المرأة العراقية في الحوار المتمدن



علي جاسم
2008 / 5 / 11

الحديث عن حقوق واستحقاقات المرأة الاجتماعية والثقافية والسياسية لطالما يأخذ متغيرات ومسالك متعددة تختلف باختلاف المراحل التاريخية التي تمر بها ، كونها جزء لايتجزء من العوامل المسببة للظاهرة الاجتماعية وأحد الروافد المهمة الى تؤدي الى ماهياتها واسسها التكوينية فالظاهرة الاجتماعية وفق المفاهيم المنطقية تختلف جذرياً عن الظاهرة الطبيعية من حيث التكوين والتأثير لـذا فأن المرأة وضمن هذا الاطار الفلسفي للتكوين الاجتماعي من الطبيعي ان تخضع لكافة الظروف والعوامل التي تتسبب بنضوج وتطور الظاهرة الاجتماعية لانها اي الظاهرة وبأفرازاتها المختلفة الايجابية والسلبية لايمكن لها ان تتكون وفق منظومة متكاملة دون ان تشكل المرأة سلسلة الربط بين جزئياتها ، بل ان هناك الكثير من تلك الظواهر ماكان لها تتولد في اية مرحلة زمنية دون ان يكون للمرأة المساهمة الاكبر في تكوينها وتنظيمها بغض النظر عن الاثار التي تتركها تلك الظاهرة على المجتمع ، المهم ان للمرأة دور غير محدود في صيرورتها وانطلاقها نحو المجتمع.
وبالمقابل فأن المتغيرات الاجتماعية المتنوعة تلعب دوراً مهاماً في مختلف المراحلة في بلورة شخصية المرأة وتعمل على تثبيت حقوقها وعدم اعطاء أطار معين لتلك الحقوق في حدود ثابتة بل انها تخضع للظروف الزمنية التي تعيشها لتكشف عن الاضافات الابداعية الجديدة التي تستقيها من ذهنيتها الواسعة الامر الذي قد يضع الحلول لعديد من الاسرار الي تتعلق بجدلية قديمة مرتبطة بحدود حقوق المرأة ودورها في بناء المجتمع ، وهذه الاسرار تختلف في مكنوناتها الفكرية من مجتمع لاخر ، فهناك نسب متفاوتة بين الرؤية الاكثر واقعية التي تنطلق منها المجتمعات الغربية وبين المجتمعات الشرقية فيما يخص المساحة والحيز الذي يمكن ان تشغله المرأة في المجتمع والذي يتحدد بوجبها حجم الحرية المعطاة لها لتعمل وفق ماتتطلبه المرحلة ، فهناك فوارق واضحة بين ماتناله المرأة في المجتمعات الغربية من حقوق وحرية تمكنها من اخذ وضعها الطبيعي بالمجتمع وبشكل ديناميكي وبين مايطالها من كبت واقصاء في المجتمعات الشرقية لاسيما في الدول الاسلامية التي ترجمت مؤسساتها الدنية الشريعة الاسلامية وفق ماينسجم مع معتقداتهم وموروثاتهم التي لاتختلف كثيراً عن تلك العقلية التي عاشتها تلك المجتمعات في عصور ماقبل الاسلام .
فثمة تأمل دقيق للأيآت القرآنية والاحاديث النبوية " الموثوقة السند"التي تناولت المرأة وشرعت لحقوقها يتسطيع المرء ان يلاحظ مدى الاختلاف والفوارق بين التعاليم السماوية التي شرعها الله وبين تعاليم تلك المؤسسات الدينية وبعض الاسلاميين النتشددين الذين يفسرون القرآن بما يتناغم مع الرواسب الاجتماعية المختمرة في ذهنيتهم والتي تضع العادات والتقاليد منطلقاً لتفسيراتهم وتشريعاتهم مع النظر بالاستثناءات في مايخص هذا الجانب فهناك بعض رجال الدين ممن اعطوا للمرأة وفق رأيتهم الاسلامية المعتدلة مكانة كبيرة من الناحية الاجتماعية والانسانية والتي قد تتفوق بشكل كبير على المجتمعات الغربية فيمايتعلق بحقوق المرأة اذا ماطبق وفق الشكل التفسيري الصحيح لهذه الشخصيات الاسلامية .
