تفاعلا مع المعرض الفتوغرافي للفنانات السعوديات



لطيفة الحياة
2008 / 6 / 10

صادفت زيارتي يوم السبت 31 ماي لمؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية بالدار البيضاء افتتاح معرض للصور الفوتوغرافية والرسوم الكاريكاتورية من إبداع فنانات سعوديات. كان ذلك، بقاعة "فينيز كادر" على الساعة السابعة مساء. تظاهرة فنية بتعاون بين هذه المؤسسة و وزارة الثقافة والإعلام للمملكة العربية السعودية. وقد كان المعرض مناسبة للتواصل مع فريق من المبدعات الشابات، اللواتي عرضن صورهن الفوتوغرافية ورسومهن الكاريكاتورية المستوحاة من المجتمع السعودي. صور تحضر فيها الطفولة جنبا إلى جنب مع الذكر في تمازج مع الدين والثقافة والطبيعة والعمران لتبرز من خلالها بعض الخصوصيات المحلية المميزة للإنسان والبيئة في هذه البقعة الجغرافية. صور نقلت الزوار لعوالم مختلفة كل حسب زاوية نظره وفهمه للأمور. صور جاءت لتمد جسور التواصل بين المرأة السعودية ونساء المغرب.

وفي إطار هذا التواصل الفني والإنساني أرحب بهؤلاء الفنانات الشابات وأحييهن على إبداعهن و جهودهن في الإعداد لهذه التظاهرة والإشراف عليها. وأشجعهن على المزيد من الانفتاح في محطات مستقبلية وأصناف إبداعية متنوعة. وإذ، أحييهن فإنني أتوجه إليهن ببعض الملاحظات المتواضعة، التي ليست إلا جزءا من التفاعل والتواصل الذي حققته صورهن. ملاحظات لن تنقص من جهودهن بقدر ما تدفع بها خطوات للأمام نحو مزيد من الانخراط في قضايا وإشكالات المجتمع السعودي.

فعلى الرغم من أن الصور المعروضة من وحي لمسات أنثوية وان الإشراف على التظاهرة من إناث إلا أن الأنثى نفسها، مغيبة في عوالم الصور. لا ننكر وجود طفلات صغيرات بحجاب أو وجود جزء من أجزاء جسد لا يكاد يتصل ببقية الأجزاء ليعطي ملامح لجسد أنثى سعودية. نعم لقد حضرت الأنثى بتجاعيد كفها المخضب في صورة للفنانة المبدعة سناء احمد هرساني. حضر كف المرأة بينما غاب وجهها رغم أن فنانتنا الشابة سناء قالت أنه بالكف والوجه قد نستطيع تحديد صاحبهما هل هو رسام أم فلاح أم أستاذ... ؟ لكن أسئلتنا للفنانة سناء هي : لماذا لم تركز عدسة مصورتها على وجه أنثى سعودية بدلا عن كفها؟ ولماذا حضر الذكر السعودي بوجهه وكفه وجسده كاملا وغابت الأنثى؟

فبينما تغيب الأنثى في الصور الفوتوغرافية الحية تحضر بجسدها كاملا وبمساحيقها وفساتينها وتسريحاتها في الرسوم الكاريكاتورية للفنانة هناء هجر. تحضر لتعبر عن بعض قضايا الأنثى السعودية في علاقتها بالذكر زوجا وابنا، قضايا من مثل: السمنة والوزن المتزايد، الطريق إلى قلب الزوج، انضباط الزوج لبرامج وتعاليم زوجته، ملل الزوج من زوجته المتسلطة. رسوم كاريكاتورية مضحكة ومبهجة شكلت علاقة الأنثى بالذكر محورها. فهل معنى هذا، أن دائرة اهتمامات الأنثى السعودية لا تتجاوز الذكر زوجا وابنا؟

