هل يجوز للمرأة أن تتولى مناصب عامة في المجتمع الإسلامي؟



غازي الجبوري
2008 / 5 / 21

يحتل موضوع تولي المرأة للمناصب العامة في المجتمعات الإسلامية إهتماما ًبالغا في معظم وسائل النشر والإعلام العربية والأجنبية بسبب تأثير الثقافة الغربية التي تتسم بحريات شبه مطلقة على الثقافة الإسلامية التي تتسم بحريات شبه مقيدة وقد ساعدت على ذلك التطورات التقنية الهائلة في مجال الاتصالات بحيث جعلت من العالم وكأنه قرية صغيرة واحدة وبذلك تحققت العولمة في مجال الإعلام وانتقال المعلومة بسرعة فائقة وحرية شبه تامة دون عوائق أو حواجز كما يحدث عند الحدود الدولية لكل بلد مع الأشخاص والبضائع .
ونتيجة لذلك وجدت دعوات المساواة بين الجنسين صداها الواسع لدى شرائح واسعة من المتعلمين المتأثرين بالثقافة الغربية في المجتمعات العربية والإسلامية ولا سيما النساء لأنها تقوم على أساس تساوي القيمة الإنسانية المجردة وعدم وجود فوارق بينهما سوى مايتعلق بعملية التكاثر وبالتالي مساواة المرأة والرجل بالحقوق والحريات والواجبات وهذا لايعني أن الثقافة الغربية سيئة بشكل مطلق ولا تصلح للمجتمعات الأخرى إلا أن فيها مايتعارض بل ويتناقض مع الشرع الإلهي وبعض القيم الثقافية والأخلاقية لمجتمعاتنا .
فالواقع إن للإسلام رأي آخر نجده واضحا في القران الكريم من خلال نصوص الآيات التالية : "وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(228)البقرة...الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) النساء
...وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) آل عمران... إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) آل عمران...أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ(32) الزخرف ... وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32) النساء... تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (254) البقرة..."
يتضح من الآيات الكريمة مايلي :-
1- أن الرجال قوامون على النساء لسببين:
الأول – بما فضل الله بعضهم على بعض أي الرجال على النساء .
الثاني – بما أنفقوا من أموالهم أي الرجال ولم يقل من أموالهن وهذا لايعني انتهاء القوامة بإيقاف الإنفاق بسبب العجز أو لغير ذلك لبقاء السبب الأول.
2 – وللرجال عليهن درجة وهو مايجعلها تلي الرجل بالدرجة ولا تتقدم عليه ولا تساويه أيضا .
3 – أمر الله تعالى الرجال بالتعامل مع زوجاتهم اللواتي يخافون نشوزهن بان يعظوهن أولا ثم يهجروهن في المضاجع ثانيا عند عدم تغيير رأيهن بالوعظ ثم يضربوهن ثالثا عند عدم تراجعهن عن موقفهن ، ولم يجيز للنساء أن يفعلن ذلك بالرجال .
4 – إن الله تعالى اصطفى آدم ونوحا ًوآل إبراهيم وآل عمران على العالمين جميعا رجالا ونساء ، بينما قالت الملائكة لمريم إن الله اصطفاك على نساء العالمين فقط وليس على النساء والرجال .
5 – لم يكلف الله تعالى احد من النساء بتبليغ رسالته كما لم يكن منهن أنبياء .
6 – لم يذكر التاريخ عن تولي أية امرأة منصبا عاما أو ترأس أي منهن للرجال على عهد الأنبياء والرسل .
7 – لقد خلق الله عز وجل الرجل أقوى من المرأة إلا في حالات نادرة ولو جعلهما متساويان بالقوة لما استطاع الرجل بسط سلطته عليها في الدولة الأساسية الصغيرة"الأسرة" ولما استطاع أن يستأثر بالسلطات العامة في الدولة الأكبر وعند ذاك ستتعرض حياة الأسرة وعلاقاتها الداخلية للتوتر وعدم الاستقرار بحيث لايبقى زوجان معا إذ لابد لأحد في الدولة الصغيرة كانت أم الكبيرة أن يمتلك القوة الكافية لفرض القانون وبسط السلطة لتحقيق الأمن والاستقرار . ونعتقد أن التساوي في كل شيء أمر يتعارض مع الطبيعة والفطرة وحكمة الله عز وجل ولو تساوى الجميع لما رضي احد بغير المنصب الأول في العالم والمال الأكثر ولتقاتل المتكافئون بالقوة إلى مالا نهاية ولما وجدنا احد يؤدي الأعمال الأخرى التي نحتاجها في الحياة أو امرأة تقبل أن تكون زوجة تؤدي واجباتها الزوجية تجاه الرجل وهي التي تهيمن عليه في ذات الوقت.
