المرأة والحجاب في المجتمع الإسلامي المعاصر



فدى المصري
2008 / 6 / 23

نجد أن السلوك الاجتماعي للأفراد يتكون داخل المجتمع من خلال ما يتطبعون به من عادات وتقاليد وقيم موروثة عبر الزمن ، وذلك بفعل تراكمها ثقافيا ً من ناحية ، وتأثرها بالمتغيرات السائدة على صعيد المجتمع ومكوناتها وتفاعلاتها من ناحية أخرى . ولعل المبادئ الأساسية التي تكّون الضمير الأعلى للمجتمع ، عبر تشكيل الأنا وما تتفرع منه من سلوكيات موحدة ، فهو خاضع لما يسمى بالتنشئة القيمية التي توحد السلوك ، وتحقق التماسك ووحدة الأشخاص النفسية ، وإن نجد تفرع لهذه القيم من حيث نوعها ، فإن القيم الدينية تبقى التأثير الأقوى في تشكيل السلوكيات ، والرادع الفاعل في تكوين مبادئ الإنسان ، لما لها من تأثير على النفس البشري ، ولما يسمى بالروحانيات الذي يتأثر بها الإنسان تبعا ً لمعتقداته الدينية التي يؤمن بها الفرد . ولعل القيم الدينية الإسلامية تشكل من القيم التي أنّصفت الإنسان ، لما تحتوي من مبادئ أخلاقية قد امتدت جذورها من مبادئ التسامح ، العدالة ، التقوى ، الاحترام ، المساواة بين المرأة والرجل ، وخاصة تلك المبادئ التي أنصفت المرأة وحقوقها داخل المجتمع ، وعززت مكانتها من خلال الحفاظ عليها وعلى كيانها . وقد أفرزت الآيات القرآنية الحماية للمرأة بمختلف السور عبر حثها على الالتزام بالحجاب وإن نرى أن هذا الحجاب يتبدل من حيث الشكل تبعا للتبدل الإنسان وتحولاته الاجتماعية عبر الزمن وإن الحفاظ على الجوهر وخاصة بما يتلاءم مع الحشمة الأخلاقية والمظهر الخارجي في تغطية جسد المرأة إلا ما يظهر للعيان منها من الوجه والكفين كالتزام بما يرضى المجتمع عنه ويتقبله ، وذلك من خلال الكتاب السماوي الكريم والمواقف التي نظمت سلوكياتها ، وسلوكيات الرجل ، ولا سيما العلاقة فيما بينهما ، وطبيعة هذه العلاقة وما تتضمنه من مفهوم الحشمة الأخلاقية والسلوكية والفكرية لدى كل من المرأة والرجل على حد سواء من خلال المظهر الخارجي عبر اللباس والتحديد هنا تلك الحشمة المفروضة على المرأة والمتبلورة بلباس معين، وفق المبادئ الدينية التي تنتمي إليها والمتعارف عليه لدى المسلمين بالحجاب، وما تؤول من نتائج نفسية واجتماعية على كل من هذان الطرفان .
ولكن كيف نرى دور حجاب المرأة تجاه وضعها داخل المجتمع هل هو من منطلق عبادة وتعبد ديني أم من منطلق سلوك اجتماعي تمرست به المرأة و التزمت بمعطياته ومدلوله السلوكي عبر التوارث ألجيلي للحياة الاجتماعية الإسلامية التي تنتمي إليها . وكيف آل إليه الحجاب لدى المرأة انطلاقا ً من عوامل التطور الذي لحق بالحياة الاجتماعية المعاصرة والذي ساد من خلال مختلف المظاهر الحداثة ، وعلى كافة الأصعدة والنواحي تبعا ً لعامل التغير الاجتماعي الكامن وراء عملية التواصل العالمي والمحلي ثقافياً وفكريا ً لدى المجتمع الإسلامي المعاصر .
