هل الملائكة تلعن المرأة من أجل شهوة الرجل؟!!



عبدالحكيم الفيتوري
2008 / 5 / 21

هل الملائكة تلعن المرأة من أجل شهوة الرجل؟!!

جاء في صحيح البخاري قوله صلى الله عليه وسلم:(إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه،فأبت أن تجيء،لعنتها الملائكة حتى تصبح).وترتب على هذا النص مفاهيم عدة،مفادها طاعة المرأة المطلقة للرجل،وسيطرت العقلية الذكورية على فلسفة الدين والدنيا!!

ولا يخفى إشكالية فهم هذا الحديث تكمن في مخالفته لصريح نصوص القرآن ومقاصده الكلية التي قامت على أسس العدل والمساواة والتسوية في الخطاب والتكليف والمسؤولية بين المرأة والرجل ،ووفق هذا القانون الإلهي كان خطاب القرآن الكريم الرجل والمرأة كذات مستقلة دون تمييز بين الرجل باعتباره ذاتا والمرأة باعتبارها موضوعا،ولكن الدارس لمنظومة الفقه الكلاسيكية يلحظ أنها تتعاطى مع قضايا المرأة بكونها(موضوعاوليست ذاتا)فهي دائما مشدودة إلى مفردات المرأة وتصويرها موضوعا؛من حيض ونفاس،وزينة وفراش،وأخيرا نكاحها وطلاقها وخلعها!!

وأحسب أن مرد هذا الإشكال إلى عدم معرفة الحقل المعرفي للقرآن الكريم(القرآن والسنة التشريعية)حيث لم ينل الجهد المطلوب قراءة وفهمها ونظمها في منظومة متكاملة،تعتمد الكلي المقاصدي وترد إليه الجزئي،وتقضي بالمقدس على البشري،والكلي على الجزئي، وما شذ عن ذلك فهي قضية عين وحكاية حال لا عموم لها ولا إطلاق.والغريب أن هذا المشكل ليس طاريء بل هو متجذر في المنظومة الكلاسيكية إلى النخاع مما جعلها تتلقف انحرافات الملل والديانات الآخرى في تصور المرأة والتعامل مع قضاياها وإخراج ذلك في ثوب ديني مقدس !! فما رأي الحقل المعرفي(القرآن والسنة التشريعية) في ذلك؟!

أولا : القرآن...والمرأة:
اعتبر القرآن الكريم الرجل والمرأة ذاتا مستقلة في التكليف والأحكام والمسؤولية الدنيوية والأخروية ... في الإيمان والكفر،في البيع والشراء،في النكاح والطلاق ..وسائر أوجه العقود وصوره،حيث اناط القرآن صحة العقود بمناطين ؛الأول:القبول.والثاني:الرضى ،فإذا انتفى أحدهما أنتفى الأخر بالضرورة وبطل العقد،ففي عقد الإيمان قال تعالى(قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)،(ولا إكراه في الدين)..فالخالق سبحانه وتعالى لم يمارس أي نوع من أنواع الإكراه، لأن الإكراه يعني فساد الاختيار وانتفاء مناطي العقد الرضى والقبول.

كذلك عقد النكاح وهو عقد شراكة تامة بين رجل ومرأة فلا يصح إلا بمناطي العقد رضى وقبول ،ومراعاة لأهمية عقد النكاح ولكونه وعاء للمحافظة على أصل سلالة البشر فقد جعله القرآن في إطار المودة والرحمة(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزوجا لتسكنوا إليها،وجعل بينكم مودة ورحمة)، فالمودة والحب ..والعدل والرحمة ضمان لعدم ممارسة الإكراه والإستعباد والإغتصاب(فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)و(لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها)... وإنما الرضى والقبول ..والمودة والحب .. والعدل والمساواة(ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)...في الزينة والفراش كما قال ابن عباس:إني أحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي !!
إذن القرآن الكريم جعل الشراكة الزوجية بين المرأة والرجل تقوم على الرضى والقبول وفي إطار المودة والرحمة بميزان العدل والمساواة،فالمرأة مساوية للرجل في جميع الحقوق وأن الحقوق بينهما متبادلة،وأنهما أكفاء.لذا فهما متماثلان في الحقوق والأعمال،كما أنهما متماثلان في الذات والموضوع ،والإحساس والشعور، والعقل والنظر ،والزينة والفراش،أي أن كلا منهما بشر تام له عقل يتفكر في مصالحه،وقلب يجب ما يلائمه ويسر به ، ويكره ما لا يلائمه وينفر منه. فليس من العدل أن يتحكم أحد الصنفين بالآخر،ويتخذه خادما يستذله ويستخدمه في مصالحه.

