من يمتلك جسد النساء؟



أمنية طلعت
2008 / 6 / 4

مقارنات كثيرة كانت تدور في عقلي منذ الطفولة، وأنا أرقب طريقة تعامل عائلتي مع جسدي في مقابل جسد ذكور العائلة الذين يماثلونني في العمر، حالة من الهلع والفزع انتابت أفراد أسرتي بمجرد وصولي لسن البلوغ وظهور بوادر النمو الأنثوي على جسدي، بدءاً من منعي من اللعب في الشارع مع أقراني وانتهاء بموجة تغيير طريقتي في الملبس وطريقة الجلوس بين الناس. وصل الأمر إلى تحديد شكل ملابسي الداخلية التي من المفترض أنها لا يراها أحد، لكنها تأثرت أيضا بالشكل السابغ الخانق أحياناً مع فصل الصيف.
لم تتغير طريقة معاملة الأهل مع ذكور العائلة وهم يخطون نحو البلوغ والنمو الذكري، بل ربما زادت مساحة الحرية الممنوحة لهم، حرية يقابلها تضييق خانق متزايد مع مرور السنين علي وبنات العائلة. ربما لم أطلب تفسيرا من أحد حينها، لأن التفسير كان جاهزاً أتنفسه مع الهواء المحيط بي، فأنا أتحول لأنثى بالغة وجسد الأنثى حرام، حرام حتى على أهل بيتها، لا يمكنها الجلوس براحتها، فالساقين يجب أن يلتصقا ببعضهما حتى أثناء النوم، الوقوف في الشرفة يجب أن لا يزيد عن دقائق نشر الغسيل أو سقي الزرع أو تنظيفها ذاتها، الخروج يجب أن يكون بحساب، فلا يمكن أن أخرج كل يوم لمقابلة صديقاتي والتنزه في شوارع البلدة، والعودة للمنزل يجب أن تكون مبكرة لا تتجاوز الثامنة مساءاً، كل شئ أصبح محسوبا بالدقيقة والثانية والسنتيمتر وحتى بالمليمتر.
لماذا كل هذه الأسوار الخانقة على جسدي؟ لماذا يخاف ويهتم أهلي بجسدي أكثر مني؟ هل جسدي ملكي أم ملك أبي وأمي وكل أفراد عائلتي؟
ومع مرور السنين اكتشفت أنني لست الوحيدة التي تدور في عقلها مثل تلك الأسئلة؟ وأنني لست وحدي من بين البنات التي تخاف النظر إلى جسدها حتى وهي تستحم. وأنني لست وحدي التي تخاف من فقد ذلك الشيء المبهم بين ساقيها واسمه غشاء البكارة، ذلك الشيء الذي تخاف أمي أن أفقده وأحسبها ما كانت لتخاف بنفس المقدار لو كنت فقدت عين من عيني أو فقدت عقلي وأصبح مآلي مستشفى المجانين.
من يمتلك أجسادنا نحن النساء؟ أنمتلكه نحن أم تمتلكه العائلة؟ أم هو ملك للدولة؟ أم للعالم أم للمجرة الكونية بأثرها؟ لماذا لا يتحدث رجال الدين سوى عن هذا الجسد ولماذا يعتبره الرجال عرض وشرف ؟ لماذا هو الجسد الوحيد المحاط بالأسيجة والأسوار؟ ولماذا يهمله الجميع بعد الزواج فيما عدا الزوج؟ الذي يعتبر نفسه الوصي الذي منحه الكون صك ذلك الجسد بورقة كتبها رجل يمثل الدين والسلطة في ذات الوقت.
إذا كنا ندعي أننا مسلمون ونتبع كلام الله في قرآنه وأن عاداتنا وتقاليدنا مستقاة من الإسلام، فإن الله لم يفرق في حدوده وتشريعاته بين جسد المرأة وجسد الرجل، كما أنه لم يعط وصاية لأحد على جسد الآخر، كما أننا نجد جسد المرأة مثله مثل الرجل يمر بمراحل عمريه طبيعية، طفولة وصبا وشباب ثم شيخوخة ...
"الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعفاً وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير" – الروم 54-
بل إننا من خلال القرآن ندرك أن المرأة تزيد درجة على الرجل في جسدها، فهي يد الله على الأرض ليتم خلقه ولذلك يوصي الله بالوالدين ويركز على الأم دوناً عن الأب، وذلك في قوله :
" حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين" –البقرة 222-
" ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرها ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً" – الأحقاف 15-
فهل لنا أن نذهب بخيالنا بعيداً قليلا ونعتقد أن فرض الرجل وصايته على جسد المرأة، جاء من حقده الدفين عليها، لأنها ترتفع بجسدها لمصاف الآلهة، ويعدها الله أداته الإلهية لخلق البشر؟

إن مجتمعاتنا الأبوية الغارقة في ظلام قوانين الذكورة، تدعي صون جسد المرأة حتى لا يتم انتهاكه من قبل الذكور الجائعة والشرهة للجنس، والتي تسعى كصياد دائم نحو الفريسة التي هي المرأة! لذلك وجب حماية ذلك الجسد وإقامة السلطان عليه، لكن الله سبحانه في كتابه أكد أنه لا سلطان ولا وصاية لأحد على أحد أمامه، وأن كل إنسان مسئول عن نفسه يوم الحساب والوقوف أمام الديان ويتبين لنا ذلك من آياته التالية:
" وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين" – التحريم 11 –
" ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانت تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل أدخلا النار مع الداخلين" – التحريم 10 –
ومن الآيات ندرك أن الله يضرب مثلا بالمرأة للعبرة والعظة سواء بالكفر أو بالإيمان، وأنه سيحاسبهن على أعمالهن هن وليس على أعمال أزواجهن، أي أن المرأة كائن عاقل كامل الأهلية يستطيع أن يتصرف في أموره، وترك الله له حرية اختيار الطريق سواء بالفسق أو بالإيمان ولكل جزاؤه يوم الحساب.
فإذا ما أتينا إلى الزنى، سنجد أن الله عندما نهى عنه، لم يفرق بين النساء والرجال وأنزل أمره بالنهي في شكل خطاب إلى الجميع:
" لا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً" – الإسراء 32 –
وعندما أقر عقاباً أو حداً للزنى، كان العقاب واحداً عادلا على كل من الرجل والمرأة، لم يفرق ولم يضاعف العقاب على جنس دون الآخر...
" الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين" – النور 2 -
" الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين" – النور 3-
ونلحظ في الآيتين السابقتين أن الله تعامل مع تفريط الإنسان في جسده بالزنى بشكل متوازي ومتساوي بين الجنسين الذكر والأنثى. كما أنه سبحانه وتعالى عندما أمر بحفظ الفروج ووعد من يحفظها بالجنة، كان كلامه موجهاً للجنسين أيضاً، فالفرج ليس امرأة وإنما امرأة ورجل وحفظه ليس واجباً على المرأة وحدها، ولم ينصب الله الرجل حارساً على فرج المرأة أو حافظاً له ....

" قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أذكى لهم إن الله خبير بما يصنعون" – النور 30-
" إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين لله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيما" – الأحزاب 35 –
ومما سبق من آيات قرآنية أنزلها البارئ لتكون قانوناً للأرض، نفهم أن المرأة مسئولة تمام المسئولية عن تصرفاتها، بما فيها تلك التصرفات الخاصة بجسدها، فلن يحاسب الله أباً لأن ابنته زنت، طالما قام بتربيتها وأتم دوره تجاهها، ولن يحاسب الله الأخ أو أي رجل من رجال عائلتها على ما اقترفته هي من ذنب، بل ستقف أمام الله وحدها بذنبها والله وحده هو الذي يمتلك الغفران أو العقاب.