إن اصدق صورة في المعرض تعبيرا و بشكل موضوعي عن موقع الأنثى في المجتمع السعودي تلك اللوحة الموزعة إلى ست رسوم كاريكاتورية من أبداع الشابة نفسها، -هناء هجر-. لوحة تظهر مسار الأم في علاقتها بابنها الذكر منذ الولادة حتى التخرج من الجامعة. حيث ترضعه و تسهر على تربيته ومداواته حين مرضه، ومساعدته في دراسته وامتحاناته حتى تخرجه وتقلبه في مناصب عليا، ليقول عنها في أخر المطاف: (أنا في رأيي المرأة ما لها أي دور في المجتمع). فإذا كان هذا رأي الذكر السعودي فماهو رد فعل الفنانة المبدعة ؟ ألم تسأل نفسها، لماذا غيبها هذا الذكر من الوجود على الرغم من أنها كانت اشد التصاقا به باعتبارها أم ومربية ومنشئة؟

نبقى دائما مع فنانتنا الشابة هجر ومع رسوماتها الكاريكاتورية الممتعة والمعبرة، ونلفت انتباهها للرسم الكاريكاتوري الذي كتبت أعلاه عبارة( أقرب طريق إلى قلب الرجل .. معدته) ونقول: أن الذكورة تقابل الأنوثة ولا يمكن الاستغناء عن احدهما في سنة التكاثر الطبيعي، لكن لا يمكن أن تقابل الرجولة الأنوثة إذ، الرجولة مواقف ولا علاقة لها بالتحديدات الجنسية. فالمواقف الرجولية ملك للذكر وللأنثى. لهذا، فكلمة الرجل لا موقع لها في ذلك الرسم ويمكن تغييرها بكلمة الذكر فتصير العبارة ( أقرب طريق إلى قلب الذكر.. معدته).

هذا فيما يخص العبارة المرافقة للرسم أما إذا حاولنا ربط العبارة بمعالمه فهناك مفارقة إذ، المفترض مما تحمله العبارة من معاني أن يتشبث الذكر بالأنثى، التي تطبخ جيدا وتملأ معدته بأصناف الطبخات. لكن واقع الصورة يظهر العكس فبمجرد أن ملأت الزوجة معدة زوجها حتى طار مبتعدا عنها، بينما تحاول هي الإمساك به عن طريق التشبث بخيوط طويلة تتدلى من ملابسه على شكل بارشوت. فلماذا طار الزوج رغم أن زوجته طباخة ماهرة؟ هل يسافر السعودي خارج بلده بحثا عن الطعام وأصنافه؟ وهل علاقة السعودي بمطابخ العالم أنتجت ظواهر أثارت نقاشا في المجتمع السعودي ؟
لتسمح لي الفنانة هجر أن اختلف معها قليلا وأقول أن اقرب طريق لقلب الذكر ليس هو معدته، ولكنه شيء أخر لا يمكن تحديده إلا بالانفتاح على ظواهر المجتمع السعودي في علاقتها بالذكر، ظواهر كانت وراء نقاشات فقهية ساخنة محورها علاقة السعودي بإناث العالم. علاقة أنتجت بعض المسميات الجديدة أهمها زواج المسيار.

أيتها الفنانات السعوديات الشابات إن الإبداع رسالة ووجهة نظر، رسالة تكسر كل القيود من اجل التعبير.. فهنيئا لكن على لمساتكن الإبداعية الأنثوية، التي إذا انخرطت في قضايا مجتمعها المتعلقة ببنات جلدتها ستزداد جمالا بل، ستقدم إضافة نوعية وإجابات إنسانية لكثير من النقاشات الساخنة حول: قيادة السيارة ، الانخراط في العمل السياسي، الحجاب، النقاب، زواج المسيار.. فعلى أرضية مثل هذه القضايا يتحقق التواصل فيما بينكن و بين نساء العرب خاصة ونساء العالم عامة. تواصل من اجل الإسهام في تحرر المرأة باعتبارها إنسانا، تحررها من قيود السلطة السياسية وسلطة الكهنوت الديني المؤسس على انساق ثقافية. تحررها لتسير نحو أدوارها العديدة والمتنوعة لبناء مجتمع إنساني راقي.