ثانيا:فلسفة عقد الزواج :
لقد تمهد فيما سبق أن فلسفة عقد الزواج في إسلام(النص)عقد استمتاع بين المرأة والرجل وليس عقد استخدام،وأصل الاستمتاع يقوم على عنصرين؛إقتناع ورغبة ولا مجال ههنا للإكراه والإغتصاب البتة،ولكن وجدنا أن فلسفة هذا العقد تم تحريفها والاعتداء عليها عبر إسلام(التاريخ)فتحولت فلسفة العقد من عقد استمتاع بين طرفين إلى عقد استخدام من طرف واحد ،وهذا كما لا يخفى يعد انتهاكا صارخا لقيم العدل والمساواة والوفاء بالعقود كما أمر القرآن(يا أيها الذين آمنوا أفوا بالعقود)،(إن العهد كان مسؤولا)،ولعل في أبطل رسول الله عقدا حُرف عن مقصده وفلسفته أحسن قيلا،وذلك عندما جاءته جارية بكرا فذكرت له أن أباها زوجها وهي كارهة ففرق بينهما مباشرة !!
وفي المقابل نجد العقلية الكلاسكية تتبنى نسخة العقد المحرف وتحيطه بسياج من الأحاديث لصالح الرجل بموجبها يحق للرجل استخدام جسد المرأة بمفهوم المتعة والانجاب متى شاء وكيفما شاء،وليس في مقدور المرأة ممانعته إن لم ترغب ،لأنها مهددة بلعن الملائكة(لعنتها الملائكة حتى تصبح)،وأهل السماء عليها ساخطون(إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها)،بل حتى عبادتها لله مردوة عليها(ثلاثة لا تقبل لهم صلاة ولا يصعد لهم إلى السماء حسنة ...المرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى عليها)والجنة محرمة عليها(أيما امرأة ماتت وزجها راض عنها دخلت الجنة)وتكميلا لهذه الصورة الحزينة يقال لها،والذي نفسي بيده،لو كان الرجل من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد ،ثم استقبلته المرأة تلحسه ما أدت حقه !!

واللافت للنظر أن هذا الحجم المهول من اللعن وتدخل أهل السماء والأرض،والملائكة والناس أجمعين لا يتناسب وحجم تقصير المرأة ...علما بأن هذه الكمية الهائلة من اللعن لم ترد من أجل مخالفة الله في توحيده وإقامة أمره،وإنما من أجل حضرة الرجل المبجل وشهوته!!

ثالثا:هدي النبي...والمرأة :
النبي الكريم –فداه أبي وأمي- كان خلقه القرآن،وإنه لعلى خلق عظيم ،فهو معلم الناس الخير والرحمة المهداة للعالمين،فقد كان هديه مع المرأة قمة الإحترام والتقدير بإعتبارها ذاتا مستقلة وليست موضوعا ،ولعل خوفه من تدعيات سيطرة العقلية الذكورية على مقاليد الأمور هو الذي جعله يوصى بالنساء خيرا ،فقال:استوصوا بالنساء خيرا ... فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله ...خياركم خياركم لنسائهم ...إني أحرج عليكم حق الضعيفين :اليتيم والمرأة .
وعلاوة على ذلك ضمن هذه الوصايا القيمة تطبيقات عملية مع نسائه الذي تجلت فيها قيم القرآن ومقاصده في عقد النكاح باعتباره شراكة تامة بينه وبين نسائه،فقد كانت الواحدة منهن رضي الله عنهن تراجعه وتهجره اليوم والليلة)قالت امرأة عمر لعمر :عجبا لك يا ابن الخطاب ما تريد أن تراجع والله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه ، وإن أحداهن لتهجره اليوم والليلة).. ولم يكن صلى الله عليه وسلم بعد هذا الهجر يستعمل ضدهن تهديدات المنظومة الكلاسكية بتدخل أهل السماء ولعنة الملائكة والناس أجمعين،مع العلم بأنه لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة !! كل ذلك إيمانا منه بأن عقد النكاح عقد استمتاع بين طرفين وليس عقد استخدام،وأن الحياة الزوجية شراكة تامة بين الطرفين.

فإذا كان ذلك كذلك، يمكن لنا فهم نهى النبي عن مزاحمة القرآن والسنة التشريعية المبينة لما جاء في الكتاب بأي سلطة أخرى خوفا من تحول تلك السلطة إلى سلطة نصية مناظرة لسلطة القرآن والسنة التشريعية،كما قال عمر:ذكرت قوما كتبوا كتابا قأقبلوا عليه وتركوا كتاب الله !! ولعل عدم التمييز بين هذه السلطات وفرزها يعد من أبرز معالم أضطراب المنظومة الكلاسكية من حيث لم يعطى الحقل المعرفي(القرآن والسنة التشريعية)بنسقه الاستقرائي الكلي المقاصدي الوقت الكافي لقراءته وفهمه ونظمه في منظومة متكاملة تفيد الإطلاق والإحكام والعموم ،ولكن وللاسف تم اختزال قراءة الحقل المعرفي بطريقة تجزئية مفككة ،وبمزاحمته بسلسلة من الإسانيد دون مراعاة لمتونها ونقدها خاصة أن منها ما هو مخالف لصحيح المنقول وصريح المعقول !!