والمشكلة لاتتعلق بالانظمة التي يلعب الدين دور مهم في تشريعاتها الدستورية بل انه يتعدى الى الانظمة العلمانية والتي تنطلق من مفاهيم متحررة وتفصل الدين عن السياسية ، فمعظم الدساتير العربية شرعت بضرورة اعطاء المرأة حقوقها وبمختلف الميادين الا ان الواقع التنفيذي لتلك التشريعات لايجد له مكان يذكر لان نظرتهم لحقوق المرأة تنحصر في جوانب ضيقة تتمحور حول تحرر المرأة واختلاطها مع الرجل في الجامعة والوظيفة وهذه المعطيات كلها شكلية تهدف الى تحسين شكل انظمتهم واعطائها الصيغة التحررية والديمقراطية بيد ان المفاهيم الجوهرية التي يتنبغي ان تدور في فلكها حقوق ووظائف المرأة تختلف عن تلك المعطيات الساذجة ، فالمرأة في المجتمعات العربية مازالت مربوط بقيود تعسفية شديدة فعلى الصعيد السياسي لن نلاحظ للمرأة برغم مماتشكله من نسب كبيرة في المجتمع اية ادوار رئيسية فلا توجد رئيسة جمهورية ولا رئيسة وزراء ولاحتى وزيرة خارجية عربية وتمثيلها الدبلماسي ضعيف جداً ، قد تكون بعض الدول العربية قد تنبهت لهذه المغالطات وسارعت باعطائها بعض المناصب المهمة في الدولة ولكن يبقى دورها السياسي والوظيفي مرهون بشكل تام بالقيادات والمرجعيات الحزبية التي اوصلتها لهذا المنصب .
اما في العراق فأن القاء نظرة مكثفة للمعاناة التي احاطت بالمرأة خلال العقود الماضية يمكن ان توضح بجلاء حجم القهر والاقصاء التي عاشتها في ظل السياسات الماضية، واليوم بعد ان سار العراق في مسارات سياسية وفكرية متنورة تعتمد الحرية والديمقارطية معيار اساسي لتنظيم العلاقات الانسانية هل حققت تلك المسارات بعض من اهداف المرأة ؟ وهل تعرف المرأة العراقية حقوقها وواجباتها؟ ان الاجابة عن هكذا تساؤلات لايكمن ان تكتمل في الاذهان مع وجود تناقضات اجتماعية وسياسية متعددة رافقة المرأة بعد تغيير النظام ووضعتها بين الشد الاجتماعي تارة وبين الجذب السياسي تارة اخرى ، فالدستور العراقي اعطى المرأة مساحة جيدة على الصعيد السياسي مماجعلها تشغل مناصب سياسية مهمة ففي البرلمان لها 25% من مقاعده ولها حضور في اللجان البرلمانية اضافة الى اشغالها بعض الحقائب الوزارية في الحكومة مما يدلل على وجود خطوات ايجابية نحو اعطائها دوراً فعالاً في التركيبة السياسية التي تكونت بعد سقوط النظام السابق ، ولكنها في الوقت النفسه لاسيما بعد 9/4/2003 دخلت في اتونات جديدة جعلت الوقوف على حدود حقوقها امراً مجهولاً في ظل عمليات الاقصاء والكبت المتعمدة على المستوى الاجتماعي والتي تقوم بها الجمعات المتشددة التي تتعامل معها وفق معطيات غير انسانية وغير اخلاقية فعمليات القتل المنظمة التي طالتها في عددٍ من المدن العراقية دليل على ماتواجهه المرأة من معاناتها.
وبالمقابل فانها اصبحت عاملاً مهماً من عوامل الوضع العراقي الجديد وتحولت الى قطب رئيسي من اقطاب المعادلة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والامنية لانها تحملت جزء كبير من سوء الوضع الاقتصادي فبدأت تنزل الشارع بحثاً عن لقمة العيش وعانت ماسي التهجير القسري الذي اثر على الديموغرافية السكانية وبامكان الذكر ان عمليات التهجير السكاني التي عصفت بالبلاد تلعب دوراً سلبياً في تكوين ظاهرة اجتماعية معينة .
وتماشياً مع هذا الاحداث ومن اجل تعريف المرأة بحقوقها وتوضيح الملابسات والمغالطات التي اصابتها بعد التغيير جاءت حملة مؤسسة الحوار المتمدن لتصب في هذا الاتجاه من خلال فتح باب النقاش امام جميع كتابه لاعطاء وجهات نظرهم حول هذا الموضوع ومن ثم تابع الحوار المتمدن ضمن برنامجه الحضاري لتشمل حملته اصدار كتباً عن واقع المرأة في العراق مابعد التغيير ليشخص عبر مقالات الكتاب المساهمين اهم الجوانب السلبية والايجابية التي تمكن في النهاية من رسم منهاج ثابت للمراة العراقية ويمايضمن حقوقها ، فاستمرار الحوار المتمدن في هذا الاتجاه يؤكد على الوعي الثقافي والمعرفي الذي تحمله هذه المؤسسة لشؤون وقضايا العراق التي صبت كتبه السابقة في مساراته العديدة ، "وقد زودنا الاستاذ مازن لطيف وزملائه في شارع المتنبي بنسخ من هذه المطبوعات"وان اختيار موضوع المرأة نقطة للبحث والنقاش نابعة عن ادراك المسؤولين في هذه المؤسسة اهمية المرأة ودورها في العراق الجديد.