8 – أباح الله تعالى للرجل أن يتزوج بأكثر من امرأة لحد أربعة ولم يبيح ذلك للمرأة.
نستنتج مما تقدم أن المرأة لايجوز لها أن تتولى أي منصب تكون فيه رئيسة للرجال ، فضلا على كون اختلاطها بالرجال من اجل العمل أو الدراسة أو الخروج لوحدها لأي سبب من الأسباب المشروعة سيضاعف من فرص إقامة العلاقات خارج إطار الزوجية المحرمة في الشرع الإلهي آلاف المرات سواء كانت مرؤوسة أم رئيسة شئنا أم أبينا .
ولكن يبقى التساؤل فيما إذا كان تفضيل الرجل على المرأة يتناقض مع العدالة الإلهية من عدمه وهو مالا يجوز لمن اسلم وجهه لله تعالى أن يناقش ذلك أو يجادل فيه تأدبا مع الله عز وجل وتعظيما وإجلالا له ولكن لاباس فلا حرج في التعلم والتعليم لأهمية الموضوع وحجم الإثارة والاهتمام الذي يحدثه على كل المستويات والأضرار التي تحصل باضطراد من جراء تفعيل المساواة في بعض الدول العربية والإسلامية للفرد والمجتمع وفي المقدمة المرأة الخاسر الأول والوحيد ، فقد ورد في الآيات الكريمة آنفة الذكر أن الله تعالى اصطفى ادم ونوحا وآل إبراهيم و آل عمران على العالمين وانه أصطفى مريم على نساء العالمين ورفع بعضنا فوق بعض درجات وفضل الرسل بعضهم على بعض ، فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد فعل ذلك بين أفراد الجنس الواحد والمستوى الإيماني الواحد وهو خالق ومالك كل شيء وبالتالي فهو حر في ملكه ، فما الغرابة في تفضيله جنس على جنس آخر ؟ وهذا ما أكده الله عز وجل في قوله تعالى "ولكن الله يفعل مايريد" ،
كما أمرنا أن لانتمنى مافضل به بعضنا على بعض . فالفر وقات بين الذكور لاتعد ولا تحصى في كل شي سواء بالطول أم الشكل أم درجة الجمال والعقل والذكاء والأموال والمواقع الاجتماعية والرسمية والصحة البدنية والنفسية وعدد أيام العمر وفي درجة المعاناة والسعادة والشقاء بل يندر أن نجد ذكرين يتساويان أو يتشابهان بصفة ما وينسحب ذلك على النساء أيضا ومع ذلك نعده أمر عادي فهل نأتي بعد كل ذلك ونقول لايجوز التفضيل أو التمييز بين المرأة والرجل؟ ... إننا نعتقد أن هكذا كلام ينم عن الاعتراض أو عدم الرضا وهذا ممكن مع رئيس دائرة أو رب عمل أو رئيس حكومة إلا انه من غير الممكن أن نتعامل به أو نتعاطاه مع الله جل وعلا وفي هذه الحالة أمام كل منا خياران لاثالث لهما ... فإما الإيمان بالله عز وجل وبشرائعه والالتزام بها أو اختيار عقيدة وضعية تساوي بين البشر مساواة تامة مع كل الأضرار المتوقعة .
نخلص من ذلك إلى إن المرأة في المجتمعات الإسلامية يحق لها من ناحية المبدأ التمتع بجميع الحقوق والحريات التي يحق للرجل التمتع بها بما في ذلك القيام بكافة الأعمال التي يقوم بها الرجل إذا كفلت عدم ترأسها الذكور وعدم قيام علاقات خارج إطار الزوجية.