في البداية لا بد من التنويه بالمبادئ الدينية المتعلقة بالحجاب تبعا ً للرؤية الإسلامية ، وإن نرى أن جميع الأديان السماوية قد حث على فرض الحجاب عبر غطاء الرأس لدى المرأة عند الصلاة لدى الدين اليهودي والمسيحي ، إلا أن الدين الإسلامي قد ذهب إلى أبعد من ذلك وفق مفهوم الحجاب ، وذلك ما يتوافق مع الحشمة البدنية لدى المرأة المسلمة، فقد قرر الفقهاء أن جميع بدن المرأة عورة ، إلا الوجه والكفين ، فإنهما ليسا بعورة ، فيحل النظر إليهما عند أمن الفتنة ، كما نجد عبر الإمام أبي حنيفة أن القدمين ليستا بعورة عند المرأة . غير أن نص الآيات القرآنية تبقى هي الأقوى في تشكيل فرض الحجاب على المرأة المسلمة المؤمنة ، لما أمرها به الخالق ، وشكلت من العبادة المفروض عليها والالتزام بها ، طاعة ً لله وطاعة لرسول الله ، ولا يجبرها أحد في التقيد بهذه الطاعة ؛ سوى قناعتها الشخصية ودرجة إيمانها بالبارئ سبحانه وتعالى . إلا أن أغلب النساء المؤمنات المتحجبات قد التزمن وفقا ً للوازع الديني من ناحية ومن ناحية أخرى فضائل الحجاب الذي يكمن من خلال طاعة لله عز وجل وطاعة للرسول : أوجب الله طاعته وطاعة رسول فقال: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا [الأحزاب:36 ] . وقد أمر الله سبحانه النساء بالحجاب فقال تعالى: وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31]. وقال سبحانه: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33]، فإن الآية تتوجه بوضوح بنهي المرأة عن تسخير ثيابها في أغراض التبرج ، و هي فكرة لا علاقة لها بالحجاب من حيث تسخير الجلابيب التي فرضت علة المجتمع البدوي التقليدي الذي ساد العصور القديمة ، و لا تلزم المرأة بزي معين , إنما التزام بزّي الذي يسود عصرها طالما أن هذا الزّي يحقق مفهوم الحشمة لديها بتغطية كامل جسدها و تلزمها بأن تتحرر من عقدة الجارية ، و تكف عن اعتبار نفسها مجرد سلعة جنسية . وقال تعالى أيضا ً تأكيدا على عامل تفاعل المرأة مع الرجل من خلال تكليمه لها من وراء الحجاب وذلك أطهر لقلوب كل منهما ، وخاصة أنها تشكل عامل مساعد على تفادي الفتنة والفساد تبعا ً لخاصية الفيزيولوجية لكل منهما، وذلك عبر هذه الآية الكريمة: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59]. وقال الرسول : { المرأة عورة } يعني يجب سترها، وذلك لما يحدث من فتنة من وراء عدم تقيدها بالحجاب وآليته المفروض عليها دينيا ً ، وما له من تأثير سلوكي واجتماعي نتيجة إباحتها باللباس . ولعل ما يسود من سلوكيات انحرافي لدى الشباب يتمظهر عبر الانحلال الأخلاقي ولا سيما من إباحة جنسية وحالات اغتصاب وما شابه ، إنما يعود بالدرجة الأولى ليس إلى النفوس الضعيفة من قبل هؤلاء الشباب ، وليس إلى المعاناة من الكبت الجنسي فقط ، إنما بسبب لباس المرأة كما يشيرون إليه ، وما يستدعي هذا اللباس من إثارة الغرائز لدى الشباب .
