نساء العراق لا يقلن عن الرجال في جرئتهن



خالد عيسى طه
2008 / 6 / 20

مرت المرأة العراقية في خضم الاحتلال بمحن وكوارث قد تكون اثقل وطأة واوسع عمقا مما ناله الرجال نتيجة الاحتلال.
والمرأة العراقية صعدت الى قمة الاحترام ولم تصعد فقط من انتمائها الى عائلة معروفة او لدماثة خلقتها او في كرم لها في سعة العيش فمنهم من صعدن للشهرة لجمالهن او لامتلاك ناصية الشعر او قيامها باعمال خيرية كما اشتهرت في العراق الشاعرة عاتكة الخزرجي والشاعرة نازك الملائكة وبالاعمال الخيرية سعاد العمري وبالاعلام فوزية الشندي وبالسياسة زكية خليفة ومنهن ايضا المرحومة عايدة عسيران، إمرأة عرفتها لخمسة عقود فاحتظنتني مع بقية اليساريين الذين هربوا من ظلم حزب البعث في شباط 63 وكنا من جماعة اتخذت اليسار عقيدة وحين اتى حزب البعث بقطار امريكي اصبحنا كالطيور يصطادها مسلحي الحرس القومي ومنهم بقيادة صدام حسين يوم كان شاباً يافعاً.
في بيروت كان لقاءنا وكنا نجتمع في دار عايدة عسيران زوجة فاروق الطائي وله دار مريح في محلة الوزاعي المطلة على البحر ، عايدة عسيران كانت تملك الفكر اليساري الصلب واستغلت هذا الفكر اليساري السياسي في خلق جو لكل معارضي الفاشية البعثية في بغداد وكانت ثروة زوجها الواسعة جدا رصيد لا ينضب يجعل دارها محطة لكل يساري يحتاج الى معونة مادية وكانت هذه المرأة تملك قلباً ومروءة لا تعجز في مواصلة العطاء ولا ترضى ان يخرج احدنا الا بعد ان يصيب من طعام الدار شيئا وتقدم له كل المساعدات الممكنة.
لم اسمع من ام جعفر كلمة لا (تدل على الرفض) بالنسبة لاي عراقي وكنا نسمع جمل بالمهلا.. اهلا وسهلا تفضلوا هذا بيتكم انا اختكم ادللوا ،ولقد فرقتنا الايام بعد الرجوع الى الوطن وانتهت فترة التشرد في حوالي سنتين وكان كل منا قد غرق في الحياة العامة وفي تحصيل الرزق وتربية اولاده. اجتمعنا في بغداد مرة اخرى بعد فترة اغتراب ويوم تركنا العراق يوم كان صدام جندي في حماية احمد حسن البكر وهكذا تقلبت بنا الايام نحن اليسار الديمقراطي كانت هناك مرحلتين من لقائي بالسيدة عايدة في الستينيات يوم كانت دماء الشباب في شراييننا اما في التسعينيات وصلت الى مرحلة الكهولة ولكن احترامي لهذه الانسانة تضاعف واستمر.
كم كنت اسعد بلقائاتي معها في مقر الديمقراطيين الاحرار في دار المرحوم محمد الظاهر وكانت هذه السيدة لا تعرف المهادنة في القضايا الوطنية وهي تقفز كالقط كل من يُلمح بسيرة غير نظيفة او غير وطنية ومرات عديدة تترك القاعة السيدة عايدة لانها اصطدمت بالرأي مع الدكتور عدنان الباجه جي حول مفهوم الحصار الذي فرض على العراق فهي ضد الحصار وغيرها يعتقد ان الحصار سيسقط نظام صدام.!!
انا بكل اعتزاز كنت رفيق دربها ودرب زوجها ونحن بعز الشباب وكنا نركب قارباً واحدا هو ان نضال المواطن العراقي يجب ان لا يقف ولا ينتهي حتى تتحقق طموحاتنا كانت السيدة عايدة كامرأة متميزة ولكنها تملك شجاعة يندر حتى بعض الرجال ان يملكها لم استطع ان اجد عذرا في عدم الرجوع فورا الى لندن عند سماعي ان عايدة البطلة الشجاعة قد تركتنا ورحلت ومع غزارة دموعي والم نفسي كنت اقول لنفسي عايدة لا يمكن ان تموت فذكراها مازالت باقية في ذاكرة كل العراقيين الذين عايشوها في تلك الفترة .. ان ذكراها عندي وعند غيري هرم مرتفع بدء بكل ماتحتمه اخوة الصداقة واحترام النضال اذ ان هذه المرأة وعلى مدى العمر كانت قمة هرم الجرأة خاصة يوم ظهرت في القناة الرابعة البريطانية وهي تحاور وزير الداخلية صولاغ واتهمته بانه يشرف راعي التعذيب ومسببه حتى انه مسؤول عن ارسال بعضهم الى سجن الجادرية ولن انسى جملتها يوم قالت له انت تكذب ياسيادة الوزير you are laying مستطردة صارخة انك لا تقل الحقيقية فان بعض النساء اغتصبن في احدى غرف وزارتك وعلى علم ودراية منك ايها الوزير ولعمري ان هذا موقف جرئ مابعده جرءة وهي تعلم ان الوزير يستطيع ان يضعها في نفس الغرفة التي اغتصبت بها النساء ولكنها كانت قد رتبت سفرها بعد المقابلة مباشرة واستمرت بشموخ الجرءة وعظمتها ولم تنحني ولم تتخاذل رغم كل الجو الارهابي الذي جرت به المقابلة هذا الموقف من ام جعفر شكل قاعدة وقفت عليه المعارضة الشريفة في طروحاتها والتي كشفت زيف وكذب التصريحات التي يدلي بها الوزير وكشفت ايضا مآسي الطائفية وكيف ان الوزارة والمليشيات التابعة لها وجيش المهدي تمارسها يوميا ضد فئة معينة من العراقيين .
عايدة مواطنة عراقية يفخر العراق بها وقد رسخ موقفها في ذهن كل من يحب العراق وان هذا الموقف لا يقل عن موقف المقاتل الشجاع الذي يسجل له موقف غيره لا يستطيع الاتيان به.
رحمة الله على المواطنة العراقية المغتربة عايدة توفيق عسيران..
ورحمة الله على كل شهدائنا وكل الذين ذهبوا ضحية الاحتلال ..
ان عراقنا بمثل هذه المواطنة ودورها في النضال سيكون فجره قريب ولا ريب في هذا الفجر وان غدا لناظره لقريب.