالقيود.
أيام مرت على إضراب 6 إبريل بمصر وما صحبه من أحداث مشتعلة في مدينة المحلة الكبرى... ومع التأمل المتأرجح بين الانفعال والهدوء اكتشفت أنه ببساطة شديدة كان إضرابا وثورة دعت لها وأشعلتها النساء، فمن خلال موقع الفيس بوك استطاعت إسراء عبدالفتاح موظفة الموارد البشرية بإحدى الشركات أن تجمع سبعين ألف مصري يؤيدون الإضراب ويدعون له، أما في المحلة فحسب أقوال شهود العيان، ظل الأمر هادئا حتى الثالثة ظهرا، إلى أن أشعلته امرأة أخذت تهتف ضد النظام وتدعو إلى سقوطه وحدها في منتصف الشارع مما دعا المارة إلى أن يلتفوا حولها ويهتفون معها، ورويدا رويدا تحولت المحلة إلى كرة لهيب متقدة اشتعلت في وجوه عناصر الشرطة والأمن المركزي.
نساء .......القوارير وناقصات العقل والدين والجواهر المصونة والدرر المكنونة ...الكائنات الوديعات الذي يحلم الرجال بتحويلهن إلى قطط أليفة تموء بنعومة وتتمسح في أرجلهم وهم يتربعون على الفرش الوثير داخل الحرملك...تلك النساء هي التي أشعلت فتيل الثورة وجعلت إضراب 6 إبريل يتحول من مجرد فكرة إلى حقيقة وواقع ملموس يرهب النظام ويستنفر قواته لتنتشر في جميع أرجاء مصر المحروسة.

وأنا أتأمل الأحداث وأتابع أخبار إسراء وزملائها من الشباب الذين شاركوها الدعوة للإضراب، داخل أروقة النيابة ودهاليزها حيث يواجهون الحبس على ذمة التحقيق ولا يدري أحدا مصيرهم في المستقبل .....وأنا أتأمل كل ذلك قفذت إلى ذهني الأميرة ذات الهمة التي قادت جيوش العرب وانتصرت على الرومان الذين كانت تقودهم امرأة أيضا اسمها الأميرة ملطية والتي تم تسمية مدينة مالطا على اسمها.

ذات الهمة ...تلك المرأة التي واجهت الرفض عقب ميلادها مباشرة، حيث كان والدها يرغبها ذكرا يرث نصيبه من العرش الذي استولى عليه أخيه لمجرد انجابه لذكر، مما جعله يرغب في قتلها فأنقذتها جارية من جواريه اسمها سعدي، وأخذتها لتربيها بعيدا عن أهلها وهي لا تعرف أصلها حيث أطلقت عليها اسم فاطمة.
وفي إحدى الحروب وقعت سعدي وفاطمة في الأسر لتصبح فاطمة جارية لدى بني طي وتصبح من نصيب رجل اسمه الحارس غير اسمها إلى ذات الهمه وفرض عليها أعمال الجواري والعبيد. ظلت ذات الهمة تنتظر أن يأتي أحدا لإنقاذها والجارية التي كانت تعتقد أنها أمها، لكن أحدا لم يأت، فقررت أن تتعلم فنون القتال والفروسية سرا حتى تنقذ نفسها بنفسها. تتعرض ذات الهمة لمحاولة من أحد الفرسان لاغتصابها، لكنها تدافع عن نفسها وتقتله بسيفها لتبدأ حياتها كفارسة مقاتلة يثق سيدها في كفاءتها القتالية وشجاعتها في الحروب، مما يجعله يسند إليها قيادة جيوش القبيلة ضد القبائل الأخرى. تنتصر ذات الهمة في كل الحروب والغزوات حتى أطلق عليها داهية بني طي. وفي يوم تواجه ذات الهمة قبيلة أبيها بني كلاب وتنتصر عليهم ويقع أبيها في الأسر، ليرى بني طي قتله في يوم مشهود، لكن الجارية سعدي تخبر ذات الهمة بالحقيقة، فتنقذ ذات الهمة أبيها ( رغم أنه لا يستحق ذلك) وتعود إلى قبيلتها لتحقق لها انتصارات هائلة. تشتعل الحرب بين العرب والروم وتعجز قوات المنصور أمام هجمات الروم فيستعين الخليفة بذات الهمة لتحقق النصر لجيش العرب.
إن إسراء وتلك المرأة التي أشعلت الثورة في المحلة، ما هم إلا قطع موزاييك تكمل الصورة الحقيقية للمرأة العربية، فحفيدات ذات الهمة لا يمكن أن يكن أسيرات المنازل والأزواج، إن مكاننا في الصفوف الأولى حيث قيادة الثورة وتحريك العرب نحو النصر...النصر الذي نحلم به اليوم قاضيا على أنظمة النظم الأبوية الفاسدة، ليحل محلها نظاما ديمقراطيا يحقق العدل والحرية والمساواة بين جميع عناصر وفئات المجتمع على اختلاف نوعهم الجنسي ولونهم ودينهم وانتمائهم السياسي ...ذلك هو الوطن الذي سنبنيه جميعا نساءاً ورجالاً ...بل نساءاً قبل الرجال.