من هنا يتم الإشارة إلى أن الحجاب عفة، فقد جعل الله تعالى التزام الحجاب عنوان العفة والصون والحماية لها من خلال ما يسود من نظرة الرجل تجاهها وما تؤول إلى هذه العلاقة القائمة بينهما وفق جديلة الجنسية التي تكمن من خلال احتكاك كلا الطرفان بعضهما البعض ، بغض النظر عن المواقف الموجبة تجاه هذا التواصل الذي يسود ضمن ميادين الحياة الاجتماعية المختلفة ، أو من أي سلوك يمكن أن يهين كرامتها لما يعود من تأثير عليها ، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب:59]، لتسترهن بأنهن عفائف مصونات فلا يتعرض لهن الفاسق بالأذى، وفي قوله سبحانه فَلَا يُؤْذَيْنَ إشارة إلى أن معرفة محاسن المرأة إيذاء لها ولذويها بالفتنة والشر. الحجاب طهارة قال سبحانه وتعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53]. فوصف الحجاب بأنه طهارة لقلوب المؤمنين والمؤمنات لأن العين إذا لم تر لم يشته القلب، ومن هنا كان القلب عند عدم الرؤية أطهر، وعدم الفتنة حينئذ أظهر لأن الحجاب يقطع أطماع مرضى القلوب: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب:32]. الحجاب ستر قال رسول الله : { إن الله حيي ستير، يحب الحياء والستر }
إلا أن المفارقة هنا ، نجدها عبر العمل على تفريغ قيمي لمحتوى الإسلام بشتى الطرق والوسائل ، ونرى أن حصة المرأة من الاستهداف كبير ، إذ نجد أن ثمة وسائل عديدة تستخدم في سبيل محاربة الحجاب ومفاهيمه تجاه المرأة المسلمة .إذ نرى من خلال ما يبث من ترويج إعلاني لتخليها عن هذا اللباس وترك الحجاب ضمن طيات التخلف لما يرمز إليه الحجاب كمدلول موروث حافظت عليه المرأة كونه ممتد من الشعائر الدينية المفروض عليها تجاه علاقتها بالبارئ ، من ناحية ومن ناحية أخرى نجد أن لباس الرجل أقل استهدافا ً من خلال الترويج الإعلامي والثقافي الغربي ، وذلك تبعا ً لتخليه عن النمط الذي ساد قديما في لباسه ومجاراته كافة أشكال الموضة الغربية والتي شكلت من تحول جذري للباس الرجل العربي ضمن مجتمعاته . والجدير بالذكر هنا ، ما آل إليه الحجاب لدى المرأة المسلمة في هذا الزمن، عبر تبنيها هذا الحجاب كغطاء للرأس فقط ، مع إبراز مفاتن الجسد من خلال مجاراتها للموضة الغربية المستحدثة التي تجسد بالجينز واللباس الملاصق للبدن وما يساهم في إبراز مفاتن المرأة ضمن مجتمعها ، ومتغاضية عن مضمون الشرعي والغاية الدينية من وراء هذا الفرض الرباني إليها . مع العلم أن تقيدها بهذا الحجاب ليس امتدادا لما يسمى بالمعطى الديني الإسلامي ، إنما وليدة التوارث والعادات والتقاليد فقط ، فأصبح حجابها يأخذ صفة السلوك المفروض عليها من قبل وسطها الاجتماعي المحلي التي لا تستطيع الخروج عنه وعن ما هو متعارف عليه من طقوس وأعراف ومبادئ سلوكية موروثة . فقد أصبح لا يخرج أطر الحجاب لديها عن طيات الشكل فقط فهو لا يتجاوز غطاء للشعر بالنسبة إلى العديد من النساء المسلمات بشكل عام .