إذاً من أين أتت كل تلك الأفكار التي تبلورت تحت عنوان شرف العائلة، وكلها يخص جسد المرأة، ولماذا لا يكون الرجل هو الشرف بالنسبة للعائلة؟ هل عدم امتلاك الرجل لغشاء بكارة تصريح ضمني له بأن يعبث بجسده كيفما شاء؟ وهل العكس بالنسبة للمرأة حيث تمتلك غشاء بكارة يجعلها مكبلة بقيود الشرف؟ وماذا عن 30% من النساء لا يولدون أصلا بغشاء بكارة؟ وماذا عن فقد غشاء البكارة بممارسة العادة السرية أو على إثر حادث لا علاقة له بممارسة الجنس نفسه؟ وماذا عن المرأة عندما تتزوج وتفقد غشائها ..هل هذا إذن لها بأن تتصرف دون قيود جنسية بعد ذلك؟
وما هو الشرف أصلاً؟؟؟؟
لقد بحثت في القرآن عن كلمة الشرف فلم أجدها في أي موضوع، أما في معجم المحيط فوجدت أن الشرف يعني العلو والمجد في العمل أو في النسب أو الحسب ...الخ . أين العلاقة الشرطية إذا بين الشرف وغشاء البكارة أو الشرف وجسد المرأة؟ ومن أين أتت تلك الوصاية الذكورية على أجساد النساء؟ وبأي حق ديني أو دنيوي يتحكمون في المرأة بدعوى الحفاظ على شرفها الذي هو شرف العائلة أو شرفهم؟ وهل انتهت كل قضايا الشرف في المجتمع ليتشبثوا بأجساد النساء كآخر قلاع الشرف بالنسبة لهم؟
لم أر رجلا عربيا اندفع محموما من أجل شرف مهنته ولا شرف وطنه وأرضه، الكل قد فرط في كل ما يمكن حسابه على الشرف بكل ما للكلمة من معنى، ولم يجد ما يثبت به ذكورته الفحولية سوى أجساد النساء، فرط في الحقيقة وتشبث بالوهم الذي ترسب مع ترسبات المجتمعات القديمة الذكورية، حيث أن نظرة واحدة على تاريخ الشعوب القديمة تجعلنا نكتشف من أين أتت لنا كل تلك الأوهام الخاصة بجسد المرأة، سواء لدى الإغريق أو الرومان أو الصينيين أو العرب أو الفرس أو حتى أوروبا في القرون الوسطى وحتى القرن التاسع عشر تقريباً.
لقد كانت المسيحية والإسلام في رأيي فاتحة خير لتحرير المرأة والعبيد وتحقيق المساواة الكاملة بين الناس، لكن مصالح البعض من الملاك والإقطاعيين أبوا أن يفقدوا ما لديهم من نفوذ وتحايلوا على الأمر، ملتفين على الأديان لتطويعها لمصلحتهم التي تقتضي استمرار العبودية وكذلك تكريس المرأة للإنجاب ورعاية شئونهم داخل المنازل كقوة عاملة مستغلة بدون أجر، وحتى لا تثور النساء تم تقويض حريتهن العقلية والجسدية، لكنهم في نفس الوقت قسموا المرأة إلى فريقين، فريق الزوجات الأمهات المحبوسات داخل المنازل لتربية الأبناء والقيام على خدمتهم في الداخل، وفريق العاهرات للقيام على إشباع حاجاتهم الجنسية في صورتها المطلقة.
أعتقد تماماً أن تشبث الرجال العرب من الطبقات الكادحة بمثل تلك القوانين ليس مجديا الآن، لأنها لن تخدم مصلحتهم الحقيقية في شئ، في حين أن التعامل مع المرأة باعتبارها كائن مساوي وموازي له سيساعده على الانطلاق نحو المستقبل بحرية وشرف حقيقين يقضي أيضاً على سلطة الحكام المتضامنة مع رأس المال ضدهم، ضد كل المجتمع نساؤه ورجاله، ويؤدي أيضاً إلى تطهير عقيدته من كل الشوائب المهينة التي لحقت بها على مدار عصور طويلة من الاستعمار والجهل والفقر والمرض.
فهل من ذكور عاقلة في عالمنا العربي تصغي وتتحرك نحو الشرف الحقيقي، ويتركوا النساء لتحدد كل منهن موقفها من جسدها كما تشاء، باعتبار أن هناك رب سيحاسب كل منا على حدة في النهاية؟