أمنيات شابة عراقية لم تستطع تحقيقها....



نبأ سليم حميد البراك
2008 / 4 / 16

شابة عراقية منذ نعومة أظفارها وهي ترقب أمها وجدتها وتتمنى أن تكون مثلهما بأدوارهما وأنطلاقتهما في الحياة. تقول رند: جدتي كانت زوجة وأم ومربية وكانت تفخر بالدور الذي لعبته عندما كانت معلمة تدرس اللغة العربية والرياضيات وعلوم الدين الاسلامي في مدرسة أبتدائية مختلطة يتساوى في صفوفها وساحاتها البنات والصبيان في تحصيل العلم وممارسة الهوايات و الطفولة البريئة في دروس الفنية والتربية الرياضية. ثم اصبحت جدتي مديرة تلك المدرسة التي تفوقت وحازت على الجوائز والتكريم في المعارض الفنية والفعاليات الرياضية التي شارك فيها تلميذاتها وتلاميذها، وكان هذا كما حكت لي جدتي في منتصف الخمسينات من القرن الماضي. أمي درست وتعلمت في مدرسة أجنبية في بغداد. وكنت أصغي الى أمي عندما كانت تقص علينا قصص عن مدرستها وصديقاتها اللواتي كن من كل الألوان والملل. كنت أنبهر عندما أسمع أمي وهي تصف لنا يوما مدرسيا مملوء بالعلم والمرح والرياضة التي كان لها شيء من الحب والتقديس، كانت تحكي لنا عن مسرح المدرسة وبطولاتها على خشبة ذلك المسرح، أمي كانت تقول أن الحياة في بغداد كانت وديعة مملوءة بالمحبة والأمل. أكملت أمي دراستها الجامعة ثم حصلت على شهادة عليا وصارت أستاذة جامعية لها نشاطها المهني وأذكر أنها لم تبخل يوما علي أو على أخي الوحيد من أغداق الرعاية والتربية والترفيه، كل شيء في حياتنا كان محسوب، وكان اليوم في تلك الأيام يتسع لكل هذه الفعاليات. أمي كانت تنام قليلا ليس بخلا بالنوم ولكن كانت هذه هي طبيعة بدنها وكانت تعمل كثيرا ليس كفرض أو أجهاد ولكن لأنها أمرأة دائمة النشاط متعددة الأهتمامات وفائقة القدرات. كانت تعمل كل شئ بيديها، كل ماهو مطلوب من الزوجة والأم بلأضافة الي الخياطة والحياكة والرسم على الزجاج والعناية بحديقة بيتنا التي كانت بحق جنينة وموضع أعجاب كل من زارنا في ذلك الوقت. عشق أمي الى النبات والطبيعة دفعها لانشاء مشتل لآكثار وتربية نباتات الظل وكان هذا المكان روضتها التي تنعش نفسها وتحقق ذاتها أضافة الى زيادة مدخول الأسرة. أمي كانت أمرأة عصرية، أنيقة الملبس ذات طلة محبوبة. كل هذه الصور رسمت لي في مخيلتي الصورة التي أتمنى أن أكون عليها عندما أكبر وأصل الى مرحلة الشباب! ولكن ليس كل مايتمنى المرء يدركه وتأتي الرياح بما لاتشتهي السفن.
فالمدارس المختلطة قد أغلقت أبوابها ودروس الفنية والرياضة شطبت من جدول الدروس اليومي وحل محلهما دروس أضافية في المواد المنهجية القاسية على قلوبنا الغضة، الأزهار والأشجار والخضرة كلها أختفت من الحدائق الخاصة والعامة بسبب شحة المياه وتلوث الأجواء بالدخان الأسود وكل الملوثات الأخرى. الرغبة في الحياة والمتعة انتحرتا على أعتاب الموت اللآبد في الزوايا والذي نتوقع أن نلقاه في كل لحظة.
الذي دفعني لكتابة هذا المقال هي آخر المستجدات على الساحة العراقية والتي تزخر بالمستجدات في كل يوم، ولكن أي نوع من المستجدات!!!!
في وسط البصرة الفيحاء المدينة البحرية في جنوب العراق هجم مسلحون بمعاولهم وفوؤسهم وأعملوها ضربا في سيقان حوريات البحر الرقيقات الصامدات منذ سنين السبعينات من القرن الماضي يطوقن و يحرسن نافورة الماء الحجرية التي كانت متدفقة في ساحة في وسط مدينة البصرة ولم يكتفي هؤلاء الخفافيش بهذا الفعل الشنيع بل قاموا باكساء وتغطية صدور الحوريات بقماش أسود مثله صار يستعمل في المآتم للتعريف بموت أو استشاد شخص، فهل يريدون قتل الفن في نفوس العراقيين، أم يريدون من الحجر أن يحزن ويرتدي السواد مثل العراقيات؟
الشيء الآخر الذي أستفزني هو دعوة الجهات المسؤولة في العراق الى الزام ارتداء الحجاب من قبل طالبات الجامعات فهل هذا معقول؟ هذا الأمر دخيل على ثقافتنا أنه التعسف بعينه والاستهانه بفكر وشخصية الشابة والمرأة العراقية
أنادي عليك يأيها المكرم، قم من قبرك ياشاعرنا الرصافي الذي قلت قبل مائة عام بحق العراقية
اسفري فالحجابُ يا ابنة فهرٍ
هو داءٌ في الاجتماع وخيمُ
كل شيء إلى التجدد ماضٍ
فلماذا يقرُّ هذا القديمُ ؟
اسفري فالسفورُ للناس صبحٌ
زاهرٌ والحجاب ليلٌ بهيمُ
وقلت أيضا
مزقي يا ابنة العراق الحجابا
أسـفري فالحياة تبغي انقلابا
مزقيــه واحرقيــه بـلا ريــث
فقـــد كــان حارســا كذابــا
سأستجيب لندائك ياشاعرنا العظيم ولن أستكين سأمزق كل الحجب الظلامية التي تستر فكري وتمنع النور عن قلبي وعيوني
أنا العراقية
أنا سن ورمح
أنا ماء وقمح
أنا كتاب وقلم
أنا فكر وعطاء
وذراع وقدم