الفساد المؤدلج



محمد علي محيي الدين
2008 / 6 / 5

تمكنت الحركة النسوية الناشطة في العالم اجمع من فرض نفسها ،وتمكنت بفضل نضالها الدءوب انتزاع حقوقها وتحقيق إرادتها في مساواتها بالرجل في كافة الميادين،ولكن بسبب الغطرسة الامبريالية التي تتعامل مع شعوبها بشكل يغاير ما تتعامل به مع الشعوب الأخرى،أعادت عقارب الساعة إلى الوراء في مجتمعاتنا الشرقية،عندما طفت على السطح السلفية الأصولية المدعومة من الاستعمار الجديد،وسخرت وسائل إعلامها وعملائها لإطفاء بصيص النور الذي أوجدته القوى اليسارية،عندما كانت تزرع بواكير الفكر المتحضر في الشرق المتخلف،وعندما بدء هذا الغرس يؤتي ثماره،تحالف الغرب المتحضر مع بدو الصحراء وجهلة الأقطار لإعادة الروح للفكر ألظلامي الذي ألقى بظلاله الكئيبة على عالمنا الجديد وأعاده عشرات السنين إلى الوراء.
لقد كان حكام الغرب المتحضر وراء نمو القوى الظلامية،بما منحتها من منشطات مقوية،وما وفرت لها من ماكينة إعلامية متطورة،ودعم مالي كبير،للعودة بنا إلى الوراء،فنمت النظرة المتخلفة،ووقع العبء الأكبر على عاتق المرأة الشرقية،التي أصبحت هذه الأيام سلعة تباع وتشترى في أسواق النخاسة،كما كان عليه الحال زمن الرقيق،وأصبحت المزادات العلنية للجواري قائمة في كل مكان،فترى خليجنا القابع تحت الهيمنة الغربية يزخر بآلاف الفتيات المستوردات من المناشيء الأوربية والبلدان النامية الفقيرة ،عربية أو أجنبية،وبأسعار بخسة لا تساوي وجبة طعام في أحد المطاعم الأوربية الفاخرة،فيما يعج الأردن الشقيق وسوريا الحبيبة بعشرات الآلاف من الماجدات العراقيات يتصيدهن طلاب المتعة الرخيصة،لقاء وجبة طعام عادية،أو سرير تقضي فيه ليلتها،فيما تمتلئ شوارع العاصمة الميمونة بأسراب النساء الباحثات عن الكسب الشريف !!لبيع الشرف العربي في حواري عمان وأزقة سوريا،وشوارع الخليج.وشارع علاء الدين،وغيرها من مواخير اللذة في عواصم الأمة العربية المجيدة،في الوقت الذي نرى أصحاب العمائم البيضاء والجلابيب القصيرة،يتربعون الأرائك متكئين يشرعون التشريعات ويذيعون الفتاوى،ويعيشون على السحت الحرام الذي تجود به الحكومات المتخلفة وذات الأهداف والمرامي البعيدة في شل المجتمعات العربية،وفي الوقت الذي تطوف المجاميع الإرهابية الأزقة والشوارع بحثا عن النساء غير المحتشمات تطالعنا وسائل الأعلام باعترافاتهم المخزية ،وأعمالهم الإجرامية في اغتصاب النساء وقتلهن بذريعة التهتك وعدم الاحتشام،وممارسة هؤلاء لأخس الأعمال التي يندى لها الجبين تحت عنوان دولة العراق الإسلامية،مستندين لفتاوى علماء السوء بأن من لم يكن معهم فهو كافر يستحل لهم ماله وعرضه ونفسه،لذلك وجدوا في الدين الجديد طريق واسع لتحقيق اللذة وكسب المال والتنفيس عن نوازعهم الإجرامية،بإزهاق الأرواح ونهب وتدمير الممتلكات،وأدت هذه البدع الجديدة إلى استشراء الفساد بشكل واسع بعد أن أباح لهم المشرعين تفخيذ الرضيعة وتناول الكحول والمخدرات التي تزرع بأشراف علماء الدين الوهابيين في العراق.
لقد أتاحت التشريعات الجديدة التي اقرها علماء هذه الأيام ،للشباب جميع أشكال المتعة التي تستنكرها الأديان السماوية والنظريات الأرضية،لذلك تركوا العلمانية وقيودها الأخلاقية الهادفة وانتموا للدين الجديد الذي أباح لهم المحرمات وزين لهم الممنوعات،ووفر لهم ما يرضي نوازعهم الشريرة،لذلك لا نستغرب إذا رأينا أن مرتدي الزيتوني السابقين وفدائيي صدام المعروفين،نزعوا زيهم القديم وارتدوا الزى الجديد،فأصبح احدهم إمام جامع والآخر خطيب مسجد،وثالث عضو هيئة العلماء،وعادوا أمجادهم السابقة في ممارسة أعمالهم القذرة تحت ستار الدين،بعد أن كانت تجري تحت ستار البعث،وبعد أن كان العهر يجري بطريقة سرية أخذ الآن طابعه العلني،فتكاثر الزواج العرفي،والزواج المؤقت،وحصل طلاب اللذة على ما ينشدون بما يقع تحت أيديهم من سبايا الكفار الذين لا يؤمنون بالدين الجديد،بل أخذوا يتاجرون بالنساء وفق لوائح أسعار للبكر والثيب ،والفتاة والمتوسطة،وحتى الطفلة أجازوا التسري بها،وأعادوا إلى الأذهان أيام أجدادهم الأمويين والعباسيين عندما كانت قصورهم تمتلئ بالجواري والخصيان والحريم.
ولعل الغريب في الأمر أن الدولة تراقب ما يجري دون أن تدخل طرفا في تطبيق قوانينها التي أتاحت للمواطن التمتع بحريته الفردية بما لا يسيء للآخرين،وأصبح هؤلاء دولة في الدولة يأمرون وينهون ويفعلون ما يشاءون دون وازع من عقاب،وفي ظل وجود دولة القانون تنتشر في بعض المدن العراقية المحاكم الشرعية التي تستند بأحكامها لقوانين ما أنزل الله بها من سلطان،فقد أجاز هؤلاء سرقة المتاجر والمعامل والمصانع تحت ستار الغزو،وسمحوا لأنفسهم بفرض الإتاوات تحت ذريعة الجزية،وأباحوا لأنفسهم المحرمات بما ملكت أيمانهم،وأستحلوا المخدرات على قاعدة ما اسكر قليله فكثيرة حلال،وامتهنوا الربا تحت باب ما اختلف جنسه جاز به البيع والشراء،إلى غير ذلك من الحيل الشرعية التي تسربوا من خلالها لتحليل كل ما هو محرم وتحريم كل ما هو حلال،ولعل في القادم من الأيام سنجد الكثير من الأشباه والنظائر التي تتفتق عنها عقليتهم فيحللون ما يشاءون ويحرمون ما يريدون ،وكل ذلك وفق النصوص المقدسة المستندة لروايات أبي هريرة،وتخر صات كعب الأحبار،ومن لف لفهم من أئمة الضلالة والسوء،وتبقى شعوبنا الشرقية تتنفس تحت الماء،فيما يسير العالم إلى أمام من فتح إلى فتح،ونحن نعيش على أمجاد صورها لنا الخيال،وأوهام لا يصدقها غير الجهال.