إذا نظرنا بطبيعة هذا التحول نجد ، أنه تم وفق تغير مدلول الاجتماعي لمفهوم الحشمة السائد ضمن الوسط المحلي المحيط بالمرأة من ناحية ، ومن ناحية أخرى يتجسد هذا التحول وفق التأثير بعوامل التغير التي فرضت على مجتمعات العالم بالاحتكاك والتواصل وما آل إليه المجتمع الإسلامي من تبنيه للباس المعاصر وفق انتشار لثقافة الموضة العالمية ، والترويج للباس المعاصر ، تحت تأثير مفهوم الحداثة والتحديث الذي يروج له في ضمن هذه المرحلة التي انصهرت تحت عجلة العولمة الاقتصادية والثقافية ، للدلالة على الحوائج المادية اليومية من ملبس وأدوات ومواد مصنعة يستهلكه الإنسان في حياته اليومي ، وذلك من خلال تحول المفاهيم القيمية السائدة لكي تحقق النجاح المادي والإنتاجي لهذه السلع ، إلا أن ابرز أسباب هذا التحول يعود إلى ما يلي :
1-تأثير وهيمنة للثقافات العالمية عبر التواصل الثقافي بين المجتمعات وما نجد من تأثير للعولمة في صهر الشعوب ضمن معايير ثقافية متجانسة ، ضمن القرية الكونية ، وما آلات إليه من انتشار للشركات المتعددة الجنسية كنظام اقتصادي جديد حلّ عبر استخدام نطاق التكنولوجيا في أدائها ، نوعا ما طالما أن تأثيرها لا يطال الجذور الثقافية والهوية المتأصلة للمجتمع عبر التاريخ والتراكم الحضاري .
2-استخدام المرأة للترويج الإعلامي جسديا ً شكلا ً ومضمونا ً، عبر المواد الإعلانية وفق القيم الاستهلاكية التي تتيح بمردود مالي أكثر لدى أصحاب رؤوس الأموال والتجار، وخاصة أنها تشكل مواد تجارية عبر استخدام جسدها للترويج الجنسي وما يتلقى هكذا مواد إعلانية من استحسان اجتماعي وتقبل له .
3-التحول الاجتماعي ألقيمي للمفاهيم المتعلقة بدور المرأة ووظيفتها ضمن مجتمعها المحلي. وما آل إليه من تعزيز لمفاهيم التحرر التي تسعى إليه المرأة بمختلف الجوانب وإن هذا التحرر قد تم بمفهومه الخاطئ على حسابها وحساب مكانتها وكرامتها الأنثوي.
4- تطور في الموضة والحداثة وفق رؤية المصممين للأزياء العالمية والمحلية ، عبر شكل اللباس وأدوات التزين التي تشكل من المواد الرائجة تجاريا ً والتي تشكل مورد مالي هام لخزينة الدولة وللتجار الذين يستغلون تقبل المرأة لها وما تجده من رؤية جمالية تعززه في نفسها تبعا للتوصل إلى الرضا الذاتي لجمالها ، وهذا ما يشكل صلب اهتمامها وخاصة لدى المرأة العربية التي تجد من وراء الاهتمام لمظهرها تبعا ً لخلفية اجتماعية تقليدية سائدة .
بالنهاية نجد أن تركيبة المجتمع تحكمه السلوكيات عبر توزيع الأدوار بين أفراده ، ولا سيما بين المرأة والرجل ، فلكل مهامه ودوره ، يتكاملان في تحقيق بناء مجتمعهما ودفع وتيرته نحو التقدم والرقي ، فعندما يتم التزام بما أشار إليه الإسلام الذي أنصف كل من المرأة والرجل عبر المبادئ الدينية الممتدة جذورها من الكتاب السماوي ، وخاصة من حيث نمط العلاقة بينهما ، فهو شجع على دور المرأة وأدائها في خدمة مجتمعها ، ولكل عصر مدلوله الثقافي ونمطه الاجتماعي ، فلا نجد من خلال الحجاب المفروض عليها سوى وازع ديني للنفس البشري الذي أحكم خلقه البارئ سبحانه وتعالى ، كإشارة لكيفية العلاقة وبناء السلوك الأسلم للمجتمع ، عبر تنظيم هذا السلوك وفق مبادئ ثابتة من حيث شكل العلاقة وشكل المظهر الخارجي المناسب لتكوين علاقة سليمة بين كلا الطرفين .